خطوات في التربية - (39) العلم قبل الطريق (8)

منذ 2015-07-03

نحذر السالكين إلى ربهم تعالى من طريق الخوارج والروافض، والمتكلمين الذين اعترضوا على أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم..

 

التزام سبيل الأولين (محمد، وصحبه).
من أراد طريق ربه تعالى فعليه أن يلتزم بما كان عليه الأولون، فقد أثنى الله تعال عليهم وعلى طريقهم ورضي عنهم ووعدهم الجنة، واشترط بمن يأتي بعدهم ليتقبل منه ويلحقه بهم أن يتبعهم وأن يستغفر لهم، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم عمل الأولين قيدًا في الفهم والعمل فقال: «إن خيركم قرني ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم» (صحيح مسلم:2535). 

وهذا الثناء ليس خبرًا محضًا بل هو خبر وتكليف، ووجه التكليف فيه أن يكون علمهم وعملهم قيدًا لمن يأتي بعدهم، فلو احتمل الدليل أوجهًا للعمل فعمل الصحابة به على وجه معين فهذا هو الوجه هو المتبَع..

يقول الشاطبي: "وقد تمهد أيضًا في الأصول أن المطلق إذا وقع العمل به على وجه لم يكن حجة في غيره, فالحاصل أن الأمر أو الإذن إذا وقع على أمر له دليل مطلق فرأيت الأولين قد عنوا به على وجه واستمر عليه عملهم، فلا حجة فيه على العمل على وجه آخر، بل هو مفتقر إلى دليل يتبعه في إعمال ذلك الوجه" (الموافقات).

لقد اختار الله نبيه من بين خلقه اختيارًا، واختار لصحبته قومًا اختيارًا، كما قال ابن مسعود: "إن الله نظر في قلوب العباد، فوجد قلب محمد صلى الله عليه وسلم خير قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه، فابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد، فجعلهم وزراء نبيه، يقاتلون على دينه، فما رأى المسلمون حسنًا، فهو عند الله حسن، وما رأوا سيئًا فهو عند الله سيئ" (مسند أحمد).

عن عبد الله بن عمر قال: "من كان مستنًا فليستن بمن قد مات، أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا خير هذه الأمة، أبرها قلوبًا وأعمقها علمًا وأقلها تكلفًا, قوم اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ونقل دينه فتشبهوا بأخلاقهم وطرائقهم فهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا على الهدى المستقيم" (حلية الأولياء، جـ1، ص 305 – 306).

ويقول الإمام الشاطبي رحمه الله: وروي عن الحسن كان في مجلس فذكر فيه أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فقال: "إنهم كانوا أبر هذه الأمة قلوبًا وأعمقها علمًا وأقلها تكلفًا، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم فتشبهوا بأخلاقهم وطرائقهم، فإنهم -ورب الكعبة- على الهدى المستقيم"، وعن حذيفة أنه كان يقول: "اتقوا الله يا معشر القراء وخذوا طريق من كان قبلكم، فلعمري لئن اتبعتموه لقد سبقتم سبقًا بعيدًا، ولئن تركتموه يمينًا أو شمالاً لقد ضللتم ضلالاً بعيدًا".

وعن ابن مسعود: "من كان منكم متأسيًا فليتأس بأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فإنهم كانوا أبر هذه الأمة قلوبًا وأعمقها علمًا وأقلها تكلفًا، وأقومها هديًا وأحسنها خلالاً، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم وإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم واتبعوهم في آثارهم فإنهم كانوا على الهدى المستقيم" (راجع الاعتصام جـ 1، ص 526.، وحلية الأولياء، جـ1، ص 305 - 306)، فما كان عليه الأولون في العلوم والعقائد هو العلم، وما سلموا به من معاني الصفات ومرروها يجب أن تُفهم وتسلم وتمرر كما فعلوا، وما فتحوا فيه باب الاجتهاد كما اجتهدوا في الفروع العملية فالسبيل هو الاجتهاد..

فإن جاء متكلمون بقواعد اليونان والمناطقة لإفساد المعاني الشرعية فقد خالفوا سبيل الصحابة، ولا خير في ذلك؛ إذ لو كان خيرًا لسبقونا إليه، ولن يأتي آخر هذه الأمة بأفضل مما جاء به أولها، ولن يصلح آخرها إلا بما صلح به أولها كما قال الإمام مالك رحمه الله.

وما كانوا عليه في التعبد هو المأخذ فلن يأتي متعبدون خير منهم فهم سادات الأولياء، فمن ظن في الصالحين والعُبّاد أن يكونوا بعدهم قدوة أو حجة من دون الصحابة فقد سلك بعيدًا عن الاستقامة، ولذا لما يصنف الإمام أحمد في الصلاح والزهد والورع يبدأ بالأنبياء ثم الصحابة ثم التابعون، ولا يبدأ بالعُبّاد المتأخرين كما فعل المتأخرون ظنًا أنهم القدوة! وسياسات الخلافة والملك كانوا هم على خيرها وأصلحها، ففتحت لهم القلوب ودانت لهم الأمم ووطئوا البلاد يحملون لها الرسالة الخاتمة..

ولهذا نحذر السالكين إلى ربهم تعالى من طريق الخوارج والروافض، والمتكلمين الذين اعترضوا على أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم..

يتبع إن شاء الله تعالى..
 

 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

مدحت القصراوي

كاتب إسلامي

  • 0
  • 0
  • 12,004
المقال السابق
(38) العلم قبل الطريق (7)
المقال التالي
(40) العلم قبل الطريق (9)

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً