تدبر - (366) سورة الشورى (2)

منذ 2014-09-04

الروح هي أصل وسِر تلك الحياة التي تنبض في العروق، والبريق الذي يلتمع في العيون، والحركة التي يختلج بها القلب، والحرارة والحيوية التي تسري في جسد الحي، ومتى ما نُزِعت خبا كل ذلك وصار جسدًا يابسًا باردًا لا حياة فيه.. ولا روح..

والقرآن هو الروح..
لقد وُصِفَ القرآن بأوصافٍ كثيرة ونعوت بليغة، فهو النور المبين، وهو البيان والتبيان، وهو الشفاء والرحمة للمؤمنين، وهو الهدى والفرقان بين الحق والباطل، وهو أحسن الحديث والموعظة والبلاغ.. وغيرها من الأسماء والأوصاف التي وصف الله بها كتابه العزيز وسمَّاه بها..

لكن تسميته بـ(الروح) لها قيمة مختلفة بلا شك، لها دلالة تحتاج إلى وقفات ووقفات..
{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا..} [الشورى:52]، الروح هي أصل وسِر تلك الحياة التي تنبض في العروق، والبريق الذي يلتمع في العيون، والحركة التي يختلج بها القلب، والحرارة والحيوية التي تسري في جسد الحي، ومتى ما نُزِعت خبا كل ذلك وصار جسدًا يابسًا باردًا لا حياة فيه.. ولا روح..

لقد اختار الله لوحيه المنزل أن يُطلق عليه نفس الاسم الذي يُطلق على سِرّ الحياة..
وكأن القلوب من دون القرآن ميتة، والنفوس من دون القرآن يابسة متجمدة، والفكر من دون القرآن بارد ساكن.. باختصار مؤمن من دون قرآن عبارة عن جسد خاوٍ من الروح -جسد ميت-.

وفارق كبير جدًا بين الحي والميت، تضاد رهيب وبون شاسع بينهما، الحال يتبدل والوصف ينقلب رأسًا على عقب بالانتقال من الأول إلى الثاني، فيخبو بريق الحياة في عينيه حتى يختفي تمامًا، وتتيبس الأطراف، وتسري في البدن تلك البرودة الصامتة، ويتحول في لحظات إلى جثة هامدة..

وبعد أن كان مفعمًا بالحركة والحيوية، تسري في بدنه حرارة الحياة، وله تأثير فيما حوله وفي من حوله،
صار جثمان يابس متحجر، تجمدت في أوصاله برودة الموت الساكنة، التي تتلفع بالصمت والجمود.

فارق كبير جدًا يعرفه كل من تعامل مع الموت وشهد منظر الجثة التي تقلب يمنة ويسرة فلا يتحرك فيها ساكن، وهي التي كانت منذ لحظات تملأ الدنيا صخبًا ونشاطًا!

كيف انتقل من هذه الحالة إلى تلك؟!
بشيء واحد نزع منه فصار إلى ما صار إليه، لقد نزع السر الذي جعله الله من أمره وفي علمه،
لقد نزعت الروح! فلما نزعت حدث كل هذا التحول في حال من نزعت منه.

الروح هي أصل وسر تلك الحياة التي تنبض في العروق، والبريق الذي يلتمع في العيون، والحركة التي يختلج بها القلب، والحرارة والحيوية التي تسري في جسد الحي، ومتى ما نزعت خبا كل ذلك.

الله جل وعلا سمى الوحي المنزل بتلك الروح التي هي سر الحياة
الله جل وعلا ذكر أن الوحي المنزل هو روح من أمره.. ما أعظم الاسم! وما أعجب الوصف!

كم من قلوب كانت متشحة بالسواد ونفوس كانت ميتة قد أحياها الله بهذا الكتاب؟
كم من بعيد عن الله مسرفٌ على نفسه مُتبعٌ لهواه هداه الله بتلك الروح من أمره؟

فهل تعاملت مع كتاب الله علي أنه روح تحتاج أنت إلى أن تبث في قلبك، وتسمو بها نفسك، وتسري حيويتها في أوصالك، فتمشي بها بين الناس لتكون ممن قال الله فيهم: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ..} [الأنعام:126]، وليس كمن قال فيه: {...كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا..} [الأنعام:126].

هل نظرت من قبل للقرآن هذه النظرة؟
هل تفاعلت معه من هذا المنطلق؟
هل فعلت؟ وهل أنت فاعل؟ 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام
  • 1
  • 0
  • 11,876
المقال السابق
تدبر - [359] سورة غافر (8)
المقال التالي
(367) سورة الشورى (3)

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً