الدنيا.. وعابر السبيل
الدنيا وعابر السبيل، حياة ليس فيها صراعٌ، حياة هادئة خفيفة، كأن تمشي فوق الشوك ولا يؤلم قدمَيْك؛ لأنك تعلم أن هذه ليست حياتك الحقيقية، وإنما هذا فقط طريقك إلى حياتك الحقيقية.
هل شعرت يومًا أن الهمومَ تتكاثر عليك، وتتجمَّع حول قلبك حتى ضيَّقت عليه أنفاسه، ولم يعُد يدرك ماذا يفعل؟
هل خسرت يومًا شيئًا كنتَ تريده بشدة، ولكنه لم يأتِك وانفطَر فؤادك حسرةً عليه؟
هوِّن عليك، إنها الدنيا.
ولا أقصد بـ"إنها الدنيا" أننا يجب أن نحيا بشعور الاستسلام هذا الذي قد ينبعث إلى نفسك حين تظن أن الدنيا مليئة بكل ما قد يُحزنك.
وإنما أذكِّرُك بأن هذه الدنيا فقط، وليست النهاية!
وأبشرُك بأن كل ما هو ثقيل على نفسك في هذه الدنيا، ليس بهذا الثقل الذي يبدو عليه إذا أدرك عقلك أنك لن تمكث فيه طويلًا، وأن ما فاتك هنا، أو ما يؤلِمك على هذه الأرض، أنت في الأساس تارِكُه!
كل الفرص التي فاتتك، وكل الأشياء التي تَمنَّيت الحصول عليها ولم تُقَدَّر لك، كل ما تشعر برغبتك في الوصول إليه، وكل ما تريد الأمور أن تكون عليه، كل ما تعانيه، وكل ما تواجهه، يهون ولا يفسد عليك طيب حياتك وارتياح نفسك لو علمت أنه مؤقت، وأنك مجرد عابرِ سبيل.
نام رسول اللَّه صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ على حصيرٍ، فقام وقد أثَّر في جنبه، فقال أصحابه: "يا رسولَ اللَّهِ لوِ اتَّخَذنا لَكَ وطاءً؟ فقالَ: «ما لي وما للدُّنيا، ما أنا في الدُّنيا إلَّا كراكبٍ استَظلَّ تحتَ شجرةٍ ثمَّ راحَ وترَكَها» ؛ (حديث صحيح، رواه عبد الله بن مسعود).
أي: إنه لم يؤرِّقه ضيق العيش، ليس إلا لأنه يظن أنه كراكب يستظل بشجرة في طريقه، وأنه سيترك هذه الشجرة لا محالة، فلا يضره إذا كان ظلها لا يحميه من حرارة الشمس في بعض الأحيان.
إن حرصنا الشديد على الدنيا يؤرِّقنا أكثر مما تؤرقنا الدنيا نفسها، فالأقدار الشديدة، وما استحالت أسبابه، يصبح هيِّنًا عليك إذا استصغرتَه وأعطيتَه قيمته الضئيلة، حين تدرك أنك تبني بيتًا صغيرًا هنا، وأن قصرك الذي يجب أن تحرص هذا الحرص على بنائه هناك في الجنة.
فإذا استطعت أن تكون كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «كُنْ في الدُّنْيَا كَأنَّكَ غَرِيبٌ أوْ عَابِرُ سَبِيلٍ»؛ (حديث صحيح، رواه عبد الله بن عمر).
فقد ارتحت من مصائب الدنيا، ولم يعُد هناك ما قد يجعلك تشعر أنك تفقد شيئًا ما؛ لأنك في الأساس زاهدٌ فيه، طامعٌ فيما هو أبقى وأكثر قيمةً منه.
استمتع بحياتك وأنت تستظل تحت الشجرة، وانزِع من ثمارها متى شئت واستطعت، ولكن إذا لم تستطع أو داهَمَت شجرتك إحدى العواصف، فلا تحزن، وتذكَّر أنها شجرتك المؤقتة، هذا والله ما يجعلنا نحتمل مثل هذه العواصف.
الدنيا وعابر السبيل، حياة ليس فيها صراعٌ، حياة هادئة خفيفة، كأن تمشي فوق الشوك ولا يؤلم قدمَيْك؛ لأنك تعلم أن هذه ليست حياتك الحقيقية، وإنما هذا فقط طريقك إلى حياتك الحقيقية.
_____________________________________________________
الكاتب: منة شرع
- التصنيف: