وسم: طريق
خالد عبد المنعم الرفاعي
ضللت الطريق، وأجلد ذاتي لأعود
أنا شابٌّ في بداية العشرينيات مِن عمري، كنتُ أسير كيفما يسير الناس، وكيفما يسير التيَّار، لا أبذُل جهدًا في شيء، أُحِب الأشياء السهلة، ولم أفكرْ يومًا في أن تكونَ لي أفكارٌ أصيلةٌ خاصة بي، فأفكاري تقليدية اتباعيَّة، لم يهتم والدي بإرشادي للطريق؛ لأعرف ما أريد مِن هذه الحياة.
سمعتُ يومًا عن قصة ذلك الرجل المؤمن الذي كان مع صحْبِه عند أحد أنهار العراق، ويغمس الخبز اليابس في الماء ويأكله, ثم يقول: لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن عليه، لجالدونا عليه بالسيوف!
عندما سمعتُ بهذه القصة، تَرَكتْ شيئًا في نفسي، وكانت هذه القصة أولى محاولاتي لأُصبح رجلًا مُلتزمًا، لكن في أحد الأيام سمعتُ شخصًا -سامحه الله- يقول: إن رجالَ الدين رجالٌ فاشلون، لم يُفلحوا في حياتهم، واتجهوا للدين؛ فأثَّر ذلك على نفسي؛ لأنني ما كنتُ يومًا فاشلًا!
عِشْتُ حياتي بوجهَيْنِ، عندما أكون وحدي فأنا إنسانٌ مستسلمٌ لشهوتي، ناقمٌ على نفسي، وألقي عليها التهَم وأُعاتِبُها، حتى كرهتُ نفسي جدًّا، كرهتُ نفسي حتى النُّخاع، وآمنتُ أن هذه النفس ضعيفة، غير قادرة على شيء، حتى وصلتُ للمرحلة الجامعيةِ، ودخلتُ أحد التخصصات، أكملتُ أول سنة -والحمد لله- بشكلٍ جيدٍ؛ لكن زاد صراعي مع نفسي وكرهي لكوني بوجهين!
بدأتُ أنعزل عن المجتمع، وأتجنَّب الناس، حتى رسبتُ في إحدى المواد، وزاد إحباطي، وتركتُ الجامعة لمدة فصلٍ دراسي كاملٍ.
كنتُ مُنهمكًا على الإنترنت طوال الوقت؛ حتى أحببتُ الفراغ بشكل فظيع، وتقلق نفسي إذا وُكِلَتْ إليَّ مهمةً، ركزتُ على مشاهدة أي شيء ذي طابعٍ رومانسي! من مسلسلات، وأفلام، وحتى أفلام الكرتون "أنميشين"؛ وذلك لتلبية رغباتٍ وحاجات في قلبي.
بعد أن تركتُ الدراسة والصلاة لفصلٍ كاملٍ، سمعتُ مقطعًا دينيًّا أثَّر فيَّ، وقررتُ العودة للصلاة في المسجد، والتضرُّع لله، وفي نفس الوقت رجعتُ للدراسة، وبدأ صراعٌ وسواسي أني لم أرجعْ للصلاة إلا لأني أشعر بأني سأمُرُّ بفترة دراسية صعبة، ولم يكن رجوعي لله خالصًا لوجهه الكريم.
قررتُ تَرْك الموسيقا، ومُشاهدة الأفلام والمسلسلات، لكن حلتْ على قلبي وحشةٌ ووحدةٌ لم أشعر بها مِن قَبْلُ، وكأن صدري أو قلبي أصبح فارِغًا، وأصابتْني كآبةٌ غريبةٌ، والنوم أصبح مهمةً صعبةً جدًّا.
بدأتُ أُفَكِّر في ترْكِ الدراسة، والصلاة في المسجد، وأن أعود لمشاهدة المسلسلات، والأفلام، واستسلم لهذه المشاعر! انتابني خوفٌ عظيمٌ مِن عودتي للدراسة، وقلقٌ مِن أني فاشلٌ، ولن أفلح في الدراسة حتى لو غيَّرْتُ التخصُّص.
عملتُ -للأسف- على تهميش ذاتي طوال حياتي، وعلى جلْدِها، ودفْنِها عميقًا في الداخل؛ حتى وصل بي الحال أني عندما أرى رجلًا فقيرًا، أقول في نفسي: ماذا لو أستطيع أن أعطيه حياتي ماذا سيحقق بها؟ هو يستحقها أكثر مني!