مع القرآن (من الأحقاف إلى الناس) - وقال قرينه هذا ما لدى عتيد
وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ * أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ * الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ * قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ * قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ * مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ
{وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ } :
في مشهد عصيب ومهيب يتحدث القرآن عن بعض تفاصيل الحساب يوم القيامة وعن بعض حوارات قرناء الإنسان من الملائكة ومن الجن .
أما القرين الأول الذي يتكلم في هذا المشهد فهو القرين من الملائكة الذي شهد كل أفعاله وأقواله يقدمه وهو سائق له شهيد عليه .
وينادى في الجميع بإلقاء كل كفار عنيد في جهنم بعدما سيق إليها , فقد كان منوعاً للخير , معتد على العباد , مرتاب شاك في الله وأمره, مشرك بالله تعالى, فتارة يعبد هواه وتارة يعبد البشر ويقدس أقوالهم وتارة يعبد الحجر أو الملائكة أو الجن أو حتى الأنبياء, وهؤلاء ليس لهم في الآخرة إلا العذاب الشديد.
وأما القرين الثاني المتحدث فهو قرين الجن , الذي يتحدث حين ينفي عن نفسه تهمة الإضلال ويؤكد أن الضلال عائد على صاحبه, {قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ} .
هنا يتكلم الملك سبحانه بأنه قدم البيان الكافي والتحذير الوافي للجميع ولا وقت أو مكان للتخاصم أمامه اليوم, فهو الحكم العدل الذي لا يظلم عنده أحد ولا يبدل لديه قول.
قال تعالى:
{ {وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ * أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ * الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ * قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ * قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ * مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} } [ق 23-29]
قال السعدي في تفسيره:
يقول تعالى: { {وَقَالَ قَرِينُهُ} } أي: قرين هذا المكذب المعرض، من الملائكة، الذين وكلهم الله على حفظه، وحفظ أعماله، فيحضره يوم القيامة ويحضر أعماله ويقول: { {هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ } } أي: قد أحضرت ما جعلت عليه، من حفظه، وحفظ عمله، فيجازى بعمله.
ويقال لمن استحق النار: { { أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ } } أي: كثير الكفر والعناد لآيات الله، المكثر من المعاصي، المجترئ على المحارم والمآثم.
{ {مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ } } أي: يمنع الخير الذي عنده الذي أعظمه، الإيمان بالله وملائكته وكتبه، ورسله مناع، لنفع ماله وبدنه، { {مُعْتَدٍ} } على عباد الله، وعلى حدوده { {مُرِيبٍ} } أي: شاك في وعد الله ووعيده، فلا إيمان ولا إحسان ولكن وصفه الكفر والعدوان، والشك والريب، والشح، واتخاذ الآلهة من دون الرحمن، ولهذا قال: { {الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ } } أي: عبد معه غيره، ممن لا يملك لنفسه نفعًا، ولا ضرًا، ولا موتًا ولا حياة، ولا نشورًا، { {فَأَلْقِيَاهُ } } أيها الملكان القرينان { {فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ } } الذي هو معظمها وأشدها وأشنعها.
{ { قَالَ قَرِينُهُ} } الشيطان، متبرئًا منه، حاملاً عليه إثمه: { {رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ} } لأني لم يكن لي عليه سلطان، ولا حجة ولا برهان، ولكن كان في الضلال البعيد، فهو الذي ضل وأبعد عن الحق باختياره، كما قال في الآية الأخرى: { {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم } } الآية
قال الله تعالى مجيبًا لاختصامهم: { {لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ} } أي: لا فائدة في اختصامكم عندي، { {و } } الحال أني قد { {قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ} } أي: جاءتكم رسلي بالآيات البينات، والحجج الواضحات، والبراهين الساطعات، فقامت عليكم حجتي، وانقطعت حجتكم، وقدمتم علي بما أسلفتم من الأعمال التي وجب جزاؤها.
{ {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ } } أي: لا يمكن أن يخلف ما قاله الله وأخبر به، لأنه لا أصدق من الله قيلاً، ولا أصدق حديثًا.
{ {وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ } } بل أجزيهم بما عملوا من خير وشر، فلا يزاد في سيئاتهم، ولا ينقص من حسناتهم.
#أبو_الهيثم
#مع_القرآن
أبو الهيثم محمد درويش
دكتوراه المناهج وطرق التدريس في تخصص تكنولوجيا التعليم من كلية التربية بجامعة طنطا بمصر.
- التصنيف: