عثمان الخياط (4)
يقول ابن الجوزي: إن عزمت فبادر، وإن هممت فثابر، واعلم أنه لا يدرك المفاخر من رضي بالصف الآخر.
{بسم الله الرحمن الرحيم }
** عن سعيد بن عثمان الخياط يقول سمعت ذا النون يقول: إذا لم يكن في عملك حب حمد المخلوقين ولا مخافة ذمهم فأنت حكيم مخلص إن شاء الله.
قال: وسمعت ذا النون يقول: اعلموا أنه لا يصفوا لعامل عمل إلا بإخراج الخلق من القلب في عمله، وهو الإخلاص فمن أخلص لله لم يرج غير الله فكن على علم أنه لا قبول لعمل يراد به غير الله.
فحب الشهرة يدمر الإخلاص، ولا فكاك للعبد إلا بتجريد العمل لله .. قال الإمام سفيان الثوري: كنتُ إذا رأيتُ الرجالَ يَجتمعون إلى أحدٍ غَبِطْتُهُ. فلما ابْتُلِيتُ بها وَدِدْتُ أنِّي نَجَوْتُ منها كَفَافًا؛ لا عَلَيَّ ولا لِيَ. [حلية الأولياء، وسنده حسن]
** عن عُثْمَانَ الْخَيَّاطُ قَالَ: سَمِعْتُ السَّرِيَّ، يَقُولُ: «مَنِ اشْتَغَلَ بِمُنَاجَاةِ اللَّهِ أَوْرَثَتْهُ حَلَاوَةُ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى مرَارَةَ مَا يُلْقِي إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ»
// وعن سعيد بن عثمان الخياط يقول سمعت ذا النون يقول: "ثلاثة من أعلام موت القلب: الأنس مع الخلق، والوحشة في الخلوة مع الله، وافتقاد حلاوة الذكر للقسوة"
// ففي كل معصية يقوم الشيطان بأربعة أمور:
1/ إخفاء ما في المعصية من قبح ومفاسد.
2/ مضاعفة الوهم في اللذّة المرجوّة. فإذا ما باشرها وذاقها وجدها أدنى بكثير مما كان يتصور.
3/ إخفاء العاقبة الأليمة للمعصية والعقوبة المترتبة عليها في الدنيا والآخرة.
4/ تمْنية النفس بالتوبة قبل الموت. وهو أمر غير مضمون؛ فلا العمر مضمون، ولا القلب مضمون أن يبقى يريد التوبة.
// وعن عُثْمَانَ الْخَيَّاطِ، عن إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي إِسْرَائِيلَ، عن وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ الْحَسَنِ، إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا أَبَا سَعِيدٍ، مَا تَقُولُ فِي الْعَبْدِ يُذْنِبُ الذَّنْبَ ثُمَّ يَتُوبُ؟، قَالَ: لَمْ يَزْدَدْ بِتَوْبَتِهِ مِنَ اللهِ إِلَّا دُنُوًّا، قَالَ: ثُمَّ عَادَ فِي ذَنْبِهِ ثُمَّ تَابَ؟، قَالَ: لَمْ يَزْدَدْ بِتَوْبَتِهِ إِلَّا شَرَفًا عِنْدَ اللهِ، قَالَ: ثُمَّ قَالَ لِي: أَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟، قُلْتُ: وَمَا قَالَ؟، قَالَ: ( «مَثَلُ الْمُؤْمِنِ مَثَلُ السُّنْبُلَةِ، تَمِيلُ أَحْيَانًا، وَتَسْتَقِيمُ أَحْيَانًا، وَفِي ذَلِكَ تَكْبُرُ، فَإِذَا حَصَدَهَا صَاحِبُهَا حَمِدَ أَمْرَهُ كَمَا حَمِدَ صَاحِبُ السُّنْبُلَةِ بِرَّهُ ثُمَّ قَرَأَ» : {{إِنَّ الَّذِينَ اتَّقُوا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ}} [الأعراف: 201] " الْآيَةَ
** عن عثمان الخياط قال: سمعت ذا النون يقول: ثلاثة من أعلام الورع: ترك الشبهة باحتمال المضرة في المال والبدن، وبذل الفضل خوفا من دخول الخلل في الفريضة، والكف عن الفضول خشية فساد القلب.
** عن عثمان سعيد بن عثمان الخياط قال سمعت ذا النون يقول: لا يزال العارف ما دام في الدنيا مترددا بين الفقر والفخر، فإذا ذكر الله افتخر، وإذا ذكر نفسه افتقر.
** عن عُثْمَانَ الْخَيَّاطَ، قَالَ: سَمِعْتُ ذَا النُّونِ يَقُولُ: "ثَلَاثَةٌ مِنْ أَعْلَامِ الْهُدَى: الِاسْتِرْجَاعُ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ، وَالِاسْتِكَانَةُ عِنْدَ النِّعْمَةِ، وَنَفْيُ الِامْتِنَانِ عِنْدَ الْعَطِيَّةِ"
قوله: "ثَلَاثَةٌ مِنْ أَعْلَامِ الْهُدَى:
1/ الِاسْتِرْجَاعُ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ
قال الفاروق عمر -رضي الله عنه-: ما أبالي على أي حال أصبحت، على ما أحب أم على ما أكره، ذلك بأني لا أدري الخيرة فيما أُحب أم فيما أكره.
2/ وَالِاسْتِكَانَةُ عِنْدَ النِّعْمَةِ
روى الإمام أحمد عَنِ يزيد بْنِ عبد الله بن عُمَرَ عن أبيه عَنْ عُمَرَ - قَالَ: لَا أَعْلَمُهُ إِلَّا رَفَعَهُ- قَالَ: "يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: مَنْ تَوَاضَعَ لِي هَكَذَا -وَجَعَلَ يَزِيدُ بَاطِنَ كَفِّهِ إِلَى الْأَرْضِ، وَأَدْنَاهَا إِلَى الْأَرْضِ- رَفَعْتُهُ هَكَذَا -وَجَعَلَ بَاطِنَ كَفِّهِ إِلَى السَّمَاءِ، وَرَفَعَهَا نَحْوَ السَّمَاءِ-"
فيه: التعليم بالجارحة. البداية عندك والنهاية عند ربك. تواضعك له نهاية، ورفعة الله لك لا نهاية لها، فقرب الأرض في التواضع لا يساوي بعد السماء في الرفعة.
وقالوا: «النِّعم إذا شُكرت قرَّت، وإذا كُفِرت فرَّت». والأصل في هذا قوله تعالى: {{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنكَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}} [إبراهيم:7]
قال ابن تيمية: ومن لبس جميل الثياب إظهارا لنعمة الله، واستعانة على طاعة الله، كان مأجورا، ومن لبسه فخرا وخيلاء كان آثما فإن الله لا يحب كل مختال فخور.
3/ وَنَفْيُ الِامْتِنَانِ عِنْدَ الْعَطِيَّةِ"
قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «(ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم: المسبل إزاره، والمنان الذي لا يعطي [أي غيره] شيئا إلا منه، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب)»
قوله (والمنان) أي الذي يكثر المنة على غيره لإحسانه إليه، والمنة لا تليق إلا باللّه تعالى إذ هو الملك الحقيقي وغيره يعطي من ملك غيره فلم يجز له المنّ، فإذا منّ كأنه ادّعى لنفسه الملك والحرية وانتفى من العبودية ونازع اللّه صفات رب البرية فلا ينظر إليه نظر رحمانية.
قال الطيبي: جمع الثلاثة في قرن لأن المسبل إزاره هو المتكبر المرتفع بنفسه على الناس ويحتقرهم، والمنان إنما منّ بعطائه لما رأى من علوه على المعطى له، والحالف البائع يراعي غبطة نفسه وهضم صاحب الحق، والحاصل من المجموع احتقار الغير وإيثار نفسه، ولذلك يجازيه اللّه باحتقاره له وعدم التفاته إليه، كما لوح به: «لا يكلمهم اللّه»، وإنما قدم ذكر الجزاء مع أن رتبته التأخير عن الفعل لتفخيم شأنه وتهويل أمره، ولتذهب النفس كل مذهب ولو قيل المسبل والمنان والمنفق لا يكلمهم لم يقع هذا الموقع.
** عن عثمان الخياط يقول سمعت ذا النون يقول: ثلاثة من أعمال الكياسة: ترك المراء والجدال في الدين، والإقبال على العمل بيسير العلم، والاشتغال بإصلاح عيوب النفس غافلا عن عيوب الناس.
يقول ابن الجوزي: إن عزمت فبادر، وإن هممت فثابر، واعلم أنه لا يدرك المفاخر من رضي بالصف الآخر.
ويقول علي الطنطاوي: والوقت لا يضيق بعمل إذا عرفنا طريق استغلاله والانتفاع به، ولو أحصى الواحد منا ما يذهب من عمره هدرا في المقاهي وفي الأحاديث الفارغة، ومطالعة الصحف الجوفاء، والمجلات المؤذية، وقدر ما يمكن أن يعمل في مثل هذا الوقت من جليل الأعمال ونافعها لهاله الأمر ورأي شيئا عظيما.
وقال بعضهم: مطالعة الأخبار محرقة الأعمار
وقالوا: أنامل المرء في وسائل التواصل صورة من عقله.
جمع وترتيب
د/ خالد سعد النجار
- التصنيف: