أرجوكم عجلوا لي بالإجابة أكاد أموت من الندم
من حقِّكم تجاهُل رسالتي أو حتَّى رمْيها في سلَّة المهملات، أستحق أكثر من هذه، أشعر أني قمت بعمل فظيع لن أسامح نفسي عليْه؛ لكن أرجوكم لا تتخلَّوا عني، أحتاج مَن يوجِّهُني حتَّى لو قُمتم بتقريعي ولومي، أستحقُّ أكثر من ذلك.
لا أدْري كيف أبدأ، المهم أنِّي تعرَّفت على شاب بالنِّت مند سنوات وأحبَبْته جدًّا، وفي النِّهاية أحسَسْت أنَّه كان يتلاعب بِمشاعري، رغْم أنَّه لَم يستغلَّ رسائلي أو صوري، وبعدها افترقْنا، ودخلتُ عليه بإميل آخَر وبشخصيَّة أخرى، طلب رؤْية صورتي فأعطيتُه صورة أختي، وهي جميلة جدًّا ومتزوِّجة وتلبس النِّقاب، أعطيتُه صورة التقطها لها زوْجُها وهي بفُستان مكْشوف، أعلم حقارة ما فعلتُ، أعلم فظاعتي، أعلم أني لا أستحقُّ نظرتَكم ولا حتَّى النَّظر إلى سطوري هاته؛ لكنِّي نادمة جدًّا، أكاد أموت ندمًا عندما أراها، ينتابني إحساس بالحقارة.
أتمنَّى لو قبَّلت رجْلَيها لتُسامِحَني، ماذا أفعل؟ أنا أكتُب لكم سطوري هاته في آخِر اللَّيل، قد جافاني النَّوم أخاف عِقاب ربِّي، أنا نادِمة، هل يُمكن أن يَقْبَل الله توبَتِي؟
الشَّخص الذي أعطيتُه الصُّورة ليس شخصًا سيِّئا رغم ذلك، فهو ملتزم وملتحٍ رغْم فِتنته بالحديث مع البنات في المسنجر، وهو أحيانًا يكْره نفسَه، ويتمنَّى أن يخرج من هذه الحالة.
إن شاء الله، لن يستغلَّ الصورة، أرجوكم لا تتخلَّوا عنِّي، عجِّلوا لي بالإجابة قبل أن أفقِد صوابي؛ فإنِّي أتمنَّى لو أنتقِم من نفْسي، ليتَ يدي قُطِعَت قبل ذلك، ليتني متّ.
ادعوا لي ربي يسامحني، جزاكم الله خيرًا.
الحمدُ لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصَحْبِه ومَن والاه، أمَّا بعدُ:
فلا ريب أنَّ السَّائلة -غفَر الله لها- قد وقعتْ في منكر شنيع وإثْم كبير، من جرَّاء وقوعِها في عدَّة محاذير شرعيَّة:
منها إقامة علاقة غير شرعيَّة مع ذلك الشاب، وقد سبق أن بيَّنَّا حُرْمة هذه العلاقة بشيءٍ من التَّفصيل في فتاوى سابقة، منها "الحب قبل الزواج"، وما أحيل عليه فيها. وراجعي حكم محادثت الشباب على النت في فتوى: "الحديث على الانترنت مع الجنس الآخر".
ومنها: دخولكِ بإيميل آخر وبشخصيَّة وهميَّة، فهذا من الغشِّ والكذب والخِداع الَّذي نهانا الله ورسولُه عنْه؛ قال الله تعالى: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} [الحج: 30].
وفي "الصَّحيحين" وغيرهما عن عبدالله بن مسعود قال: قال رسول الله -صلَّى الله عليْه وسلَّم-: « »، وراجعي الفتوى: "التحذير من الكذب".
ومنها الفِعْلة الشَّنيعة المنكرة من إعطائِك صورةَ أختك المخدَّرة المنتقبة، لهذا العابث الخدوع والمفسد، وفي ذلك خيانة لأُخْتِك ودينها، وما ائتَمَنتْكِ عليْه من صور، وخيانة لزوْجِها في عِرْضه، والخيانة ليستْ من صفات المؤمنين، وإنَّما هي من صفات المنافقين والكافِرين، كما أنَّ الله - عزَّ وجلَّ - لا يحب الخائنين، فأنتِ لست أهلاً لهذه الأمانة؛ قال الله تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً * لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} [الأحزاب: 72، 73].
وفي الصَّحيحين عن ابنِ عُمَر قال: قال رسولُ الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-: « ».
وعن أبي سعيد عن النَّبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: « » (صحيح مسلم).
قال أبو العبَّاس القرطبي: "معناه: عند مقعده؛ أي: يلزم اللواء به، بحيث لا يقدر على مفارقته، ليمرَّ به النَّاس فيروه، ويعرفوه، فيزداد خجلاً، وفضيحة عند كلِّ مَن مرَّ به".
وقال الحافظ ابن حجَر في "الفتح": "قال ابن المنير: كأنَّه عُومل بنقيض قصْدِه؛ لأنَّ عادة اللِّواء أن يكون على الرَّأس، فنصب عند السفل زيادةً في فضيحتِه؛ لأنَّ الأعين غالبًا تمتد إلى الألوية، فيكون ذلك سببًا لامتدادِها إلى الَّتي بدت له ذلك اليوم، فيزْداد بها فضيحته".
أمَّا ما يجب عليْك الآن لتكْفِير الذُّنوب السَّالفة، فهو عدَّة أمور:
أوَّلُها: أن تُبادري بقطْع العلاقة مع ذلك العابث فورًا ودون تردُّد، وأن تقطعي أيَّ اتِّصال معه تمامًا، كما يجب عليك عدم الدخول على مواقع التعارف.
ثانيها: إن كانتْ أُخْتك قد علمت بِما حدث، فاطلبي منها أن تُسامِحَك حتَّى تتحلَّلي من هذا الذنب؛ لقولِه -صلَّى الله عليه وسلَّم-: « »؛ (أخرجه البخاري).
أمَّا إن لم تكُن تعْلَم، فالأَوْلى عدم إخْبارها؛ حتَّى لا تَحدث مفسدة أكْبر، من خصام أو نفرة، أو تقاطُع أو تهاجُر بيْنكما؛ ولكن أكثري من الدُّعاء لها ولزوجها.
قال شيخ الإسلام: "فأمَّا إذا اغتابه أو قذفه ولَم يعلم بذلك، فقد قيل: من شرط توبتِه إعلامُه، وقيل: لا يشترط ذلك، وهذا قوْل الأكثرين، وهما روايتان عن أحمد؛ لكن قوله مثل هذا: أن يفعل مع المظلوم حسنات؛ كالدُّعاء له والاستغفار، وعمل صالح يهدي إليه، يقوم مقام اغتيابه وقذفه.
قال الحسن البصري: كفارة الغِيبة أن تستغفِر لمن اغتبتَه".
وقال النَّووي في "الأذكار": "والتَّوبة من حقوق الآدميِّين يُشْتَرط فيها: رد الظُّلامة إلى صاحبِها، أو طلب عفْوه عنها والإبراء منها، فيجب على المغتاب التَّوبة بهذه الأمور الأربعة؛ لأنَّ الغيبة حقُّ آدمي، ولا بدَّ منِ استِحْلاله من اغتابه، وهل يكفيه أن يقول: قد اغتبتُك فاجعلني في حل، أم لا بدَّ أن يبيِّن ما اغتابه به؟ فيه وجهان لأصحاب الشَّافعي -رحمهم الله-: أحدُهُما: يشترط بيانه، فإن أبرأه من غير بيانِه، لم يصحَّ، كما لو أبرأه عن مال مجهول.
والثَّاني: لا يشترط؛ لأنَّ هذا ممَّا يتسامح فيه، فلا يشترط علمه، بِخلاف المال، والأوَّل أظْهر؛ لأنَّ الإنسان قد يسمح بالعفْو عن غيبة دون غيبة، فإن كان صاحب الغيبة ميتًا أو غائبًا، فقد تعذَّر تحصيل البراءة منها؛ لكن قال العلماء: ينبغي أن يُكْثِر من الاستِغْفار له والدُّعاء ويكثر من الحسنات". اهـ.
ولا شكَّ أنَّ ما فعلتِه هو أعظم جرمًا من الغيبة.
ثالثُها: أن تتوبي إلى الله توبةً صادقةً، وأن تتقرَّبي إليْه بالأعْمال الصَّالحة والنَّوافل، واعْلمي أنَّ مَن تاب إلى الله - عزَّ وجلَّ - وحسن توبته، فإنَّ الله يتوب عليْه؛ لقولِه تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً}[التحريم: 8]، وقال تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[النور: 31]، وقال: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ}[الزمر: 53].
ولقوله -صلَّى الله عليْه وسلَّم-: « » (رواه مسلم)وقوله: « » (رواه أحمد وأبو داود من حديث ابن عمر).
وراجعي الفتاوى: "كيفية التوبة وشروطها"، "التوبة التي يرضاها الله"، "كيفية التوبة"، والله أعلم.
- التصنيف:
- المصدر: