متاع الغرور
فالمسلم يجمع بين الطرفين؛ فيهون عليه أمر الدنيا، ومع ذلك، فإنه يسعى فيها ويجتهد، لكنّ قلبه معلّق بالآخرة، ونظره يتجاوز الدنيا إلى ما بعدها
عندما يتحدث عقلاء الأثرياء على سرير الموت، يتمنون لو أن ثروتهم أمدّت لهم في أعمارهم! يتمنون العودة إلى الحياة، لينظروا إليها من منظور يختلف عن منظورهم الأول؛ منظور أقل مادية وأكثر روحانية.
والمتأمل في النظرة الإسلامية، يجدها تؤكد على التهوين من أمر الدنيا؛ لأنها متاع الغرور، ولا تساوي عند الله جناح بعوضة. والقرآن الكريم والسنة النبوية يحويان عشرات الآيات والأحاديث التي تذمّ الدنيا وتمقتها وتنفّر منها.
لكنّها إلى جانب ذلك، تحثّ على العمل والسعي، واستكشاف الأرض والسماء والبحار.
وهذا هو التوازن الأمثل للبشرية! وهو التوازن الأمثل لطبيعة الإنسان الذي خُلق من روح وطين! فلو كانت النظرة الإسلامية مادية بحتة، لأهملت الآخرة، ولضاع جوهر الرسالة الخاتمة، ولضاعت غاية خلق الإنسان! وأي فائدة يحصدها الإنسان إذا كانت الرسالة الخاتمة مادية، لا تعرف الآخرة؟ وما الفارق بينها وبين الرأسمالية أو الشيوعية أو غيرها؟
ولو كانت النظرة الإسلامية روحية فقط، لأصبحت رهبانية، ولانفصلت عن واقع الحياة، ولانتفى ذلك التوازن الأمثل الذي يناسب حاجات الإنسان الفطرية.
ونحن لا نكون على قدر ذلك التوازن، إلا بموازنة طرفيه.
فالمسلم يجمع بين الطرفين؛ فيهون عليه أمر الدنيا، ومع ذلك، فإنه يسعى فيها ويجتهد، لكنّ قلبه معلّق بالآخرة، ونظره يتجاوز الدنيا إلى ما بعدها.
فإذا جمع المال، كان في يده لا في قلبه! وإذا عمل عملا، قصد به الآخرة قبل الدنيا.
وإذا سلك سبيلا في الدنيا، كان سبيلا للآخرة.
هاني مراد
- التصنيف: