التشريع المحكم في الميراث
إن الثروة تُوزَّع في الإسلام ضمن معايير عادلة؛ هي درجة القرابة ودرجة الحاجة، وجعلت هذا التوزيع ملزمًا بنصِّ القرآن الكريم حتى توصد الأبواب في مواجهة محاولات التحايُل إلى جانب أن قضية الميراث تقع في صلب البناء العقدي الذي يلتزم به المسلم بشكل كامل..
ما أروعَ التشريعَ الإسلاميَّ في تشريعاته! ومن أبرز هذه التشريعات التي شرعت لتحقيق التكافل بين أفراد الأسرة الواحدة وبين الأجيال المتتابعة - الميراث، وهو تشريع عدل بين الجهد والجزاء، وبين المغانم والمغارم في جوِّ الأسرة، وإنَّا لنعجب أن يأتي بعد ذلك مَنْ يلغط في هذا التشريع المحكم!
التكافل قاعدة الإرث:
لما كانت روابطُ الأسرة - القريبة والبعيدة - روابطَ فطريةً حقيقيةً؛ جعل الإسلامُ التكافُلَ في محيط الأسرة هو حجَر الأساس في بناء التكافل الاجتماعي العام، وجعل الإرث مظهرًا من مظاهر ذلك التكافل في محيط الأسرة، فوق ما له من وظائف أخرى في النظام الاقتصادي الاجتماعي العام.
لقد وضع الإسلام نظامًا دقيقًا وعادلًا لتوزيع التركة بين المستحقِّين لها بصورة تقطع النزاع، ولم يسمح للعواطف والأهواء والميول أن تتدخَّل في هذا الشأن؛ لأن صاحب المال قد يُؤثِر أحدَ ورثته بشيء لغرضٍ في نفسه؛ إمَّا حُبًّا في هذا الشخص، أو نكايةً بالورثة الآخرين، وهذا يُوغِر صدورَ بقية الورثة، ويُؤجِّج نار العداوة بينهم؛ لذا مُنِعَت الوصية للوارث، ومُنِعت الزيادة لأحد الورثة عن نصيبه، ما لم يسمح بذلك بقيةُ الورثة، وحدَّد بشكل دقيق ما يستحقُّه كلٌّ منهم، وجُعِل ذلك غير قابل للاجتهاد من أحد، كما لم يُعْطَ المورِّث حقَّ حرمان الورثة أو أحدهم من الإرث، وبذلك استطاع الإسلامُ أن يحافظ على قوة الروابط الأسرية، ويمنع ما يؤدي إلى وهن هذه الروابط وإضعافها، وقضى على المشكلات التي تحدث من جرَّاء الاختلاف على توزيع التركة، واستئثار الأقوياء بها، الأمر الذي قد ينشر البغضاء بين الأقارب، ويزرع الحقد في نفوسهم.
إن الله هو الذي ترجع إليه الفرائضُ، وهو الذي يُقسِّم الميراث بين الناس، وإنَّ ما يوصي به الله ويفرضه، وخاصة قسمة أموال الناس وتركاتهم بين ذريَّتِهم وأولادهم، لهو أبَرُّ بالناس وأنفع لهم؛ ممَّا يقسمونه هم لأنفسهم.
وقد فرض الله تعالى نصيب الرجل مثل نصيب امرأتين في الميراث؛ قال تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء: 11].
وقد استغلَّ هذا بعضُ المستغلين، وأخذوا يلغطون في الميراث، وادَّعوا ظُلْمَ الإسلام للمرأة، وهضمه لحقوقها، فقد أعطاها نصف ما قد أعطى للرجل!
إن هذا التشريع في قمة العدل، وإنه لأمرٌ منطقيٌّ أن تأخُذَ المرأةُ نصفَ ما يأخذ الرجل؛ لأن تكاليف الرجل أكبر، وأعباءه أشدُّ، وقد أوجب الإسلامُ على الرجل لصالح المرأة أمورًا كثيرةً سواء في طفولتها، أو شبابها، أو كهولتها؛ كالنفقات والمهور، فلو ساوَيْنا المرأةَ بالرجل في الميراث، لظلمنا الرجل ظلمًا بيِّنًا للأسباب التالية:
- الرجل في الإسلام ملزمٌ بدفْعِ المهر لزوجته؛ لكنِ المرأةُ لا تُلزَم بدفع شيء، والرجل ملزَمٌ بالنفقة على زوجته وعلى أسرته، والمرأة غير ملزمة بشيء من ذلك، حتى ولو كانت تملك الأموال الكثيرة، وهناك واجبات اجتماعية يلزم بها الرجل؛ لكن تُعفى المرأة منها؛ كالضيافة، والمغارم، ونفقة الأقارب.
وفي الحقيقة إن المرأة بهذا حصلت على حقِّها وحق الرجل معًا؛ لأن ما حصل عليه الرجل يصرفه عليه وعلى أولادها.
إن الثروة تُوزَّع في الإسلام ضمن معايير عادلة؛ هي درجة القرابة ودرجة الحاجة، وجعلت هذا التوزيع ملزمًا بنصِّ القرآن الكريم حتى توصد الأبواب في مواجهة محاولات التحايُل إلى جانب أن قضية الميراث تقع في صلب البناء العقدي الذي يلتزم به المسلم بشكل كامل؛ لأنه أمرٌ من الله سبحانه.
- التصنيف:
- المصدر: