دلائل النبوة - (1) إعجاز القرآن، شهادات الجن والإنس، تفاعل الحيوان وشكواه

منذ 2015-01-21

فقال: «زَمِّلُوني، زَمِّلُوني»، حَتَّى ذهب عنه الرَّوعُ، فقال لخديجة وأخبرها الخبر: «لقد خشيتُ عَلَى نفسي»، فقالتْ خديجةُ: "كلا والله ما يخزيك اللهُ أبداً، إنك لتصلُ الرَّحِمَ، وتَحْمِلُ الكَلَّ، وتُكْسِبُ المعدومَ، وتُقْرِي الضَّيفَ، وتُعِيْنُ على نوائبِ الحقِّ". فانطلقت به خديجة حَتَّى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العُزَّى ابن عم خديجة، وكان امرأً تنصَّر في الجاهليةِ، وكان يكتب الكتاب بالعبراني، فكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخاً كبيراً قد عمي، فقالت له خديجة: يا ابن عم، اسمع من ابنِ أخيك. فقال له ورقة: "يا ابنَ أخي، ماذا ترى؟"، فأخبره رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- خيرَ مَا رَأَى، فَقَالَ له ورقةُ: "هذا النَّامُوسُ الذي أُنزِلَ على مُوسى، يا ليتني فيها جَذَعاً، ليتني أكونُ حَيَّاً إذْ يُخرِجُك قَوْمُكَ"، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: «أومخرجي هم؟»، قال: "نعم، لم يأتِ رَجُلٌ قَطُّ بمثلِ ما جِئْتَ بِهِ إلا عُودِيَ، وإنْ يدركْني يومُك، أنصرْك نصراً مُؤزَّراً"

إن الله عَزَّ وجَلَّ لمَّا أرسل مُحَمَّداً صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ إلى البشرية بشيراً ونذيراً، أيَّدُهُ بالمعجزاتِ الباهراتِ والحُجَجِ القَاهِرَاتِ، وفي مُقَدِّمةِ هذه المعجزاتِ القُرآنُ العَظِيمُ والذِّكرُ الحَكِيمُ، ونذكر هنا بعضَ هذه  المعجزاتِ، وإنَّ العلم بهذه المعجزات مما يُقوِّي إيمانَ المسلمِ، ويزيده محبةً لنبيِّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ- لما يَرَى من كرامتِهِ عندَ اللهِ وقدره، وقد ألَّف العُلَماءُ الأثباتُ في ذلكَ المؤلَّفاتِ[1] لعلمِهم بما في ذلك من الفوائدِ الجمَّةِ التي تعودُ على المؤمنينَ بمطالعتِهم في معجزاتِ نبيِّهم وآياتِهِ الباهراتِ، وفي هذا الموضوع سنذكرُ ما تيسَّر ذِكْرُهُ مِنْ  دلائلِ نُبوتِهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- قبلَ وبعدَ البعثةِ، مُستفيدين من هذه المؤلَّفاتِ وغيرِها، والله نسأل أنْ يُعينَ، وأن يُوفِّقَنا لكلِّ عملٍ صالحٍ؛ إنَّهُ على كُلِّ شيءٍ  قديرٌ.

1. من دلائل نبوة المصطفى صلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ إعجاز القرآن العظيم:

عن أبي هُرَيْرةَ رَضيَ اللهُ عَنْهُ قال: قال رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ: «ما من الأنبياء نبيٌّ إلا أُعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إليَّ؛ فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة»[2].

فالقرآن هو المعجزة العظمى، وليس المراد به نفي ما سواه من المعجزات النَّبَويَّة الثابتة بالكتاب والسنة، فبعض الماديين ومن لَفَّ لَفَّهم لا يُثبت للنبيِّ الكريم معجزةً إلا القرآن، وقد أَلَّفَ بعضُهم كتباً كبيرةً في السيرةِ النَّبَويَّة، ولم يذكرْ فيها شيئاً من معجزاتِ الرَّسُول الحسيةِ المادية,  إرضاءً منهم للمستشرقين والغربيين.

وقد تحدى الله فصحاء العرب، وأذكياءهم أن يأتوا بقرآن مثله فقال: {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء:88]. 

وقال تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لَّا يُؤْمِنُونَ . فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ[الطور:33-34]، وتحداهم أن يأتوا بعشر سور فقال: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ . فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أُنزِلِ بِعِلْمِ اللّهِ وَأَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ[هود:13-14]، وتحداهم أن يأتوا بسورة مثله فقال: {وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَى مِن دُونِ اللّهِ وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ . أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ[يونس:37-38].

قال تعالى: {وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ . فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّار الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ[البقرة:23-24].

فتحداهم وعجزوا عن المعارضة ولجؤوا إلى العناد، فقال قائلهم: {لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} [فصلت:26]، وكقولهم: {وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ} [فصلت:5].

وأما ما حكاه الله عن بعضهم بقوله: {وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ} [الأنفال:31]، وكذا قولهم: {أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [الفرقان:5]، فعناد، ومكابرة، وتلبيس على ضعفاء العقول من أتباعهم.

إرهاصات ومقدمات بعثته صلى الله عليه وسلم:

عن عائشة رَضيَ اللهُ عَنْهُا- قالت: "كان يوم بُعاث يوماً قدَّمه الله لرسوله صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ فقدم رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ وقد افترق (ملؤهم) وقتلت سرواتهم وجرحوا، قدَّمه الله لرسوله صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ في دخولهم الإسلام"[3].

ومن تلك الإرهاصات: شق صدره صلى الله عليه وسلم، فعن أنس بن مالك رَضيَ اللهُ عَنْهُ: "أن رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ أتاه جبريل عليه السلام وهو يلعب مع الغلمان، فأخذه فصرعه فشق عن قلبه، فاستخرج القلب فاستخرج منه علقة فقال: هذا حظ الشيطان منك، ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم، ثم أعاده إلى مكانه، وجاء الغلمان يسعون يعني ظئره فقالوا: إن مُحَمَّداً قد قتل فاستقبلوه وهو منتقع اللون"، قال أنس: "وقد كنت أرى أثر ذلك المخيط في صدره"[4].

ومن دلائل النُّبوُّة إخبار المتقدِّمين وغيرِهم بنبوته:

عن عائشة أم المؤمنين رَضيَ اللهُ عَنْهُا أنها قالت: "أول ما بُدئ به رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء، فكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه -وهو التعبد- الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها حَتَّى جاءه الحق وهو في غار حراء (فجاءه) الملك فقال: "اقرأ"، قال: «ما أنا بقارئ»، قال: «فأخذني فغطني حَتَّى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني»، فقال: "اقرأ"، قلت: «ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثالثة، ثم أرسلني»، فقال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ . خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ . اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ}، فرجع بها رسُول اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- يرجف فؤاده فدخل على خديجة بنت خويلد رَضيَ اللهُ عَنْهُا فقال: «زَمِّلُوني، زَمِّلُوني»، حَتَّى ذهب عنه الرَّوعُ، فقال لخديجة وأخبرها الخبر: «لقد خشيتُ عَلَى نفسي»، فقالتْ خديجةُ: "كلا والله ما يخزيك اللهُ أبداً، إنك لتصلُ الرَّحِمَ، وتَحْمِلُ الكَلَّ، وتُكْسِبُ المعدومَ، وتُقْرِي الضَّيفَ، وتُعِيْنُ على نوائبِ الحقِّ". فانطلقت به خديجة حَتَّى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العُزَّى ابن عم خديجة، وكان امرأً تنصَّر في الجاهليةِ، وكان يكتب الكتاب بالعبراني، فكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخاً كبيراً قد عمي، فقالت له خديجة: يا ابن عم، اسمع من ابنِ أخيك. فقال له ورقة: "يا ابنَ أخي، ماذا ترى؟"، فأخبره رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- خيرَ مَا رَأَى، فَقَالَ له ورقةُ: "هذا النَّامُوسُ الذي أُنزِلَ على مُوسى، يا ليتني فيها جَذَعاً، ليتني أكونُ حَيَّاً إذْ يُخرِجُك قَوْمُكَ"، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: «أومخرجي هم؟»، قال: "نعم، لم يأتِ رَجُلٌ قَطُّ بمثلِ ما جِئْتَ بِهِ إلا عُودِيَ، وإنْ يدركْني يومُك، أنصرْك نصراً مُؤزَّراً"، ثم لم ينشبْ ورقةُ أنْ تُوفِّيَ، وفَتَرَ الوحي"[5].

ومن دلائل النُّبوُّة ما جاء عن الكهان، والجن، وأهل الكتاب في شأنه صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ:

عن عبد الله بن عمررَضيَ اللهُ عَنْهُما قال: "ما سمعت عمر لشيء قط يقول: "إني لأظنه كذا، إلا كان كما يظن". بينما عمر جالس إذ مر به رجل جميل فقال عمر: "أخطأ ظني أو أن هذا على دينه في الجاهلية، أو لقد كان كاهنهم"، عليَّ الرجل، فدعي له. فقال له ذلك. فقال: "ما رأيت كاليوم استقبل به رجل مسلم". قال: "فإني عزمت عليك إلا ما أخبرتني". قال: "كنت كاهنهم في الجاهلية"، قال: "فما أعجب ما جاءتك به جنِّيَّتُك". قال: "بينا أنا يوماً في السوق جاءتني أعرف فيها الفزع". فقالت: "ألم تر الجن وإبلاسها من أنكاسها ولحوقها بالقلاص وأحلاسها؟"، قال عمر: "صدق"، بينما أنا نائم عند آلهتهم إذ جاء رجل بعجل فذبحه فصرخ به صارخ لم أسمع صارخاً قط أشد صوتاً منه يقول: "يا جليح، أمر نجيح، رجل فصيح، يقول لا إله إلا أنت. فوثب القوم"، قلت: "لا أبرح حَتَّى أعلم ما وراء هذا". ثم نادى يا جليح، أمر نجيح، رجل فصيح، يقول: "لا إله إلا أنت"، فقمت، فما نشبنا أن قيل: "هذا نبي"[6].

ومن دلائل النُّبوُّة ما جاء من خطاب الأشجار والأحجار له صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ:

عن معن بن عبد الرحمن قال: سمعت أبي قال: "سألت مسروقاً: من آذن النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ بالجن ليلة استمعوا القرآن؟ فقال: "حدثني أبوك"، يعني عبد الله أنه آذنت بهم شجرة[7].

عن جابر بن سَمُرةَ، قال: قالَ رسُول اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: «إني لأعرفُ حَجَرَاً بمكَّةَ كان يُسلِّمُ عليَّ قبل أنْ أُبعثَ، إنِّي لأعرِفُهُ الآنَ»[8]

ومِنْ دَلَائِلِ النُّبوُّة أدبُ الحيوانِ وتفاعله مَعَ رسول الله وشكواه إليه صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ:

عن جابر بن عبد الله رَضيَ اللهُ عَنْهُما قال: "كنت مع النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ في غزاة فأبطأني جملي وأعيا فأتى على النَّبيِّ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «جابرُ!»، فقلت: نعم. قال: «ما شأنك؟»، قلت: أبطأ علي جملي وأعيا فتخلفت، فنزل يحجنه بمحجنه. ثم قال: «اركب»، فركبته فلقد رأيته أكفه عن رسُول اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-. قال: «تزوجت؟»، قلت: نعم. قال: «بكر أم ثيباً؟»، قلت: بل ثيباً. قال: «أفلا جارية تلاعبها وتلاعبك؟»، قلت: إن لي أخوات فأحببت أن أتزوج امرأة تجمعهن، وتمشطهن، وتقوم عليهن. قال: «أما أنك قادم فإذا قدمت فالكَيس الكيس»، ثم قال: «أتبيع جملك؟»، قلت: نعم. فاشتراه مني بأوقية، ثم قدم رسُول اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- قبلي وقدمت بالغداة، فجئنا إلى المسجد فوجدته على باب المسجد. قال: «الآن قدمت؟»، قلت: نعم. قال: «فدع جملك فادخل فصل ركعتين»، فصليت، فأمر بلالاً أن يزن له أوقية، فوزن له بلال فأرجح في الميزان. فانطلقت حَتَّى وليت فقال: «ادعوا لي جابراً»، قلت: الآن يرد علي الجمل، ولم يكن شيء أبغض إلي منه. قال: «خذ جملك ولك ثمنه»[9].

وعن أبي سعيد الخدري -رَضيَ اللهُ عَنْهُ- قال: "بينما راع يرعى بالحرة إذ عرض ذئب لشاة من شياهه، فجاءه الراعي يسعى فانتزعها منه فقال للراعي: ألا تتقي الله تحول بيني وبين رزق ساقه إلي، قال الراعي: العجب لذئب يتكلم. والذئب مُقعٍ على ذنبِهِ يكلمني بكلام الإنس. فقال الذئب للراعي: ألا أحدثك بأعجب من هذا؟ هذا رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- بين الحرتين يحدث الناس بأنباء ما قد سبق، فساق الراعي شاءه إلى المدينة فزواها من زواياها، ثم دخل على رسُول اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- فقال له ما قاله الذئب، فخرج رسُول اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- فقال للراعي: أخبر الناس ما قاله الذئب، فقال رسُول اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ-: «صدق الراعي ألا إن من أشراط الساعة كلام السباع الإنس، والذي نفسي بيده لا تقوم الساعة حَتَّى تكلم السباع الإنس، ويكلم الرجل نعله وعذبة سوطه، ويخبره فخذه بحدث أهله بعده»[10].

وعن عبد الله بن جعفر قال: "أردفني رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ ذات يوم خلفه فأسرَّ إليَّ حديثاً لا أخبر به أحداً، وكانَ رسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ أحب ما استتر به في حاجته هدف أو حائش نخل، فدخل يوماً حائط من حيطان الأنصار، فإذا جمل قد أتاه يجرجر وذرفت عيناه. قال بهز وعفان: فلما رأى النَّبيَّ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- حَنَّ وذرفت عيناه، فمسح رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ- سراته وذِفْراهُ فسكن.فَقَالَ: «مَنْ صَاحِبُ الجملِ؟» فجاء فتى من الأنصارِ، فقال: هُو لي يا رسُولَ اللهِ. فقال: «أما تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله؟ إنه شكى لي أنك تجيعه وتُدئبه»[11] [12].

فهذا بعض ما ذكر من دلائل نبوة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، وهي قليل من كثير، فدلائل النبوة كتبت فيها الكتب وألفت فيها المؤلفات، وما ذكر هنا من باب الإشارة إلى بعضها، وكلها تدل دلالة صريحة على أنه رسول من عند الله. ومن تأمل تلك الدلائل وأمعن النظر فيها أيقن أن هذا النبي الأكرم -صلى الله عليه وسلم- قد أتى بالنور المبين والحجج القوية الدامغة التي لا يردها راد ولا يصدها صاد.
-----------

1. (مثل: (دلائل النُّبوُّة) للبيهقي، وهو أوسعها، و(دلائل النُّبوُّة) لأبي نُعيم الأصبهاني، و(الصحيح المسند من دلائل النُّبوُّة) للشيخ مقبل الوادعي، وغيرها، هذا بالإضافة إلى أن كتب السنة كالصحيحين والسنن والمسانيد وغيرها لا تخلو من باب أو فصل في ذلك، لما ذكرنا من الفوائد).

2. (البخاري- الفتح [8/619]، رقم الحديث [4981]- كتاب فضائل القرآن- باب كيف نزل الوحي أو ل ما نزل).

3. (البخاري- الفتح [2/510] رقم [949] كتاب العيدين- باب الحراب والدرق يوم العيد).

4. (صحيح مسلم [1/145] رقم الحديث [162] - كتاب الإيمان- باب الإسراء برسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ).

5. (صحيح مسلم [1/139] رقم [160-161]- كتاب الإيمان- باب بدء الوحي إلى رسُول اللهِ).

6. (صحيح البخاري [7/215] رقم [3866]- كتاب  المناقب - باب إسلام عمر بن الخطاب رَضيَ اللهُ عَنْهُ).

7. (صحيح البخاري [7/208] رقم [3859]- كتاب المناقب - باب ذكر الجن).

8. (صحيح مسلم [4/1782] رقم [2277] كتاب الفضائل- باب فضل نسب الرَّسُول وتسليم الحجر عليه قبل النُّبوُّة).

9. (صحيح البخاري [4/375] رقم [2097] - كتاب البيوع - باب شراء الدواب والحمر وإذا اشترى دابة أو جملاً).

10. (أخرجه أحمد، وابن سعد، والبزَّارُ، والحاكمُ [4/467]، والبيهقيُّ، وصححاه مِنْ طُرُقٍ عن أبي سعيدٍ- الخصائص [2/267 ]، وقال في - مجمع الزَّوائد [8/291]-: "روى أحمدُ، والبزَّارُ نحوه باختصارٍ، ورجالُ أحدِ إسنادي أحمد رجالُ الصَّحيحِ". وأخرجه ابنُ حِبَّان في صحيحِهِ - زوائد ابن حبان رقم [2109]، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم [122]).

11. (تُدئِبه بضم التاء، ودال مهملة ساكنة، بعدها همزة مكسورة وباء موحدة، أي: تُتعبه بكثرةِ العملِ. قاله المنذري في الترغيب والترهيب [3/146]).

12. (أخرجه أحمد [1/204]، وأبو داود في الجهاد [2549]، وصححه الحاكم [2/109]، ووافقه الذهبي، وصححه الضياء في المختارة [9/158]، وهو مخرج في السلسلة الصحيحة [20]). 

  • 6
  • 0
  • 9,875
 
المقال التالي
(2) إخباره صلى الله عليه وسلم بتطاول الفقراء في البنيان، خروج الخوارج، وذكر بعضاً من معجزاته عليه الصلاة والسلام

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً