ليس كل حُلم يتحقق.. وإنما الخيرُ فيما تحقق
دارُ الدنيا دارُ نقصٍ، لا دارُ كمال، فليسَ كُل ما يبغيه المرءُ يدركه، وليسَ كُل ما تهفو نفسه إليه يلقاه، وليسَ كل حلمٍ يتحقق.. وإنما الخيرُ فيما تحقق، سواء أحببناه أم كرهناه..
من منّا لا تحلُم أن يكونَ لها ولد، تضمّه إلى صدرها، وتلاعبه، وتعتني به.. ومن منّا لا يتحركُ فيها شعور الأمومةِ الرائع، الذي يجعلها تحنّ حنينًا عجيبًا للولد تهدهده وتحيطه بحبّ وحنان منقطعي النظير.. ومن منّا لا تحب أن ترزق أولادًا، ذكورًا كانوا أم إناثًا، تربّيهم وتعلمهم، ويكونوا بناءً لمستقبلٍ واعد، وحلمًا شغفت بتحقيقه، فتحقّق عند كبرهم، واشتداد عودهم...
هم زينةُ الحياةِ، وَورُودُ الدارِ، ومهجة القلب.. لا حرم الله تعالى نساء المسلمين نعمة الإنجاب، فهي أعظم نعمة بعد نعمة الزواج. لكن دارُ الدنيا دارُ نقصٍ، لا دارُ كمال، فليسَ كُل ما يبغيه المرءُ يدركه، وليسَ كُل ما تهفو نفسه إليه يلقاه، وليسَ كل حلمٍ يتحقق.. وإنما الخيرُ فيما تحقق، سواء أحببناه أم كرهناه.. نحن عبيدٌ له سبحانه وتعالى، إماؤه عَز وجل، والملك لَه وحده سبحانه، وإنما العُبودية تقتضي فيما تقتضيه، التسليمَ والإذعانَ، والتسابقَ في مضمارِ الرضا بالمكتوبِ، فإنما هي أرزاق قُسّمت، وأنصبة عُلّمت، وحظوظ مُلّكت، وليس للعبد والأمة إلا الحمد والشكر لخالقٍ عَدَلَ عِنْدَ القِسمة، وتفَضّلَ بالعطية، وقدّر الخير، وهو العظيم الذي لا يُسأل عما يفعل، ونحن مسؤولون.
حريّ بمن ارتضت الله ربًا، وبدينِه شِرعة وَمِنهاجًا، أن تبيعَ نفسها لله تعالى، وإن تعبّدت ربها بالدعاءِ له سبحانهٍ أن يمنحَها المنحة.. تسأل ربها مِن خيرها، وتسعى جاهدةً في الوصول إليها، متوكلةً على خالقِها الرّزاق، فإن بُلّغتها حمدت ربها وشكرته سبحانه، وجعلتها وِفق مرضاته تعالى، وإن مُنعتها صبرت، وعلمت أن لا خير فيها.. وقد تُؤَخّر عنها لذنبٍ ارتكبته، فتجتهد في مزيدِ استغفار، وتنشَط في الدعاء والإلحاح فيه.. وقد لا يكونُ وقتها حَان، فتتعلم أن لا تستعجل ما يناسبه التأخير، ولا تستأخر ما أصله التعجيل.
إن الحياةَ فيها من الصور ما ينادي بضرورة التمسُك بحبل الرضا، والتسليم بالقضاء، فكم من ذاتِ ولدٍ تمنت لو لم تَلد؛ من جَراء عقوق ولدها لها، وتهميشه لحقوقها، فجلست تبكي بكاءً مريرًا، على هذا العاصي العاق الذي غذّته من لحمها ودمها، ليكونَ لها المَنعة والقوة بعد المولى عز وجل، فكان أن صارَ عدوًا ينهشها، وينسلخ مما جُبل عليه الإنسان، من حبِ الوالد، وردِ الجميل، فآهٍ لبطنٍ حَوى صِنو هذا. وكم من أمّ رزقت بالولد، وأمّلت كبره، فوافته المنية فكان شعور المنع عندها أهون من شعور الفقد... وكم.. وكم.. إلخ.
ما منعَ سبحانه إلا لكي يعطي، وما منعه تعالى إلا لحكمة، فهَوني عليك أُخية، ولا تسكبي الدمعَ لمنعِ المحبوب، وإنما انشغلي بالصبرِ والتجلدِ، والوقوفِ عند بابِ الرزّاق، الذي يحب تذلّلك وانكسارك بين يديه، حتى إن رضيتِ بالمقسوم، رضي عنك سبحانه، وأبدلكِ لذة لا توافقها لذة، فلا علاقة لها بكمّ ما مُلّكت وإنما هي سعادة، وطُمأنينة يضعها الله تعالى في قلوبِ عبادِه الصالحين، الذين علموا أن رضا الله تعالى هو المبتغَى، عِنْدَ أي حال وفي جميع الأحوال؛ قال صلى الله عليه وسلم: «
» (السلسلة الصحيحة:146- بسندٍ حسن).
الكاتبة: امة من اماء الله (أخوات طريق الإسلام)
- التصنيف:
- المصدر: