غرباء الحسبة
وفي الجانب الآخر على منتقدي المحتسبين أن يجتهدوا في الموضوعية، وعدم المساس بالأشخاص أو النيل من شعيرة الحسبة، ومحاولة تهوين بعضهم من شأن الحسبة والاحتساب والتهويل لبعض الأخطاء اليسيرة وتضخيمها على حساب الإيجابيات الأخرى، وسيبقى المحتسبون غرباء في زمن الغربة.
((بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء))
كثيرة هي صور الغربة ومظاهرها وتجلياتها في الواقع المعاصر، وكثيرون هم الغرباء رغم ضعفهم، وقلتهم وتنوع أصنافهم، واختلاف صفاتهم حسب البيئة والمجتمع من حولهم؛ وتشتد الغربة وتعظم كربتها كلا حسب زمنه وقدره في الابتلاء، ومن غرباء هذا الزمن شبابٌ أخذوا على عواتقهم تبصير الناس بالدين وتعليمهم وتوجيههم للقيم والأخلاق وحسن السلوك.ورغم جهودهم الكثيرة والكبيرة وقع بعضهم في أخطاء بحجم غربتهم.
ومن قلق الغربة أصبحوا مرمى سهام نقاد موضوعيين ومغرضين وغيرهم صغاراً وكباراً رجالاً ونساءً، وكان من أسباب ذلك جهل بعض المحتسبين لأبسط مبادئ الاحتساب، وميل بعضهم لأراء بعض المتشددين، وبُعد بعضهم عن الاعتدال والتسامح؛مما حدا بالعقلاء منهم محاولة التصحيح والتسامح، وإلغاء العوائق بينهم وبين المجتمع، وإزالة الفجوة بأساليب ومناهج جديدة يشكرون عليها.
لاشك أن المحتسبين من خيرة المجتمع، ويجتهدون في الصالح العام، وهم غرباء بيننا قد تعرضوا أحيانا للخسف والتأنيب والتقريع بحقٍّ وبغير حق.
وبذلت محاولات قديمة وحديثة لإلغاء الحسبة التي هي من أهم أسباب التمكين في الأرض، والعاقبة في الدنيا والآخرة. إن على غرباء الحسبة أن يحتسبوا الأجر والثواب في كل ما يصيبهم من ابتلاءٍ وفتنةٍ وأذىً في سبيل الله، وأن ينخرطوا في المجتمع بكل هدوء واعتدال وتسامح، ويواصلوا جهود الإصلاح التي أولها التعلُّم قبل العمل والتعليم، والنظر في مناهجهم القديمة وملاحظتها بالتصويب والمراجعة بكل دقة وإصلاحها؛ لتناسب الواقع المعاصر ومتغيراته الزمنية والمكانية في حداثةٍ وتطويرٍ مستمر للوسائل والأساليب، والاستفادة من تجارب الآخرين في التطوير والتغيير، ودراسة وسائل التواصل مع الناس باختلاف مللهم وطوائفهم، ومراعاة ثقافاتهم وعاداتهم، والتعرف على كل ما يخدم رسالة الحسبة وأهدافها وثمارها المرجوة في زمن يحسب بسرعة الضوء، ولا يخفى فيه شيء، مع تقنية حديثة يجدر الاستفادة منها والتواصل مع المجتمع بوسائل التقنية المعاصرة.
وليعلموا أنهم مهما بلغوا من درجات كمالهم؛ فسيجدون سنة الابتلاء والغربة تحيط بهم كما أحاطت بالأنبياء والمصلحين والدعاة من قبلهم، وليعلموا أن سنن الله في النصر والعون والتمكين لهم ماضية إلى قيام الساعة، وليضعوا نصب أعينهم أهمية القدوة في عمل المحتسب خصوصا في زمن الغربة ( وما أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه).
وفي الجانب الآخر على منتقدي المحتسبين أن يجتهدوا في الموضوعية، وعدم المساس بالأشخاص أو النيل من شعيرة الحسبة، ومحاولة تهوين بعضهم من شأن الحسبة والاحتساب والتهويل لبعض الأخطاء اليسيرة وتضخيمها على حساب الإيجابيات الأخرى، وسيبقى المحتسبون غرباء في زمن الغربة.
( الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ ۗ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ).
زين العابدين بن غرم الله الغامدي
- التصنيف:
- المصدر: