أعمال القلوب - [14] الصبر 1-4
إن الله جعل الصبر جوادًا لا يكبو، وصارمًا لا ينبو، وجندًا لا يُهزم، وحصنًا حصينًا لا يُهدم، وهو مطيّة لا يضل راكبها فهو والنصر أخوان شقيقان، فالنصر مع الصبر، وهو أنصر لصاحبه من الرجال بلا عدّة ولا عدد، ومحله من الظفر محل الرأس من الجسد، وهو سبيل النجاح والفلاح.
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فإن الله جعل الصبر جوادًا لا يكبو، وصارمًا لا ينبو، وجندًا لا يُهزم، وحصنًا حصينًا لا يُهدم، وهو مطيّة لا يضل راكبها فهو والنصر أخوان شقيقان، فالنصر مع الصبر، وهو أنصر لصاحبه من الرجال بلا عدّة ولا عدد، ومحله من الظفر محل الرأس من الجسد، وهو سبيل النجاح والفلاح، وهو فضيلة يحتاج إليه الإنسان في دينه ودنياه، فحال الإنسان إما بين صبر على أمر يجب عليه امتثاله وتنفيذه، ونهي يجب عليه اجتنابه وتركه، وقدر يجري عليه اتفاقًا ونعمة يجب عليه شكر المنعم عليها، وإذا كانت هذه الأحوال لا تفارقه فالصبر لازم إلى الممات، فالحياة لا تستقيم إلا بالصبر، فهو دواء المشكلات لدار الابتلاء، والصبر زاد المجاهد إذا أبطأ عنه الصبر، وزاد الداعية إذا أبطأ عنه الناس بالإجابة، وزاد العالم في زمن غربة العلم، بل هو زاد الكبير والصغير، والرجل والمرأة، فبالصبر يعتصمون وإليه يلجئون وبه ينطلقون.
قال الإمام أحمد رحمه الله في كتاب (الزهد) عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه : "وجدنا خير عيشنا بالصبر"، إن الله وصف الصابرين بأوصاف وخصّهم بخصائص لم تكن لغيرهم، وذكر الصبر في نحو تسعين موضعًا من الكتاب الكريم، وأضاف أكثر الدرجات والخيرات إلى الصبر وجعلها ثمرة له. إن للصابرين معيّة مع الله، ظفروا بها بخير الدنيا والآخرة، وفازوا بها بنعمة الله الظاهرة والباطنة، وجعل الله سبحانه الإمامة في الدين منوطة بالصبر واليقين فقال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا ۖ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة:24ٍ]، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "بالصبر واليقين؛ تُنال الإمامة في الدين".
تعريف الصبر
الصبر لغة: الحبس والكف، قال تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الكهف:28]، يعني احبس نفسك معهم، والصبر حبس النفس عن الجزع واللسان عن التشكي والجوارح عن لطم الخدود وشق الثياب ونحوهما، ويقال صبر يصبر صبرًا، وصبَر نفسه.
والصبر في الاصطلاح الشرعي: حبس النفس على فعل شيء أراده الله أو عن فعل شيء نهى الله عنه فهو صبر على شيء أمر به الله وصبر عن شيء نهى الله عنه، جعل الله فيه الأجر العظيم لمن أراد به وجهه، وكافأ أهل الجنة لأنهم صبروا ابتغاء وجه ربهم، والصبر فيه معنى المنع والشدة والضنّ، و تصبّر رجل يعني تكلّف الصبر وجاهد نفسه عليه وحمل نفسه على هذا الخلق، وصبّرها إذا حملها على الصبر وهو ثبات على الدين إذا جاء باعث الشهوات، وهو ثبات على الكتاب والسنة، لأن من أخذ بهما فقد صبر على المصائب وصبر على العبادات وصبر على اجتناب المحرمات، فهذه أنواع الصبر الثلاثة إذًا:
1- صبر على طاعة الله.
2- صبر عن معصية الله.
3- صبر على أقدار الله المؤلمة.
هذا الصبر علّق القرآن الفلاح عليه فقال الله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران:200]، فعلّق الفلاح بمجموع هذه الأمور، ونهى عن ما يضاد الصبر فقال: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ} [الأحقاف:35]، كما قال: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا} [آل عمران:139]، وكذلك فإنه سبحانه وتعالى أخبر عن مضاعفة الأجر للصابرين: {أُولَٰئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا} [القصص:54]، وإذا كانت الأعمال لها أجر معلوم محدود فإن الصبر أجره لا حد له، قال تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر:10]، قال سليمان بن القاسم: كل عمل يعرف ثوابه إلا الصبر لأجل هذه الآية: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ}، قال: كالماء المنهمر، وعلق الله الإمامة في الدين على الصبر وعلى اليقين كما مرّ في الآية، وجعل الله الظفر بمعية الصبر فقال: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة:153] وجعل للصابرين أمورًا ثلاثة لم يجعلها لغيرهم، وهي الصلاة منه والرحمة والهداية {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ . الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ . أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة:155:157].
وجعل الصبر سبحانه وتعالى عونًا وعدة وأمر بالاستعانة به، فقال: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ} [البقرة:45]، فمن لا صبر له؛ لا عون له، وعلّق النصر على الصبر والتقوى فقال تعالى: {بَلَىٰ ۚ إِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَٰذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ} [آل عمران:125]، وقال صلى الله عليه وسلم: « » [تخريج كتاب السنة:315]، وجعل سبحانه الصبر والتقوى جنة عظيمة من كيد العدو ومكره فقال: {وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا} [آل عمران:120]، وأخبر أن ملائكته تسلّم في الجنة على الصابرين فقال: {سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ ۚ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} [الرعد:24]، وجعل الله الصبر منزلة فوق منزلة المعاقِب لمن عاقبه بمثل العقوبة فهو أفضل وأكثر أجراً فقال: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ ۖ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرِينَ} [الرعد:126]، فتأمل هذا التأكيد (لئن) اللام ولامٌ أخرى للتأكيد(لهو).
ورتب المغفرة والأجر الكبير على الصبر مع العمل الصالح فقال: {إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} [هود:11]، وجعل الصبر على المصائب من عزم الأمور وهذه مرتبة لا ينالها أي أحد فقال عز وجل: {وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَٰلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [الشورى:43]، وأوصى لقمان الرجل الصالح الحكيم ولده بأن يصبر على ما أصابه في سبيل الله: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ ۖ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُور} [لقمان:17].
ووعد الله المؤمنين بالنصر والظفر، وهي كلمته التي سبقت لهم نالوها بالصبر فقال تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِيإِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا ۖ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ} [الأعراف:137]،وعلّق تعالى محبته بالصبر، وجعلها لأهل الصبر فقال: {وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} [آل عمران:146]، وأخبر عن خصال من الخير لا يلقاها إلا الصابرون فقال تعالى في أهل العلم الذين علموا قومهم المفتونين بقارون:{وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ} [القصص:80].
وعند الدفع بالتي هي أحسن: {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت:35]، وأخبر أنه لا ينتفع بآياته ولا يستفيد منها إلا صاحب الصبر المكثر منه فأتى به بصيغة المبالغة في قوله تعالى:{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُم بِأَيَّامِ اللَّهِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} [إبراهيم:5]، وفي سورة لقمان قال: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُم مِّنْ آيَاتِهِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} [لقمان:31]، وبعد قصة سبأ قال: {فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} [سبأ:19]، وفي ذكر النعمة بالسفن على العباد تنقل أنفسهم وبضائعهم قال: {وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ . إِن يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَىٰ ظَهْرِهِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} [الشورى:32:33]، فهذه أربع مواضع في القرآن الكريم تدل على أنه لا ينتفع بالآيات إلا أهل الصبر والشكر، الدين كله صبر وشكر، الإيمان نصفان صبر وشكر، حياة المسلم كلها صبر وشكر، ماذا يوجد في الطاعات والعبادات والتقرب إلى الله غير الصبر والشكر..؟!
وأثنى الله على عبده أيوب بأحسن الثناء لأنه صبر فقال: {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا ۚ نِّعْمَ الْعَبْدُ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص:44]، فمدحه بقوله نعم العبد لأنه صبر، وحكم الله بالخسران حكمًا عامًا على من لم يكن من أهل الصبر فقال:{إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:3]، وخص الله أهل الميمنة ( أصحاب اليمين) بأنهم أهل الصبر والمرحمة فقال تعالى: {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ} [البلد:17]، وقرن الصبر بأركان الإسلام ومقامات الإيمان فقرنه بالصلاة فقال: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ} [البقرة:45]، وقرنه بالأعمال الصالحة فقال: {إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} [هود:11]، وقرنه بالتقوى فقال: {إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [يوسف:90]، وقرنه بالتواصي بالحق فقال: {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:3]، وقرنه بالرحمة فقال: {وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ} [البلد:17]، وقرنه باليقين فقال: {لَمَّا صَبَرُوا ۖ وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة:24]، وقرنه بالصدق فقال: {وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ} [الأحزاب:35]، فنعم المنزلة منزلة الصبر ونعم الخلق خلق الصبر ونعم أهله أهل الصبر، فالصبر طريق الجنة: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} [آل عمران:142]، هذا الصبر العناية به في القرآن الكريم كبيرة جدًا دليلًا على أهميته، دليلًا على أنه خلق عظيم.
لا تيأسنّ وإن طالت مطالبة *** إذا استعنت بصبر أن ترى الفرج
أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته *** ومدمن القرع للأبواب أن يلج
وقل من جد في أمر يحاوله *** واستصحب الصـبر إلا فاز بالظفر
والصبر لدخول الجنة وسبب النجاة من النار، فالجنة حفت بالمكاره، والنار حفت بالشهوات، فكيف تدخل الجنة بدون صبر على المكاره؟، وكيف تقي نفسك النار بدون صبر عن الشهوات؟، وقد نبّه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله على المعنى اللطيف في هذا الحديث، حفت الجنة بالمكاره؛ علمنا أنه لا طريق للجنة إلا عبر المكاره، لأنه قال حُفّت، من جميع الجهات، فإذا ما ركبت المكاره لا تدخل الجنة، والمكاره هي ما تكرهه النفس من المجاهدة اللازمة لأداء العبادات ( صلاة الفجر - الوضوء في البرد - الصبر على المصائب- الجهاد ....)، فلا يمكن دخول الجنة إلا باختراق المكاره، ولا يمكن اختراقها إلا بالصبر، وأما النار فإنها حفت بالشهوات، ولا يمكن منع النفس من الدخول في النار إلا إذا صبر عن المعاصي وامتنع عن المعصية وحبس نفسه عن ذلك فهذه إذًا فضائل هذا الخلق الكريم.
ما حكم الصبر؟
أصل الصبر واجب، الصبر من حيث الجملة واجب، والله أمر به: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ} [البقرة:45]، {اصْبِرُوا وَصَابِرُوا } [آل عمران:200]، ونهى عن ضده: {وَلَا تَسْتَعْجِل لَّهُمْ} [الاحقاف:35]، {فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ} [الأنفال:15]، {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد:33]، ورتب عليه خيري الدنيا والآخرة، لكن عندما نأتي إلى التفصيل فالصبر منه ما هو صبر واجب، يأثم الإنسان إذا لم يصبر ومنه ما هو صبر مستحب فهو واجب في الواجبات وواجب عن المحرمات ومستحب عن المكروهات، وإذا صبر عن المستحب ولم يفعله فصبره مكروه.
ومما يدل على أن الصبر قد يكون لازمًا قول الله تعالى: {وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرِينَ} [النحل:126]، فهذا يدل على أن الصبر قد لا يكون لازمًا كقوله: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ ۖ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرِينَ} [النحل:126]، فما حكم الصبر هنا؟، أنت مخيّر بين أن تعاقب من عاقبك؟، ما الحكم الشرعي؟، يجوز لك القصاص فتنتقم منه بمثل ما ظلمك، ما حكم الصبر وعدم الانتقام؟، مستحب، فإذًا لو قلت ما حكم الصبر على صلاة الفجر؟، واجب، ما حكم الصبر عند المصيبة بمنع النفس عن النياحة؟ واجب، ما حكم الصبر عن الانتقام ممن أساء إليك بمثل ما أساء؟ مستحب..
فالصبر إذًا منه ما يكون واجبًا ومنه ما يكون مستحبًا، والصبر جاء في صيغة المفاعلة في القرآن فقال {وَصَابِرُوا}، وهذه عادة ما تكون إلا بين طرفين {وَصَابِرُوا}، فمعنى ذلك أن هناك مغالبات بين المسلم والعدو، وأننا لابد أن نصابر أنفسنا على باطلهم وعلى جهادهم وعلى مقاتلتهم ومرابطتنا في الثغور وثباتنا عليها حتى لا ينفذوا إلينا من هذه الجهات فهذا صبر مهم جدًا.
- التصنيف:
- المصدر: