وسم: الإعجاب
خالد عبد المنعم الرفاعي
انعزلت عن المجتمع فتغيرت أفكاري
أنا طالبة جامعيةٌ متخصصة في الصِّحة، مُنْعَزِلة عن بيئتي بسبب تربيتي منذ الصِّغَر؛ لأنَّ والدتي ترفُض أن أختلطَ مع بنات جيلي، وتخاف من أن أتأثَّر بتصرفاتهنَّ.
تأثَّرْتُ بهذا الوَضْعِ، وتأقْلَمْتُ عليه إلى أن كبرتُ، واعتكفتُ على الكتب والقراءة، وقرأتُ كل شيءٍ، حتى راودتْني كثيرٌ مِن الأفكار والتساؤلات، منها:
• لماذا نتَّبِع دين الإسلام، ونحن لا نُطَبِّق جميعَ تعالميه؛ ففي بلادنا مثلًا لا يعترفون بالديانات السماوية الأخرى، ولا ندرسها في مناهجنا؟
• لماذا نشتم أهل الكتاب، ونطعن في الشيعة، ونُكَفِّر الناس بسهولة، رغم أن التكفيرَ والطعْنَ في الأنساب مُحَرَّم في الإسلام؟
• لماذا أجد "بعض" المشايخ يُرَدِّدون ألفاظًا لا تليق بأمة محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- عندما يتحدثون عن الذين يتبعون دينًا غير دينهم، أو مذهبًا غير مذهبهم؟
توصَّلْتُ لنتيجةٍ مُؤلمةٍ، والآن أنا مُتيقِّنة بها، وأجزم بصحتها، وهي: أن أغلبنا يتَّبع الإسلام فقط لأنه دين آبائه وأجدادِه، قرَّرْتُ أن أقرأَ في الأديان السماوية، خصوصًا أنها تُشابه الإسلامَ في التحليل والتحريم.
قرأتُ في التوراة والإنجيل، وكنت خائفةً مِن أن أكونَ مِن المُرْتَدِّين، وكنتُ كلما قرأتُ سِفْرًا أُرَدِّد: "يا مُقَلِّب القلوب، ثبِّت قلبي على دين الحق"!
لم أقتنعْ أبدًا لأني وجدتُ ألفاظًا لا تليق بالديانات، كما أن طريقة السَّرْدِ ركيكةٌ جدًّا، ولا تليق بكتابٍ كهذا، والجاهلُ يَجْزِم بأنه مُحَرَّفٌ، فما بالكم بالمتعلم الواعي؟!
اقتنعتُ بالإسلام أكثر؛ لأنه دينٌ منطقيٌّ وعقلانيٌّ، ثم أنشأتُ لنفسي بيئةً خاصةً وأفكارًا وعقائدَ وطُمُوحات، ووضعتُ لنفسي قيودًا وحدودًا لا أسمح لأحدٍ بتجاوُزها، أُقابل الناسَ بمُجاملةٍ عند الضرورة، أتصرَّف بلُطْفٍ أمام كبار السن.
لستُ سيئةً، لكني أصبحتُ أخشى مِن العظَمة التي تُراودني بين الفينة والأخرى؛ لأني كلما تعمَّقْتُ في العلم والكُتُب -لا شعوريًّا- أستَصْغِرُ المجتمعَ، خصوصًا عندما أقرأ التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعيِّ، أجد فيها كميةَ تخلُّف وجهلٍ لا تُطاق.
زاد الأمر عندي حتى أصبحتُ أشعر بأنَّ وُجودي في هذه الدولة ظُلْمٌ وكبْتٌ لحريتي وعقليتي، ولا أقصد بالحرية هنا تلك التي تُناجي التمرُّد على الدين، بل أقصد الحرية التي تُتيح لي أن أتعلَّمَ وأتوظَّفَ بلا قيودٍ اجتماعيةٍ، بلا فسادٍ إداريٍّ، بلا رجال حَمْقَى يتشبَّثون بمناصبَ عُليا، ويرَوْنَ أنَّ المكان الأنسبَ للفتاة بيت زوجها أو مطبخها.
أنا مُتيقِّنة من أنَّ بلاد العرب لا تَصْلُح للحياة، فهي فقط للموت! وهذا الأمر يكاد يقتلني مِن شدة التفكير، فكلما شاهدتُ أبناء الوطن وهم يبيعون اختراعاتهم وأفكارَهم للجامعات التي تستغل حاجتهم، بدون أن نجد مُنَظَّمَةً تَحْمِيهم مِن الاستغلال أتمسَّك بيقيني بأنَّ الحياة هُنا تُكَلِّفنا بَيْعَ عُقولنا!
كنتُ أعمل كاتبةً في ثلاث صُحُفٍ محلية وخارجية، وتركتُها خوفًا مِن شعور العظَمة الذي يُراوِدني، فماذا أفعل؟
هل تنصحونني بتَرْك القراءة، رغم أن الكُتُبَ التي أقتنيها محتواها لا يتنافى مع الإسلام أبدًا؛ فهي عن التنمية البشرية، والقيادة، والطب، والتسويق، والإدارة، والنجاح، والموارد البشرية والصحية، وتحفيز الذات؟!
هل تنصحونني بالعودة للكتابة؛ لأني أعتصر ألمًا عندما أتجاهل أفكاري بلا تدوين؟!
وجزاكم الله خيرًا