طريق التوفيق
ذاكم معشر المؤمنين طريق التوفيق؛ فاصدقوا ربكم في طلب هدايته، وصلاح ذرياتكم، ونشر دينكم، وعز أمتكم، ودحر أعدائكم؛ تروا من ربكم خيراً مما ظننتم وقدّمتم.
الحمد لله الولي الحميد، ذي العرش المجيد، والأمر الرشيد. وأشهد ألا إله إلا الله العلي الشهيد، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم التسليم المزيد.
أما بعد، فاتقوا الله عباد الله، {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ} [البقرة: 278].
أيها المؤمنون!
التوفيق نِشدة الحصيف وغاية طلبه؛ حين تسدد خطاه، ويُهدى إلى سبيل قويم يصيب القصد بأقرب طريق وأيسره. ولما كان التوفيق محض منة من الله؛ صار طلبه ورجاء حصوله مقصوراً عليه سبحانه، كما قال نبي الله شعيب عليه السلام: {وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ} [هود:88]. وسبيل الله في التوفيق بلجاء قويمة مضمونة النتائج، يُبِينُها قول الله تعالى : {فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ} [محمد:21]. ذلكم السبيل هو الصدق؛ طريق التوفيق الإلهي والتسديد الرباني والعون الرحماني؛ فليس للعبد شيء أنفع من صدق ربه في جمع أموره؛ إذ متى ما سلك جادته؛ أفضت به إلى فياض الخير، وانتهت به إلى جنات الخلود. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة» (رواه البخاري ومسلم). قال ابن القيم: "ليس للعبد شيء أنفع من صدقه ربه في جميع أموره مع صدق العزيمة؛ فيصدقه في عزمه وفي فعله. قال تعالى: {فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ} [محمد: 21]. فسعادته في صدق العزيمة وصدق الفعل؛ فصدق العزيمة جمعها وجزمها وعدم التردد فيها، بل تكون عزيمة لا يشوبها تردد ولا تلوم. فإذا صدقت عزيمته بقي عليه صدق الفعل، وهو استفراغ الوسع وبذل الجهد فيه، وأن لا يتخلف عنه بشيء من ظاهره وباطنه. فعزيمة القصد تمنعه من ضعف الإرادة والهمة، وصدق الفعل يمنعه من الكسل والفتور. ومن صدق الله في جميع أموره صنع الله له فوق ما يصنع لغيره. وهذا الصدق معنى يلتئم من صحة الإخلاص وصدق التوكل؛ فأصدق الناس من صح إخلاصه وتوكله".
عباد الله!
إن توفيق الصادقين هداية من الله لهم، ورحمة منه بهم، وفضل منه عليهم؛ ينبيك عن هذا وشيُ أخبارهم. فمن غرر أولئك الأبرار النفر الثلاثة الذين قص النبي صلى الله عليه وسلم نبأ احتجاز صخرة الغار لهم، فقالوا كما روى البخاري في صحيحه: « ». وذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم: « » (رواه البخاري).
وروى شداد بن الهاد رضي الله عنه أن رجلا من الأعراب جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فآمن به واتبعه، ثم قال: أهاجر معك، فأوصى به النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه، فلما كانت غزوة غنم النبي صلى الله عليه وسلم سبيا، فقسم وقسم له، فأعطى أصحابه ما قسم له، وكان يرعى ظهرهم، فلما جاء دفعوه إليه، فقال: ما هذا؟ قالوا: قسم قسمه لك النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذه فجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: ما هذا؟ قال: «الألباني).
»، قال: ما على هذا اتبعتك، ولكني اتبعتك على أن أرمى إلى هاهنا، وأشار إلى حلقه بسهم، فأموت فأدخل الجنة فقال: « »، فلبثوا قليلا ثم نهضوا في قتال العدو، فأتي به النبي صلى الله عليه وسلم يُحمل قد أصابه سهم حيث أشار، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: « » قالوا: نعم، قال: « »، ثم كفنه النبي صلى الله عليه وسلم في جبة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قدمه فصلى عليه، فكان فيما ظهر من صلاته: « » (رواه النسائي وصححهالخطبة الثانية
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
وبعد، فاعلموا أن أحسن الحديث كتاب الله..
أيها المؤمنون!
إنه لا وصول للتوفيق إلا بذلول الصدق. وإن الصادق لن يعدم من التوفيق إحدى حسنييه؛ ظفر بما أراده من الخير، أو حصول ثواب ذاك الخير كمن حققه وظفر به. ذاك فضل الله! ومن ذا الذي يحيط فضله؟! يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الدنيا ذكر منهم: « » (رواه الترمذي وقال: حسن صحيح).
» (رواه مسلم). وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجع من غزوة تبوك فدنا من المدينة، فقال: « »، قالوا: يا رسول الله، وهم بالمدينة؟! قال: « » (رواه البخاري). وحين ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أصناف الناس فيذاكم معشر المؤمنين طريق التوفيق؛ فاصدقوا ربكم في طلب هدايته، وصلاح ذرياتكم، ونشر دينكم، وعز أمتكم، ودحر أعدائكم؛ تروا من ربكم خيراً مما ظننتم وقدّمتم! أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة:119].
- التصنيف:
- المصدر: