من ينهي الحكاية - مذكرات مرابطة (5)
سلسلة مقالات بقلم المناضلة الفلسطينية هنادي الحلواني، من مرابطات المسجد الأقصى، وقد أسمتها (مذكرات مرابطة).
مستمرّون:
صار الأقصى بزيادة المشاريع على مصاطبه كخلية نحل، تأتي الأم لحلقة العلم وتحضر أطفالها لحضنهم الآمن بين حلقات العلم المنتشرة، وتجلس هي حاضرة الذهن في دروسها.
وظلّت الأعداد في ازدياد رغمٍ احتجاز الاحتلال للهويات، صرنا نسلّم هوياتنا كإجراءٍ روتينيّ لا نلقي له بالاً، وكأنّها تحيّة الصمود الصباحيّ على أعين الاحتلال.
بدأتُ أحاول توظيف طاقات طالبات العلم، فمن تملك إجازةً في التجويد تدرّس المرحلة المتوسطة، ومن تحمل شهادة المرحلة المتوسطة تدرّس المرحلة التمهيدية أو محو الأمية، كخلية نحلٍ بهية المنظر عطرة النتاج.
وفي درس تربية الأبناء في الإسلام، بدأتُ بتدريبهم على التربية عن طريق اللعب، كلّ أم تحضر أطفالها وتبدأ بتطبيق ما تعلّمته في الدرس في جوّ من السعادة والألفة والمحبة.
ولا أزالُ أتنقّل بين هذه الحدائق الغناء كفراشةٍ وجدت مأواها، أراقب نموّها من حلقةٍ واحدة صغيرة إلى حلقتين فعشرة، وأكثر ثمّ أكثر.. أصوّبُ لهذه قراءتها، وأربت على كتف تلك التي تحدثني بحزنها، وأرفع طفلةً وقعت على الأرض وهي تلعب، وأثبّت أخرى أشجعها على الاستمرار، وأخطط لهذا المشروع هنا، وأديرُ ذلك المشروع هناك، وأعقد الدورات في كل مكان.. كما أرادت جدتي لي، وكما يرضى الله لي.
كانت أعين الاحتلال ترمقني بغيظٍ يزيدني إصراراً، ويزيدني بهجةً وقوة، وأرسم في مخيّلتي صورةً للمشروع ليكبر على أعينهم أكثر!
كنتُ ذات يومٍ منهمكةً في درس "أحكام الراء"، على بعد خطوات كان هناك سائحٌ أجنبي يرتدي حقيبة ظهر وقبعة، كان يجلس متظاهراً أنه جلس ليستريح، لكنه كان يستمع للدرس بإنصاتٍ لفت انتباهي، ثمّ اقترب.. وألقى السلام..
عرّف عن نفسه وعيونه تلمع بالمكر بأنه ضابط مخابرات صهيونيّ، سألني عن اسمي فقلت لتمويهه "أم حسين"، ابتسم مستهزأً.
ثم سألني: "لمين الأقصى؟"
فأجبته بحزم: للمسلمين!
هزّ رأسه مستنكراً وأخذ يحاول إقناعي أن الأقصى للديانات الثلاث، وهو هنا ليوفر الأمن لكل زوار الأقصى، كان يتحدث وأنا أرمقه ببرود دون أن أتفوّه بكلمة واحدة.
ثمّ لمعت عينيه بمكرٍ كبير وهو يبتعد قائلاً: "ديري بالك ع حالك".
مضى مبتعداً، لتبدأ هنا بداية جديدة لي!
يتبع...