إذا قرح القلب - [10] نعمت الذكريات

منذ 2016-03-10

إن كثيرًا من الناس ليس عندهم ذكريات جميلة؛ لأن بيننا وبين طيب الخلق ورائق المشاعر ورقيق الكلام بون شاسع، فنزر- عن الأغلب - وجود مثل تلك المواقف التي تستحق أن تحيا في الذاكرة؛ مما جعل حياتنا ذاتها قاسية فجاعت بل خوت حتى الذاكرة من ذكرى طيبة نجترها؛ لنلطف بها قسوة الواقع المادي المعيش؛ مما أورث قروحًا في القلوب وحزنًا في النفوس وضيقًا في الصدور ودمعًا في العيون. وكل ذلك سببه بعدنا عن السنة النبوية المشرفة التي تفيض برائق المشاعر وسامي الأخلاق، وألطف طرق التعبير والتواصل مع المحيطين.

سألتني إحداهن بعد كل ما سبق قائلة : قلتِ في أول كلامكِ : "فيا الله يا الله كم نقسو على أنفسنا؟ ولماذا؟" أنتظر الجواب. بارك الله فيك أختي الفاضلة و نفع بك.

قلـت: وبك نفع الله وفيك بارك آمين، يرحمكِ الله أخية: الموضوع كله هو الجواب. الواقع إن كثيرًا من الناس ليس عندهم ذكريات جميلة؛ لأن بيننا وبين طيب الخلق ورائق المشاعر ورقيق الكلام بون شاسع، فنزر- عن الأغلب - وجود مثل تلك المواقف التي تستحق أن تحيا في الذاكرة؛ مما جعل حياتنا ذاتها قاسية فجاعت بل خوت حتى الذاكرة من ذكرى طيبة نجترها؛ لنلطف بها قسوة الواقع المادي المعيش؛ مما أورث قروحًا في القلوب وحزنًا في النفوس وضيقًا في الصدور ودمعًا في العيون. وكل ذلك سببه بعدنا عن السنة النبوية المشرفة التي تفيض برائق المشاعر وسامي الأخلاق، وألطف طرق التعبير والتواصل مع المحيطين.

وقد تقدم ذكر أمثلة من ذلك على التفصيل، ولكن تأملي معي منها ما قاله صلوات ربي وسلامه عليه:
1- لعلي رضى الله عنه، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسحه عنه وهو يقول: «قم أبا تراب، قم أبا تراب»  انظري كيف كان على رضي الله عنه يحب ذلك الإسم بالذات ويفضله، وأشد ما كان يفرح به إلى أن مات ، وانظري كيف كان يجتر تلك الذكرى العاطرة؛ فيداخله السرور وينشرح بها صدره بالحبور.

2- لمعاذ: «يا معاذ إني والله لأحبك»  (صحيح ابن حبان [2021]) أليست أسمى وأعطر ذكرى يمكن أن يحملها قلب مدى الحياة، بل ويحشره مع الحبيب مولاه.

3- لأبي بكر رضى الله عنه «هل أنتم تاركون لي صاحبي» (صحيح البخاري [4640]) والله إن وقعها على القلب له صدى يمس شغافه، ويستدر دموع العين بفائض رقته وحنانه، هذا حالنا ولسنا أبا بكر فما بالك بوقعها عليه وتذكّره إياها!

4 - ولأم خالد رضى الله عنها: لما ألبسها ثوبًا بيديه الشريفة قائلاً:  سنة سنة أبلي وأخلقي ثم أبلي وأخلقي ثم أبلي وأخلقي ) هل هذه ذكري يمكن أن تغيب عن البال؟ والله إن ذلك من المحال. انظري أخية: كيف كانت تروي ذكراها تجتر تلطفه في طي فحواها، و تستدل بدعائه عليه الصلاة والسلام لها على ما رزقها الله من البركة في عمرها!

5 - لجابر بن عبد الله رضى الله عنهما يتشفع لأجله عند اليهودي كي ينظره ويأجل قبض الدين منه وفي رواية يقول عليه أفضل الصلاة والسلام: «أنظره لأجلي»  (صحيح البخاري [5443]) وكان جواب الكافر عليه من الله ما بستحق: "أبا القاسم لا أنظره" أهذه ذكرى تنسى؟ لا والله بل لها في القلوب المكان الأسمى!

6- وقوله لمرأة من الأنصار رضى الله عنها: «والذي نفسي بيده، إنكم أحب الناس إلي» (صحيح البخاري [3786]) مرتين، والله إنا لنغبطهم ونسأل الله أن يحشرنا في زمرتهم.

7- وقوله لمخرمة أبي المسور رضى الله عنهما وهو من المؤلفة قلوبهم: «انظر خبأت لك هذه انظر خبأت لك هذه» (المعجم الأوسط [8/255]) وقد خرج إليه على عجل بإزاره يبادره بما جاء به وعنه سأل، كأنه بذا يخصه بعطية يتودد إليه، وليس ضُر نبينا بيديه! أليست ذكرى تنقش في القلب!

8 - أما عن عائشة فنالت رضي الله عنها الحظ الأوفى؛ فذكراه عليه السلام معها تكاد لا تحصى، ويكفينا أن نذكر : كيف استوقف جيشًا بأسره - وليسوا على ماء وليس معهم ماء - يبحث لها عن عقدها الرخيص بخلق عال رائق نفيس. 

9- ومحمود بن الربيع -رضى الله عنه - صاحب المجة فكيف له ألا يحبه ؟ وقد ثبتت له بها صحبة شرب النبي عليه الصلاة والسلام ومج الماء في وجه الصغير، يلاطفه بقلب واسع رحب رحيم، تُرى كيف كان يجتر تلك الذكرى العطرة النفيسة؟!

10 - وأسامة بن زيد رضى الله عنه الحِبّ ابن الحِبِّ كيف له أن ينسى كيف مشاركة رسولنا له البكاء على موت أبيه، يحنو عليه بأصدق ودّ في مصابه يسليه:  لما قتل زيد بن حارثة، أبطأ أسامة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فلم يأته. ثم جاءه بعد ذلك، فقام بين يدي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فدمعت عيناه. فبكى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فلما نزفت عبرته قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم « لم أبطأت عنا ثم جئت تحزننا؟» قال: فلما كان الغد جاءه . فلما رآه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مقبلا قال: إني للاق منك اليوم، ما لقيت منك أمس فلما دنا دمعت عينه، فبكى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم 
هل مثل ذلك إلى نسيان؟ أم أنه محفور في عميق عميق القلب والوجدان!

11- وأهل الخندق رضي الله عنهم أجمعين لم يستأثر بدعوة دونهم، وهم والله إن فعل لكان أحب إليهم من إطعام أبنائهم، ولكن نبينا الحبيب يأبى إلا مشاركتهم داعيهم ومرحبًا بهم: «يا أهل الخندق إن جابرًا قد صنع سورًا، فحي هلا بكم» (صحيح البخاري [4102]) ذكرى عطرة لجابر وأهله وكل أهل الخندق من أفاضل أصحابه.

عذرًا فما إن آتي على ذكرى الحبيب إلا ويصير الإطناب سمتا ملازما يطيب! هل أجبتكِ ؟

أم هانئ

  • 6
  • 2
  • 3,915
المقال السابق
[09] ربَّاك ربُّك جل من ربَّاك
 

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً