التعامل مع الابن غير الشرعي

منذ 2014-05-07
السؤال:

حملت امرأةٌ بِعلاقةٍ غير شرعيَّة، ثم أُجْري العقد الشَّرعي بعد الحمْل مباشرة دون العقد المدني، وبعد ولادة البنْتِ أعْطاها الوالدُ اسمهُ في شهادة الميلاد فقط، هل يجوز لهذه البِنت الميراث؟

إذا ترك الوالدُ وصيَّة بِحرمانها من الميراث، فهل هو آثِم؟

علمًا أنَّه متيقِّن أنَّ الحمل حصل عن زِنا قبل العقد الشَّرعي.

كيف نتعامل نحن مع هذه البنت، هل تَجب عليْنا صلة الرَّحِم؟ فهي تَحمل نفس اسم العائلة، مع أنَّ الوالد يرفُض ذلك، وهو يقول إنَّه ليس متأكدًا تمامًا من أنَّها ابنتُه؛ لعدم نزاهة المرأة التي زنى بها، وأنَّه أجرى العقد وأعْطاها الاسم خوفًا من أهلِها ومن العدالة.

الإجابة:

الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فالزِّنا محرَّم بالكتاب والسنَّة وإجْماع الأمَّة؛ قال تعالى: {وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً} [الإسراء: 32]، وقال رسولُ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن»؛ رواه البخاري ومسلم.

وعلى مَن وقع في هذا الفِعْل الشَّائن أن يتوبَ إلى الله توبةً نصوحًا، وأن يُكْثِر من الاستِغْفار والطَّاعات، والنَّوافل وأنْواع الخير، مع مفارقة كلِّ سببٍ يدْعو إليْه؛ لعلَّ الله يقبل توبتَه، وراجِع الفتويين: "التوبة من الزنا"، "التوبة التي يرضاها الله".

وأمَّا مَن زنى بامرأةٍ فحملتْ ثُمَّ أراد أن يتزوَّجها، فلا يجوزُ له أن يتزوَّجها - على الرَّاجح من قولَي العُلماء - إلاَّ بشرطين:
- أن يتوبا إلى الله - عزَّ وجلَّ.
- أن تضع المرأة حملَها؛ لئلا يختلط ماء النِّكاح بماء السِّفاح؛ لقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -:
«لا توطأ حامل حتى تضع، ولا حائل حتى تستبرئ بحيضة» رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني

فإذا فُقِد أحد الشَّرطين، لم يَجُز نكاحها.

قال ابن قدامة في "المغني": "وإذا زنتِ المرأة، لم يَحِلَّ لِمن يعلم ذلك نكاحُها إلاَّ بشرطين، أحدهما: انقِضاء عدتها ... والشَّرط الثَّاني: أن تتوبَ من الزنا".

وراجع فتوى: "
حكم الزواج بمن زنا بها".

وعليه؛ فعقدُ الزواج الذي تمَّ يُعْتَبر عقْدًا باطِلا؛ لفقْدِه الشَّرطين.

وأمَّا البنت التي جاءت نتيجةً للسفاح والزنا، فتُنسب إلى الأمِّ نِسبةً شرعيَّة صحيحة، تَثبت بِها الحرمة والمحرمية، ويترتَّب عليْها الولاية الشرعيَّة والتَّعصيب والإرث، وغير ذلك من أحكام البنوَّة؛ لأنها ابنتها حقيقة، ولا خلاف في ذلك.

أمَّا نسبُها إلى أبيها من الزِّنا ولحوقها به، فغير جائزٍ، حتَّى لو أقرَّ ببنوَّتها له من الزِّنا، وهذا هو الحق وقول جُمهور العُلماء، وذهب إسحاق بن راهويه، وعروة، وسليْمان بن يسار، وأبو حنيفة إلى الجواز.

وما ذهب إليْه جُمهور العلماء هو الرَّاجح؛ لما في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة إن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال:
«الولد للفراش، و للعاهر الحجر»، والمرأة المزني بها ليست فراشًا للزاني.

قال ابن قدامة في "المغني": "وولد الزِّنا لا يلحق الزَّاني في قول الجُمهور".

قال العثيمين في "فتاوى إسلامية ": "وأما الولد الذي يحصل من الزنا، يكون ولدا لأمه، وليس ولدا لأبيه؛ لعموم قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -:
«الولد للفراش، وللعاهر الحجر» العاهر: الزاني، يعني ليس له ولد، هذا معنى الحديث، ولو تزوجها بعد التوبة فإن الولد المخلوق من الماء الأول لا يكون ولدًا له، ولا يرث من هذا الذي حصل منه الزنا ولو ادعى أنه ابنه؛ لأنه ليس ولدًا شرعيًا". اهـ.  

وعليه؛ فما فعله ذلك الرجل من استِلْحاق هذه البنت به وإعطائِها اسمَه في شهادة الميلاد - غير جائز؛ لأنَّه ليس أباها شرعًا، والمعدوم شرعًا - وهو هنا الأبوَّة الشرعيَّة - كالمعْدوم حسًّا.

وكذلك لا ميراث لابن الزنا لأن ماءه هدر؛ لذلك فهو ليس في حاجةٍ إلى كتابة وصيَّة بِحرمانها من الميراث.

وأمَّا علاقتكم بِها، فليس بيْنكم وبينها رحِم؛ لعدم وجود النَّسب كما ذكرنا، وإن كان هذا لا يمنع من برها، فهي لا ذنب لها بما اقترفت أمها أو ذلك الرجل؛ والله تعالى يقول: {
كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} [الطور: 21]، وقال تعالى: {وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ} [الأنعام: 164].

والله أعلم.

خالد عبد المنعم الرفاعي

يعمل مفتيًا ومستشارًا شرعيًّا بموقع الألوكة، وموقع طريق الإسلام

  • 12
  • 8
  • 113,039

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً