الغش في مشروع التخرج وأثره على راتب الوظيفة
شاب أنهى دراسته، لكنه لَم يتعب أو يجتهد في مشروع بحثه، مما أصابه بالوسواس، وعندما تقدم لوظيفة خشي أن يكون راتبه محرمًا.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا شابٌّ كنتُ أدرس في الجامعة للحصول على شهادة الإجازة، وكان عليَّ إنجاز مشروع نهاية السَّنة، وهو عبارة عن بحثٍ كنتُ أشترك فيه أنا وزميل لي، وكان يُشرف علينا أحد الأساتذة، وسلَّمَنا مراجع وأبحاثًا تحمل العنوان نفسه.
المشكلة أنَّنا اعتمدنا بشكلٍ كبير على الأبحاث التي تحمل عنوان بحثنا، مع بعض الإضافات التي زدتها من القراءة في مراجع أخرى.
أشعر بتأنيب الضمير لأنَّنا لم نَقُمْ بمجهودٍ، وكل ما بذلناه هو محاولة فهم الموضوع وتقديمه وكتابته وشَرْحه للجنة، وبعد حصولي على الشَّهادة أصبحَتْ تراودني أفكار مثل: هل غششتُ أو لا؟ وهل عملي بهذه الشَّهادة حلال أو لا؟ علمًا بأنَّني بحثتُ عن مراجع أخرى، وكتبتُ شيئًا من البحث من مجهودي الخاصِّ.
وللعِلم فالأستاذ المشرِف علينا - والذي هو عُضو في اللَّجنة التي ستقيِّم عملَنا، والتي فعلاً قدَّمنا عملنا أمامها - هو بنفسه مَن سلَّم لنا هذا البحث الذي نَقلنا منه واعتمدنا عليه.
كلُّ هذا حدث منذ عامَين، وأنا مُصاب بالوسواس، وأتناول أدوية، وزاد هذا مع تقديمي لوظيفة جديدة، وأخاف أن أكون قد غششتُ فيحرم عليَّ العمَل بهذه الشَّهادة، فتضيع سنواتٌ من دراستي هباءً لأنِّي لا أستطيع إعادة الدِّراسة من جديدٍ للحصول على شهادة إجازةٍ جديدة.
دلُّوني على الصواب؛ لأنَّ حياتي جحيم، ولا أعلم ماذا أفعل؟
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:
فزادك الله حِرصًا أيُّها الابن الكريم، غير أنَّ الأمر أَهون بكثير ممَّا تصوَّرتَ، ومن ثمَّ شققتَ على نفسك، فلا يَخفى على من هو مِثلك أنَّ في بلادنا العربيَّة - ومع الأسف الشديد - مشاريع التخرُّج أمرٌ روتِيني، وليستْ مِعيارًا حقيقيًّا للحصول على شهادة التخرُّج، وهذا أمرٌ تتساوى فيه الكليَّات العمليَّة (كالهندسة)، والنظريَّة والإنسانيَّة، والواقع خير شاهدٍ على ما أقول.
والدليل من كلامك أيضًا: أنَّ الأستاذ المشرِف - والذي هو عضو في لجنة تقييم المشروع - هو مَن سلَّم لكما البحثَ المذْكور، فلو كان غرَضُ البحث إنشاءه مِن العدَم، ما أعطاكموه، وقد يكون غرض لجنة المناقَشة من البحث - هو اختبار قدرتكم على الوصولِ للمعلومة والاستفادةِ منها في بَحثكم، وهي طريقة مَعروفة في الغرب؛ اختبارات الـ "Open Book".
أيضًا قد ذكرتَ أنَّك أنت وزميلك قد بذلتما جهدًا في فهم الموضوع وتقديمِه وكتابتِه وشَرحه للجنَة، وأنَّك بحثتَ عن مراجع أخرى، وكتبتَ شيئًا من البحث من مجهودِك الخاص، وهذا كافٍ في مِثل هذه الأبحاث؛ بدليل أنَّ اللَّجنة المسؤولَة قد أجازتكما، وحصلْتَ على الشَّهادة.
ولعلَّ إصابتك بالوسواس هو السَّبب في إعطاء الأمر أكبر من قَدرِه، ولا تظن أيُّها الابن الكريم أنَّك لو أعدت البحث سيكفُّ الوسواسُ عنك، بل سيزداد ضَراوة؛ لأنَّ الوسواس كلَّما تماديتَ معه، وأعطيتَه طلبَه، زادَ، وكبر، وعَظُم، ولا يَقنع إلاَّ بالكفِّ عنه وإهماله، وصَرف القلبِ عنه، وطلب الإعانة من الله تعالى، ولا تَعجز عن فعل الطَّاعات.
وتأمَّل رعاك الله كلامَ شيخ الإسلام ابن القيم؛ لتعلم من أين أُتيتَ، فقد علِم الشيطان حرصَك على الحلال الطيِّب، فأوقعك في الوسواس.
قال ابن القيم في "مدارج السالكين" (2 / 107): "فإنَّ الشَّيطان يشمُّ قلبَ العبد ويختبرُه؛ فإن رأى فيه داعيةً للبدعة وإعراضًا عن كمال الانقياد للسُّنَّة أخرجه عن الاعتصام بها، وإن رأى فيه حرصًا على السُّنَّة وشدَّة طلب لها لم يَظفَر به مِن باب اقتطاعه عنها، فأمرَه بالاجتهاد، والجورِ على النَّفس، ومُجاوزة حد الاقتصاد فيها، قائلاً له: إنَّ هذا خير وطاعةٌ، والزِّيادةُ والاجتهاد فيها أكمل؛ فلا تفتُر مع أهل الفُتُور، ولا تنَم مع أهل النَّوم، فلا يزالُ يحُثُّه ويُحرِّضه، حتى يُخرِجه عن الاقتصاد فيها، فيخرج عن حدِّها؛ كما أنَّ الأول خارجٌ هذا الحدِّ؛ فكذا هذا الآخرُ خارجٌ عن الحدِّ الآخر.
وهذا حالُ الخوارِج الذين يحقرُ أهلُ الاستقامة صلاتَهم مع صلاتهم، وصيامَهم مع صيامهم، وقراءتهم مع قراءتهم، وكِلا الأمرين خُرُوجٌ عن السُّنَّة إلى البدعة، لكنَّ هذا إلى بِدعة التَّفريط والإضاعة، والآخر إلى بِدعة المُجاوزة والإسراف.
وقال بعضُ السَّلف: ما أمر الله بأمرٍ إلاَّ وللشيطان فيه نزعتان؛ إمَّا إلى تفريطٍ، وإمَّا إلى مُجاوزةٍ؛ وهي الإفراطُ، ولا يُبالي بأيِّهما ظفر؛ زيادة، أو نُقصان.
وقال النَّبي صلى الله عليه وسلَّم لعبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: «يا عبدَالله بن عمرو، إنَّ لكلِّ عاملٍ شرَّةً، ولكُلِّ شرَّة فَترة؛ فمن كانت فَترتُه إلى سُنَّة أفلح، ومن كانت فترتُه إلى بدعةٍ خاب وخسر»، قال له ذلك حين أمره بالاقتصاد في العمَل.
فكلُّ الخير في اجتهادٍ باقتصادٍ، وإخلاصٍ مقرُونٍ بالاتِّباع؛ كما قال بعضُ الصَّحابة: اقتصادٌ في سبيلٍ وسُنَّة خيرٌ من اجتهادٍ في خلاف سبيلٍ وسُنَّة، فاحرصوا أن تكون أعمالكم على منهاج الأنبياء عليهم السَّلام، وسنَّتهم".
أمَّا العمل بتلك الشَّهادة التي حصلتَ عليها فلا حرَج فيه؛ لما ذكرنا سابقًا، ولأمرٍ آخر وهو: أنَّ حِلَّ الرَّاتب متوقف على إتقانك لعملك والقيام به بصورةٍ جيِّدة.
وأمر أخير كي تغلِق بابَ الوسواس نهائيًّا:
• على فَرض أنَّك قد حصلتَ على شهادتك بالغشِّ الصَّريح؛ كحال كثيرٍ من الطلاب - فتجب عليك التَّوبة النَّصوح، والعمل على تَحقيق العِلم اللازم الذي يمكِّنك من القيام بعملِك على الوجه الأكمل، وقد نصَّ على هذا العلاَّمةُ ابن باز رحمه الله في "مجموع الفتاوى" (17 / 124) حيث قال: "لا حرج إن شاء الله، عليه التَّوبة إلى الله ممَّا جرى من الغشِّ، وهو إذا كان قائمًا بالعمل كما ينبغي، فلا حرَج عليه من جِهة كَسبه؛ لكنَّه أخطأ في الغشِّ السَّابق، وعليه التوبة إلى الله من ذلك". ا.هـ.
وفقك الله لكلِّ خير، وحفظَك من شرِّ نفسك وشرِّ الشيطان وشركه.
- التصنيف:
- المصدر:
عبد الله
منذ