عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان - (26) بناء المساجِد
مِن هذا المكان الطاهر ينطلق نداءُ السماء العلوي المقدَّس: "الله أكبر.. الله أكبر"، هذا النداء الذي تتجاوب أصداؤه بين الجوارح المؤمِنة، فتهتزُّ له حبات القلوب الخاشعة مع كلِّ صلاة، بل مع كلِّ خفقة من خفقات الأفئدة، هو بيت كل مؤمن
الوسيلة الخامِسة عشرة: بناء المساجِد:
المسجد: هو تلك البُقعة الأرضيَّة التي تُنَضِّرُها السماء، وترفرف عليها الملائكة على تعاقُب الجديدين بأجنحة مِن نور، هو ذلك المكان المقدَّس الذي تشهد تربتُه كلَّ يوم خمسَ مرَّات هذه الجباه الساجدة الضارِعة لبارئها، وهذه الأصلاب الراكِعة المنحنية على التسبيح لخالقها - عزَّ وجلَّ - هو مهبِط الرحمة، يشتاق المصلُّون لبابه، ويشتاق الراكعون لرِحابه، ويشتاق المتضرِّعون لقبابه، إنَّها بيوت الله في الأرض: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [النور: 36 - 38].
النور الطليق الشائِع في السموات والأرض، الفائِض في السموات والأرْض، يتجلَّى ويتبلور في بيوتِ الله، التي تتَّصل فيها القلوب بالله -تعالى- تتطلَّع إليه وتذكُره وتخشاه، وتتجرَّد له، وتؤثِره على كل مغريات الحياة، تلك البيوت التي أذِن الله أن تُرفع، فهي مرفوعةٌ قائمة، وهي مطهَّرة رفيعة، يتناسَق مشهدها المرفوع مع النور المتألِّق في السموات والأرض.
مِن هذا المكان الطاهر ينطلق نداءُ السماء العلوي المقدَّس: "الله أكبر.. الله أكبر"، هذا النداء الذي تتجاوب أصداؤه بين الجوارح المؤمِنة، فتهتزُّ له حبات القلوب الخاشعة مع كلِّ صلاة، بل مع كلِّ خفقة من خفقات الأفئدة، هو بيت كل مؤمن، وراحة كل تقي، ومنطلَق كل قوي، هو خيرُ البِقاع وأطهرها، هو أفضل الأماكِن وأرفعها؛ قال -صلى الله عليه وسلم- كما في الصحيحين: «مَن بنَى مسجدًا يَبتغي به وجهَ الله، بَنى الله له مثلَه في الجنة»، وقال -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه ابن ماجه وحسَّنه الألباني: «إنَّ ممَّا يلحق المؤمِنَ من عمله وحسناته بعدَ موته: علمًا علَّمه ونشره، أو ولدًا صالحًا ترَكه، أو مصحفًا ورَّثه، أو مسجدًا بناه، أو بيتًا لابنِ السبيل بناه، أو نهرًا أجراه، أو صدَقة أخرجها مِن ماله في صحَّته وحياته تلحقه مِن بعد موته».
ولا يشترط أن تبنيَه بمفردك، ولكن تعاون مع غيرِك على بناء المساجد، وتعاون أيضًا مع غيرك على إعمارها؛ وذلك بتوفير إمام متقِن على عِلم ودِين؛ ليجعلَ في المسجد رُوحًا طيبة، وينشر السُّنة، ويعلِّم الناس.
ويتعلَّق ببناء المساجد عدَّة أعمال صالِحة أخرى، فمن بينها:
* المشي إلى المسجد لأداء الصلاة المفروضة وغيرها:
ففي الصحيحين قال -صلى الله عليه وسلم-: «مَن غدَا إلى المسجد أو رَاح، أعدَّ الله له نُزلاً من الجنة كلَّما غدَا أو راح»، والنُّزل هو الرزق من الطعام والشراب الذي يُهيَّأ للضيف إكرامًا له، وعند أبي داود وحسَّنه الألباني: «مَن خرَج مِن بيته متطهرًا إلى صلاةٍ مكتوبة، فأجْره كأجر الحاج المحرِم، ومَن خرج إلى تسبيح الضُّحى لا ينصبه - لا يدفعه ولا يتعبه - إلا إيَّاه فأجره كأجر المعتمر، وصلاة على أثَرِ صلاةٍ لا لغوَ بينهما كتابٌ في عليِّين»، وعندَ ابن خزيمة وصحَّحه الألباني: «مَن توضَّأ فأسبغ الوضوء ثم مشَى إلى صلاة مكتوبة فصلاَّها مع الإمام، غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه».
* المشي إلى المسجد في ظلام الليل للتعبُّد:
قال -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه أبو داود والترمذيُّ وابن ماجه، وصحَّحه الألباني: «بَشِّر المشَّائين في الظُّلَم إلى المساجِد بالنور التام يومَ القيامة»، وعندَ الطبراني في الأوسط، وقال الألباني: صحيحٌ لغيره: «إنَّ الله لَيضيء للَّذين يتخلَّلون إلى المساجدِ في الظُّلم بنورٍ ساطِع يومَ القيامة»، وعندَ ابن أبي شيبة، وقال الألباني: صحيح لغيره: «مَن مشَى في ظلمة الليل إلى المسجد، لقِي الله بنور يومَ القيامة»، وعند ابن حِبَّانَ وقال الألباني أيضًا: صحيح لغيره: «مَن مشَى في ظُلمة الليل إلى المساجِد، آتاه الله نورًا يومَ القيامة».
ومعلومٌ أنَّ جهنم سوداء مظلِمة من شدَّة وطول ما أُوقد عليها، فيُضرب على ظهر جهنم يومَ القيامة الصِّراط، فيمرُّ عليه العباد، كما في قوله -تعالى-: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا}[مريم: 71]، ويكون لكلِّ مار مِن النور بقدْر إيمانه وعمَله، فمَن كان له نور نجا، ومَن لا نورَ له هلَك بالسقوط في جهنم - والعياذ بالله - فمِن أسباب النَّجاة: أن يكون للعبدِ نورٌ يوم القيامة؛ قال -تعالى-: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا}[مريم: 71 - 72].
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لاَ يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [التحريم: 8].
وقال تعالى: {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ * يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ * فَالْيَوْمَ لاَ يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلاَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاَكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [الحديد: 12 - 15].
* فائدة: حديث أبي أُمامة مرفوعًا: «مَن توضَّأ ثم أتى المسجِد فصلَّى ركعتين قبل الفجر، ثم جلَس حتى يصلِّي الفجر، كُتبت له يومئذٍ صلاة في الأبرار، وكتب في وفْدِ الرحمن»؛ حديث ضعيف؛ رواه الطبراني في الكبير، وقال الألباني: منكر.
* تعلُّق قلب الرجل بالمسجد كبَيتِه:
ففي السبعة الذين يُظلُّهم الله في ظلِّه يومَ لا ظلَّ إلا ظلُّه: «ورجلٌ قلبه معلَّق بالمساجِد»، وهو في الصحيحين، وعند الطبراني والبيهقي - واللفْظ له - وحسَّنه الألباني: «المسجد بيتُ كلِّ تقيّ، وقد ضِمن الله لمن كان المسجدُ بيتَه بالرَّوْح والراحة والجواز على الصِّراط إلى رِضوان الربِّ - عزَّ وجلَّ».
فهذا عملٌ يحبُّه الله -تعالى- مِن العبد، كما في الحديثِ الذي رواه ابن ماجه وأحمد وصحَّحه الألباني: «ما توطَّن رجلٌ مسلم المساجدَ للصلاة والذِّكْر إلا تبشبش الله له كما يتبشبش أهلُ الغائب بغائبِهم إذا قدِم عليهم».
* صلاةُ الرَّجُلِ تطوعًا حيثُ لا يراهُ الناسُ تعدِلُ صلاتَهُ على أعْينِ الناسِ خمسًا وعِشرينَ؛ صحيح الجامع الصغير وزياداته.
ومِن آداب الحضور إلى المسجد:
1 - الخروج إلى المسجِدِ على أحسن هيئةٍ وأطيبِ رِيح؛ فإنَّما هو متوجِّه إلى الله -تعالى- فيجب عليه أن يخرُجَ نظيفَ البَدن، طيِّب الرائحة، متجملاً في أحسن ثيابه، منفذًا قول الله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ}[الأعراف: 31]، والمراد بالزِّينة: جميل الثِّياب؛ قال ابن عبَّاس - رضي الله عنهما -: "إنَّ أحقَّ مَن تُزُيِّنَ له هو الله".
2 - المشي إلى المسجد في سكينة ووَقَار؛ والسكينة هي التأنِّي في الحرَكات واجتناب العبَث، والوقار هو غضُّ البصَر، وخفْض الصوت، وعدم الالتفات إلا لضرورة.
3 - الذَّهاب إلى المسجد ماشيًا، والسُّنة المقاربة في الخُطوات؛ لتكثرَ خُطوات الماشي فيَزيد في الثواب.
4 - عدَم التشبيك بيْن الأصابِع، لا حالَ الذَّهاب إلى المسجِد، ولا في حالة انتظار الصلاة، ولا في الصَّلاة نفْسها؛ فهو مكروه باتِّفاق أهل العِلم؛ لما في الحديث الصحيح في المسنَد عن كعْب بن عُجرة - رضي الله عنه - قال: دخَل عليَّ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- المسجدَ وقد شبكتُ بيْن أصابعي، فقال لي: «يا كعبُ، إذا كنتَ في المسجد فلا تُشبِّك بين أصابعك؛ فأنتَ في صلاة ما انتظرتَ الصلاة».
5 - تقديم الرِّجل اليُمنى عندَ الدخول؛ فعن أنس قال: مِن السُّنة إذا دخلت المسجد أن تبدأ برِجلك اليُمنى، وإذا خرجتَ أن تخرج برِجلك اليُسرى، وإذا دخلتَ المسجد وخلعتَ نعليك؛ فلتضعهما في المكان المخصَّص لهما، ولا تؤذِ بهما أحدًا.
6 - الدُّعاء عند دخولِ المسجد؛ فقدْ كان -صلى الله عليه وسلم- إذا دخَل المسجد يقول: «بسم الله، والصلاةُ والسلام على رسول الله، اللهم اغفرْ لي ذُنوبي، وافتحْ لي أبواب رحمتك»، وإذا خرَج قال: «بسم الله، والصلاةُ والسلام على رسولِ الله، اللهمَّ اغفرْ لي ذنوبي وافتح لي أبواب فَضْلك»؛ كما في صحيح سنن ابن ماجه.
ولكن؛ لماذا طلبتَ الرحمة عندَ الدخول، والفَضْل عندَ الخروج؟! ذلك لأنَّ المصلِّي إذا دخل المسجد اشتغَل بما يقرِّبه من مولاه - تبارك وتعالى - وإلى رضوانه وجنَّاته، مِن نحو صلاة وتسبيح وتحميد، وغير ذلك مِن الذِّكر؛ فناسب ذلك ذِكر الرحمة، لكنَّه إذا خرَج من المسجد، فإنَّه في الأغلب يشتغل بطلب الرِّزق الحلال له ولِمَن يعول؛ فناسب ذِكْر الفضل.
7 - إذا دخلتَ المسجد لا تجلسْ حتى تصلِّي ركعتين تحيَّة المسجد، وعلى المسلم أن يُصلي هاتين الركعتين حتى ولو كان الإمامُ يخطُب يومَ الجُمُعة، ولكن في هذه الحالة عليه أن يخفِّفهما.
8 - إلقاء السلام؛ فالسلام تحيَّة الخلْق؛ ولذلك كان مِن هدْي النبي -صلى الله عليه وسلم- أنَّ الداخل إلى المسجد يبتدِئ برَكعتين تحيَّة المسجد، ثم يُسلِّم على القوم؛ فتكون تحيَّة المسجد قبلَ تحيَّة أهله؛ فإنَّ تلك التحية حقُّ الله -تعالى- والسلام على الخلْق حقٌّ لهم.
9 - استعمال السِّواك؛ لأنَّ السواك يقوم بتنظيف الفمِ مِن الروائح الكريهة.
10 - التبكير إلى المسجد، كان الأعمش - رحمه الله - مِن المحافظين على التبكير إلى الصلاة، حتى قال وكيع: اختلفتُ إليه قُرابةَ سنتين ما رأيتُه يقضي ركعةً، وكان سنُّه يقترب مِن السبعين! ومع ذلك لم تكن تفوته التكبيرة الأولى، وقال عديُّ بن حاتم - رضي الله عنه -: "ما دخَل وقت صلاة قط إلا وأنا مستعدٌّ لها، ويذكر عن سعيد بن المسيَّب - رضي الله عنه - أنَّه لم تفتْهُ تكبيرة الإحرام أربعين سَنَة!
11 - المحافظة على الصلاة في الصفِّ الأول.
12 - تسويةُ الصفوف؛ فمِن آداب الحضور إلى المساجِد تسويةُ الصفوف إذا أُقيمت الصلاة، وقدْ كان النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- يهتمُّ بتسوية الصفوف وتعديلها اهتمامًا شديدًا، ويقول كما في صحيح البخاري: «لتسونَّ صفوفكم أو ليخالفنَّ الله بين قلوبكم»، والمعنى - والله أعلم -: أنَّ عدم تسوية الصفوف يوقِع بينكم البغضاءَ والعداوة واختلافَ القلوب.
13 - ألا يخرج من المسجد بعدَ الأذان إلا لعُذر؛ لأنَّ ذلك يعتبر إعراضًا عما يقتضيه الأذان.
14 - ألا تمرَّ بين يدي المصلِّي؛ فـ: «لو يعلم المارُّ بين يدي المصلِّي ماذا عليه، لكان أن يقِف أربعين خيرًا له من أن يمرَّ بين يديه»؛ كما روى البخاري.
15 - صيانة المسجد عن الحِرَف والتكسُّب، وسائِرِ الأعمال الدنيويَّة، كالبيع والصناعة؛ لأنَّ المساجد إنما بُنيت للصلاة وذِكر الله - تبارك وتعالى - ففي صحيح سُنن الترمذي قال -صلى الله عليه وسلم-: «إذا رأيتُم مَن يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا: لا أرْبحَ الله تجارتَك، وإذا رأيتم مَن ينشد فيه ضالةً فقولوا: لا ردَّ الله عليك».
16 - صيانة المسجِد عن اللغو ورفْع الصوت، وعنِ الكلام والشِّعر القبيح؛ قال تعالى: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ}[الحج: 32].
17 - يُكرَه لمن جلس في المسجد إسنادُ ظهره إلى القِبلة؛ فمِن السنة أن يستقبل القِبلة، إلا إنْ كان عالمًا أو فقيهًا يدرِّس العلم للناس، وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنَّه رأى قومًا قد أسندوا ظهورَهم إلى القِبلة فقال لهم: لا تَحولوا بين الملائكة وبيْن صلاتها.
الوسيلة السادسة عشرة: التسامُح والإعراض عنِ الجاهلين:
قال -صلى الله عليه وسلم- كما في الصحيحين: «فإذا كان يومُ صوم أحدِكم، فلا يرفث ولا يصخَب، فإنْ سابَّه أحدٌ أو قاتلَه فليقلْ: إنِّي امرؤٌ صائم)» وقال -صلى الله عليه وسلم- كما عندَ البخاري: «مَن لم يدَعْ قول الزور والعملَ به والجهل، فليس لله حاجةٌ في أن يدَعَ طعامَه وشرابه»
ولا يخدعنَّك الشيطان بأنَّ ذلك مِن الضعف؛ فليس القوي بالصُّرَعة، ولكنَّه الذي يملك نفْسه عندَ الغضب - كما قال - صلَّى الله عليه وسلَّم.
الوسيلة السابعة عشرة: الشَّفَقة على البنات والضُّعفاء والمساكين، وإيثارهم على النَّفْس:
فقد روَى مسلم من حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: جاءتْني مسكينة تحمِل ابنتين لها، فأطعمتُها ثلاثَ تمرات، فأعطتْ كلَّ واحدة منهما تمرة، ورفعت إلى فيها تمرة لتأكلها، فاستطعمتْها ابنتاها، فشقَّتِ التمرة التي كانت تُريد أن تأكلها بينهما، فأعجبني شأنها، فذكرتُ الذي صنعتْ لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: «إنَّ الله قد أوْجَب لها بها الجَنَّة، أو أعتَقَها بها مِن النار».
وقد ترْجَم له الإمام النووي في الرِّياض تحت عنوان: "باب: ملاطفة اليتيم والبنات وسائرِ الضَّعَفَة والمساكين والمنكسرين، والإحسان إليهم، والشفقة عليهم، والتواضُع معهم وخفْض الجَناح لهم".
ويدخُل في ذلك أيضًا كفالة اليتيم ورِعايته والقيام بشؤونه؛ قال -صلى الله عليه وسلم- كما في الصحيحين: «أنا وكافِلُ اليتيم في الجنة هكذا - وأشارَ بإصبعيه السبابة والوُسْطى، وفرَّج بينهما».
اليتيم هو الصغير الفاقِد الأب؛ لأنَّ الأب هو الذي يعول الصغير، ويرْعَى شؤونه، ويقوم بتعليمه وتأديبه، وتعاليم الإسلام تحثُّ على معاملة اليتيم معاملةً حسنة؛ وذلك مراعاةً لنفسيته؛ لأنَّه لَمَّا فقَدَ أباه شعر بالحاجة الشديدة إلى مَن يقوم بحمايته، ويقوِّي عزيمته، ويشدُّ أزره، لَمَّا فقد أباه شعر بالوحشة والذلَّة والانكسار، فكان لا بدَّ من تعويضه؛ لئلاَّ ينحرف، فجاء الإسلام ليعالج هذا كله.
أخي - يا بن الإسلام -: إنْ كان لديك شوقٌ أن تكون مع النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- في الجنة، فأحسِن معاملةَ اليتيم، إنْ كان لديك شوقٌ أن تكون مع سيِّد الأولين والآخرين، فأدْخِل السرور على قلْب يتيم، جفِّف دمعَه، امسحْ رأسه، اكْسُ بدنه، أضحِك من اليتامَى وُجوهًا، شق الحزن في خدودها أخاديد؛ ففي الحديث الصحيح في المسند أنَّ رجلاً شكَا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- قسوةَ قلْبِه، فقال له: ((إنْ أردت تليينَ قلْبك، فأطعِم المسكين، وامسَحْ رأس اليتيم)).
ومِن الأدَب مع الأيتام:
1 - كفالة اليتيم بأن يُعطَى ما يَكفيه لحياته ومؤنته، وقد سبَق حديث «أنا وكافِل اليتيم».
2 - الإحسان إليه دائمًا، وتطييب خاطِره، وعدم إيذائِه.
3 - المسْح على رأسه، والاحتِفاء به، والدُّعاء له.
4 - إدْخال السُّرور على قلْبه بالهدايا، والثناء عليه، وغيرها.
5 - حِفظ مال اليتيم؛ قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا}[النساء: 10].
6 - عدم التفاخُر بالأنساب خاصَّة في وجودِ وحضور اليتامَى؛ فالتفاخر بالأنساب إنَّما هو عادةٌ جاهليَّة، أبطلها الإسلام الحَنيف، وحرَّمها تحريمًا قاطعًا، فليس الفضلُ بالنَّسَب؛ وإنما الفضْل بالتقوى والصَّلاح، واليتيم حين يُفْتَخَرُ أمامَه بالأنساب يجِد في نفْسه ويحزن، لكنَّه لو علم أنَّ الإسلام هو أعظمُ نسَب لما حزن، فليس يتيمًا مَن استظلَّ بظلِّ الإسلام، ولجأ إلى توجيهاته فصارَ ابنَ الإسلام.
الوسيلة الثامِنة عشرة: لزوم الاستغفار، خاصَّة في السَّحَر:
قال تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}[الأنفال: 33]، وقال تعالى: {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ}[آل عمران: 17]، وقال تعالى: {وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ}[هود: 3]، وقال تعالى عن هود - عليه السلام -: {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ}[هود: 52]، والآيات في الاستغفار والحثِّ عليه كثيرة كَثيرة، ورَوى أبو داود والترمذيُّ وابن ماجه وأحمد عن ابنِ عُمرَ: إنْ كنَّا لنعدُّ لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المجلس الواحِد مائةَ مرَّة: «ربِّ اغفرْ لي وتُبْ عليَّ؛ إنك أنتَ التوَّاب الرَّحيم»، ورَوى البيهقي وحسَّنه الألباني: «مَن أحب أن تسرَّه صحيفتُه، فليكثرْ فيها من الاستغفار»، وعند النَّسائي وابن ماجه والبيهقي وصحَّحه الألباني: «طُوبَى لمن وجد في صحيفتِه استغفارًا كثيرًا»، وعند الترمذي: «مَن قال: أستغفِر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأَتوب إليه، غُفِر الله له، وإنْ كان فرَّ مِن الزحف».
فالعبد لا يدْري ولا يَعلم ذنوبَه كلها، فعليه أن يُكثر مِن الاستغفار، وقد قال -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه أحمدُ والحاكِم وحسَّنه الألباني: «إنَّ الشيطان قال: وعِزَّتِك يا ربِّ، لا أبْرَح أُغوي عبادَك ما دامتْ أرواحُهم في أجسادِهم، فقال الرب: وعزَّتي وجلالي، لا أَزال أغفِر لهم ما استغفروني».
ومع ذلك نجِد كثيرًا مِن الناس مَن إذا قلت له: استغفِرِ الله، يقول لك: وهل عملتُ شيئًا حتى أستغفر؟! ولم يعلم هذا المسكين أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يستغفِر الله في اليوم سبعين مرَّةً - وهو الذي غفَر الله له ما تقدَّم من ذنبِه وما تأخَّر - وفي صحيح مسلم قال -صلى الله عليه وسلم-: ((يا أيُّها الناس تُوبوا إلى الله واستغفروه؛ فإنِّي أتوب إليه في اليوم مائةَ مرة)).
وهذا بالنسبة للاستغفار الخاص، أما الاستغفار للمؤمنين والمؤمنات، فهذا باب آخر مِن أعظم وسائلِ استثمار رمضان، بل مِن أعظم وسائل استثمار الحياة كلها؛ فقد قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [الحشر: 10]، وقال تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ}[محمد: 19]، وقال -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه الطبرانيُّ وحَّسنه الألباني: «مَن استغفَر للمؤمنين والمؤمنات، كُتِب له بكلِّ مؤمنٍ ومؤمنة حَسَنة».
فيا ليتنا نتعايش بقلوبنا مع هذا التوجيه النبوي الكريم! فنستغفر للمؤمنين والمؤمِنات، الأحياء منهم والأموات؛ لنفوزَ بهذا الأجْر العظيم، وليسخِّر الله مَن يَستغفِر لنا بعدَ موتنا.
* قال -صلى الله عليه وسلم- كما في الصحيحين: ((أذْنَب عبدٌ ذنبًا، فقال: اللهم اغفِرْ لي ذَنبي، فقال - تبارك وتعالى -: أَذْنَب عبْدي ذنبًا فعلِم أنَّ له ربًّا يَغفِر الذنبَ ويأخُذ بالذنْب، ثم عاد فأذنْب، فقال: أي ربِّ اغفرْ لي ذنبي، فقال - تبارك وتَعالى -: عبدي أذْنبَ ذنبًا فعلِم أن َّله ربًّا يغفِر الذنب ويأخُذ بالذنب، ثم عاد فأَذْنب، فقال: أي ربِّ اغفر ْلي ذَنبي، فقال - تبارك وتعالى -: أذْنَب عبدي ذنبًا فعلم أنَّ له ربًّا يغفر الذَّنب ويأخُذ بالذنب، اعملْ ما شِئتَ فقدْ غفرتُ لك)).
وهذا يُعدُّ مِن علامات الإيمان: أن يستشعرَ العبدُ الذنبَ ولا يصرُّ عليه، فما أن يرتكب ذنبًا إلا سارَع بالتوبة والاستغفار، ودعاء الله ومناجاته، والمبادَرة بطلب المغفرة، والنَّدم على ما جنَتْه يداه، ثم تغلبه نفسُه البشريَّة فيقع في ذنبٍ من جديد، فيسارع إلى التوبة والاستغفار وطلَب المغفرة، وهكذا.
* التوبة إلى الله: قال -صلى الله عليه وسلم-: ((إنَّ الله يبسُط يدَه بالليل ليتوبَ مسيءُ النهار، ويبسُط يدَه بالنهار ليتوبَ مسيءُ الليل، حتَّى تطلُعَ الشمس من مَغرِبها))؛ رواه مسلم.
فجدِّد دائمًا التوبة إلى الله مِن كلِّ ذنب؛ لتَلقَى الله نظيفًا طاهرًا مبرأً من كلِّ عيب.
الوسيلة التاسعة عشرة: سؤال الله الشهادة بصدق:
أخي الحبيب، يا بن الإسلام، بالله عليك: هل سألتَ الله بصِدق أن يرزُقَك الشهادة في سبيله؟! إن قلتَ: نعم، فكم مرةً في حياتك؟!
إنَّ هذا الأمر لا يُكلِّفك شيئًا سوى أن تستحضرَ النيَّة الصادقة، وأن تُخلِص لله في هذا السؤال، وسوف يَرزُقك الله -تعالى- أجْرَ الشهداء، ومنازِل الشهداء، حتى وإن متَّ على فراشك.
قال -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه مسلم: ((مَن سَألَ الله الشهادةَ بصِدق، بلَّغه الله منازلَ الشهداء وإنْ ماتَ على فراشِه))، وفي صحيح مسلم: ((مَن طلَب الشهادةَ صادقًا، أُعطيها ولو لم تصبْه)).
وأمَّا الذين رَضُوا بالحياة الدنيا واطمأنُّوا بها، ولم تتلهَّفْ قلوبهم للشهادة في سبيلِ الله، فقد أنْذَرهم النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- بسوءِ الخاتمة، فقال كما عندَ مسلِم وأحمد وأبي داود والنسائي: ((مَن ماتَ ولم يغزُ ولم يُحدِّث نفْسَه بغزوٍ، مات على شُعبةٍ مِن نِفاق)).
إنَّ حبَّ الشهادة في سبيلِ الله مِن قلبٍ صادِقٍ عمل قلبي، يُمكن إدراكه بمعرفة فضيلةِ الجِهاد في سبيلِ الله، ومطالعة سير المجاهِدين في سبيلِ الله عبْر تاريخ المسلمين الطويل.
الوسيلة العشرون: البِراءة مِن الكبر والغُلول والدَّين:
قال -صلى الله عليه وسلم-: ((مَن مات وهو بريء مِن الكِبر والغُلول والدَّين، دخَل الجَنَّة))؛ رواه الترمذي وصحَّحه الألباني.
الوسيلة الحادية والعشرون: إنْظار المعسِر أو التجاوز عنه:
فقد ذكَر النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- كما في صحيح مسلم: ((أنَّ رجلاً مات فدخَل الجنة، فقيل له: ما كنتَ تعمل؟ قال: كنتُ أُبايع الناس، فكنتُ أُنظِر المعسِر، وأتجاوز في السكَّة أو في النقْد، فغُفِر له))، والمعنى: أنه كان يتسامَح في الحقوق، ولا يشدِّد.
وفي الصحيحين قال -صلى الله عليه وسلم-: ((تلقَّتِ الملائكة رُوحَ رجل ممَّن كان قبلكم، فقالوا: أعملتَ مِن الخير شيئًا؟ قال: لا، قالوا: تذكَّر، قال: كنتُ أُداين الناس، فآمُر فِتياني أن يُنظِروا المعسِر، ويتجوَّزوا عن الموسِر، قال: قال الله: تجوَّزوا عنه)).
وقدْ روَى مسلم والدارمي عن قتادة أنَّه طلَب غريمًا له فتوارَى عنه، ثم وجدَه، فقال: إني معسِر، قال: آلله؟ قال: آلله، قال: فإني سمعتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((مَن سَرَّه أن يُنجيَه الله من كُرَب يوم القيامة فَلْيُنَفِّسْ عن معسِر أو يضَع عنه))، وروى الترمذيُّ وابن ماجه وأحمد، وصحَّحه الألباني، قال -صلى الله عليه وسلم-: ((مَن أنْظر معسرًا أو وضَع له، أظلَّه الله يومَ القِيامة تحتَ ظلِّ عرْشه يومَ لا ظلَّ إلا ظله))، و((مَن نفَّس عن غريمهِ، أو محَا عنهُ، كان في ظلِّ العرْشِ يومَ القيامة))؛ صحيح الجامع الصغير وزياداته.
وفي صحيح الترغيب، قال -صلى الله عليه وسلم-: ((مَن أنظر معسِرًا، فله كلَّ يوم صدَقَة قبل أن يحلَّ الدَّين، فإذا حلَّ الدَّين فأنظرَه بعدَ ذلك، فله كلَّ يوم مِثليه صَدَقة)).
وعمومًا؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: ((مَن يسَّر على مُعسِرٍ يسَّرَ الله عليه في الدُّنيا والآخِرة))؛ رواه مسلم.
الوسيلة الثانية والعشرون: الإصلاح بيْن الناس:
قال تعالى: ﴿ لاَ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 114]، وقال تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الحجرات: 10]، وقال -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه أحمد وأبو داود والترمذيُّ،وصحَّحه الألباني: ((ألاَ أُخبركم بأفضلَ مِن درجة الصيام والصَّلاة والصَّدَقة؟))، قالوا: بلى يا رسولَ الله! قال: ((إصلاح ذاتِ البَيْن؛ فإنَّ فسادَ ذات البيْن هي الحالِقة)).
لقد غابتْ هذه السُّنة المباركة مِن بيْن أكثر الناس، فبدلاً مِن أن يسعَى الرجل لإصلاح ذاتِ البَيْن، إذا به يمشِي بين الناس بالنميمة؛ لإفسادِ ذات البَيْن - ولا حولَ ولا قوَّة إلاَّ بالله العليِّ العظيم.
فإصلاح ذات البَيْن أمرٌ جليل؛ ولذلك أباح النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- الكذِبَ في ثلاثة مواطِن، وكان مِن بينها: أن يكذب الرجلُ للإصلاح بيْن المسلمين المتخاصمين؛ ففي الصحيحين قال -صلى الله عليه وسلم-: ((ليس الكذَّاب بالذي يُصلِح بين الناس فيَنمي خيرًا ويقول خيرًا))، وفي الصحيحين: ((كل سُلامَى - عظام الأصابع في اليدِ والقدَم، وقيل: كل عظْم مجوَّف مِن صغار العظام - من الناس عليه صَدَقة، كل يوم تطلُع فيه الشمس يعدِل بيْن الاثنين - يُصلِح بينهما بالعدْل - صدَقة، ويُعين الرَّجلَ على دابته فيحمل عليها أو يرْفع عليها متاعَه صدَقة، والكلمة الطيِّبة صَدَقة، وكلُّ خُطوة يَخْطوها إلى الصلاة صَدَقة، ويُميط الأذَى عنِ الطريق صَدَقة)).
- التصنيف:
- المصدر: