الموتُ المتكرِّر!!
تتوالى الأحداث على بعضهم ويعاين الموت فينجّيه الله ، وتحس أن له عمرا جديدا، بينما يهلِك أناس على فرشهم!
الموت وفراق الحياة موعد حتمي، ولحظة منتظرة يخشاها جل الخلائق ولا ينفك عنها كائن حي ( {كل نفسٍ ذائقة الموت} ) سورة آل عمران ولا يمكن لعبدٍ عظُم أو صغُر أن يفر من تلكم النهاية، وكما قال المتنبي:
نعد المشرفيةَ والعوالي
وتقتلنا المنونُ بلا قتالِ!
فمع عدته وعتاده، ومن بين أمواله وأملاكه تأتيه العاقبة القاطعة!!
تكرّرَ الموتُ لم نُحدِث له رشدا
واحسرتاهُ على قلبي وما حشَدا
واحسرتاه على روحي وقد أكلت
كلَّ الزروع ولم تبقِ لها رغَدا!
تتوالى الأحداث على بعضهم ويعاين الموت فينجّيه الله ، وتحس أن له عمرا جديدا، بينما يهلِك أناس على فرشهم! وتشتد الأحزان والأمراض على أناس، وتقعد بهم الفُرش فلا يموتون، ولا يزال في وجودهم عبرة لكل عاقل .
والمعتدي القاتل لا يزال يموت من ذكرى طيشه وعسفه ويخاف من كل أقاربه وحشوده! فلا أكل مطمئن، ولا شراب مريح، وإن أبدى التجلد! فيموت بالقلق والخوف، ويدب الرعب في جوانحه حتى يهده هدّا، فيظل يَهذي بلا شعور ويصير أضحوكة الناس!.
واستطالة الديون في بعض الناس، تورثهم الغم والنصب وكراهية الحياة حتى يفكروا في الانتحار والخلاص المريح، وليس مريحا!( {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما} ) سورة النساء. وقال في الحديث ( «لا يتمنينّ أحدكم الموت لضر نزل به» ).
والمستضعفون المشردون في مناطق عدة من العالم العربي يذوقون الموت كل يوم وكل لحظة ، ولا يهتم بهم أحد، أو يحس ألمهم وينجو بعضهم، وكم من ناجٍ من مآسٍ وكوارث باتوا رموزا في فاعلية الحياة وأمجادها.
تكرر الموت، وحضَر، وداهم في حسهم، ولكن لم تحضر ساعتهم بعد ( {وكل شيء عنده بمقدار} ) [سورة: الرعد] .
- لكن في هذا التكرر عظة وعبرة، ودرسٌ ونذارة، أن يُعد العاقل عُدته، ويهتبل الحريص فرصته، فاعتبروا يا أولي الأبصار!
وفي مصارع الناس وحوادثهم كل يوم مشاهد وعبر ومواعظ وذِكَر فهي لحظات متكررة، ونذارات متوالية، ومن المؤسف صارت تقليدية عند كثير منا، ويظن أنها لغيره وليست له أو أنها حدث عابر!
وفِي حوادث السيارات أعظم عبرة لكل متعظ ومعتبر، فينحو كثيرون من حوادث ووقائع قاتلة، تحملهم على الترشد والتوبة إلى الله.( {أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه} ) سورة المائدة. وآخرون لا يزدادون إلا مكابرة وغياً، فيوغلون في اختراق الأنظمة وتوسيع دائرة المخالفات، إلى أن تنتهي بهم إلى المشافي وطلب العلاجات المختلفة .
- فيموت بعض ذوي العاهات موتات من جراء طول الحسرة وتراكم الندم، والتهاف الحزن والمَضَض، والله المستعان.
وتطالعنا الصحف والمواقع بكوارث وعجائب من الموت والنجاة، وهي فرصة للاعتبار والادكار، وحمل النفس على التوبة والاستغفار، والتفكر في المصير والمسير الى الواحد الأحد ( {ربنا إنك جامع الناس ليومٍ لا ريب فيه} ) [سورة آل عمران] .
وصار الموت مكررا في جوامع الجنائز وفي الحرمين، وما زالت قلوبنا قاسية عن وعي ذلك، والتخوف من الساعة الرهيبة، واللحظة الخطيرة، وهي حافز عملي لادكار جوهر الحديث الصحيح ( «أكثِروا ذكر هاذم اللذات» ). وقيل لبعض الزُّهَّاد: ما أبلغُ العِظات قال: النظَر إلى الأموات).
وفي قصص بعض المترفين، وقد جمع من الدنيا فأوعى، وبوغت في أقاربه وأحبابه، ولم يتعظ، وأُحرقت بعض أمواله، ولم يتفكر، أو يحس بالخطر، وبقي في شهواته حتى أخذه الموت وهو لم يشعر والله المستعان.
أمنيةٌ طمعت نفسي بها زمناً
واليوم أبصرها أضغاث أحلامِ.
والله لو عقلنا رسالة الحياة والموت، لما انقطعنا لدنيانا، وتنافسنا في أهوائنا، ولراجعنا أحوالنا، قال الإمام الحسن البصري رحمه الله، ونِعم ما قال:( إن الموت فضح الدنيا، فلم يترك لذي لُب به فرحاً).
وإن العقل الصحيح ، وقد عاين المعاناة، وذاق الرقائق واسترشد بالوحيين لزاهد في الدنيا، موقن بالآخرة، ومستعد لها! فاللهم أنِر قلوبنا، واملأها حكمة وبصيرة يا سميع وَيَا مجيب، إنك على كل شيء قدير!
- التصنيف: