من تظن نفسك أيها المغرور؟!
الإنسان.. ما أعجب هذا المخلوق.. لقد كرَّمه الله عز وجل وجعله في أحسن تقويم وخلقه طِفلًا صغيرًا حيث الجهل والظلام، وخلق له سمعه وبصره وفؤاده، حتى يتعلَّم ويستفيد مما تعلَّمه بأن يرتقِ درجاتٍ بعلمه على سُلَّم المجد الحقيقي، سُلَّم رضا الله وجنته، وأسبغ عليه نعمَه ظاهرةً وباطنةً..
الإنسان.. ما أعجب هذا المخلوق.. لقد كرَّمه الله عز وجل وجعله في أحسن تقويم وخلقه طِفلًا صغيرًا حيث الجهل والظلام، وخلق له سمعه وبصره وفؤاده، حتى يتعلَّم ويستفيد مما تعلَّمه بأن يرتقِ درجاتٍ بعلمه على سُلَّم المجد الحقيقي، سُلَّم رضا الله وجنته، وأسبغ عليه نعمَه ظاهرةً وباطنةً، فهو يعيش ولا يحمل همَّ تسيير نظام داخلي كامل في أشد حالات التعقيد والإتقان، بل إنه في معظم الأحوال لا يدري شيئًا عن هذا النظام.
وسخَّر له الشمس لتضيء له نهاره وتمدّه بالحرارة، وتُنبِت له زرعه الذي يتقوت به، ومحا تأثير كمال ضوء نجوم الليل لتكون آية الليل مظلمة حتى يسكن الإنسان ويرتاح فيه، وإذا ما حمله أمر على عدم النوم، يجد النجوم مصاحبة له.. هادية له في مساراته على وجه البسيطة، ووجد القمر أنيسَه المنير الذي يُنير له أينما راحَ أو غدا.
مهلًا مهلًا.. ماذا أنا بفاعل؟! أتراني أحاول إحصاء نِعم الله على الإنسان؟! بالطبع لا..
قال تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [النحل:18].. كلا والله، فإن من الحماقة محاولة إحصائها، وإن كان من الكياسة محاولة التفكُّر في أنواعها وكثرتها والوصول بعدها لاستحالة إحصائها، ولكن حديث نفسي هذا لا يعدو أن يكون تمهيدًا لتخيُّل مقدار إثم الإنسان الذي أعماه الغرور عن إبصار الحقيقة..
لقد ظن نفسه شيئًا فتجده يتعالى على عباد الله وكأنه سيخرق الأرض وسيبلغ الجبال طولًا! يا لشفقة العقلاء على بني آدم من غير العقلاء.. فلينظر لنفسه ذلك المغرور عندما يقع فريسة لجندي من أصغر جنود الله في الأرض مثل الفيروس!
إن فيروسًا لا يكاد يُرى بالميكرسكوب، شأنه أن يُقعِده عن الحركة منبطحًا مُنْكَبًا مَنْكُوبًا مُتَحَسِرًا خائبًا، يود أن لو كان ترابًا منثورًا، فقد يجعله هذا الجندي الصغير عاجزًا حتى عن قضاء حاجته، يا له من ضعفٍ وهوان.. يا لها من ضعةٍ عَلَّهُ ينزجر بهذا ذلك المغرور!
إن إنسان يعجز عن قضاء حاجته بسبب فيروس بسيط جدًا في تركيبه النسبي، حقٌ عليه أن يعرف قدر نفسه في هذه الدنيا وألا يظن نفسه بالِغًا بغروره شيئًا مذكورًا عند من له شأن حقيقي وهو الله تعالى، وحقٌ عليه أن يكفَ عن التطاول عن بني جلدته من البشر فهو مثلهم إن لم يكن أقل منهم بعدم إدراكه حجم نفسه الحقيقي.
والله إن العاقل ليرى هذا النوع من الناس، وهو الذي يغفل عن حقيقة ذاته الوَهِنة، مثيرًا لمزيج من الشفقة والاشمئزاز وذلك لتكبُّره وهو أسفل سافلين. فبماذا يتكبَّر؟! بجسدٍ ليس له حول ولا قوة إلا بحول الله وقوته؟! أم بذكاءٍ ليس له ضامن أن يصحو من نومه فيجده لم يستحل غباءًا سرمديًا إلا بحول الله وقوته؟!
فلا مُتكبِرَ بحقٍ إلا الله عز وجل، أما أن يجلس أناسٌ على باب التكبُّر يدعُونه لأنفسهم، فهم قد أشقُّوا أنفسهم تارةً بإلقائها بعيدًا عن الجنة.. فإنه « »![1] وتارةً أخرى عندما أثاروا شفقة واشمئزاز غيرهم من عقلاء الخلق الذين يعرفون أن التكبُّر لله وحده لا شريك له.
وبارتداء ذلك المغرور رداء الكِبر فقد صار خصيمًا لله.. ولكن هيهات هيهات! إنها لخصومة لا تنعكس إلا على نفسه بكل وبال! ولكن هذه هي صفة الكثير من البشر إلا من رحم ربي وهداه، فقد قال تعالى: {خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ} [النحل:4].
اللهم اجعلنا من المتواضعين لعظمتك، المُتذلِّلين لك بمعرفتنا قدرنا أمامك. اللهم اجعلنا من المتواضعين للناس، لا نحمِل مثقال ذرةٍ من كِبرٍ في نفوسنا تجاههم.. اللهم آمين.
والله أعلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
[1]- (رواه مسلم، وأحمد.. وغيرهما من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه).
- التصنيف: