انتقادُ الهيئةِ حقٌّ مشاع
النَّقدُ ظاهرةٌ لا يمكنُ أنْ تغيبَ عنْ أيِّ مجتمع، والأصلُ أنْ يصدرَ النَّقدُ عنْ اعتقادٍ صادق، فإذا جاءَ منْ خبيرٍ عارفٍ معْ صدقِ الاعتقادِ فقدْ اكتمل، وغايةُ كمالهِ ما كانَ منْ خبيرٍ صادقٍ معْ حُسنِ انتقاءِ الأسلوبِ والزَّمانِ والمكان، ولا يعني هذا أنَّ النَّقدَ ممنوعٌ على الكَّافةِ بيدَ أنَّه كأكثرِ الأعمالِ له صفةُ إجزاءٍ وصفةُ كمال، والموَّفقُ مَنْ أعانه اللهُ على توجيهِ النَّقدِ الصَّادقِ بغضِّ النَّظرِ عنْ الاعتباراتِ الشَّخصية، والرَّابحُ مَنْ استقبلَ النَّقدَ برحابةِ صدر، وفحصهُ أوْ استشارَ فيه؛ فما كانَ حقّاً أخذَ به، والباطلُ مردود.
النَّقدُ ظاهرةٌ لا يمكنُ أنْ تغيبَ عنْ أيِّ مجتمع، والأصلُ أنْ يصدرَ النَّقدُ عنْ اعتقادٍ صادق، فإذا جاءَ منْ خبيرٍ عارفٍ معْ صدقِ الاعتقادِ فقدْ اكتمل، وغايةُ كمالهِ ما كانَ منْ خبيرٍ صادقٍ معْ حُسنِ انتقاءِ الأسلوبِ والزَّمانِ والمكان، ولا يعني هذا أنَّ النَّقدَ ممنوعٌ على الكَّافةِ بيدَ أنَّه كأكثرِ الأعمالِ له صفةُ إجزاءٍ وصفةُ كمال، والموَّفقُ مَنْ أعانه اللهُ على توجيهِ النَّقدِ الصَّادقِ بغضِّ النَّظرِ عنْ الاعتباراتِ الشَّخصية، والرَّابحُ مَنْ استقبلَ النَّقدَ برحابةِ صدر، وفحصهُ أوْ استشارَ فيه؛ فما كانَ حقّاً أخذَ به، والباطلُ مردود.
ومنذُ خلقَ الله النَّاسَ مختلفينَ كانَ النَّقد، فهناكَ مَنْ يعملْ وثَمَّتَ مَنْ ينتقد، وقدْ تظارفَ أهلُ السياسة فقالوا: إنَّ المعارضةَ تنسى ما كانتْ تعارضه إذا وصلتْ للحكم! وهذا سلوكٌ مشاهدٌ وواقعٌ نعيشه، فكثيراً ما وقعَ النَّاقدُ في ذاتِ الأمرِ الذي يعارضه، ومنْ لطيفِ ما وقفتُ عليهِ أنَّ (بروفيسوراً) راجعَ عملاً وكتبَ عليه عدَّةَ ملحوظاتٍ علميةٍ مثالية، وحينَ أعدَّ نفسَ العملِ لجهةٍ أخرى وقعَ فيما كانَ يراه خللاً! ونرى مَنْ يدعو لقيمٍ خُلقيةٍ أوْ مهنيةٍ ويكونُ سلوكهُ العملي بعيداً عنْ نظرياتهِ الجميلة.
ولا يسلمُ منْ النَّقدِ شخصٌ ولا هيئةٌ ولا عمل، ولوْ كتبَ اللهُ المعافاةَ منه لأحدٍ لكانَ أحقَّ الخلقِ بِها رسولُه الكريم - صلى الله عليه وسلم - الذي تعرَّضَ للنَّقدِ الباطلِ والافتراءِ ولا يزالُ المجرمونَ في إفكهم ماضين، فما أحرى أنْ نرضى بالنَّقدِ ابتداءً، ونستفيدَ منه إنْ كانَ حقاً حتى لوْ أتى في سياقٍ قاس، وألاَّ نضعَ شيئاً فوقَ النَّقدِ خلا المقدَّساتِ والنُّصوصِ والأحكامِ الشَّرعيةِ والمصالحِ المتوافقةِ معها، وألاَّ نشترطَ فيه إلاّ أنْ يكونَ موافقاً لاعتقادِ النَّاقد، وإنْ غمسَ طرفَه بالعسلِ فحسنٌ حتى لا تفسدَ النُّفوسُ وتضيعَ الحقيقة.
ولأنَّ ذلكَ كذلك، فأنا أنتقدُ الهيئة، انتقدُ حجبَها ما شأنهُ الكشفُ والسُّفور، ومنعَ ما يجبُ فسحه، انتقدُ منها السُّكوتَ حينَ يجبُ الكلام، والحديثَ حيثُ لا يجدي إلاّ الصَّمت، وأبغضُ فيها الإقصائيةَ والأحاديةَ والانتقائيةَ الفئوية، وأتعجَّبُ منْ تشابهِ أكثرِ أفرادِها في المظهرِ وطريقةِ التَّفكير، وأستغربُ منْ وحدةِ المصادرِ والتَّركيزِ(المنَّظم) على أشياءَ دونَ غيرها، وقدْ صدقَ رؤبةُ بنُ الحجَّاجِ حينَ وصفَ أضرابَهم: بنو عمِّ السُّوء: إنْ رأوا حسناً ستروه، وإنْ رأوا سيئاً أذاعوه.
أكرهُ في الهيئةِ موقفَ بعضِ المنتسبينَ إليها منْ المرأةِ وحصرها في زاويةٍ ضيقةٍ وإنْ بدا للنَّاظرِ أنَّها واسعة، وأستهجنُ مقامهم كمتصَّرفٍ نيابةً عنها أوْ متحدِّثٍ باسمِها، وأمَّا الإساءةُ لثقافةِ بلادِنا فحدِّث ولا حرج! فديارُنا مهبطُ الوحي وموئلُ الأفئدةِ ومعْ ذلكَ فإنَّ الهيئةَ- ممثلةً بفئامٍ منْ منتسبيها- لا تُعبِّرُ عنْ هذهِ الثَّقافةِ الأصيلةِ ولا تفاخرُ بِها فضلاً عنْ الاستمساكِ بِها ظاهراً والله أعلمُ بالسَّرائر! ولا أكادُ أفهمُ تركيزَ رجالاتِ الهيئةِ على محاورَ بعينِها وجعلها تحتَ مطارقِ النَّقدِ معْ التَّغافلِ عنْ أخطارٍ تُهدِّدُ البلدَ في داخله وعلى حدوده، ولذا أنتقدُ الهيئةَ ولا أرضى منها الإخلالَ بالواجبِ الملقى عليها منْ النَّاحيةِ الشَّرعيةِ والمهنية، وأبرأُ إلى اللهِ منْ التَّعميمِ ففيها عقلاء وذوو حياء.
ولستُ أعني هيئةَ الخيريةِ التي لا تنفكُ عن نقدِ المحبينَ أوْ الشانئين، بلْ أعني هيئةَ الصَّحفيينَ التي تعملُ كمظلَّةٍ مهنيةٍ للصُّحفِ والكُّتابِ والمحرِّرين، وأعيبُ عليها حجبَ جمالِ الحقيقة، وغضَّ الطَّرفِ عن الفسادِ السُّلوكي والمالي والإداري في الوقتِ الذي تلاحقُ فيه قضايا عينيةٍ وتهولُّها، ولا أجدُ مساغاً لعداءِ بعضِ منتسبيها لأهلِ العلمِ لدرجةِ نبشِ الفتاوى والأقوال، فليت أنَّ علماءَ الإسلامِ يحظونَ بشيءٍ منْ حصانةِ المطرانِ النَّصراني اللبناني الذي أعتذرَ لأجله الوزيرُ والسَّفير! وليتَ فينا محتسباً واحداً مثلَ الشَّيخِ يوسف البدري وقضاءاً كالقضاءِ المصري يستقبلُ الدَّعاوى ضدَّ الصَّحافةِ والصُّحفِ ولا يرفضُها.
وغايةُ النَّقدِ أنْ تكونَ هيئةُ الصَّحفيينَ جزءاً منْ النَّسيجِ الثَّقافي للمجتمعِ ومعبِّراً عنه في أوضحِ صورة، فإنْ لمْ يكنْ فلا أقلَّ منْ فتحِ المجالِ لكلِّ أحدٍ دونَ سابقِ حكمٍ أوْ تصنيف، فلا تزالُ صحفنا تياراً واحداً يتوافقُ على القضايا الكبرى وإنْ اختلفَ في التَّفاصيل، فهلْ ننتظرُ منْ هيئةِ الصَّحفيينَ تعديلاً ذاتياً؟ أوْ إصلاحاً بقوةِ القرار؟ أمْ نتركُها تترنّحُ تحتَ سطوةِ الإعلامِ الإليكتروني؟ وأيَّاً كانَ فيجبُ ألاَّ نكفَّ عنْ انتقادِها معذرةً إلى الله ولعلَّهم يتقون؛ وحتى لا تكونَ هيئةُ الحسبةِ والخيريةِ هي الهيئةُ الوحيدةُ المنتقدةُ دونَ غيرِها منْ هيئاتٍ وجهات.
- التصنيف:
- المصدر: