التردد في حفظ القرآن خشية الرياء و اتباع المصالح الدنوية
تنوي بحفظ القرآن الكريم تحصيل رضا الله، وتعلم الشرع والتدبر في كتاب الله المكتوب، وكذلك عند الذهاب للصلاة في المسجد، وإنما المحظورُ هو أن تكونَ النية محصورة في نظر الناس.
السلام عليكم ورحمة أولا أريد أن أخبركم أنا أعاني مند سنة تقريبا بالشعور بالرياء في أقوالي (عندما اتحدث عن الدين) و كذا أعمالي و كنت مواظبة على صلاة الجمعة في المسجد ولكن تركت ذلك بسبب شعوري بالرياء الذي أصبح يخالط نيتي و أنا ادعو الله ان يشفيني ويعافني من هذا المرض فقد أرهقني أما مؤاخرا فقد أردت دخول أحد المساجد لحفظ القرآن و كانت أمنيتي في الماضي حفظ القرآن لكني مترددة أولا بسبب شعوري بالرياء ثانيا أخشى أن يكون دخولي لحفظ القرآن بسبب اني اريد ان يتقدم لي شاب صالح للزواج وسبب هذا انه قد تقدم لي شاب بسبب ان ابنة اخته رأتني في المسجد لكن لم يكتب لنا الزواج وأنا دائما أدعو الله أن يرزقني الزوج الصالح لكني خائفة ان يكون ذهابي لحفظ القرآن هو من أجل الزواج و الرياء. بعض الأحيان أقول أنني أبتغي رضا الله و الزواج رزق من الله لكن سرعان ما تأتني خواطر أنني إن ذهبت للمسجد أو حفظت القرآن سيتقدم لي شاب صالح و كذا ويقول الناس ملتزمة و ما إلى ذلك. تعبت كثيرا جزاكم الله خيرا أفتوني هل أترك الذهاب للمسجد لحفظ القرآن و صلاة الجمعة علما أنني تركت الذهاب للجمعة ما يقارب سنة؟ أم أحفظ القرآن في البيت لكن المشكل الذي يواجهني أنني لا دراية لي بعلم التجويد إلا قليلا ولا أجد من أستظهر عليه و يوجهني إن أخطأت كما أني أخبرت أمي أني سأدخل لحفظ القرآن في أحد المساجد؟
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أما بعدُ:
فلا يخفى على المسلم أنَّ إخلاص النية في كلِّ عمل شرعي مِن الواجبات المحتمات، فتنوي بحفظ القرآن الكريم تحصيل رضا الله، وتعلم الشرع والتدبر في كتاب الله المكتوب، وكذلك عند الذهاب للصلاة في المسجد، وإنما المحظورُ هو أن تكونَ النية محصورة في نظر الناس، دون أن يخطرَ بالبال النيات الصالحة التي أشرنا لبعضها، فهذا هو الذي يخشى على صاحبه من الوقوع في الرياء.
هذا؛ والمسلم مطالب بالاستعانة بالله، وتصحيح نيته دائمًا، فالإخلاصُ كالتوبة يحتاجه المسلم في كل وقت، ويعمل العمل مخلصًا لله فيه، مقتديًا بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ويرجو ما عند الله من الأجر والثواب في الدار الآخرة، ولا يراعي نظر الناس مطلقًا، فلا يعمل من أجل ثنائهم، ولا يترك العمل من أجل الناس.
فالرياء من آفات القلوب التي حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم حتى قال: "أيها الناس اتقوا هذا الشرك فإنه أخفى من دبيب النمل، فقال له من شاء أن يقول: وكيف نتقيه وهو أخفى من دبيب النمل يا رسول الله؟ قال: قولوا: اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئًا نعلمه ونستغفرك لما لا نعلمه"؛ رواه الإمام أحمد عن أبي موسى رضي الله عنه.
قال الإمام ابن القيم في مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (2/ 91-92): "الإخلاص استواء أعمال العبد في الظاهر والباطن، والرياء: أن يكون ظاهره خيرًا من باطنه، والصدق في الإخلاص: أن يكون باطنه أعمر من ظاهره.
وقيل: الإخلاص نسيان رؤية الخلق بدوام النظر إلى الخالق، ومن تزين للناس بما ليس فيه سقط من عين الله.
ومن كلام الفضيل: ترك العمل من أجل الناس: رياء، والعمل من أجل الناس شرك، والإخلاص: أن يعافيك الله منهما.
قال الجنيد: الإخلاص سر بين الله وبين العبد، لا يعلمه ملك فيكتبه، ولا شيطان فيفسده، ولا هوى فيميله.
وقيل لسهل: أي شيء أشد على النفس؟ فقال: الإخلاص؛ لأنه ليس لها فيه نصيب.
وقال بعضهم: الإخلاص ألا تطلب على عملك شاهدًا غير الله، ولا مجازيًا سواه.
وقال مكحول: ما أخلص عبد قط أربعين يومًا إلا ظهرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه.
وقال يوسف بن الحسين: أعز شيء في الدنيا: الإخلاص. وكم أجتهد في إسقاط الرياء عن قلبي، فكأنه ينبت على لون آخر.
وقال أبو سليمان الداراني: إذا أخلص العبد انقطعت عنه كثرة الوساوس والرياء". اهـ.
هذا؛ والله أعلم.
- التصنيف:
- المصدر: