ذكريات في المشفى - (19) انتظارٌ قاتل!
تقول صاحبتنا:
وصل الركب إلى المصعد، وهبط بنا إلى المكان المحدَّد..
فأخذتُ أتأمَّل في المكان، وقد حضرني ما حدث فيه من بضعة أيام..
ففي ذات صباح للجراحة أعدوني، وفي ذات المكان أنزلوني..
ووجدتُ عدة أَسرِّة مصفوفة في ذات المكان، كل ينتظر بقلقٍ وترقُّبٍ تام..
وكان الأطباء للجراحات يجرون، ولمن حان دوره ينادون..
وبقيتُ أنتظر هناك، لساعات وساعات، يعلم ربي كيف كانت تمرُّ عليَّ الثواني واللحظات.. ما بين ترقُّبٍ والتفات..
أُحدِّث نفسي: لعلكِ التالية، صبرًا فالصبر عاقبته غالية..
وأخذتُ أسأل الله أن يرزقني جميلَ حِلم.. من لدنه وطيب أناة..
حتى إذا جنَّ الظلام، وما زِلتُ في نفس المكان، جاءنا هذا الإعلان: على كل من ينتظر في هذا المكان، المغادرة إلى غرفهم الآن..
فلما سمعتُ من الطبيب ما قال؛ وقد كنتُ فقدتُ القدرة على التصبُّر أو الاحتمال: صرختُ أستنكر: أما هذا فلا.. "لا حول ولا قوة إلا بالله!".
فتعجب الطبيب من صرختي وشديد بكائي وكبير غضبتي!
ووجَّه إلى أبي السؤال وهو مستنكر: لِمَ بالصراخ هذه تجهر؟!
فبادرته من تحت الغطاء، وقد غلبني شديد البكاء: أهذا يُرضي الملك الجبار: من الصباح حتى المساء في قلقٍ شديدٍ وقاتل.. انتظار!
فقال بصوت كله جفاء بل عِداء خلا من المودة والصفاء: يا هذه! أتظنين أنتِ بالذات أن في جراحتكِ تلك الشفاء!
فأجبته بقسوةٍ وصوتٍ يُغلِّفه الألم والشقاء: أعلم أنها محض جراحة للاستكشاف.. ألا ترى أن ذلك أكثر مدعاة للشفة والاسترءاف.. عكس ما تبدي سيادتك من كبير استعلاء وغريب استخفاف؟!
وأتممتُ وقد زاد البكاء: أعلم أنها ليست دواء، بل قد يزيد ألمها ما بي من الداء..
وأسكتني شديد السعال، وما أعقبه من دمٍ سيَّال.. وأعادوني إلى غرفتي، لتواسيني رفيقتي...
يتبع...
- التصنيف: