من أقوال السلف فيما يزيل الهموم ويشرح الصدور-1
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: الدعاء...والصدقة وغيرها من العبادات جعلها الله تعالى أسباباً لحصول الخير ودفع الشر إذا فعلها العبد ابتداء.
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين...أما بعد: فالهموم والغموم والأحزان عذاب وضنك في الدينا, قال العلامة السعدي رحمه الله: فسرت المعيشة الضنك بعذاب القبر...وبعض المفسرين يرى أن المعيشة الضنك: عامة في دار الدنيا, بما يصيب المعرض عن ذكر ربه, من الهموم, والغموم, والآلام التي هي عذاب معجل, وفي دار البرزخ, وفي دار الآخرة, لإطلاق المعيشة الضنك, وعدم تقيدها
والهموم والغموم والأحزان لها تأثير كبير على صحة الإنسان وحالته النفسية, قال العلامة محب الدين الحطيب رحمه الله: " الهمُّ نصف الهرّم ", فلا ينبغي التساهل بالهموم والأحزان فقد تؤدي إلى الوفاة, قال العلامة المعلمي رحمه الله: الغضب يتحرك من داخل الجسد إلى خارجه, والحزنُ عكسه, ولذلك يقتل الحزن لا الغضب.
وغموم القلب من أحزان وهموم لا تخفيها أموال أو مناصب, قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: غموم القلب لا تواريها لذة مال ولذة مطعم.
فينبغي الحرص على دفعها قبل نزولها, قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: الدعاء...والصدقة وغيرها من العبادات جعلها الله تعالى أسباباً لحصول الخير ودفع الشر إذا فعلها العبد ابتداء.
كما ينبغي الابتعاد عن أسبابها, ومنها: رؤية ما عند الناس من زينة الدنيا وزخرفها, قال على بن أبي طالب رضي الله عنه, لا تتبع بصرك كل ما ترى في الناس, فإنه من يتبع بصره كلما يرى في الناس يطل تحزنه, ولا يشف غيظه. وعن أبي الدرداء رضي الله عنه, قال: من يتبع نفسه ما يرى في الناس, يطول حزنه, ولا يشفي غيظه.
ومنها: الإعراض عن ذكر الله عز وجل, قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: رأيت سبب الهموم والغموم: الإعراض عن الله عز وجل, والإقبال على الدنيا.
ومنها: كثرة الحرص والطمع, قال إبراهيم بن أدهم رخمه الله : كثرة الحرص والطمع تورث كثرة الغم والجزع.
للسلف أقوال فيما يزيل الهموم وبشرح الصدور, يسّر الله الكريم فجمعت بعضاً منها, أسأل الله أن ينفع بها الجميع.
- لا تفتح على نفسك الأحزان بقول "لو إني فعلت كذا":
قال العلامة العثيمين رحمه الله: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المؤمن القوي خيرٌ وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كلٍّ خيرٌ، احرِص على ما ينفعُكَ، واستعن بالله ولا تعجِز، وإن أصابَكَ شيءٌ فلا تقُل: لو أني فعلتُ كان كذا وكذا، ولكن قل: قدَّر الله، وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان» [أخرجه مسلم].
جزى الله عنا نبيَّنا خيرَ الجزاء؛ فقد بيَّن لنا الحكمة من ذلك؛ حيث قال: ((فإن لو تفتح عمل الشيطان))؛ أي: تفتح عليك الوساوس والأحزان والندم، حتى تقول: لو أني فعلت لكان كذا، فلا تقل هكذا والأمر انتهى، ولا يمكن أن يتغيَّرَ عما وقع، وهذا أمر مكتوب في اللوح المحفوظ قبل أن تُخَلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وسيكون على هذا الوضع مهما عملت.
- لا تغتم فرزق الله مضمون:
قال إبراهيم بن بشار, أمسينا ليلة مع إبراهيم بن أدهم رحمهما الله وليس لنا شيء نفطر عليه, فراني حزيناً, فقال: يا ابن بشار: لا تغتم فرزق الله مضمون سيأتيك.
- إذا بلغت عن أخيك ما يسؤوك فلا تغتم:
قال الإمام جعفر رحمه الله: إذا بلغك عن أخيك ما يسؤوك فلا تغتم، فإنه إن كان كما يقول كانت عقوبة عجلت, وإن كان على غير ما يقول كانت حسنة لم تعملها
- لا تدخل الغم على عيالك ما استطعت:
قال إبراهيم بن إسحاق رحمه الله: الرجل كل الرجل الذي يدخل غمه على نفسه, ولا يدخله على عياله, وقد كانت بي شقيقية, (وجع يصيب الرأس والوجه) منذ أربعين سنة, ما أخبرت بها أحداً قط.
- تخيل دوام اللذة في الجنة من غير منغص يفرح المغموم والمحزون:
قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: يا فرحة المغموم ويا سرور المحزون متى تخايل دوام اللذة في الجنة من غير منغص.
- التبسُّم سبب لانشراح الصدر، وانطلاق النفس، وعدم الكآبة والحزن:
قال العلامة العثيمين رحمه الله: كان صلى الله عليه وسلم مما وُصِف به أنه كثير التبسُّم دائم البشر عليه الصلاة والسلام، فالتبسُّم يدلُّ على الرضا وانشراح الصدر، وهو أيضًا سبب لانشراح الصدر وانطلاق النفس، وعدم الكآبة والحزن، وجرِّب تجد
- التحدث بنعم الله عز وجل يدفع الهمّ والغمّ:
قال العلامة السعدي رحمه الله: التحدث بنعم الله الظاهرة والباطنة, فإن معرفتها والتحدث بها يدفع الله به الهم والغم, ويحث العبد على الشكر الذي هو أرفع المراتب وأعلاها حتى ولو كان العبد في حال فقر أو مرض أو غيرهما من أنواع البلايا فإنه إذا قابل بين نعم الله عليه التي لا يحصى لها عد ولا حساب وبين ما أصابه من مكروه لم يكن للمكروه نسبه
- أعمال البرَّ والإحسان إلى الخلق والصدقة تشرح الصدر وتزيل الهم:
** قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: البر والتقوى يبسط النفس, ويشرح الصدر, بحيث يجد الإنسان في نفسه اتساعاً وانبساطاً عما كان عليه قبل ذلك.
** قال السعدي رحمه الله: من الأسباب التي تزيل الهم والغم والقلق: الإحسان إلى الخلق بالقول والفعل وأنواع المعروف...وبها يدفع الله عن البر والفاجر الهموم والغموم بحسبها, ولكن للمؤمن منها أكمل الحظ والنصيب, ويتميز بأن إحسانه صادر عن إخلاص واحتساب لثوابه فيهون الله عليه بذل المعروف لما يرجوه من الخير.
** قال العلامة العثيمين رحمه الله: من فضائل الصدقة أنها سبب لشرح الصدر وسرور القلب؛ لأن الإنسان كلَّما كثُر إنفاقُه في الخير، ازداد انشراحُ صدره للإسلام، وفرِح بذلك.
وسُئل ما العلاج المناسب لانشراح الصدر حيث إنني أعيش في ضيق شديد؟ فأجاب رحمه الله: من العلاج أن يكون الإنسان باذلًا لمعروفه، سواء ببذل المال، أو ببذل المنافع، وبذل البدن يساعد إخوانه، أو ببذل الجاه، فإن هذا يوجب انشراح الصدر.
- طاعة الله تجلب السرور والسعادة:
** قال إبراهيم بن أدهم رحمه الله: لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من السرور والنعم إذا لجالدونا عليه بأسيافهم....نحن والله الملوك والأغنياء, نحن والله الذين تعجلنا الراحة, لا نُبالي على أي حال أصبحنا أو أمسينا إذا أطعنا الله.
**قال ابن حزم رحمه الله: كل أمل ظفرت به, فعقباه حزن, إما بذهابه عنك, وإما بذهابك عنه, ولا بد من أحد هذين السبيلين, إلا العمل لله عز وجل, فعقباه سرور في عاجل وآجل, أما في العاجل فقلة الهم بما يهتم به الناس,...وأما في الآجل فالجنة.
- الدعاء بإخلاص بدعاء يونس عليه السلام ينجي من الغم:
قال الله عز وجل: {وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ* فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ۚ وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ} [الأنبياء:87-88]
** قال العلامة محمد الأمين بن محمد المختار الشنقيطي رحمه الله: قوله تعالى في هذه الآية الكريمة: {وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ } يدل على أنه ما من مؤمن يصيبه الكرب والغم فيبتهل إلى الله داعياً بإخلاص, إلا نجاه الله من ذلك الغم, ولا سيما إذا دعا بدعاء يونس هذا. وقد جاء في حديث مرفوع عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في دعاء يونس المذكور: « لم يدع به مسلم قط إلا استجاب له» [رواه أحمد والترمذي وابن أبي حاتم وابن جرير] وغيرهم, والآية الكريمة شاهدة لهذا الحديث شهادة قوية كما ترى.
**سئل العلامة العثيمين أشعر بعض الأحيان بالضيق والاكتئاب فما العلاج مأجورين؟ فأجاب رحمه الله: هناك شيء ينتفع به المرء، وهو أن يقول ما جاءت به السنة {لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}[الأنبياء: 87] هذه واحدة
الثاني: أن يقرأ حديث ابن مسعود رضي الله عنه: «اللهم إني عبدُكَ، وابنُ عبدِكَ، وابنُ أَمَتِكَ، ناصيتي بيدِكَ، ماضٍ فيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فيَّ قضاؤكَ، أسالُكَ بكلِّ اسمٍ هو لَكَ، سمَّيْتَ به نفسَكَ، أو أنزلتَه في كتابِكَ، أو علَّمْتَه أحَدًا من خَلْقِكَ، أو استأثرْتَ به في علم الغيب عندكَ - أنْ تجعلَ القرآنَ ربيعَ قلبي ونورَ صَدْري، وجلاء حُزني وذَهاب همِّي» .
وقال رحمه الله: وليُكثر أيضًا من هذا الدعاء: ربِّ اشرح لي صدري ويسِّر لي أمري.
قال العلامة العثيمين رحمه الله: الشريعة كُلُّ أحكامها تُزيلُ القَلَق والهمَّ والغَمَّ ... الشريعة كُلُّها لإزالة الهَمِّ والغَمِّ عن بني آدم، حتى يبقوا فرِحين مستبشرين دائمًا، وهذا كما أنه غذاء للقلب، فإنه غذاء للنفس والرُّوح، وفي نفس الوقت غذاء للبَدَن، فإن البَدَنَ يتمدَّد وتزُول عنه الآلام والأوجاع، إذا صار فرحًا مسرورًا ... وإدخال السرور والفرح أمرٌ ينتعش معه البَدَنُ، والقلب يطمئنُّ.
- الإكثار من ذكر الله يشرح الصدر:
** قال العلامة السعدي رحمه الله: من أكبر الأسباب لانشراح الصدر وطمأنينته الإكثار من ذكر الله, فإن لذلك تأثيراً عجيباً في انشراح الصدر وطمأنينته, وزوال همه وغمه, قال تعالى: {أَلا بِذِكرِ اللَّـهِ تَطمَئِنُّ القُلوبُ} [الرعد:28]
** سُئِل العلامة العثيمين: ماذا يفعل الإنسان إذا أحسَّ بضيقٍ في نفسه؟
فأجاب الشيخ رحمه الله: ليعلم أنَّ مَنْ أُصيبَ بمثل هذا ثمَّ أكثر من ذكر الله بلسانه وقلبه، فإنه لا بُدَّ أن تتغيَّر حالُه، ويطمئنُّ قلبُه لقول الله تعالى: {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28]، لو أن الناس كثُر تعلُّقهم بالله سبحانه وتعالى وبذكره، لزالَتْ عنهم هذه الأمور.
وسُئِل الشيخ: ما العلاج المناسب لانشراح الصدر؛ حيث إنني أعيش في ضيق شديد، وجِّهُوني مأجورين؟ فأجاب الشيخ رحمه الله: العلاج المناسب هو كثرة ذكر الله عز وجل؛ قال الله تعالى: { أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ } [الرعد: 28].
- تبريد المصيبة بالتأسي بالغير:
قال الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله: فيه: تبريد حر المُصيبة بالتأسي بالنظير.
- الفرج مع الكرب, والشدة لا تدوم:
قال العلامة السعدي رحمه الله: الله تعالى قدر من ألطافه وعوائده الجميلة أن الفرج مع الكرب, وأن مع اليُسر مع العسر, وأن الضرورة لا تدوم فإن حصل مع ذلك قوة التجاء وشدّة طمع بفضل الله ورجاء وتضرع كثير ودعاء, فتح الله عليهم من خزائن جوده ما لا يخطر بالبال
- الإيمان والعمل الصالح يطرد الخوف والحزن:
قال العلامة العثيمين رحمه الله: الإيمان والعمل الصالح يطردُ الخوف، ويطردُ الحزن في الدنيا والآخرة؛ ولهذا كان أشرف الناس صدرًا، وأشدهم طمأنينة - أي: أشدهم طمأنينة في القلب - هم المؤمنين العاملون عملًا صالحًا؛ ولهذا قال بعض السلف: لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه، لجالَدُونا عليه بالسيوف.
& لا أحد أنْعَم بالًا ولا أشد انشراحًا في الصدر ولا أطيب نفسًا من المؤمن، وكلما ازداد الإنسان إيمانًا ازداد صدرُه انشراحًا، وقلبُه طُمَأْنينةً، وصار لا يرى شيئًا يُحزِنُه إلا وفرح به رجاء ثوابه عند الله عز وجل...
& الطاعة لها تأثيرٌ بالغٌ على القلب وانشراح الصدر والسرور، والأُنْس والحياة الطيبة، أسألُ الله تبارك وتعالى أن يُعيننا جميعًا على ذكره وشُكْره وحُسْن عبادته.
& من فوائد قوله تعالى: { وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} [الأنعام: 84] أن كل محسن فإن الله تعالى يجعل له من كل هَمٍّ فرجًا.
& قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} [الطلاق:2-3-4]
فهاتان آيتان تدلان على أن الإنسان كلما اتقى الله زالَتْ عنه الهموم وفُرِّجت عنه.
- التصنيف: