محنة في طيها منحة!

منذ 2014-12-02

ويتأمل المتأمل بعين الرضا، فيرى من المنن ما يجعل النفس تسكن وتهدأ، وتستأنس بهذه العطايا التي تفضل بها عليها، ووهبت لها، والحمد لله رب العالمين.

"قريبًا ستتزوج ابنة عمك..."

"مبارك لأختكِ زواجها..."

"كنت أظن أنك متزوجة!!"

كلما جاهدت نفسها في أن تشعر بشعور طبيعي صدتها هذه الكلمات، ومثيلاتها. حتى تحاشت التواجد في مواقف تستدعي هذا المقال. أو حاولت رسم ابتسامة على محياها والتي ما تفتأ أن تذبل، ليخيم على وجهها مسحة حزن، لم تكن دائما عدم سرور بما تتلقى من خبر، ولكنه جرح كبر مع الزمن، وكان من توقيع لسان سليط ظن صاحبه أنه رب النعم، وأن النقص لا يناسبه... ثم توالت كلمات من هنا وهناك، بقصد أو بدونه، لتؤجج في القلب حرقة لا يعرفها حقًا إلا من ذاقها، أو عاشرها، فكانت نفسه مسكنًا لها...

تحلم الفتاة بأن تتزوج، وتبني بيتًا وأسرة، وتظل تنتظر فتى الأحلام، وزوج المستقبل، ويذهب فكرها إلى حيث الهناء والسعادة، وتجذبها أحلام وردية، وتدعو ربها أن يحقق لها ما أملته الساعة.. وتأتي أيام وتذهب أخرى، وترى غيرها من أترابها، قد رزقن زوجًا وبيتًا وولدًا، ولا زالت هي بالانتظار، تنتظر وتنتظر، حتى يمل الانتظار من انتظارها، ربما هي تستطيع أن تتعايش مع هذا الترقب، ومع أمل تحقيق مبتغاها، لكن ولأن الإنسان كتلة من المشاعر المتضاربة، تتأثر عند أحقر كلمة، وأدنى موقف.. ويذهب الحلم سدى، وتذهب معه الحياة وكأنه عيش لا يستقيم إلا به، وكأنه أساس بناء، يهدم ولا يرفع إلا بذاك...

والحياة تغدو آهات وآلامًا، يصعب أن يتنفس فيها هواء للأمل والتفاؤل.. وما ذاك إلا لأن الرضا غاب، وغابت معه لذة العيش وطمأنينته، حجب وحجب معه التسليم بالقضاء، ليس لأن النفس لا تستطيعه ولكنها لم تُربَ على التنفيس به، واتخاذه قرينًا وصاحبًا عند كل ملمة، وعند كل مدلهمة...

إن الله سبحانه وتعالى خلق الخلق، وقسم الأرزاق، وأعطى تعالى لهذا وذاك، عدلا منه ورحمة وفضلا، وحاشا للباري عز وجل أن ينسى أحدًا، أو يظلم، فما من أحدٍ إلا وقد تنعم عليه تعالى بالرزق، وجعل له سبحانه حظًا ونصيبًا، بما يليق به، والخير فيه، ومشيئته تعالى مقتضية لذلك.

ويتأمل المتأمل بعين الرضا، فيرى من المنن ما يجعل النفس تسكن وتهدأ، وتستأنس بهذه العطايا التي تفضل بها عليها، ووهبت لها، والحمد لله رب العالمين. يكون لغير المتزوجة متسع من الوقت، لا تستطيعه ذات الولد، فتستغرقه في القرآن العظيم، قراءةً وحفظًا وتدبرًا وتأملًا، وفي تعلم العلم الشرعي، وغير ذلك من القربات التي مهد الله تعالى لها سبلها.

وتُبتلى المتزوجة، في زوجها، وتؤمل غير المتزوجة في زوج أفضل وحياة أسعد، وهي في انتظارها له، تعوّد لسانها على الذكر والاستغفار. قال تعالى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا . يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا . وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا} [نوح:10- 12]، وتصبُر وتُصابر، قال تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر:10]، فيسعد القلب بهذا العطاء اللامحدود، وكيف لا يفعل وهو من عند من بيده خزائن السماوات والأرض، وتنشط النفس للدعاء، وكيف لا تنشط وربنا الرحمن لا يعجزه شيء، وهو سبحانه القادر على كل شيء.

لكل مرحلة جماليتها، ولكل وضع حكمة في كونه، وكل ما هو كائن لم يوجد عبثًا، عُرِف كنهه أم لم يُعرف، واللبيب من يتلقى كل ذلك بصدر رحب، وبرضا بالمكتوب، ويغتنم عيش الدنيا فيما ينفعه في عيش الآخرة، فلا عيش حقيقة إلا عيش الآخرة، {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق:3].

 

الكاتبة: امة من اماء الله (أخوات طريق الإسلام)

 

  • 0
  • 1
  • 14,052

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً