لا تحزن - تعامَلْ معَ الأمرِ الواقعِ (2)

منذ 2014-05-13

عوِّدْ نفسك على التسليمِ بالقضاءِ والقدرِ، ماذا تفعلُ إذا لمْ تؤمنْ بالقضاءِ والقدرِ، هلْ تتخذُ في الأرضِ نفقاً أو سُلَّماً في السماءِ، لنْ ينفعك ذلك، ولنْ ينقذك من القضاءِ والقدرِ. إذنْ فما الحلّ؟، الحلُّ: رضينا وسلَّمنا: {أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ}.

وقعتْ قتنةٌ بين قبيلتينِ في الكوفةِ في المسجدِ الجامعِ، فسلُّوا سيوفهم، وامتشقوا رماحهم، وهاجتْ الدائرةُ، وكادتِ الجماجمُ تفارقُ الأجسادَ، وانسلَّ أحدُ الناسِ من المسجدِ ليبحث عن المُصْلحِ الكبيرِ والرجلِ الحليمِ، الأحنفِ بنِ قيسٍ، فوجدهُ في بيتِه يِحلبُ غنمه، عليه كساءٌ لا يساوي عشرة دراهم، نحيلُ الجسمِ، نحيفُ البنيةِ، أحنفُ الرجلين، فأخبروه الخبرَ فما اهتزتْ في جسمِهِ شعرةٌ ولا اضطرب؛ لأنه قدِ اعتاد الكوارث، وعاش الحوادث، وقال لهم: خيراً إنْ شاء اللهُ، ثم قُدِّم له إفطارُه وكأنْ لم يحدثْ شيءٌ، فإذا إفطارهٌ كِسْرةٌ من الخبزِ اليابسِ، وزيتٌ وملحٌ، وكأسٌ من الماءِ، فسمَّى وأكل، ثمَّ حمدَ اللهَ، وقال: بُرٌّ منْ بُرِّ العراق، وزيتٌ من الشامِ، مع ماءِ دجلة، وملح مرو، إنها لنعمٌ جليلةٌ. ثم لبس ثوبَهَ، وأخذ عصاهُ، ثم دلف على الجموعِ، فلمّا رآه الناسُ اشرأبَّتْ إليه أعناقُهم، وطفحتْ عليه عيونُهم، وأنصتوا لما يقولُ، فارتحل كلمة صُلْحٍ، ثمَّ طلب من الناسِ التفرُّق، فذهب كلُّ واحداً منهمْ لا يلوي على شيءٍ، وهدأت الثائرةُ، وماتتِ الفتنةُ.

قدْ يدركُ الشرف الفتى ورداؤُهُ *** خَلَقٌ وجيْبُ قميصِه مَرْقوعُ 
 

  • في القصةِ دروسٌ، منها: أنَّ العظمة ليستْ بالأبهةِ والمظهرِ، وأنَّ قلَّة الشيءِ ليستْ دليلاً على الشقاءِ، وكذلك السعادةُ ليستْ بكثرةِ الأشياءِ والترفُّهِ: {فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ . وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ}.

    وأنَّ المواهب والصفاتِ الساميةِ هي قيمةُ الإنسان، لا ثوْبُهُ ولا نعلُهُ ولا قَصْرُهُ ولا دارُهُ، إنها وزنهُ في علمهِ وكرمهِ وحلمهِ وعقلهِ:
    {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}. وعلاقةُ هذا بموضوعِنا أن السعادة ليستْ في الثراءِ الفاحشِ، ولا في القصْرِ المنيفِ، ولا في الذهبِ والفضَّةِ، ولكنَّ السعادةَ في القلبِ بإيمانهِ، برضاهُ، بأنسهِ، بإشراقهِ: {فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ}، {قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ}.

    عوِّدْ نفسك على التسليمِ بالقضاءِ والقدرِ، ماذا تفعلُ إذا لمْ تؤمنْ بالقضاءِ والقدرِ، هلْ تتخذُ في الأرضِ نفقاً أو سُلَّماً في السماءِ، لنْ ينفعك ذلك، ولنْ ينقذك من القضاءِ والقدرِ. إذنْ فما الحلّ؟
    الحلُّ: رضينا وسلَّمنا:
    {أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ}.

عائض بن عبد الله القرني

حاصل على شهادة الدكتوراة من جامعة الإمام الإسلامية

  • 0
  • 0
  • 1,357
المقال السابق
تعامَلْ معَ الأمرِ الواقعِ (1)
المقال التالي
تعامَلْ معَ الأمرِ الواقعِ (3)

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً