لم يصلي فانتقل للمستشفى!
دخل الغرفة وها هو صاحبه أمامه على السرير لا يستطيع الحراك، فالأجهزة تحيط به من كل مكان ومنظره تغيّر كثيراً، عندها تنهد أخي وسالت دموعه لأنه تذكّر موقفاً حصل مع صديقه قبل أيام، عندما سمعا الآذان فقال له أخي: "هيا لنتهيأ لأداء الصلاة". فرد عليه: "العمر طويل"!
بسم الله الرحمن الرحيم..
قبل يومين كان أحد زملاء أخي يقود سيارته فتعرّض لحادث مريع، إذ سقط في حفرة وكانت إصابته بالغة حيث انكسر فكه وأصيب ظهره، وتمزق جزء بسيط من رئته، وهو الآن على السرير الأبيض في أحد المستشفيات تحت الملاحظة الفائقة.
الأمر المحزن: أنه كان مع أخي في إحدى الدول المجاورة قبل أسبوع تقريباً، ولو كان يعلم أنه سوف يصاب بهذه الإصابة ويفقد الوعي لما سافر.. ذهب أخي لزيارته قبل العصر في المستشفى، وما إن وصل حتى أخذ يجرّ الخطى، يمشي ببطء شديد، يفكر أثناء سيره داخل الممرات كيف سيرى شكل صاحبه داخل غرفة الملاحظة الفائقة.
دخل الغرفة وها هو صاحبه أمامه على السرير لا يستطيع الحراك، فالأجهزة تحيط به من كل مكان ومنظره تغيّر كثيراً، عندها تنهد أخي وسالت دموعه لأنه تذكّر موقفاً حصل مع صديقه قبل أيام، عندما سمعا الآذان فقال له أخي: "هيا لنتهيأ لأداء الصلاة". فرد عليه: "العمر طويل"! عندما تذكر ذلك بكى أخي وضاقت به الدنيا الواسعة.. يا الله! كيف قالها؟! ليته علم أنه سوف يكون هنا قبل أن ينطقها وتتحرك بها شفتاه.
أحسّ أخي بثقل على كاهله وبانتفاضة في جسده وضيق في صدره، فخرج من الغرفة مسرعاً متجهاً نحو سيارته، ولم يستطع أن يقودها بل إن أفكاره وذكرياته فقط هي التي أصبحت تقوده، تذكر أني أهديته شريط قرآن ولم يجد عناء في البحث عنه لتميّز غلافه عن بقية الأشرطة التي عنده، وعندما سمعه هدأ روعه وسكن جزعه، أراد التحرك ولكن لا يعلم إلى أين يذهب، بلى لقد عرف الطريق الذي ينبغي له، ولكل إنسان أن يتجه إليه، إنه المسجد، حيث قال الرسول صلى الله عليه وسلم لبلال: « » (صحيح الجامع:7892).
المشكلة ليست هنا: المشكلة أن زملاءه بالاستراحة -أصدقاء العمر كما يقولون- سوف يقيمون حفلة يوم الأربعاء القادم في إحدى الاستراحات، وقرروا استضافة أحد الفنانين، رفض أخي رغم أنه ليس بملتزم، وقال: "كيف تقيمون هذه الحفلة وصاحبنا الذي كان لا يفارقنا على هذه الحالة؟!"، رد عليه أحدهم: "إذا ضاقت بنا الدنيا هل ستعود له عافيته ويخرج من المستشفى؟!".
طبعاً أخي تضايق وسكت، أو بالأصح لم يعرف كيف يرد -آه من أصحاب هذا الزمان-.
تذكرت في هذه اللحظة ضعف الإنسان، فأهل المُصاب في المستشفى ينظرون إليه ولا يستطيعون فعل أي شيء له، ومع ذلك تجد المعافى يتجبّر على غيره، الزوج على زوجته، والزوجة على الخادمة، والغني على الفقير، والرئيس على المرءوس، نسوا وتناسوا أنه في أي لحظة قد ينقلب الأمر عليهم فلا يستطيعون فعل أي شيء، بل ربما يصابون بمرض أو عاهة.
سوف أنتقل بكم سريعاً إلى ذاكرتي..
تذكرت لما توفّيّ أحد الملتزمين لا أعرفه شخصياً، ذهب أربعة من زملائه في نفس اليوم لمكة وأخذوا عمرة عنه، وخامس قام بتوزيع كتب شرعية يقول هذه عن فلان رحمه الله، ومغسلة الأموات امتلأت الكل يريد تغسيل صاحبهم المتوفّى، والمقبرة مليئة برجال وشباب يدعون له..
جاء من زملائه السابقين قبل الالتزام -ثلاثة أشخاص فقط- التزم قبل وفاته بشهرين رحمه الله، وباقي الحضور لا يعرفونه ولم يروه في السابق، وزملاؤه الملتزمون الجدد تصدقوا عليه ويزورون قبره كل فتره يدعون له، ويذكرونه بالخير.
عرفت الآن الفرق بين المستقيم وغير المستقيم.. الفرق بسيط جداً: المستقيم عرف أن أمامه يوماً سيلاقي فيه ربه، ولذلك أرسل الله له من يعينونه على هذا اليوم، أما غير المستقيم نَسيَ هذا اليوم ولن يجد من يعينه في هذا اليوم.
فوائد من القصة:
أولاً: نعمة الهداية والإيمان التي حباها الله تعالى لبعض عباده، وما يترتب على ذلك من نور في الوجه وحسن خلق، ونقاء وصفاء السريرة والبصيرة والتأمل.. وغير ذلك، ونسأل الله تعالى أن نكون وكل الأخوات المسلمات وإخواننا المسلمين منهم..
ثانياً: تذكر نعمة الصحة والعافية التي حبانا الله إياها، وهل أدينا شكر الله تعالى بطاعته أو عصيناه بالذنوب والخطايا.
ثالثاً: تذكر نعمة عظيمة ألا وهي نعمة الشباب التي نكتسيها مع الصحة والعافية..
هل استغلينا تلك الفترة بطاعة ربنا وبخدمة إسلامنا العظيم والدعوة إلى الله ونصرة نبينا صلى الله عليه وسلم، ومحاولة كسب وصيد أكبر عدد مكن من الحسنات ومن الأعمال الجاري ثوابها، ورفعنا الله في الدنيا والآخرة أم أصابنا الفتور والكسل، ولا أدركنا نعمة ما هو عليه نحن الآن؟ إنا لله وإنا إليه راجعون!
رابعاً: حفظ الله لعباده المتقين، تأملوا معي إلى ذلك المصاب -كما ذكر في القصة- بسبب حادث بسيط أقعد على السرير الأبيض وأصابه ما أصابه.
خامساً: الظلمة والقسوة والتغييب والشرود وغير ذلك، الذي يصيب العاصي والعياذ بالله من ذلك.
سادسا: التحذير من رفقاء السوء والفرق بينهم وبين الصالحين الذين وجوههم تعلوها النور، وقلوبهم تكسوها الجمال والحبور..
سابعاً: إن الله يمهل ولا يهمل.
- التصنيف: