لا تغترَّ بالكثرة
يرحمُ الله سلفنَا، ما أخلصَهم لله وأخشاهم له! فطِنُوا إلى الداء العُضال بالالتفات إلى الناس، فهجروه ومضوا! شعارهم: "إنِّي مُهاجرٌ إلى ربِّي"، فأبى الله إلَّا أن يجمع عليهم القلوب، ويضع لهم القَبول كلّ زمانٍ ومكان! وما هي إلَّا بركة الإخلاص، وعدم الالتفات إلى الناس..
أخي: لا تغترَّ بالكثرة على صفحتك، أو مجلسِك، أو خُطبتِك، ولا تغتمَّ بالقِلَّة فهي إلى النجاة أقرب!
ومَن أخلصَ وصبرَ ؛ جمع الله عليه القلوب، ولو بعد حين.
قال عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله: "كنتُ أجلس يوم الجمعة، فإذا كثر الناس فَرِحتُ، وإذا قلُّوا حَزنتُ، فسألتُ بشر بن منصور، فقال: هذا مجلسُ سُوء فلا تَعُد إليه، فما عُدتُ إليه".
وعن مالك رحمه الله: كنتُ آتي نافعًا وأنا غلامٌ حديث السِّن، فينزل ويُحدثني، وكان يجلس بعد الصبح في المسجد، لا يكاد يأتيه أحد".
وعن الأوزاعي رحمه الله: "مات عطاءُ بن أبي رباح يوم مات وهو أرضَى أهل الأرض عند الناس، وما كان يشهد مجلسَه إلا تسعة أو ثمانية" (سِيَـر أعلام النبلاء).
قلتُ: يرحمُ الله سلفنَا، ما أخلصَهم لله وأخشاهم له! فطِنُوا إلى الداء العُضال بالالتفات إلى الناس، فهجروه ومضوا! شعارهم: "إنِّي مُهاجرٌ إلى ربِّي"، فأبى الله إلَّا أن يجمع عليهم القلوب، ويضع لهم القَبول كلّ زمانٍ ومكان! وما هي إلَّا بركة الإخلاص، وعدم الالتفات إلى الناس..
وها هو ابن عثيمين رحمه الله، وقد كان آيةً في الإخلاص والصبر -نحسبه-
يُحدثني مشايخي -من طُلَّابه الأُوَل الذين شهِدوا بدايتَه-: "أنه بعد وفاة الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله سنة 1376هـ؛ عهد إلى الشيخ ابن عثيمين بإمامة المسجد الكبير (بـعنيزة) القصيم، والقيام عليه بالدعوة وإلقاء الدروس، ومنذ هذا التاريخ إلى ما بعد سنة 1400هـ -ربع قرن من الزمان-؛ كان الطلبة الذين يحضرون عند الشيخ رحمه الله تعالى، لا يتجاوزون عدد الأصابع! فقد يحضر عند الشيخ اثنان أو ثلاثة، وقد يحضر عنده عشرة أحيانًا..
ثم إلى سنة 1407هـ، وصل عدد الطلاب إلى قرابة خمسة وعشرين! كلُّ ذلك وهو صابرٌ محتسب، لا يتغيب أبدًا عن درسه ومجلسه، ثم كان بعد ذلك؛ أن فتح الله عليه، وأقبل الطلاب من كل فجٍّ عميق".
فالإخلاص.. الإخلاص.. به النجاة والخَلاص.
- التصنيف: