في ظلال رمضان.. (16) من (30)
تب واستغفر وارفع حجب الذنوب وتخلص من قذاراتها وتطهر من نجاساتها ليصل الى قلبك نور الوحي فتجد في نفسك من المعرفة اليقين، وتجد من الوحي يقينا مصدقا حتى تتزاحم على قلبك أدلة الحق ويقينه، فتعيش ما تصدّق، وتحيا بما تؤمن، وتذوق الغيب وأنت حي.. وعندها ما أفلحك. وفي فتن اليوم مثال واختبار..
دور أصحاب اليقين:
ثمة أشخاص يوزعون اليقين على الأمة، هم عيون الأمة وملح الناس، بهم تثبت الآلاف والملايين، ويظهر الحق وتظهر أدلته، لا يرتابون ولا تزيغ عيونهم رغم عظم الفتن والشُبه واضطراب الموازين.. لا تعصف بهم رغبة ولا رهبة ولا يرتابون في قيم هذا الدين وتصوراته، بل تزيدهم المحن رؤية وشفافية، كما يقول أحدهم وهو يواجه الدجال (والله ما ازددت فيك الا يقينا)، يفيء الناس إليهم كالظلال في الهجير والمَعْلم البارز عند التيه وضلال الطريق، تُرمَق أفعالهم وتُسمع أقوالهم وتُقتفى آثارهم وينحاز الناس الى مواقفهم.. إنه اليقين.
تريد مثالا لهم ولدورهم؟ إنهم على مدار التاريخ..
عندما خاف البعض من الإقدام وقالوا:{لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ}[البقرة: 249] قال أصحاب اليقين الخاص المبني على نور الفطرة ونور الوحي{الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 250]، {وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}[آل عمران: 147]. رغب البعض في الدنيا، خفةً وعجلةً، لما رأوا قارون في زينته، وخُدعوا بمظاهره، ولم يلتفتوا الى بقاء هذا أو زواله، وعندها لم تزغ أبصار ولا يقين قوم ( {وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا}[القصص: 80] أدركوا هذا مبكرا، وأما الباقون فلم يدركوا الا بعد هلاك قارون فقالوا {وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ}[القصص: 83] أدركوا بتعجب بعد الهلاك، ولو طال بأهل الدنيا النعيم فقد يفتن أمثال هؤلاء، لكن اليقين في نفوس قوم رأوا به الأمور من مباديها فعرفوا مراميها، قال عامر بن عبد قيس: (لو رفع الغطاء ما ازددت يقينا).
إنهم من آمنوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهاجروا وغيروا مجرى التاريخ، لم يزيغوا أمام شبهة عرضت بل هم أزالوا الغشاوة عن العيون والقلوب بإذن ربهم تعالى.. كان يسير أحدهم ويثبت ويتحرك بهذا الدين، فلما آمن الناس بعدهم، بسببهم وعلى دربهم، قال عليه الصلاة والسلام للكرام الذين آمنوا بعد، كخالد بن الوليد، (يا خالد دع عنك أصحابي فواله لو كان لك أُحدٌ ذَهَبَاً ثم أنفقته في سبيل الله تعالى ما أدركت غدوة أحدهم ولا روحته).
كيف تكتسب هذا اليقين؟ إنها نفس الخطة ونفس المأخذ:
تب واستغفر وارفع حجب الذنوب وتخلص من قذاراتها وتطهر من نجاساتها ليصل الى قلبك نور الوحي فتجد في نفسك من المعرفة اليقين، وتجد من الوحي يقينا مصدقا حتى تتزاحم على قلبك أدلة الحق ويقينه، فتعيش ما تصدّق، وتحيا بما تؤمن، وتذوق الغيب وأنت حي.. وعندها ما أفلحك. وفي فتن اليوم مثال واختبار..