احتساب في العمرة

منذ 2015-02-19

وبدأت أمثل مع زوجي الأستاذ حسن يوسف في أدوار أقرب لنفسي فحدثت لي نقلة طفيفة من أن يكون المضمون لشكلي فقط بل هناك جانب آخر، أثناء ذلك بدأت أواظب على أداء الصلوات، بحيث لو تركت فرضاً من الفروض استغفر الله كثيراً بعد أن أصلّيه قضاءً، وكان ذلك يحزنني كثيراً، كل ذلك ولم أكن ألتزم بالزيّ الإسلامي.

إن المتأمل في واقع المسلمين يشاهد أن المسلمين تمر بهم الفتن والمحن التي تعصف بهم، فتن وشبهات، وشهوات، وإن ممن يتعرض لهذه الفتن من المجتمع النساء فهن شقائق الرجال، ولضعف الدين في كثير من المسلمين، يقعون في شباك الشهوات، والمعاصي، وفيما يلي نذكر لكم قصة امرأة كانت تحب الفن والتمثيل، كانت تحب لبس أحدث الموضات من الأزياء، مفرطة في الواجبات ومن بينها الصلوات، وقضية الحجاب، ثم شاء الله سبحانه لها الهداية فتاب عليها ووفقها للتوبة سبحانه فتقول هي عن نفسها: "البداية كنت في نشأتي: والنشأة لها دور مهم، والدي بفضل الله رجل متدين، التدين البسيط العادي، وكذلك كانت والدتي رحمهما الله كنت أصلي ولكن ليس بانتظام، كانت بعض الفروض تفوتني، ولم أكن أشعر بفداحة ترك فرض من فروض الصلاة، وللأسف كانت مادة الدين في المدارس ليست أساسية، وبالطبع لم يكن يرسب فيها أحد، ولم يكن الدين علماً مثل باقي العلوم الأخرى الدنيوية، وعندما حصلت على الثانوية العامة كانت رغبتي إما في دخول كلية الحقوق، أو دراسة الفنون الجميلة، ولكن المجموع لم يؤهلني لأيهما فدخلت، معهد الفنون المسرحية، ولم أكمل الدراسة فيه حيث مارست مهنة التمثيل، وأشعر الآن كأنني دفعت إليها دفعاً، فلم تكن في يوم من الأيام حلم حياتي ولكن بريق الفن والفنانين والسينما والتليفزيون، كان يغري أي فتاة في مثلي سني -كان عمري آنذاك 16-17 سنة- خاصة مع قلة الثقافة الدينية الجيدة.

وأثناء عملي بالتمثيل كنت أشعر بشيء في داخلي يرفض العمل حتى أنني كنت أظل عامين أو ثلاثة دون عمل حتى يقول البعض: إنني اعتزلت.

والحمد لله كانت أسرتي ميسورة الحال من الناحية المادية فلم أكن أعمل لحاجة مادية، وكنت أنفق العائد من عملي على ملابسي ومكياجي وما إلى ذلك، استمر الوضع حتى شعرت أني لا أجد نفسي في هذا العمل، وشعرتُ أن جمالي هو الشيء الذي يُستغل في عملي بالتمثيل، وعندها بدأت أرفض الأدوار التي تُعرض عليَّ، والتي كانت تركز دائماً على جمالي الذي وهبني الله إياه وعند ذلك قلّ عملي جداً، كان عملي بالتمثيل أشبه بالغيبوبة، كنت أشعر أن هناك انفصاماً بين شخصيتي الحقيقية والوضع الذي أنا فيه، وكنت أجلس أفكر في أعمالي السينمائية التي يراها الجمهور، ولم أكن أشعر أنها تعبّر عني، وأنها أمر مصطنع، كنت أحسّ أنني أخرج من جلدي.

وبدأت أمثل مع زوجي الأستاذ حسن يوسف في أدوار أقرب لنفسي فحدثت لي نقلة طفيفة من أن يكون المضمون لشكلي فقط بل هناك جانب آخر، أثناء ذلك بدأت أواظب على أداء الصلوات، بحيث لو تركت فرضاً من الفروض استغفر الله كثيراً بعد أن أصلّيه قضاءً، وكان ذلك يحزنني كثيراً، كل ذلك ولم أكن ألتزم بالزيّ الإسلامي.

وقبل أن أتزوج كنتُ أشتري ملابس من أحدث بيوت الأزياء في مصر، وبعد أن تزوجت كان زوجي يصحبني للسفر خارج مصر لشراء الملابس الصيفية والشتوية!!، أتذكر هذا الآن بشيء من الحزن، لأن مثل هذه الأمور التافهة كانت تشغلني.

ثم بدأت أشتري ملابس أكثر حشمةً، وإن أعجبني ثوب بكمّ قصير كنت أشتري معه -جاكيت- لستر الجزء الظاهر من الجسم، كانت هذه رغبة داخلية عندي.

وبدأت أشعر برغبة في ارتداء الحجاب، ولكن بعض المحيطين بي كانوا يقولون لي: إنكِ الآن أفضل!..

بدأت أقرأ في المصحف الشريف أكثر، وحتى تلك الفترة لم أكن قد ختمت القرآن الكريم قراءة، كنت أختمه مع مجموعة من صديقات الدراسة، ومن فضل الله أنني لم تكن لي صداقات في الوسط الفني، بل كانت صداقاتي هي صداقات الطفولة، كنت أجتمع وصديقاتي -حتى بعد أن تزوجت- في شهر رمضان الكريم في بيت واحدة منا نقرأ الكريم ونختمه وللأسف لم تكن منهن من تلتزم بالزي الشرعي.

في تلك الفترة كنت أعمل دائماً مع زوجي سواء كان يمثل معي أو يُخرج لي الأدوار التي كنت أمثلها، وأنا أحكي هذا الآن ليس باعتباره شيئاً جميلاً في نفسي، ولكن أتحدث عن فترة زمنية عندما أتذكرها أتمنى لو تمحى من حياتي، ولو عدت إلى الوراء لما تمنيت أبداً أن أكون من الوسط الفني!!

كنت أتمنى أن أكون مسلمة ملتزمة؛ لأن ذلك هو الحق والله تعالى يقول: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56]، كنت عندما أذهب إلى المصيف أتأخر في نزول البحر إلى ما بعد الغروب، ومغادرة الجميع للمكان إلا من زوجي، وأنا أقول هذا لأن هناك من تظن أن بينها وبين الالتزام هُوَّةٌ واسعة، ولكن الأمر بفضل الله سهل وميسور، فالله يقول في الحديث القدسي: «ومن تقرب إلىّ شبراً تقربت إليه ذراعاً، ومن تقرب إلى ذراعاً تقربتُ إليه باعاً، ومن أتاني يمشي أتيته هرولةً» [1].

وكانت قراءاتي في تلك الفترة لبرجسون وسارتر، وفرويد وغيرهم من الفلسفات التي لا تقدم ولا تؤخر، وكنت أدخل في مناقشات جدلية فلسفية وكانت عندي مكتبة ولكني أحجمت عن هذه القراءات دون سبب ظاهر، كانت عندي رغبة قوية في أداء العمرة، وكنت أقول في نفسي: إنني لا أستطيع أن أؤدي العمرة إلا إذا ارتديت الحجاب؛ لأنه غير معقول أن أذهب لبيت الله دون أن أكون ملتزمة بالزي الإسلامي، لكن هناك من قلنَ لي: لا..أبداً هذا ليس شرطاً..كان ذلك جهلاً منهن بتعاليم الإسلام؛ لأنهن لم يتغير فيهن شيء بعد أدائهن للعمرة.

وذهب زوجي لأداء العمرة ولم أذهب معه لخوفي أن تتأخر ابنتي عن الدراسة في فترة غيابي، ولكنها أصيبت بنزلة شعبية وانتقلت العدوى إلى ابني ثم انتقلت إليّ فصرنا نحن الثلاثة مرضى، فنظرت إلى هذا الأمر نظرة فيها تدبر وكأنها عقاب على تأخري عن أداء العمرة.

وفي العام التالي ذهبت لأداء العمرة وكان ذلك سنة 1982م في شهر (فبراير) وكنتُ عائدة في (ديسمبر) من باريس وأنا أحمل أحدث الملابس من بيوت الأزياء، كانت ملابس محتشمة، ولكنها أحدث موديل، وعندما ذهبتُ واشتريت ملابس العمرة البيضاء كانت أول مرة ألبس الثياب البيضاء دون أن أضع أي نوع من المساحيق على وجهي ورأيت نفسي أكثر جمالاً..

ولأول مرة سافرت دون أن أصاب بالقلق على أولادي لبُعدي عنهم، وكانت سفرياتي تصيبني بالفزع والرعب خوفاً عليهم، وكنت آخذهم معي في الغالب، وذهبتُ لأداء العمرة مع وفد من هيئة قناة السويس، وعندما وصلتُ إلى الحرم النبوي بدأت أقرأ في المصحف دون أن أفهمَ الآيات فهماً كاملاً، لكن كان لدي إصرار على ختم القرآن في المدينة ومكة، وكانت بعض المرافقات لي يسألنني: هل ستتحجبين؟ وكنت أقول: لا أعرف، كنت أعلق ذلك الأمر على زوجي، هل سيوافق أم لا؟!! ولم أكن أعلم أنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

وفي الحرم المكي وجدت العديد من الأخوات المسلمات اللائى كُنَّ يرتدين الخمار، وكنت أفضل البقاء في الحرم لأقرأ القرآن الكريم، وفي إحدى المرات أثناء وجودي في الحرم بين العصر والمغرب التقيتُ بإحدى الأخوات وهي مصرية تعيش في الكويت اسمها (أروى) قرأتْ عليّ أبياتاً من الشعر الذي كتبته هي فبكيت، لأنني استشعرت أنها مسّت شيئاً في قلبي، وكنت في تلك الفترة تراودني فكرة الحجاب كثيراً، ولكن الذي من حولي كانوا يقولون لي: انتظري حتى تسألي زوجك، لا تتعجلي، أنت مازلتِ شابة… الخ، ولكن كانت رغبتي دائماً في ارتداء الحجاب قالت الأخت (أروى):

فليقولوا عن حجابي *** لا وربي لن أبالي

قد حماني فيه ديني *** وحباني بالجلال

زينتي دوماً حيائي *** واحتشامي هو مالي

ألأني أتولى *** عن متاعٍ لزوالِ

لامني الناس كأني *** أطلب السوء لحالي

كم لمحت اللوم منهم *** في حديث أو سؤال

وهي قصيدة طويلة أبكي كلما تذكرتها، استشعرت تتحدث بلسان حالي، وأنها مست شغاف قلبي، وبعد ذلك ذهبت لأداء العمرة لأخت لي من أبي توفيت وكنت أحبها كثير رحمها الله، وبعد أداء العمرة لم أنم تلك الليلة واستشعرت بضيق في صدري رهيب وكأن جبال الدنيا تجثم فوق أنفاسي، وكأن خطايا البشر كلها تخنقني، كل مباهج الدنيا التي كنت أتمتع بها كأنها أوزار تكبلني، وسألني والدي عن سبب أرقي فقلت له: أريد أن أذهب إلى الحرم الآن، ولم يكن الوقت المعتاد لذهابنا إلى الحرم قد حان ولكن والدي -وكان مجنداً نفسه لراحتي في رحلة العمرة- صحبني إلى الحرم، وعندما وصلنا أديتُ تحية المسجد وهي الطواف، وفي أول شوط من الأشواط السبعة يسّر الله لي الوصول إلى الحجر الأسود، ولم يحضر على لساني غير دعاء واحد لي ولزوجي وأولادي وأهلي، وكل من أعرف، دعوت بقوة الإيمان، ودموعي تنهمر في صمت ودون انقطاع، طوال الأشواط السبعة لم أدعُ إلا بقوة الإيمان، وطوال الأشواط السبعة أصل إلى الحجر الأسود وأقبّله، وعند مقام إبراهيم عليه السلام، وقفت لأصلي ركعتين بعد الطواف وقرأت الفاتحة، كأني لم أقرأها طوال حياتي واستشعرت فيها معانٍ اعتبرتها منة من الله، فشعرت بعظمة فاتحة الكتاب، وكنت أبكي وكياني يتزلزل، في الطواف استشرت كأن ملائكة كثيرة حول الكعبة تنظر إلي، استشعرت عظمة الله كما لم أستشعرها طوال حياتي.

ثم صليت ركعتين في الحِجر وحدث لي الشيء نفسه كل ذلك كان قبل الفجر، وجاءني والدي لأذهب إلى مكان النساء لصلاة الفجر عندها كنت قد تبدلت وأصبحت إنسانة أخرى تماماً، وسألني بعض النساء: هل ستتحجّبين يا أخت شمس؟ فقلت: بإذن الله، حتى نبرات صوتي قد تغيرت، تبدلت تماماً، هذا كل ما حدث لي، وعدتُّ ومن بعدها لم أخلع حجابي، وأنا الآن في السنة السادسة منذ ارتديته، وأدعو الله أن يُحسن خاتمتي وخاتمتنا جميعاً، أنا وزوجي وأهلي وأمة المسلمين جمعاء [2].

فهذه قصتها المحزنة كما ترويها هي بنفسها، فقد كانت ممثلة ومتكشفة، بعيدة عن الحجاب، والقرآن، ثم شاء الله أن يهديها على يد امرأة مصرية كما مر في قصتها، وها نحن الآن نستخرج منها بعض الفوائد:

الفائدة الأولى: أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب الجميع: إن الله تبارك وتعالى أمر الناس جميعاً بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على حسب استطاعته، وبمراتبه الثلاث، وجعل الخيرية في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقال سبحانه: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} [آل عمران:110]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان» [3]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه مبيناً خطر ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: «والذي نفسي بيده لتأمرنَّ بالمعروف ولتنهونَّ عن المنكر، أو ليوشكنَّ اللهُ أن يبعث عليكم عقاباً منه ثم تدعونه فلا يُستجاب لكم» [4]، وإن هذه المرأة أي: -أروى- المقيمة في الكويت قد أدت ما يجب عليها تجاه أختها المصرية شمس البارودي، من أمرها بالمعروف ونهيها عن المنكر.

ثم إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يختص بالعلماء والدعاة فحسب، وإنما هو على كل أحد فالزوجة في بيتها، والمعلمة في مدرستها، والرجل في كل مكان، فمن رأى منكراً يجب عليه إنكاره.

الفائدة الثانية: الداعية كالغيث: إن الداعية كالغيث حيثما حل نفع وفي هذه القصة أعظم برهان، فحيث وقع يُنبت الزرع بإذن ربه، بل إن الداعية كالشمس إذا غربت من جهة طلعت من أخرى فلا تزال طالعة أبداً، وعلى الداعية أن يبذل جهده في الدعوة فرب كلمة تخرج منه يطرح الله تبارك وتعالى لها القبول في قلوب الناس، فينتفعون بها، ومن دل على هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه.

الفائدة الثالثة: خطر الانجرار خلف كل ناعق: إن دعاة الرذيلة كثير، ولا يخلو مجتمع من المجتمعات منهم، فعلى المرأة أن تأخذ الحذر، وذلك بعدم الاستجابة لهم، فتارة يسخرون بالحجاب الشرعي، وتارة يسخرون بمن تلتزم به، ويلمزونها بالمتزمتة والمتشددة وغيرها من الألقاب، وعليها أن تلزم رفقة من يعينها على طاعة الله تبارك وتعالى، وعليهن بالتواصي بالحق والتواصي بالصبر كما قال الله في كتابه الكريم بعد أن أقسم أن جميع الناس في خسر ثم استثنى منهم: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:3]، وعليك أن تصمي أُذنك عن كل نداء يدعوا للرذية والفحش، نسأل الله تبارك وتعالى أن يوفقنا والمسلمين والمسلمات لرضاه، وأن يجنبنا سخطه، وأن يزين نسائنا ونساء المسلمين بزينة الحياء والعفة والحجاب، وأن يبطل دعوات كل مبطل يرد لهن الشر والرذيلة، بمنه وكرمه، والحمد لله رب العالمين.

 

[1]: رواه البخاري، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، برقم [6970]، ومسلم برقم [2675].

[2]: هذه القصة للشمس البارودي، ذكرها الشيخ محمد بن عبد العزيز المسند في مجموعة العائدون إلى الله (المجموعة الأولى)، وعلى الرابط: http://www.forsanelhaq.com/showthread.php?p=1230743، وكتابها رحلتي من الظلمات إلى النور من ص16-29.

[3]: رواه مسلم برقم [49].

[4]: رواه الترمذي برقم [2169] وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن، وأحمد في المسند برقم [23349] وقال شعيب الأرناؤوط: حسن لغيره، وكذلك الألباني في صحيح الترغيب والترهيب برقم [2313].


محمد بن عبد الله العبدلي

  • 0
  • 0
  • 2,428

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً