شذرات من فقه الصوم ورمضان - (2)

منذ 2016-05-25

جواهر من فقه الصوم

بسم الله الرحمن الرحيم

رمضان وذكريات الطاعة والصيام من الأيام الجميلة في مخيلة كل مسلم، فهي أيام نور وبركة وسكينة وإطعام وإفضال، وهي محطة سنوية هامة في حياة كل مؤمن، فيها يغفر الذنب وتقبل التوبة وتمحى الحوبة، ولما كانت العبادات في أمس الحاجة لفقه يوضح معالمها ويعصمها من الجنوح إلى شراك البدعة، رأيت أن أجمع جواهر من فقه الصوم نحن في أمس الحاجة إليها، وقصدت من ذلك تذكير العالم وتعليم الجاهل، هذا وأسأل الله التوفيق والقبول والسداد والرشاد إنه على كل شيء قدير وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبع سنتهم.

- إذا وجد الإنسان في بلد بدأ أهلها الصيام وجب عليه أن يصوم معهم، لأن حكم من وجد في بلد في هذا الأمر حكم أهله لقوله صلى الله عليه وسلم: «الصوم يوم تصومون، والإفطار يوم تفطرون والأضحى يوم تضحون» (رواه أبو داود بإسناد جيد).
وعلى فرض أنه انتقل من البلد الذي بدأ الصيام مع أهله إلى بلد آخر فحكمه في الإفطار والاستمرار حكم البلد الذي انتقل إليه فيُفطر معهم وإن أفطروا قبل البلد الذي بدأ الصيام به، لكن إن أفطر لأقل من تسعة وعشرين يوماً لزمه أن يقضي يوماً، لأن الشهر لا ينقص عن تسعة وعشرين يوماً.. (فتاوى اللجنة الدائمة: [10/124]).

قال الشيخ ابن عثيمين:
إذا انتقل الإنسان من بلد إسلامي إلى بلد إسلامي وتأخر إفطار البلد الذي انتقل إليه فإنه يبقى معهم حتى يفطروا؛ لأن الصوم يوم يصوم الناس، والفطر يوم يفطر الناس، والأضحى يوم يضحي الناس، وهذا وإن زاد عليه يوم، أو أكثر فهو كما لو سافر إلى بلد تأخر فيه غروب الشمس، فإنه يبقى صائماً حتى تغرب، وإن زاد على اليوم المعتاد ساعتين، أو ثلاثاً، أو أكثر، ولأنه إذا انتقل إلى البلد الثاني فإن الهلال لم ير فيه وقد أمر النبي عليه الصلاة والسلام أن لا نصوم ولا نفطر إلا لرؤيته، فقال: «صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته» (متفق عليه).

وأما العكس: وهو أن ينتقل من بلد تأخر فيه ثبوت الشهر إلى بلد تقدم ثبوت الشهر فيه فإنه يفطر معهم، ويقضي ما فاته من رمضان، إن فاته يوم قضى يوماً، وإن فاته يومان قضى يومين، فإذا أفطر لثمانية وعشرين يوماً قضى يومين إن كان الشهر تامًّا في البلدين، ويوماً واحداً إن كان ناقصاً فيهما أو في أحدهما. (مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين: [19]، السؤال رقم: [24]).

- يدل على الرخصة للحامل في الفطر قوله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ الْمُسَافِرِ نِصْفَ الصَّلاةِ وَالصَّوْمَ، وَعَنْ الْحُبْلَى وَالْمُرْضِعِ» (حسنه الألباني في صحيح سنن النسائي).
وإذا أفطرت الحامل فإنها يلزمها قضاء الأيام التي أفطرتها. وهل يلزمها الإطعام في حال فطرها خوفا على جنينها؟ في ذلك خلاف بين الفقهاء.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله وهو يذكر اختلاف العلماء فيما يجب على الحامل إذا أفطرت: "القول الثالث: يلزمها القضاء فقط دون الإطعام، وهذا القول أرجح الأقوال عندي؛ لأن غاية ما يكون أنهما -الحامل والمرضع- كالمريض والمسافر، فيلزمهما القضاء فقط" (الشرح الممتع: [6/362]).

- الصداع الشديد من الأمراض التي تبيح الفطر في رمضان، لاسيما والصيام مما يزيد الصداع، فلا حرج على من أصيب بذلك أن يفطر ليأخذ الدواء، ويأكل ويشرب ليذهب عنه الصداع، وعليه قضاء الأيام التي أفطرها بعد رمضان، لقوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة:185ٍ].

قال في (الجوهرة النبيرة، حنفي: [1/142]): "المريض الذي يباح له الإفطار أن تزداد حُمَّاه شدة بالصوم، أو عيناه وجعا، أو رأسه صداعا".

- المعتمر في رمضان إذا جاء من بلاد بعيدة من نجد أو من غيرها فهو مسافر، يفطر في الطريق سواء جاء من الرياض أو القصيم أو من حائل أو من المدينة، فله أن يفطر في الطريق وفي مكة، أما إذا كان قد عزم على الإقامة أكثر من أربعة أيام فإنه إذا وصل مكة فالأحوط له أن يصوم، والأولى أن يصوم؛ لأن جمهور أهل العلم يرون أنه إذا عزم عزماً صادقاً جازماً على الإقامة أكثر من أربعة أيام فإنه يتم الصلاة ولا يفطر. (ابن باز، فتاوى نور على الدرب: [3/1231]).

- يجوز قبول دعوة إفطار من كان أغلب ماله حراماً، وقد قبل النبي صلى الله عليه وسلم دعوة اليهود على طعام مع وصف الله لهم بأخذ الربا وأكل أموال الناس بالسحت، وقد قال بعض السلف في مثل هذا: "لك غنمه وعليه غرمه". كما يجوز عدم قبول دعوته زجراً له وتبكيتاً.

- المريض الذي وعيه يغيب بعض الساعات فعليه الصوم، كالذي ينام في بعض الوقت، وكونه يغيب عنه وعيه بعض الأحيان في أثناء النهار أو في أثناء الليل لا يمنع وجوب الصوم عليه، لكن إذا طال به الإغماء حتى استغرق اليوم كله (من طلوع الفجر إلى غروب الشمس) فإنه لا يصح صومه وعليه قضاء هذا اليوم، أما إذا أفاق أثناء النهار فإن صومه صحيح.

- قال في (شرح منتهى الإرادات: [1/478]): "ومن صنعته شاقة وتضرر بتركها، وخاف تلفا أفطر وقضى، ذكره الآجري".

وفي (الموسوعة الفقهية: [28/57]): "قال الحنفية: المحترف المحتاج إلى نفقته كالخباز والحصاد، إذا علم أنه لو اشتغل بحرفته يلحقه ضرر مبيح للفطر، يحرم عليه الفطر قبل أن تلحقه مشقة".

وجاء في (فتاوى اللجنة الدائمة: [10/233]): "لا يجوز للمكلف أن يفطر في نهار رمضان لمجرد كونه عاملًا، لكن إن لحق به مشقة عظيمة اضطرته إلى الإفطار في أثناء النهار فإنه يفطر بما يدفع المشقة ثم يمسك إلى الغروب ويفطر مع الناس ويقضي ذلك اليوم الذي أفطره".

- بخاخ مريض الربو وجرعات الأكسجين فهو غاز مضغوط يستعمله المريض ويصل إلى الرئتين عن طريق القصبة الهوائية لتوسيع الرئتين، وهو ليس أكلاً ولا شرباً ولا شبيهاً بهما، وقد أفتى علماء اللجنة الدائمة بعدم الفطر باستعمال هذا الدواء، وهو ما يفتي به عامة أهل العلم.

لكن جلسة الاستنشاق بالتبخير فهو مفطر لأن الدواء يوضع في محلول ملحي ويتحول بالجهاز إلى بخار، ويلحق بالتبخير استعمال الكبسولات التي تثقب ويتطاير منها بودرة خاصة يستنشقها المريض لأنه دواء ذو جرم يختلط بعضه بالريق ويدخل إلى المعدة.

- إذا خرج شيء من المعدة إلى الفم (مريض ارتجاع المرئ) فإنه يجب على الصائم تفله، فإن تعمد بلعه بطل صيامه، وإن بلعه غير متعمد فلا شيء عليه.

- سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ما حكم المسلم الذي مضى عليه أشهر من رمضان يعني سنوات عديدة بدون صيام مع إقامة بقية الفرائض وهو بدون عائق عن الصوم أيلزمه القضاء إن تاب؟

فأجاب: "الصحيح أن القضاء لا يلزمه إن تاب؛ لأن كل عبادة مؤقتة بوقت إذا تعمد الإنسان تأخيرها عن وقتها بدون عذر فإن الله لا يقبلها منه".

- من وصل إلى حد الخرف أو الهذرمة، وتغير عقله، وأصبح لا يعي، لكبر سنه أو لمرض، سقط عنه الصوم والصلاة، ولا كفارة عليه، لأن من شرط التكليف صحة العقل.

خالد سعد النجار

كاتب وباحث مصري متميز

  • 0
  • 0
  • 8,425
المقال السابق
شذرات من فقه الصوم ورمضان (1)
المقال التالي
شذرات من فقه الصوم ورمضان (3)

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً