شرح حديث أبي هريرة: في كل كبد رطبةٍ أجر

منذ 2024-12-20

قالوا: يا رسولَ اللهِ إنَّ لنا في البهائمِ أجرًا؟ فقال: «في كلِّ كبدٍ رطبةٍ أجرٌ

 

عَنْ أبي هُريرةَ رضي اللهُ عنه أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: « «بينما رجلٌ يمشي بطريقٍ اشتدَّ عليه العطشُ، فوجد بئرًا، فنزل فيها فشَرِبَ، ثم خرج فإذا كلبٌ يلهثُ، يأكلُ الثَّرَى من العَطشِ، فقال الرَّجلُ: لقد بلَغَ هذا الكلبُ من العطشِ مثلَ الذي كان قد بلَغَ منِّي، فنزل البئرَ فملأ خُفَّه ماءً، ثم أمْسكَه بفِيه، حتَّى رَقَى فسَقَى الكلبَ، فشَكَرَ له، فغَفَرَ له» قالوا: يا رسولَ اللهِ إنَّ لنا في البهائمِ أجرًا؟ فقال: «في كلِّ كبدٍ رطبةٍ أجرٌ»» . [متفق عليه] .

 

وفي رواية للبخاري: «فشَكَرَ اللهُ له، فَغَفَرَ له، فأدْخَلَه الجنَّةَ».

 

وفي روايةٍ لهما: «بيْنَما كلْبٌ يطيف بركيةٍ قد كاد يقتلُه العطشُ، إذْ رأتْه بَغِيٌّ مِنْ بغايا بني إسْرائيل، فنَزَعتْ مُوقَها فأسقتْ له به، فسَقَتْه فغَفَرَ لها به».

 

«الموق»: الخف. و«يطيف» يدور حول «ركية» وهي البئر.

 

قال العلَّامةُ ابنُ عثيمين - رحمه الله -:

ذكر المؤلف - رحمة الله تعالى - في باب كثرة طرق الخيرات هذه القصة الغريبة التي رواها أبو هريرة - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه بَيْنا رجلٌ يمشي في الطريق مسافرًا، أصابه العطش، فنزل بئرًا فشرب منها، وانتهى عطشُه، فلما خرج، وإذا بكلبٍ يأكل الثَّرَى من العطش، يعني: يأكلُ الطين المبتلَّ الرَّطْبَ، يأكله من العطش، من أجل أن يمص ما فيه من الماء، من شدة عطشه، فقال الرجل: واللهِ لقد أصاب الكلبَ من العطش ما أصابني، أو بلغ بهذا الكلب من العطش ما يلغي بي، ثم نزل البئر وملأ خفَّه ماءً.

 

الخفُّ: ما يلبس على الرِّجْلِ من جلود ونحوها، فملأه ماء فأمسكه بفيه، وجعل يصعد بيديه، حتى صعد من البئر، فسقى الكلب، فلما سقَى الكلب شكر اللهُ له ذلك العمل، وغفر له، وأدخله الجنَّةَ بسببِه.

 

وهذا مصداق قولِ النَّبيِّ - عليه الصلاة والسلام -: «الجنَّةُ أقربُ إلى أحدِكم من شِراك نعلِهِ، والنَّارُ مثل ذلك»، عمل يسير شكر الله به عامل هذا العمل، وغفر له الذنوب، وأدخله الجنة.


ولما حدَّث صلى الله عليه وسلم الصحابة بهذا الحديث، وكانوا - رضي الله عنهم - أشد الناس حرصًا على العلم، لا من أجل أن يعلموا فقط، لكن من أجل أن يعلموا فيعملوا. سألوا النبي - عليه الصلاة والسلام - قالوا: يا رسول الله، إن لنا في البهائم أجرًا؟ قال: «في كلِّ ذات كبدٍ رطبةٍ أجرٌ»؛ لأن هذا كلب من البهائم، فكيف يكون لهذا الرجل الذي سقاه هذا الأجر العظيم؟ هل لنا في البهائم من أجر؟ قال: «في كُلِّ ذاتِ كبدٍ رطبَةٍ أجرٌ» الكبد الرطبة تحتاج إلى الماء؛ لأنه لولا الماء ليبست وهلك الحيوان.

 

إذن نأخذ من هذه قاعدة، وهي أن الرسول - عليه الصلاة والسلام - إذا قص علينا قصة من بني إسرائيل فذلك من أجل أن نعتبر بها، وأن نأخذ منها عبرة، وهذا كما قال الله - عزَّ وجلَّ -: ﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ﴾ [يوسف: 111].

 

وفي رواية أخرى، ولعلها قصة أخرى، أن امرأة بغيًّا من بغايا بني إسرائيل، يعني أنها تمارس الزنى - والعياذ بالله - رأت كلبًا يطوف بركية، يعني يدور عليها عطشان، لكن لا يمكن أن يصل إلى الماء؛ لأنها ركية بئر، فنزعت موقها - يعني الخف الذي تلبسه - استقت له به من هذا البئر، فغفر الله لها.

 

فدل هذا على أن البهائم فيها أجر. كل بهيمة أحسنت لها بسقي، أو إطعام، أو وقاية من حر، أو وقايةٍ من برد، سواء كانت لك أو لغيرك من بني آدم، أو كانت من السَّوائب، فإن لك في ذلك أجرًا عند الله - عزَّ وجلَّ - هذا وهنَّ بهائم؛ فكيف بالآدميين؟ إذا أحسنت إلى الآدميين كان أشد وأكثر أجرًا؛ ولهذا قال النبي - عليه الصلاة والسلام -: «مَنْ سَقَى مسلمًا على ظمأٍ سقاه اللهُ من الرَّحيقِ المختومِ»، يعني لو كان ولدك الصغير وقف عند البرادة يقول لك: أريد ماء، وأسقيته وهو ظمآن، فقد سقيت مسلمًا على ظمأ، فإن الله يسقيك من الرحيق المختوم. أجر كثير، ولله الحمد، غنائم ولكن أين القابل لهذه الغنائم؟ أين الذي يخلص النية، ويحتسب الأجر على الله عزَّ وجلَّ؟

 

فأوصيك يا أخي ونفسي أن تحرص دائمًا على اغتنام الأعمال بالنية الصالحة حتى تكون لك عند الله ذخرًا يوم القيامة، فكم من عملٍ صغيرٍ أصبح بالنية كبيرًا! وكم من عمل كبير أصبح بالغفلة صغيرًا!

 

«شرح رياض الصالحين» (2 /171 - 174)

محمد بن صالح العثيمين

كان رحمه الله عضواً في هيئة كبار العلماء وأستاذا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

  • 1
  • 0
  • 139
  • عبد الرحمن محمد

      منذ
    صيدنايا والنفاق العالمي (1) يغلب على السنوات الخدّاعات صبغتان متجذّرتان: صبغة "جاهلية" تصبغ المعتقدات، وصبغة "دجلية" تصبغ سلوك الأفراد والجماعات، ومن ذلك حالة الدجل والنفاق العالمي التي طغت على وسائل الإعلام في قضية سجن صيدنايا، الذي أدارته "الأقلية" النصيرية العلوية الكافرة لعقود، عذبت وقتلت فيه آلاف المسلمين. على مسرح الأحداث، وبغير سابق إنذار، صار الإعلاميون يمثلون دور المندهش والمصدوم من مآسي صيدنايا الجاثم على ثرى الشام لأكثر من ثلاثين عاما؛ وكأنّه كان غيبا كُشف حجابه للتو! وكأنّ جرائم النصيرية أمام الشاشات، أقل بشاعة من جرائمهم في أقبية المعتقلات! أو لعلها صدرت عن نظام وردي كان يرمى الناس بالخزامى وبراميل الورود!! إنه دجل ونفاق عابر للحدود. فهل خفيت على وسائل النفاق العالمي جرائم النشر بالمناشير والقصف بالبراميل والكيماوي وغيرها الكثير، وظهرت فقط جريمة صيدنايا؟! لماذا يحاول الدجالون إقناع الجمهور بأن جرائم صيدنايا كانت "استثناء" وليست سياسة معتمدة لدى سائر الطواغيت؟! لماذا يوهمون الناس أنها كانت "أسرارا تحت أرضية" لم تُكتشف إلا بسقوط الأسد من أعين النظام الدولي؟! وبما إنّ شهية الإعلام مفتوحة هذه الأيام على مآسي الأمة ودموع مراسليه غزيرة؛ فهذا بلاغ إلى جميع وسائل الإعلام المرهفة التي ذرفت دموع النفاق على ضحايا صيدنايا، هل ندلكم على أفرع أخرى لصيدنايا لم تسقط بعد من عين النظام الدولي؟! اذهبوا إلى صيدنايا أفرع لبنان، والأردن، وتركيا، وكلها قريبة؟! ومثلها صيدنايا فرع مصر، وأفرع السعودية والإمارات وبقية دول الخليج، ومثلها أفرع المغرب وتونس وليبيا والجزائر والسودان الجريح. بل اذهبوا إلى أفرع صيدنايا التي تملأ العراق حيث يتعرض فيها أسرى المسلمين لأبشع صور التعذيب والقتل البطيء على أيدي الرافضة الذين صار "عديم الشرع" حارسا لمعابدهم مؤاخيا لحكومتهم الرافضية "الموقرة! في"سوريا الحرة" تماما كما كان عليه الحال في "سوريا الأسد!" بل هل ندلكم على ما هو أقرب إليكم من ذلك كله، اذهبوا إن استطعتم إلى صيدنايا فرع "إدلب! " الذي يُمسي فيه المجاهد أسيرا، ولا يُصبح إلا داخل السجون العسكرية التركية، بعد الاستعانة بمصباح "عدو الدين" للخدمات الأمنية السحرية!! فإن أبيتم هذا وذاك، فاذهبوا إلى أكبر صيدنايا في سوريا، فرع الهول وغويران حيث الأهوال التي تُرتكب جهارا نهارا في أكبر سجون بشرية علنية يقبع فيها آلاف المجاهدين والمهاجرين الأبرار وعوائلهم الأطهار الذين جاهدوا على ثرى الشام منذ الأيام الأولى للثورة وأسقطوا النظام فعليا لولا تدخل طواغيت الشرق والغرب مع "الثوار!" إنّ في كل بلد طاغوت، ولكل طاغوت صيدنايا ولكنه الدجل الإعلامي والنفاق العالمي، إنها شبكات عالمية للاتجار بمعاناة الناس أو الانقلاب عليها بحسب تقلُّب المزاج الدولي! وأضوائه الخضر والزرق!! وللمفارقة، فإنه بينما تتوجه اليوم وسائل الإعلام إلى صيدنايا للتباكي على أسراه؛ كانت ذاتها تتوجه إلى أسرى غويران والهول، لا لتنقل معاناتهم ولا لتتباكى عليهم، وإنما لتتشفّى بمصابهم وتبتزهم وتساومهم على البث الحي!! وتمارس بحقهم أقذر صور الخِسّة الإعلامية! لعلها تظفر بتراجع أو استجداء تسوِّقه للغثاء، فلا تعود إلا خاسئة ذليلة. كانت وسائل الإعلام التي تبكي صيدنايا اليوم تذهب إلى الهول لتمارس التشبيح الإعلامي بحق المؤمنات الصابرات الطاهرات اللواتي دفعن وأزواجهن ضريبة الإيمان والانتصار لإخوانهم الشاميين في جهاد لا يرجون من أحد شكره ولا ذكره. كانت قنوات الدجل تذهب إلى الهول لتقدّم مادة إعلامية تشويهية بحق الأطفال الأسرى! المحتجزين بقرار ورغبة دولية في ظروف قاسية بتهمة "الإرهاب" التي يفرّ منها الخونة اليوم، ويقدّمون لتفاديها كل التنازلات. أسرى الهول وغويران الذين تتنافس الميليشيات الكردية والثورية والتركية على التقرب إلى الصليبيين بإمساك ملفهم وشد وثاقهم!، أسرى الأهوال الذين دأبت الحكومات الصليبية والمرتدة على التحذير من إطلاق سراحهم أو التساهل معهم أو حتى الانشغال عنهم! وهو ما عبّر عنه قبل أيام "سيناتور أمريكي" بقوله: "علينا ضمان عدم إطلاق سراح ما يقرب من ٥٠ ألف سجين من الدولة الإسلامية في شمال شرق سوريا"، محذّرا مُقرًا بأنّ هروبهم "سيكون كابوسا لأمريكا". ◽ المصدر: صحيفة النبأ العدد 474 الخميس 18 جمادى الآخرة 1446هـ المقال الافتتاحي: صيدنايا والنفاق العالمي
  • عبد الرحمن محمد

      منذ
    صيدنايا والنفاق العالمي (2) كانت وسائل الإعلام التي تبكي صيدنايا اليوم تذهب إلى الهول لتمارس التشبيح الإعلامي بحق المؤمنات الصابرات الطاهرات اللواتي دفعن وأزواجهن ضريبة الإيمان والانتصار لإخوانهم الشاميين في جهاد لا يرجون من أحد شكره ولا ذكره. كانت قنوات الدجل تذهب إلى الهول لتقدّم مادة إعلامية تشويهية بحق الأطفال الأسرى! المحتجزين بقرار ورغبة دولية في ظروف قاسية بتهمة "الإرهاب" التي يفرّ منها الخونة اليوم، ويقدّمون لتفاديها كل التنازلات. أسرى الهول وغويران الذين تتنافس الميليشيات الكردية والثورية والتركية على التقرب إلى الصليبيين بإمساك ملفهم وشد وثاقهم!، أسرى الأهوال الذين دأبت الحكومات الصليبية والمرتدة على التحذير من إطلاق سراحهم أو التساهل معهم أو حتى الانشغال عنهم! وهو ما عبّر عنه قبل أيام "سيناتور أمريكي" بقوله: "علينا ضمان عدم إطلاق سراح ما يقرب من ٥٠ ألف سجين من الدولة الإسلامية في شمال شرق سوريا"، محذّرا مُقرًا بأنّ هروبهم "سيكون كابوسا لأمريكا". هذا "الكابوس" لا يطارد أمريكا الصليبية وحدها، بل يطارد أذنابهم المرتدين من الحكومات والميليشيات، ولذلك لا تجد وسائل الإعلام في هذه السجون مادة للاتجار بالمأساة والمعاناة، بل مادة للمزايدة والتشويه والمعاداة ليس للمجاهدين فحسب، بل حتى لنسائهم وأطفالهم، فهؤلاء في عرف القوانين الجاهلية الدولية والثورية "إرهابيون" برتبة أطفال ونساء!! لا تشملهم "الثورة العوراء" ولا "إنسانيتها" الجوفاء. ولكن ما ضرّهم إن لم يشملهم هذا الغثاء؛ إن شملتهم رحمة المولى سبحانه ولطفه وحسن ثوابه، وقد قضى في كتابه: {أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ ۖ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ}، فلن يُضيع عباده الذين هاجروا وجاهدوا وصبروا وأوذوا في سبيله، وسينتقم بعدله من الصليبيين والمرتدين وكل المتورطين في فصول هذه الجريمة التاريخية، بعذاب من عنده أو بأيدينا، فاللهم دبّر لنا فإننا لا نحسن التدبير. ومن مظاهر الدجل الإعلامي الذي رافق سقوط الأسد، تبدُّل سلوك الإعلام الموالي للنظام، حيث أقبل "شبيحة الأسد ثوار" يطبلون للثورة بعد أن كانوا قبل أيام ينبحون عليها، حتى غدا الفرق بين "الثوري" و"الشبيح" إسقاط علم ورفع آخر كلاهما من صنع "سايكس بيكو" فيا لهوان الثورة وهوان إعلامها. من الناحية الشرعية، فإنّ العاملين في وسائل الإعلام النصيرية هم كفار مرتدون محاربون، يستوي في ذلك ذكورهم وإناثهم من المراسلين والمحرِّرين والمصوِّرين و"الممثلين" وكل من له صلة بالمنظومة الإعلامية النصيرية التي عكفت سنوات تناصر الطاغوت وتنافح عنه وتؤيد جرائمه، وإنّ تبديل هؤلاء جلودهم بين ليلة وضحاها من "التشبيح إلى الثورة" يُعد استخفافا بالدماء وإمعانا في الإجرام، وإنّ حكم الإسلام فيهم هو القتل ردَّة جزاء وفاقا لأنهم أولياء وأعوان الطاغوت حكمهم حكمه لقوله تعالى: {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ ۚ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}. كما أنّ تصنيفهم إلى إعلاميين "حربيين وغير حربيين" والدعوة إلى محاكمتهم بالقانون هو ضرب من ضروب الجاهلية المتجذّرة، فإنّ القانون هو الذي حماهم وجرأهم على دماء وأعراض المسلمين في عهد "سوريا الأسد، وهو الذي سيكفل حمايتهم في عهد "سوريا الضبع"، وإنّ من عفا عن القتلة والجزارين كسبا لرضى النظام الدولي؛ لن يجرؤ على المساس بمن هم دونهم من الإعلاميين و"الممثلين" الذين رسموا لوحة النظام من قبل! ويرسمون لوحة الثورة من بعد! من خشية النفاق العالي. ◽ المصدر: صحيفة النبأ العدد 474 الخميس 18 جمادى الآخرة 1446هـ المقال الافتتاحي: صيدنايا والنفاق العالمي

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً