من درر العلامة ابن القيم عن اتباع الهوى

منذ يوم

من المواضيع التي تكلم عليها العلامة ابن القيم, رحمه الله في عدد من كتبه, وقد جمعتُ بفضل من الله وكرمه بعضًا مما ذكره

 

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين, نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين, أما بعد: فاتباع الهوى من المواضيع التي تكلم عليها العلامة ابن القيم, رحمه الله في عدد من كتبه, وقد جمعتُ بفضل من الله وكرمه بعضًا مما ذكره, أسأل الله  الكريم أن ينفع بها الجميع.                 

                    [كتاب: إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان]

  • أصل الفتنة من تقديم الرأي والهوى:

وأصل كل فتنة إنما هو من تقديم الرأي على الشرع, والهوى على العقل.

                         [كتاب: الداء والدواء]

  • اتباع الهوى يصدُّ عن الحق:

وهذا علي بن أبي طالب رضي الله عنه...كان يشتد خوفه من اثنتين: طول الأمل, واتباع الهوى, قال: فأما طول الأمل فينسي الآخرة, وأما اتباع الهوى فيصد عن الحق

                    [كتاب: أعلام الموقعين عن رب العالمين]

كلُّ من له مُسكة من عقل يعلم أن فساد العالم وخرابه، إنما نشأ من تقديم الرأي على الوحي، والهوى على العقل، وما استحكم هذان الفاسدان في قلب إلا استحكم هلاكه، ولا في أمة إلا فسد أمرها أتم فساد.

                      [كتاب: زاد المعاد في هدي خير العباد]

  • اتباع الهوى فيه تلف النفس وعطبها:

النفس في الأصل خُلقت جاهلة ظالمة, فهي لجهلها تظن شفاءها في اتباع هواها, وإنما فيه تلفها وعطبها, ولظلمها لا تقبل من الطبيب الناصح, بل تضع الداء موضع الدواء فتعتمده, وتضع الدواء موضع الداء فتجتنبه, فيتولد من بين إيثارها للداء, واجتنابها للدواء أنواع من الأسقام والعلل التي تُعيي الأطباء, ويتعذر معها الشفاء.

                    [كتاب: مدارج السالكين في منازل السائرين]

  • اتباع الهوى يطمس نور العقل ويعمى بصيرة القلب:

اتباع الهوى يطمس نور العقل ويعمى بصيرة القلب ويصدُّ عن اتباع الحق, ويضل عن الطريق المستقيم, فلا تحصل بصيرة العبرة معه البتة, والعبد إذا اتبع هواه فسد رأيه ونظره, فأرته نفسُه الحسن في صورة القبيح, والقبيح في صورة الحسن, فالتبس عليه الحق بالباطل, فأنى له الانتفاع بالتذكُّر أو بالتفكُّر أو بالعظة ؟

                            [كتاب: رفع اليدين في الصلاة]

  • من مفاسد التعصب واتباع الهوى:

التعصب واتباع الهوى يصدان عن الحق، ويحرمان الأجر، ويبعدان عن الله ورسوله، ويوجبان مقته ويخرجان صاحبهما عن درجة الوراثة النبوية، ويدخلانه في أهل الأهواء والعصبية.

                       [كتاب: روضة المحبين ونزهة المشتاقين]

  • ذم الهوى وما في مخالفته من نيل المنى:

الهوى: ميل الطبع إلى ما يلائمه, وهذا الميل خلق في الإنسان لضرورة بقائه, فإنه لولا ميله إلى المطعم والمشرب والمنكح ما أكل ولا شرب ولا نكح,...فلا ينبغي ذم الهوى مطلقاً, ولا مدحه مطلقاً,...وإنما يُذمُّ المفرط...وهو ما زاد على جلب المصالح, ودفع المضار.

ولما كان الغالب ممن يطيع هواه...أنه لا يقف فيه على حد المنتفع به, أُطلق ذم الهوى, لعموم غلبة الضرر,...فلذلك لم يذكر الله الهوى في كتابه إلا ذمه, وكذلك في السنة لم يجئ إلا مذموماً, إلا ما جاء منه مقيداً كقوله صلى الله عليه وسلم: ( لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به)

وقد قيل: الهوى كمين لا يُؤمن, قال الشعبي: وسُمى هوى لأنه يهوى بصاحبه, ومطلقه يدعو إلى اللذة الحاضرة من غير فكر في العاقبة, ويحثُّ على نيل الشهوات عاجلاً, وإن كانت سبباً لأعظم الآلام عاجلاً وآجلاً, فللدنيا عاقبة مثل عاقبة الآخرة, والهوى يعمى صاحبه عن ملاحظتها.

وليعلم اللبيب أن مدمني الشهوات يصيرون إلى حالة لا يلتذون بها, وهم مع ذلك لا يستطيعون تركها, لأنها قد صارت عندهم بمنزلة العيش الذي لا بد منه, ولهذا ترى مدمن الخمر والجماع لا يلتذ به عشر معشار التذاذ من يفعله نادراً, غير أن العادة مقتضية ذلك,...ولو زال عنه رين الهوى لعلم أنه قد شقي من حيث قدَّر السعادة, واغتمَّ من حيث ظنَّ الفرح, وألم من حيث أراد اللذة, فهو كالطائر المخدوع بحبة الفخ, لا هو يأكل الحبة, ولا هو يخلص مما وقع فيه.

  • علاج الهوى:

الهوى...يمكنه التخلُّص بعون الله وتوفيقه له بأمور:

أحدها: بعزيمة حرٍّ يغار لنفسه وعليها.

الثاني: جرعة صبر تصبر نفسه على مرارتها تلك الساعة.

الثالث: قوة نفس تشجعه على شرب تلك الجرعة.

الرابع: ملاحظته حسن موقع العاقبه, والشفاء بتك الجرعة.

الخامس: ملاحظته الألم الزائد على لذة طاعة هواه.

السادس: إبقاؤه على منزلته عند الله تعالى, وفي قلوب عباده, وهو خير وأنفع له من لذة مواقعة الهوى.

السابع: إيثاره لذة العفة, وعزتها, وحلاوتها على لذة المعصية.

الثامن: فرحه بغلبة عدوه, وقهره له, ورده خاسئاً بغيظه, وغمه, وهمه, حيث لم ينل منه أمنيته, والله تعالى يحبُّ من عبده أن يراغم عدوه, ويغيظه.

التاسع: التفكر في أنه لم يخلق للهوى, وإنَّما هُيئ لأمرٍ عظيم لا يناله إلا بمعصيته للهوى 

العاشر: أن يسير بفكره في عواقب الهوى, فيتأمل كم أفاتت طاعته من فضيلة, وكم أوقعت من رذيلة.

الحادي عشر: أن يوازن بين سلامة الدين, والعرض, والمال, والجاه, ونيل اللذة المطلوبة, فإنه لا يجد بينهما نسبة ألبتة.

الثاني عشر: أن يعلم أن الشيطان ليس له مدخل على ابن آدم إلا من باب هواه, فإنه يطيف عليه, من أين يدخل عليه, حتى يفسد عليه قلبه وأعماله.

الثالث عشر أن الله سبحانه وتعالى شبه اتباع الهوى بأخسِّ الحيوانات صورة ومعنى

الرابع عشر: أن متبع الهوى ليس أهلاً أن يطاع, ولا يكون إماماً, ولا متبوعاً.

الخامس عشر: أن اتباع الهوى من المهلكات, قال صلى الله عليه وسلم: (( «ثلاث منجيات, وثلاث مهلكات,...وأما المهلكات: فهوى متبع» ....الحديث))

السادس عشر: أن مخالفة الهوى تورث العبد قوة في بدنه, وقلبه, ولسانه.

السابع عشر: أن أغزر الناس مروءةً أشدُّهم مخالفةً لهواه.

الثامن عشر: أن الله سبحانه وتعالى جعل الخطأ, واتباع الهوى قرينين, وجعل الصواب, ومخالفة الهوى قرينين.

التاسع عشر: أن الهوى داء, ودواؤه مخالفته.

العشرون: أن جهاد الهوى إن لم يكن أعظم من جهاد الكفار فليس بدونه.

الحادى والعشرون: أن اتباع الهوى يغلق عن العبد أبواب التوفيق, ويفتح له أبواب الخذلان, فتراه يلهج بأن الله لو وفق لكان كذا وكذا, وقد سدَّ على نفسه طُرق التوفيق باتباع هواه.

الثاني والعشرون: أن من نصر هواه فسد عليه رأيه وعقله, لأنه قد خان الله في عقله فأفسده عليه.

الثالث والعشرون: أن اتباع الهوى يحلُّ العزائم, ويوهنها, ومخالفته تشدُّها وتقويها.

الرابع والعشرون: أن مخالفة الهوى مطردة للداء عن القلب والبدن, ومتابعته مجلبة لداء القلب والبدن, فأمراض القلوب كلها من متابعة الهوى.

الخامس والعشرون: أن أصل العداوة والشَّرَّ والحسد الواقع بين الناس من اتباع الهوى, فمن خالف هواه, أراح قلبه, وبدنه, وجوارحه, فاستراح, وأراح.

السادس والعشرون: أن لكل عبد بداية ونهاية, فمن كانت بدايته اتباع الهوى, كانت نهايته الذُّل والصغار, والحرمان, والبلاء المتنوع بحسب ما اتبع من هواه,...وقد جعل الله سبحانه وتعالى الجنة نهاية من خالف هواه, والنار نهاية من اتبع هواه.

السابع والعشرون: أن مخالفته توجب شرف الدنيا, وشرف الآخرة, وعزَّ الظاهر, وعزَّ الباطن, ومتابعته تضع العبد في الدنيا والآخرة, وتذله في الظاهر والباطن.

الثامن والعشرون: أنك إذا تأملت السبعة الذين يظلهم الله عز وجل في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله, وجدتهم إنما نالوا ذلك الظلَّ بمخالفة الهوى.

  • مخالفة الهوى طريق إلى الجنة:

مخالفة الهوى لم يجعل الله للجنة طريقاً غير مخالفته, ولم يجعل للنار طريقاً غير متابعته, قال تعالى: { ﴿  فَأَمَّا مَن طَغَىٰ  * وَءَاثَرَ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا * فَإِنَّ ٱلۡجَحِيمَ هِيَ ٱلۡمَأۡوَىٰ * وَأَمَّا مَنۡ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِۦ وَنَهَى ٱلنَّفۡسَ عَنِ ٱلۡهَوَىٰ * فَإِنَّ ٱلۡجَنَّةَ هِيَ ٱلۡمَأۡوَى﴾}  [النازعات:37-41] وقال تعالى: ﴿   {وَلِمَنۡ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِۦ جَنَّتَانِ}  [الرحمن:46] قيل: هو العبد يهوى المعصية, فيذكر مقام الله عليه في الدنيا, ومقامه بين يديه في الآخرة, فيتركها لله

                          [كتاب: الفوائد]

  • الفساد في اتباع الهوى.

اتباع الهوى وطول الأمل مادة كل فساد, فإن اتباع الهوى يُعمي عن الحق معرفة وقصداً, وطول الأمل يُنسي الآخرة ويصُدُّ عن الاستعداد لها...فاجتمع الفساد كلُّه في اتباع الهوى وطول الأمل.

                كتبه / فهد بن عبدالعزيز بن عبدالله الشويرخ

  • 1
  • 1
  • 81

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً