نعم الله بين الحاضر والماضي

منذ 2024-09-12

لو تأملنا حال زماننا هذا، وحال من كان قبلنا قبل مئات السنين، بل حال أجدادنا قبل مائة سنة، لأدركنا الفارقَ الكبير والبَون الشاسع بيننا وبينهم، من جهة النعم والخيرات التي نرفُل فيها صباحَ مساءَ، وتُحيطنا من كل جانب.

الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الْمُنْعِمِ المتفضِّلِ على خَلْقِهِ أجمعين، الحمد لله الذي خلق فسوَّى، وقدَّر فهدى، وأخرج المرعى، الحمد لله حمدَ الشاكرين المعترفين بفضله وكرمه، الحمد لله حمدًا يليق بجلال عظمته وسلطانه، والصلاة والسلام على خير الخلق أجمعين؛ حبيبنا ونبيِّنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102]؛ أما بعد عباد الله:

فإن المتأمِّل في حالنا في هذا الزمان، وفي بلادنا خاصة، يعلم عِلْمَ اليقين ما نحن فيه من نِعَمٍ تترى، وخيرات جمَّة لا يعلم بها إلا الله.

 

نِعمٍ في المأكل والمشرب، ونِعم في الصحة والعافية، ونِعم في المسكن والمركَب، ونِعم في الملبَس والمجلس، وغيرها؛ وصدق الله تعالى إذ يقول: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} [إبراهيم: 34]، وقال تعالى: {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} [لقمان: 20].

 

ولو تأملنا حال زماننا هذا، وحال من كان قبلنا قبل مئات السنين، بل حال أجدادنا قبل مائة سنة، لأدركنا الفارقَ الكبير والبَون الشاسع بيننا وبينهم، من جهة النعم والخيرات التي نرفُل فيها صباحَ مساءَ، وتُحيطنا من كل جانب.

 

أيها الكرام: دَعُونا نتأمل قليلًا، ونقف وقفةَ مقارنةٍ بيننا وبين مَن عاشوا قبلنا بعشرات السنين فقط؛ حتى نعرف قدرَ ما نحن فيه من نِعمٍ، لا يعلم بها إلا الْمُنْعِمُ جل وعلا.

 

عباد الله: كان أجدادنا ومَن قبلهم يبحثون عن الماء في الآبار والأودية، ويجمعونها عند نزول الأمطار، وربما تجف الآبار، وتقل الأمطار أحيانًا، فيحصل الجفاف، وتعدم المياه، فيحصل الهلاك، وتقع الكوارث.

 

ونحن في زماننا هذا، الماء متوفر في كل وقت، وفي كل مكان، ونشتريه بأقل الأثمان بل بالمجَّان، وفي قواريرَ نظيفة، وبأشكال مختلفة، ومبرَّدة في كل وقت وحين، بل أصبح هَدْرُ المياه واضحًا للأسف عند البعض، هدر عند الشراب، وإلقاء القوارير وفيها كثير من الماء، هدر عند الاغتسال والتنظف، وهدر عن استعماله؛ يقول تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ} [الواقعة: 68 - 70]؛ أي: لو شاء الله لجعله مالحًا لا يُستساغ.

 

عباد الله: كان أجدادنا ومن قبلهم يبحثون عن الطعام وقد لا يجدونه، وقد يموت الكثير منهم لعدم توفر الطعام، ولو توفَّر الطعام، لكان صِنفًا أو صِنفين، أو أكثر بقليل.

 

ونحن في زماننا هذا نشاهد ما لذَّ وطاب من الأطعمة والمشروبات، وفي كثير من الأحيان يَحارُ المرء ماذا يختار؛ من كثرة الأطعمة في المطاعم والأسواق والمحلات، وكثرة تنوع أشكالها ومذاقها وطعمها.

 

أيها المؤمنون: كان أجدادنا ومن قبلهم يعملون في كل الأعمال، ويَتعبون، وقد يكون المقابل شيئًا يسيرًا، وقد يسافرون إلى بلاد أخرى؛ للبحث عن لقمة العيش.

 

وفي زماننا هذا توفرت الوظائف، وأتى الناس من كل مكان ليقوموا بخدمتنا في هذه البلاد، والعمل لدينا في جميع المجالات.

 

أيها المؤمنون: كان أجدادنا ومن قبلهم لا يجدون إلا قطعة أو قطعتين من اللِّباس يلبَسونها طيلة أيام السنة، وفي كثير من الأحيان يلبَسون المقطَّع من الملابس والباليَ، وقد كانوا ينتظرون القوافل ليأتوا إليهم بأنواع من الأقمشة والألبسة من بلاد بعيدة، ليستمتعوا بها مع قلتها.

 

ونحن في زماننا هذا الواحد منا يجد من الألبسة أنواعًا مختلفة، وبأعداد كثيرة، يلبَس ويختار ما يشاء، وفي كل مرة قد يشتري الجديد، ويرمي القديم مع صلاحه، بل ظهر في الآونة الأخيرة شراء الألبسة وغيرها من شتى بقاع الأرض؛ من الصين وغيرها عبر الأسواق الإلكترونية، فتشتري ما تحتاجه من مكان بعيد، وفي وقت قصير، وبسعر قليل.

 

أيها المؤمنون: كان أجدادنا ومَن قبلهم عند السفر والتنقُّل من بلاد إلى أخرى، لا يجدون سوى الخيل والإبل والحمير، وقد كانوا يقطعون الفيافي والصحاري في أيام كثيرة، بل شهور عديدة مع تعبٍ ومشقة، ومع تعرض البعض منهم للمخاطر وقطَّاع الطريق.

 

ونحن - ولله الحمد والمنة - أنعم الله علينا بمراكب مريحة سريعة من السيارات والطائرات والقطارات، تنقلنا من بلاد إلى بلاد في وقت قصير وبراحة واستمتاع؛ يقول تعالى: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 8]؛ قال السعدي رحمه الله في معنى قول الله تعالى: {وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 8]: "مما يكون بعد نزول القرآن من الأشياء التي يركبها الخَلْقُ في البر والبحر والجو".

 

أيها المؤمنون: كان أجدادنا ومَن قبلهم في أيام الحر يبحثون عما يبردون به أجواءهم وأجسادهم، وفي الشتاء يبحثون عما يستدفئون به من صوف ووَبَرٍ ونحوه، ونحن اليوم – ولله الحمد والمنة - أجهزة التكييف في البيوت والسيارات، تُقلِّبها حيث شئت من هواء بارد، ومن بارد إلى دافئ، وبدرجات متفاوتة تُناسِب كل شخص، فاللهم لك الحمد على نِعَمِك وآلائك.

 

لقد كان أجدادنا ومن قبلهم يسكنون في مساكنَ من طين وحَجَرٍ وخيام، ويفترشون وينامون على الأرض والحصير، ويخشَون من الحيوانات المفترسة، والحشرات المؤذية، واليوم - بفضل ربنا المنعم سبحانه - ننعَم بالمساكن الآمنة الهنيئة، المريحة الواسعة، التي تتوفر بها كل مقومات الهدوء والراحة والاطمئنان.

 

عباد الله: كان أجدادنا ومن قبلهم إذا أرادوا التعلُّم وطلب العلم، سافروا وتعِبوا وركِبوا المشاقَّ في سبيل الوصول إلى العلم والمعرفة.

 

ونحن في زمننا هذا بضغطة زرٍّ عبر الجوَّال والإنترنت نحصل على كثير من العلوم والمعارف والمعلومات؛ المكتوبة، والمسموعة، والمرئية.

 

أيها الكرام: كانت وسيلة التواصل لأجدادنا ومن قبلهم الرسائل المكتوبة، التي لا تصل إلا بعد أيام، وربما بعد شهور، ومن سافر منهم لا يعرفون عنه شيئًا فيخرج خائفًا وجِلًا، ونحن في زماننا هذا أصبح التواصل من أسهل الأمور وأيسرها، تتواصل مع البعيد في شتى بقاع الأرض كالقريب الذي بجوارك عن طريق البرامج العديدة في أجهزة الجوَّال، تتواصل مع البعيد ليس بالرسالة فقط، بل بالاتصال وسماع الصوت، ومشاهدته مباشرة.

 

وأخيرًا: لا نبالغ لو قلنا: إن الناس قبل مئات السنين لا يجد الغنيُّ منهم، بل وكبار القوم والسادة، ما يجده المسكين في زماننا هذا من تنوُّع الخيرات والنِّعَمِ.

 

إن جميع النعم هي فضل ومِنَّة من الله تعالى؛ قال تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} [النحل: 53]، والواجب علينا - أيها المؤمنون - تذكُّر واستشعار نِعَمِ الله علينا، وشكره عليها صباحَ مساءَ؛ قال تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم: 7].

 

ألَا فصلُّوا وسلِّموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه؛ نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

اللهم ارضَ عن الخلفاء الأربعة...

____________________________________________________
الكاتب: د. سامي بشير حافظ

  • 3
  • 1
  • 211
  • عنان عوني العنزي

      منذ
    أنْواع البُكاء • قال ابن القيم - رحمه الله - والبُكاء أنواع: ▪️ 1 بكاءُ الرّحمة وَالرّقة ▪️ 2 بكاءُ الخوف والخشية ▪️ 3 بكاءُ الفرح والسّرور ▪️ 4 بكاءُ الحزن ▪️ 5 بكاءُ النّفاق، وهو أن تدمع العين والقلب قاس، فيظهر صاحبه الخشوعَ وهو مِنْ أقسى النّاس قلبًا ▪️ 6 البكاءُ المستعارُ والمستأجرُ عليه، كبُكاءِ النّائحة بالأجرة ▪️ 7 بكاءُ الخور والضّعف ▪️ 8 بكاءُ الجزع مِن ورودِ المؤلم وعدمِ احتماله ▪️ 9 بكاءُ المحبّة والشّوق ▪️ 10 بكاءُ الموافقة، وهو أن يرى الرّجل النّاسَ يبكون لأمر ورد عليهم فيبكي معهم ◾️ بكاء النبي صلى الله عليه وسلم وأما بكاؤه صلى الله عليه وسلم فكان من جنس ضحكه لم يكن بشهيق ورفع صوت، كما لم يكن ضحكه بقهقهة، ولكن كانت تدمع عيناه حتى تهملا، ويسمع لصدره أزيز، وكان بكاؤه تارة رحمة للميت، وتارة خوفا على أمته وشفقة عليها، وتارة من خشية الله، وتارة عند سماع القرآن وهو بكاء اشتياق ومحبة وإجلال مصاحب للخوف والخشية [زاد المعاد من هدي خير العباد] المصدر: إنفوغرافيك صحيفة النبأ الأسبوعية العدد 459 - أنْواع البُكاء الخميس 2 ربيع الأول 1446 هـ

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً