سؤال اللذة - (2) الغرائز البشرية
الميل للذة والانصراف للشهوة غريزة فطرية، ونوازع طبيعية، لا ينفك عنها الكائن الحي؛ كما قال تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ} [آل عمران: 14].
الميل للذة والانصراف للشهوة غريزة فطرية، ونوازع طبيعية، لا ينفك عنها الكائن الحي؛ كما قال تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ} [آل عمران: 14].
وتتعدد منافذ اللذة ومجالات الشهوة لتشمل جميع مكونات الجنس البشري؛ عن أبي هُرَيْرَةَ أن النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: «إنَّ اللَّهَ كَتَبَ علَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَا، أدْرَكَ ذلكَ لا مَحَالَةَ، فَزِنَا العَيْنِ النَّظَرُ، وزِنَا اللِّسَانِ المَنْطِقُ، والنَّفْس تتَمَنَّى وتَشْتَهِي، والفَرْجُ يُصَدِّقُ ذلكَ أوْ يُكَذِّبُهُ»؛ (رواه البخاري).
ومن أبرز الغرائز البشرية شهوة النظر للجميل والحسن من المخلوقات، وأعظم تعبير عن تأثيرها ما قصه المولى جل وعلا في سورة يوسف عن نسوة المدينة بقوله سبحانه: {فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ} [يوسف: 31]، قال ابن سعدي: {فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ}؛ أي: أعظمنه في صدورهن، ورأين منظرًا فائقًا لم يشاهدن مثله، {وَقَطَّعْنَ} من الدهش {أَيْدِيَهُنَّ} بتلك السكاكين اللاتي معهن، {وَقُلْنَ حَاشَ لِلهِ}؛ أي: تنزيهًا لله، {مَا هَذَا بَشَرًا إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ}، وذلك أن يوسف أعطي من الجمال الفائق والنور والبهاء، ما كان به آية للناظرين وعبرة للمتأملين).
ومن الغرائز الإنسانية غريزة السماع والاستمتاع بالأصوات العذبة والمؤثرات المطربة، عن أنس قال: كانَ للنَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حَادٍ يُقَالُ له: أنْجَشَةُ، وكانَ حَسَنَ الصَّوْتِ، فَقالَ له النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «رُوَيْدَكَ يا أنْجَشَةُ، لا تَكْسِرِ القَوَارِيرَ»؛ (رواه البخاري).
قال الخطابي في شرح الحديث: (إن الغلام كان حَسَنَ الصوت بالحِدَاء، فكَرِهَ أن يُسْمِعْهُنَّ الحداء، فإنَّ حُسْنَ الصوت يُحَرِّكُ من نُفوسِهِنَّ، فشبَّه ضِعفَ عزائمهنَّ، وسرعة تأثير الصوت فيهنَّ بالقوارير).
وكان صلى الله عليه وسلم يحب الاستماع لأبي موسى الأشعري إعجابًا بصوته وتلذذًا بترنمه، وقال له: «يا أبا مُوسَى، لقَدْ أُوتِيتَ مِزْمارًا مِن مَزامِيرِ آلِ داوُدَ؛ (رواه البخاري).
ومن النوازع الفطرية شهوة اللهو ومتعة اللعب؛ قال تعالى: {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ} [العنكبوت: 64]، قال ابن سعدي: (تلهو بها القلوب، وتلعب بها الأبدان، بسبب ما جعل الله فيها من الزينة واللذات، والشهوات الخالبة للقلوب الباهجة للعيون المفرحة للنفوس).
وعن عائشة قالت: (كنت ألعب بالبنات عند النبي صلى الله عليه وسلم، وكان لي صواحب يلعبن معي، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل يتقمعن منه، فيسربهنَّ إليَّ فيلعبن معي)؛ متفق عليه.
قال ابن تيمية: (اللهو فيه لذة ولولا ذلك لما طلبته النفوس، ولكن ما أعان على اللذة المقصودة فهو حق، وأما ما لم يعن على ذلك فهو باطل، لا فائدة فيه، ولكن إذا لم يكن فيه مضرة راجحة لم يحرم ولم ينه عنه، والنفوس الضعيفة، كنفوس الصبيان والنساء، قد لا تشتغل - إذا تركته - بما هو خير منها لها، بل قد تشتغل بما هو شر منه، فيكون تمكينها من ذلك من باب الإحسان إليها والصدقة عليها، كإطعامها وإسقائها، فلهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم إن بعض أنواع اللهو من الحق، وكان الجواري الصغيرات يضربنَ بالدف عنده، وكان صلى الله عليه وسلم يُمكنهن من عمل هذا الباطل بحضرته؛ إحسانًا إليهن ورحمة بهن، فالنبي صلى الله عليه وسلم يبذل للنفوس من الأموال والمنافع ما يتألَّفها به على الحق المأمور، ويكون المبذول مما يلتذ فيه الأخذ ويحبه؛ لأن ذلك وسيلة إلى غيره)؛ (الاستقامة (٢ / ١٥٤).
- التصنيف: