تركة من حكم نصف الأرض

منذ 2014-08-17

الدنيا حقيرة مهينة، وقارون هو أكثر الناس مالًا وقد خسف الله به فصار عبرة للمعتبرين، وأفراخ قارون من الحكام السرّاق -وآخرهم ابن علي- والتجار الفجّار وأشباههم من عشاق المال لا يزالون في هم لازم وتعب دائم وحسرة لا تنقضي..

الدنيا حقيرة مهينة، وقارون هو أكثر الناس مالًا وقد خسف الله به فصار عبرة للمعتبرين، وأفراخ قارون من الحكام السرّاق –وآخرهم ابن علي- والتجار الفجّار وأشباههم من عشاق المال لا يزالون في هم لازم وتعب دائم وحسرة لا تنقضي..

قال تعالى: {فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ} [التوبة:55].

قال ابن القيّم: "لا تجد أتعب ممن الدنيا أكبر همّه، وهو حريص بجهده على تحصيلها والعذاب هنا هو الألم والمشقة والتعب.. ومن أبلغ العذاب في الدنيا: تشتيت الشمل وتفريق القلب، وكون الفقر نُصب عيني العبد لا يفارقه، ولولا سكرة عشاق الدنيا بحبها لاستغاثوا من هذا العذاب.." (إغاثة اللهفان 1/59).

وأما من كانت الآخرة همه فهو في عافية من تلك الأدواء كما في حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من كانت الآخرة همه جمع الله شمله، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة..» (أخرجه أحمد).

وقرر ابن تيمية أن المؤدي للأمانة مع مخالفته هواه يثبته الله فيحفظه في أهله وماله بعده، والمطيع لهواه يعاقبه الله بنقيض قصده فيذّل أهله أو يذهب ماله، ثم سرد هذه الحكاية العجيبة: "أن بعض خلفاء بني العباس سأل بعض العلماء أن يحدثه عما أدرك  فقال: أدركت عمر بن عبد العزيز، قيل له: يا أمير المؤمنين أفقرت أفوه بنيك من هذا المال، وتركتهم فقراء لا شيء لهم –وكان في مرض موته– فقال: أدخلوهم عليّ، فأدخلوهم وهم بضعة عشر ذكرًا ليس فيهم بالغ، فلما رآهم ذرفت عيناه، ثم قال لهم: يا بنيّ والله ما منعتكم حقًا هو لكم، ولم أكن بالذي آخذ أموال الناس فأدفعها إليكم، وإنما أنتم أحد رجلين إما صالح فالله يتولى الصالحين، وإما غير صالح فلا أخلف له ما يستعين به على معصية الله، قوموا عني، قال: فلقد رأيت بعض بنيه حمل على مائة فرس في سبيل الله -يعني أعطاها لمن يغزو عليها-.

قلت -ابن تيمية-: هذا وقد كان خليفة المسلمين من أقصى الشرق –بلاد الترك- إلى أقصى المغرب –بلاد الأندلس- ومن جزائر قبرص وثغور الشام إلى أقصى اليمن، وإنما أخذ كل واحد من أولاده من تركته شيئًا يسيرًا يقال أقل من عشرين درهمًا.

قال: وحضرت بعض الخلفاء وقد اقتسم تركته بنوه، فأخذ كل واحد منهم ستمائة ألف دينار، ولقد رأيت بعضهم يتكفف الناس.." -أي يسألهم بكفه-، وفي هذا الباب من الحكايات والوقائع المشاهدة في الزمان والمسموعة عما قبله ما فيه عبرة لكل ذي لب" (مجموع الفتاوى 28 / 247 -250).

  • 1
  • 0
  • 3,114

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً