إخفاء مرض الزوجة عن الزوج
تزوَّجتُ فتاةً، وبعد زواجي بستة أشهر تمَّ إبلاغي بأن الزوجة ذهبتْ إلى عدة مستشفيات؛ لعدم نزول الدورة الشهرية عليها. وبعد زيارتها للمستشفيات؛ أفادوا بأن فيها فشلَ مِبْيَضٍ، وأن نسبة الحمل لديها 2 %، وأنه لا يوجد فيها مبيض يسارٍ مِن الطفولة، ولم يَتِمَّ إبلاغي بشيءٍ مِن هذا قبل الزواج !
سؤالي : هل يجوز للولي عدم إبلاغي بهذه الأمراض قبل الخطبة؟ وهل يعتبر غاشًّا لي؟
السؤال الثاني : ما وجهة نظركم في مثل هذا الموضوع؟ وما المطلوب مني فعله؟ فأنا – الآن – أعيش فترة حزنٍ؛ لأني أُعالج زوجتي، وهي تعرف ما فيها، وأنا ما كنتُ أعرف!
الحمدُ للهِ، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ اللهِ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ وَمَن والاهُ، أمَّا بعدُ :
فهوِّن عليك –أخي الكريم– فإنَّ ما أنت فيه بلاءٌ مِن الله؛ عسى اللهَ أن يخففَ عنك، ويأجُرَك في مصيبتك، ويخلفك خيرًا منها؛ فكلُّ قضاء الله للمسلم خيرٌ له؛ كما قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "عَ "؛ (رواه مسلم).
أما زوجتُك فالذي يظهر أنها تعلمُ حالتها الصحية؛ لأن وقوفَ المرء على حالته الصحية من البَدَهِيَّات، ولا يتوقف أحدٌ في أنَّ ما فعلتْه هي ووليُّها من كتمانِ مَرَضِهَا من الغش، والتدليس، والخديعة التي لا تجوز في الزواج، ولا في غيره، فكان الواجب عليهم إعلامك بالحقيقة؛ لتنظر في أمرك؛ أترضى بها أو ترفضها؟
وزوجتُك ووليُّها قد اشتركَا في كتمان ذلك العيب عنك؛ فالواجبُ على الولي أن يَدْفَعَ لك قيمة ما أنفقتَ عليها، وتأخذ هي الذي دفعتَهُ لها؛ لكونك بَنَيْتَ بها كما جاء في كتاب الإنصاف: ''لو وُجِدَ التغريرُ من المرأةِ والولي، فالضمانُ على الولي على قول القاضي، وابن عقيل، والمصنف وغيرهم؛ لأنه المباشر''. انتهى.
وأنت –الآنَ– قد عاينتَ الأمرَ، وترى حالتَها الصحيةَ، فتستطيع أن تَحكُمَ؛ هل يمكِنُك العفوُ عنهم والصبرُ عليها أو لا؟ ولا شك أنَّ الصبر عليها، والسعيَ في طلب علاجها والاحتساب فيه مِن الأجرِ العظيمِ ما لا يعلمُ قدرَه إلا الله، والتغاضي عن مَرَضِهَا في مقابل المصالح المترتبة على إمساكها؛ فقد كان مِن الممكن أن تتزوجَ بامرأةٍ سليمةٍ، ثم بعد الزواج تَمْرَضُ، وهكذا، فكثيرٌ مِن البيوت فيها أزواجٌ أو زوجاتٌ؛ مصابون، أو مصاباتٌ بأمراضٍ مزمنةٍ، والزوجةُ أو الزوج قد اعتادَا الأمر، والحياةُ مستمرةٌ يومًا، ويومًا.
فيمكنُك أن تترُكَهَا في عصمتك، وتتزوَّج عليها ثانيةً؛ مِن أجل الإنجاب؛ عسى اللهُ يرزُقَكَ منها ذريةً تَقَرُّ بها عينُك، وتسعَدَ بها نفسُك.
أمَّا إن آنستَ مِن نفسك جَزَعًا، وعدم صَبْرٍ، أو نفرة منها، فننصحُك بتركها؛ فالزواجُ ليس معناه تقيُّد الرجل مع المرأة بالسلاسل والأغلال –كما يظن البعض– وإنما هو حُبٌّ ومودة، ورحمةٌ ناتجةٌ عن حُسن عِشْرَةٍ، وتبعُّلٍ، أو هو رعايةٌ وإحسانٌ.
فيحِقُّ لك الفسخُ بسبب ذلك العيب الذي دُلِّسَ عليك فيه، وتأخذ ما دفعتَه مِن مهرٍ ونفقةٍ من وليِّ المرأة الذي خَدَعَكَ، وليس مِن زوجتك التي يَحِلُّ لها المهرُ بعدما دخلت بها، وقد نَصَّ الفقهاءُ على ذلك :
قال ابن القيم –رحمه الله تعالى– في''زاد المعاد '': «والقياس: أن كلَّ عيبٍ ينفر الزوج الآخر منه، ولا يحصُل به مقصودُ النكاح؛ من الرحمةِ، والمودةِ، يُوجِبُ الخِيَار». انتهى.
وهذا الفسخُ إنما يثبُت إذا توافرتْ ضوابطُ معينةٌ، وهذه الضوابطُ هي :
الأول: وجود هذا العيب قبل العقد.
الثاني: عدم العلم به قبل العقد.
الثالث: عدم فعل ما يدل على الرضا به بعد الاطِّلاع عليه.
قال ابن قُدامة في''المغني '': «وخيارُ العيب ثابتٌ على التراخي، لا يسقط ما لم يوجد منه ما يدلُّ على الرضا به؛ من القول، والاستمتاعِ من الزوج، أو التمكينِ من المرأة؛ هذا ظاهرُ كلام الخِرَقِي». انتهى.
فإن اختار الزوج فسخَ النكاح، فإن زوجتَه تستحِقُّ الصداقَ كاملًا؛ لأنه قد دَخَلَ بها، ويرجعُ الزوج به على من غَرَّهُ في زواجه مِن أولياء المرأة.
قال ابن قدامة في''المغني '': «الفصل الثاني: أن الفسْخَ إذا كان بعد الدخول، فلها المهرُ؛ لأن المهر يجب بالعقد، ويستقر بالدخول».
وقال: «إنه يرجع بالمهر على مَن غَرَّه، وقال أبو بكر: فيه روايتان :
إحداهما : يرجع به.
والأخرى : لا يرجع، والصحيحُ أن المذهب روايةٌ واحدةٌ، وأنه يَرْجِعَ به» انتهى.
وفقنا الله جميعًا لما يحب ويرضى.
- التصنيف:
- المصدر: