المنتقى من كلام الدكتور محمد أمين المصري - (5) أردأ القيود

منذ 2016-02-08

الذي اعتاد أن يشعر في مضمار العمل بالخوف والتهيب وألِفَ أن يجد نفسه كأنه مكبل في كل أمر، والذي يصعب عليه جداً الإقدام على أمر عظيم، ذلك إنسان قد تعدى أسوأ العادات وقيد بأردأ القيود التي تحول بينه وبين الاستفادة مما وهبه الله من قوى وطاقات.

الذي اعتاد أن يشعر في مضمار العمل بالخوف والتهيب وألِفَ أن يجد نفسه كأنه مكبل في كل أمر، والذي يصعب عليه جداً الإقدام على أمر عظيم، ذلك إنسان قد تعدى أسوأ العادات وقيد بأردأ القيود التي تحول بينه وبين الاستفادة مما وهبه الله من قوى وطاقات.

لقد تعودنا التردد وعدم الإقدام لكننا تعودنا إلى جانب ذلك الاعتذار وتسويغ موقفنا الفاشل الضعيف وذلك من مضاعفات عدم الإقدام وسيئاته المزدوجة إذ نبذل من الجهد لتسويغ موقفنا ما لو بذل في سبيل العمل لكان منتجاً لشيء ما، ونحن نعتذر لإخواننا ونبرئ أنفسنا من النقص كما نعتذر لأنفسنا، نعتذر بالمرض ونعتذر بضيق الوقت ونعتذر بقلة العلم ونعتذر بتعقد المشكلة وعظمها ونعتذر بعد كل هذا بالخوف من الإنفاق، والخوف من الإخفاق عامل قوي جداً في تثبيط عزائمنا.

وليس الخوف من الإخفاق مذموماً في كل حين بل قد يكون ممدوحاً إذا دفع إلى إحكام الأمر وإعداد العدة.

كان محمد صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر يكثر اللجوء إلى الله والتضرع إليه حتى أشفق أبو بكر عليه وقال: "بعض مناشدتك ربك فإن الله منجز وعده" هذا الخوف في هذا الموطن ممدوح جداً يحمل على استفراغ الجهد واستنفار الطاقات وإعداد أكمل العدد.

أما الخوف الذي لدينا فهو نوع من الوهم لا حقيقة له يقوم في أذهاننا الحائرة المبلبلة ويحول بيننا وبين الإقدام وهو خوف مبعثه رضا الناس وسخطهم وليس مبعثه الخوف على المبدأ ولا العقيدة.

وشبيه بهذا الخوف دعوى نقص العلم وهي دعوى صحيحة إذا لم تجاوز حد الاعتدال.

إن العامل الأساسي في نجاح الداعية ليس كثرة علمه ولا قوة بيانه وسحره، ولكن هناك عاملاً قبل كل هذه الأمور: هو الإيمان بالدعوة التي يدعو إليها والخوف الشديد مما يعتريها والشعور بالأخطار التي تقع بسبب إهمال الدعوة، إن مثل هذا الإنسان يصيح بالناس ويترك فيهم أقوى الآثار ولو كان أبكم.

فالخوف الذي نشكوه هو خوف سلبي مانع من الإقدام وليس دافعاً، ولذا صح أن يكون وهماً من الأوهام العامل فيه فقدان روح الإقدام ومراقبة الناس والبحث عما يرضيهم، قال الله تعالى: {أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ} [التوبة:13].

الخوف من الإخفاق المقرون بالتردد والخور وضعف العزيمة وعدم الإقدام خوف مرده إلى سوء التربية وهو مقترن بشيطان يدعو إلى البعد عن الواجب واعتذار باطل وحجة واهية كحجة المنافقين الذي قال تعالى فيهم {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَٰكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ} [التوبة:46].

يجب أن نعد العدة ونقذف بأنفسنا في ميدان العمل متوكلين على الله غير مبالين بشئ، قال الله تعالى: {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ} [آل عمران:159].

فإذا كان الاستعداد ناقصاً لدينا فيجب بذل الجهد لاستكماله، لأن (ما لايتم الواجب إلا به فهو واجب)،أما القعود لعدم استكمال العدة فهو حالة مرضية وحيلة شيطانية.

المصدر: كتاب المسؤولية بتصرف محمد المصري

محمد أمين المصري

عالم، محدث، مرب. (1333 – 1397 هـ 1914 – 1977 م) كان للشيخ بحوث مهمة في التربية

  • 0
  • 0
  • 1,034
المقال السابق
(4) الوهن
المقال التالي
(6) المؤمن القوي ووسائل تربية الإيمان

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً