التعليق على نونية ابن القيم - الرد على الحلولية وإثبات علو الله عز وجل

منذ 2001-08-29
يشرح الشيخ ابن عثيمين رحمة الله عليه قول الناظم ابن القيم رحمه الله :

فهو السماء بعينها ونجومها ***** وكذلك الأفلاك والقمران

وهو الغمام بعينه والثلج وال ***** أمطار مع برد ومع حسبان

وهو إلهواء بعينه والماء والت ***** ترب الثقيل ونفس ذي النيران

هذي بسائطه ومنه تركبت ***** هذي المظاهر ما هنا شيئان

وهو الفقير لها لأجل ظهوره ***** فيها كفقر الروح للأبدان

وهي التي افتقرت إليه لأنه ***** هو ذاتها ووجودها الحقان

تظل تلبسه وتخلعه وذا في ال ***** إيجاد والإعدام كل أوان

ويظل يلبسها ويخلعها وذا ***** حكم المظاهر كي يرى بعيان

وتكثر الموجود كالأعضاء في ال ***** محسوس من بشر ومن حيوان

أو كالقوى في النفس ذلك واحد ***** متكثر قامت به الأمران

فيكون كلا هذه أجزاؤه ***** هذي مقالة مدعي العرفان

أو أنها تكثر الأنواع في ***** جنس كما قال الفريق الثان

فيكون كليا وجزئياته ***** هذا الوجود فهذه قولان

إحداهما نص ( الفصوص) وبعده ***** قول ابن سبعين وما القولان

عند العفيف التلمساني الذي ***** هو غاية في الكفر والبهتان

إلا من الأغلاط في حس وفي ***** وهم وتلك طبيعة الأنسان

والكل شيء واحد في نفسه ***** ما للتعدد فيه من سلطان

فالضيف والمأكول شيء واحد ***** والوهم يحسب ها هنا شيئان

وكذلك الموطوء عين الوطء وال ***** وهم البعيد يقول ذان اثنان

ولربما قال مقالته كما ***** قد قال قولهما بلا فرقان

وأبى سواهم ذا وقال مظاهر ***** تجلوه ذات توحد ومثان

فالظاهر المجلو شيء واحد ***** لكن مظاهره بلا حسبان

هذي عبارات لهم مضمونها ***** ما ثم غير قط في الأعيان

فالقوم ما صانوه عن إنس ولا ***** جن ولا شجر ولا حيوان

كلا ولا علو ولا سفل ولا ***** واد ولا جبل ولا كثبان

كلا ولا طعم ولا ريح ولا ***** صوت ولا لون من الألوان

لكنه المطعوم والملبوس وال ***** مشموم والمسموع بالإذان

وكذاك قالوا أنه المنكوح وال ***** مذبوح بل عين الغوي الزاني

والكفر عندهم هدى ولو أنه ***** دين المجوس وعابدي الأوثان

قالوا وما عبدوا سواه وإنما ***** ضلوا بما خصوا من الأعيان

ولو أنهم عموا وقالوا كلها ***** معبودة ما كان من كفران

فالكفر ستر حقيقة المعبود ***** بالتخصيص عند محقق رباني

قالوا ولم يك كافرا في قوله ***** أنا ربكم فرعون ذو الطغيان

بل كان حقا قوله إذ كان عي ***** ن الحق مضطلعا بهذا الشان

ولذا غدا تطهيره في البحر تط ***** هيرا من الأوهام والحسبان

قالوا ولم يك منكرا موسى لما ***** عبدوه من عجل لذي الخوران

الاعلى من كان ليس بعابد ***** معهم وأصبح ضيق الأعطان

ولذاك جر بلحية الأخ حيث لم ***** يك واسعا في قومه لبطان

بل فرق الانكار منه بينهم ***** لما سرى في وهمه غيران

ولقد رأى إبليس عارفهم فأه ***** وى بالسجود هو ذي خضعان

قالوا له ماذا صنعت فقال هل ***** غير الإله وأنتما عميان

ما ثم غير فاسجدوا إن شئتم ***** للشمس والأصنام والشيطان

فالكل عين الله عند محقق ***** والكل معبود لذي العرفان

هذا هو المعبود عندهم فقل ***** سبحانك اللهم ذا السبحان

يا أمة معبودها موطوؤها ***** أين الإله وثغرة الطعان

يا أمة قد صار من كفرانها ***** جزء يسير جملة الكفران


فصل
في قدوم ركب آخر




وأتى فريق ثم قال وجدته ***** بالذات موجودا بكل مكان

هو كالهواء بعينه لا عينه ***** ملأ الخلو ولا يرى بعيان

والقوم ما صانوه عن بئر ولا ***** قبر ولا حش ولا أعطان

بل منهم من قد رأى تشبيهه ***** بالروح داخل هذه الأبدان

ما فيهم من قال ليس بداخل ***** أو خارج عن جملة الأكوان

لكنهم حاموا على هذا ولم ***** يتجاسروا من عسكر الأيمان

وعليهم رد الأئمة أحمد ***** وصحابه من كل ذي عرفان

فهم الخصوم لكل صاحب سنة ***** وهم الخصوم لمنزل القرآن

ولهم مقالات ذكرت أصولها ***** لما ذكرت الجهم في الاوزان


فصل
في قدوم ركب آخر



وأتى فريق ثم قارب وصفه ***** هذا ولكن جد في الكفران

فأسر قول معطل ومكذ ب ***** في قالب التنزيه للرحمن

إذ قال ليس بداخل فينا ولا ***** هو خارج عن جملة الأكوان

بل قال ليس ببائن عنها ولا ***** فيها ولا هو عينها ببيان

كلا ولا فوق السموات العلى ***** والعرش من رب ولا رحمن

والعرش ليس عليه معبود سوى ***** العدم الذي لا شيئ في الأعيان

بل حظه من ربه حظ الثرى ***** منه وحظ قواعد البنيان

لو كان فوق العرش كان كهذه ال ***** أجسام سبحان العظيم الشان

ولقد وجدت لفاضل منهم مقا ***** ما قامه في الناس منذ زمان

قال اسمعوا يا قوم إن نبيكم ***** قد قال قولا واضح البرهان

لا تحكموا بالفضل لي اصلا على ***** ذي النون يونس ذلك الغضبان

هذا يرد على المجسم على قوله ***** الله فوق العرش والأكوان

ويدل أن إلهنا سبحانه ***** وبحمده يلقى بكل مكان

قالوا له بين لنا هذا فلم ***** يفعل فأعطوه من الأثمان

ألفا من الذهب العتيق فقال في ***** تبيانه فاسمع لذا التبيان

قد كان يونس في قرار البحر تحت ***** الماء في قبر من الحيتان

ومحمد صعد في السماء وجاوز ال ***** سبع الطباق وجاز كل عنان

وكلاهما في قربه من ربه ***** سبحانه إذ ذاك مستويان

فالعلو والسفل اللذان كلاهما ***** في بعده من ضده طرفان

إن ينسبا لله نزه عنهما ***** بالإختصاص بلى هما سيان

في قرب من أضحى مقيما فيهما ***** من ربه فكلاهما مثلان

فلأجل هذا خص يونس دونهم ***** بالذكر تحقيقا لهذا الشان

فأتى الثناء عليه من أصحابه ***** من كل ناحية بلا حسبان

فأحمد إلهك أيها السني إذ ***** عافاك من تحريف ذي بهتان

والله ما يرضى بهذا خائف ***** من ربه أمسى على الأيمان

هذا هو الإلحاد حقا بل هو الت ***** حريف محضا أبرد إلهذيان

والله ما بلي المجسم قط ذي ال ***** بلوى ولا أمسى بذي الخذلان

أمثال ذا التأويل أفسد هذه ال ***** أديان حين سرى إلى الأديان

والله لولا الله حافظ دينه ***** لتهدمت منه قوى الأركان


فصل

في قدوم ركب آخر

وأتى فريق ثم قارب وصفه ***** هذا وزاد عليه في الميزان

قال اسمعوا ياقوم لا تلهيكم ***** هذي الأماني هن شر أماني

اتعبت راحلتي وكلت مهجتي ***** وبذلت مجهودي وقد أعياني

فتشت فوق وتحت ثم أمامنا ***** ووراء ثم يسار مع إيمان

ما دلني احد عليه هناكم ***** كلا ولا بشر إليه هداني

الا طوائف بالحديث تمسكت ***** تعزى مذاهبها إلى القرآن

قالوا الذي نبغيه فوق عباده ***** فوق السماء وفوق كل مكان

وهو الذي حقا على العرش استوى ***** لكنه استولى على الأكوان

وإليه يصعد كل قول طيب ***** وإليه يرفع سعي ذي الشكران

والروح والأملاك منه تنزلت ***** وإليه تعرج عند كل أوان

وإليه أيدي السائلين توجهت ***** نحو العلو بفطرة الرحمن

وإليه قد عرج الرسول فقدرت ***** من قربه من ربه قوسان

وإليه قد رفع المسيح حقيقة ***** ولسوف ينزل كي يرى بعيان

وإليه تصعد روح كل مصدق ***** عند الممات فتنثني بأمان

وإليه آمال العباد توجهت ***** نحو العلو بلا تواص ثان

بل فطرة الله التي لم يفطروا ***** الاعليها الخلق والثقلان

ونظير هذا أنهم فطروا على ***** إقرارهم لا شك بالديان

لكن أولو التعطيل منهم أصبحوا ***** مرضى بداء الجهل والخذلان

فسألت عنهم رفقتي وأحبتي ***** أصحاب جهم حزب جنكسخان

من هؤلاء ومن يقال لهم فقد ***** جاءوا بأمر ما لىء الإذان

ولهم علينا صولة ما صإلها ***** ذو باطل بل صاحب البرهان

أو ما سمعتم قولهم وكلامهم ***** مثل الصواغر ليس ذا لجبان

جاءوكم من فوقكم وأتيتم ***** من تحتهم ما أنتم نسيان

جاءوكم بالوحي لكن جئتم ***** بنحاة الافكار والاذهان

قالوا مشبهة مجسمة فلا ***** تسمع مقال مجسم حيوان

والعنهم لعنا كبيرا واغزهم ***** بعساكر التعطيل غير جبان

واحكم بسفك دمائهم وبحبسهم ***** أولا فشردهم عن الاوطان

حذر صحابك منهم فهم أضل ***** من اليهود وعابدي الصلبان

واحذر تجادلهم بقال الله أو ***** قال الرسول فتنثني بهوان

أتى وهم أولى به قد أنفذوا ***** فيه قوى الاذهان وألابدان

فإذا ابتليت بهم فغالطهم على الت ***** أويل للاخبار والقرآن

وكذاك غالطهم على التكذيب لل ***** آحاد ذا لصاحبنا أصلان

أوصى به أشياخنا أشياخهم ***** فاحفظهما بيديك والاسنان

وإذا اجتمعت وهم بمشهد مجلس ***** فابدر بايراد وشغل زمان

لا يملكوه عليك بالآثار وال ***** أخبار والتفسير للفرقان

فتصير إن وافقت مثلهم وان ***** عارضت زنديقا أخا كفران

وإذا سكت يقال هذا جاهل ***** فابدر ولو بالفشر وإلهذيان

هذا الذي والله أوصانا به أشياخنا ***** في سالف و الأزمان

فرجعت من سفري وقلت لصاحبي ***** ومطيتي قد آذنت بحران

عطل ركابك واسترح من سيرها ***** ما ثم شيء غير ذي الأكوان

لو كان للأكوان رب خالق ***** كان المجسم صاحب البرهان

أو كان رب بائن عن ذي الورى ***** كان المجسم صاحب الأيمان

ولكان عند الناس أولى الخلق بال ***** إسلام والأيمان والإحسان

ولكان هذا الحزب فوق رؤوسهم ***** لم يختلف منهم عليه اثنان

فدع التكاليف التي حملتها ***** واخلع عذارك وارم بالأرسان

ما ثم فوق العرش من رب ولم ***** يتكلم الرحمن بالقرآن

لو كان فوق العرش رب ناظر ***** لزم التحيز وافتقار مكان

لو كان ذا القرآن عين كلامه ***** حرفا وصوتا كان ذا جثمان

فإذا انتفى هذا وهذا ما الذي ***** يبقى على ذا النفي من إيمان

فدع الحلال مع الحرام لأهله ***** فهما السياج لهم على البستان

فاخرقه ثم ادخل ترى في ضمنه ***** قد هيئت لك سائر الألوان

وترى بها ما لا يراه محجب ***** من كل ما تهوى به زوجان

واقطع علائقك التي قد قيدت ***** هذا الورى من سالف الازمان

لتصير حرا لست تحت أوامر ***** كلا ولا نهي ولا فرقان

لكن جعلت حجاب نفسك اذ ترى ***** فوق السما للناس من ديان

لو قلت ما فوق السماء مدبر ***** والعرش تخليه من الرحمن

والله ليس مكلما لعباده ***** كلا ولا متكلما بقرآن

ما قال قط ولا يقول ولا له ***** قول بدا منه إلى انسان

لحللت طلسمه وفزت بكنزه ***** وعلمت أن الناس في هذيان

لكن زعمت بان ربك بائن ***** من خلقه إذ قلت موجودان

وزعمت أن الله فوق العرش وال ***** كرسي حقا فوقه القدمان

وزعمت أن الله يسمع خلقه ***** ويراهم من فوق ست ثمان

وزعمت أن كلامه منه بدا ***** وإليه يرجع آخر الازمان

ووصفته بارادة وبقدرة ***** وكراهة و محبة وحنان

ووصفته بالسمع والبصر الذي ***** لا ينبغي إلا لذي الجثمان

محمد بن صالح العثيمين

كان رحمه الله عضواً في هيئة كبار العلماء وأستاذا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

  • 15
  • 0
  • 18,070
الدرس السابق
عقد مجالس للتحكيم مع الجهمية
الدرس التالي
إثبات العلو ، الرد على الفلاسفة

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً