#خواطر_رمضانية_11
صحتك قبل سقمك.......
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
روى الحاكم في المستدرك وابن أبي شيبة والقضاعي في مسند الشهاب بسند صحيح عن إبن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل وهو يعظه : " اغتنم خمسا قبل خمس شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك وغناءك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل موتك " .
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلم (نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ) رواه البخاري .
والغبن المقصود به الخسارة، فتجد الكثير من الناس لا يقدرون هذه النعمة العظيمة، ولا يستخدمونها في موضعها، ولا يقدرون أهميتها وقيمتها، لذا فهم يستعملونها فيما لا يرضي الله ولا يرضي رسوله صلى الله عليه وسلم، وكأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (من لم يحسن استعمال هاتين النعمتين فقد ظلم نفسه، ومَنْ اِسْتعمل فراغه وصحَّته فِي طاعة الله فهوَ المغبوطُ. ومَنْ اِسْتعملهما فِي معصية الله فهوَ المغبونُ..
إذا أراد المرء أن يعرف قيمة تلك النعمة العظيمة فليذهب إلى المشافي، ولينظر إلى الراقدين على الأسرة، والمصابين بأنواع من الأمراض الجسدية مثل مرض القلب والشلل، وفقدان بعض الأعضاء، وهم يتمنون أن يكونوا في كامل صحتهم وعافيتهم، ولذا حثنا النبي الكريم عليه الصلاة والسلام على استغلال تلك النعمة في طاعة الله ورسوله فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (بادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعًا: هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا فَقْرًا مُنْسِيًا، أَوْ غِنًى مُطْغِيًا، أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا، أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا، أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا، أَوْ الدَّجَّالَ؛ فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ، أَوْ السَّاعَةَ؛ فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ) أخرجه الترمذي في سننه.
إذا أراد المسلم أن يحفظ له هذه النعمة فعليه أن يحفظ أوامر الله، وقد جاء في حديث ابن عباس رضي الله عنهما: (احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك) رواه أحمد والترمذي، أي احفظ أوامر الله ونواهيه، يحفظ الله جوارحك من التلف والعطب ومن كل مكروه وبلية، كان بعض العلماء قد جاوز المئة سنة وهو ممتَّعٌ بقوَّتِه وعقله، فوثب يوماً وثبةً شديدةً من سفينة، فعُوتِبَ في ذلك، فقال: هذه جوارح حفظناها عَنِ المعاصي في الصِّغر، فحفظها الله علينا في الكبر
مما يحفظ لنا نعمة الصحة أن نشكر الله عليها، ونثني بما هو أهله يقول سبحانه وتعالى ﴿ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ﴾ [إبراهيم: 7]، وجاء في حديث أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الله ليَرضى عن العبد أن يأكل الأَكلة، فيَحمده عليها، أو يشرب الشَّربة، فيحمده عليها))؛ رواه مسلم، وكان من هدي المصطفى أن يسأل ربه العافية في الدنيا والآخرة، وأن يسأله سلامة الأعضاء، وعافية البدن، وقوة الجسد، جاء في الحديث عن جُبير بن مُطْعِم قال: سمعت ابن عمر يقول: لم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يَدَعُ هؤلاء الدعوات حين يُمسي وحين يُصبح اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخر اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودُنْياي، وأهلي، ومالي، اللهم استر عوراتي وآمِنْ روْعاتي، اللهم احفظني من بين يديَّ، ومِنْ خَلْفي، وعن يميني، وعن شمالي، ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك أن أُغْتال من تحتي) رواه ابن ماجة، ولان المسلم يمكنه بالصحة وسلامة أعضائه ان يكسب الأجور، ويرتقي الدرجات ويزداد من الخير، وينفع أبناء مجتمعه ووطنه، بخلاف من أصيب في بدنه وعافيته، وأعيق عن أداء العبادات على الوجه المطلوب، ولذا جاء بيان صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم عن عمران بن حصين أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة قاعدا فقال: صل قائما فإنه أفضل ثم قال: صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم وصلاة النائم على النصف من صلاة القاعد) رواه النسائي في الكبرى والمجتبي.
اشكروا الله أيها المسلمون على ما أولاكم به من النعم، واسألوه أن يدفع عنا وعن بلادنا الشرور والنقم، وأدوا ما افترض الله عليكم من الطاعات، قبل حلول الأجل وضياع الصحة والأوقات، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين والمسلمات، وطوبى لمن وجد في صحائفه استغفاراً كثيراً، وصلاة على الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم.
كتبه الشيخ سرماركي محمد عيسى (بخاري)
هرجيسيا _ 11/رمضان/1440 هــــــــــ
ابو الأثير الصومالي . ...المزيد
مساعدة
الإبلاغ عن المادة
تعديل تدوينة
#خواطر_رمضانية_11 صحتك قبل سقمك....... ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ روى ...
#خواطر_رمضانية_11
صحتك قبل سقمك.......
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
روى الحاكم في المستدرك وابن أبي شيبة والقضاعي في مسند الشهاب بسند صحيح عن إبن عباس رضي الله عنهما قال : قال ...المزيد
صحتك قبل سقمك.......
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
روى الحاكم في المستدرك وابن أبي شيبة والقضاعي في مسند الشهاب بسند صحيح عن إبن عباس رضي الله عنهما قال : قال ...المزيد
#خواطر_رمضانية_10 شبابك قبل هرمك ....... ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ روى ...
#خواطر_رمضانية_10
شبابك قبل هرمك .......
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
روى الحاكم في المستدرك وابن أبي شيبة والقضاعي في مسند الشهاب بسند صحيح عن إبن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل وهو يعظه : " اغتنم خمسا قبل خمس شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك وغناءك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل موتك " .
الشباب هو زمن العمل، لأنه فترة قوة بين ضعفين، ضعف الطفولة وضعف الشيخوخة وقد ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "ما آتى الله عز وجل عبدا علما إلا شابا، والخير كله في الشباب، ثم تلا قوله عز وجل: {قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ} [الأنبياء:60]، وقوله تعالى: {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} [الكهف:13]، وقوله تعالى: {وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا}(مريم:12) .
تبدأ مرحلة الشباب بالبلوغ كما جاء في قول الله تعالى : ( واذا بلغ الاطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم ) " النور : 59 " , وفي الحديث عن علي بن ابي طالب ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " رفع القلم عن ثلاثة : عن النائم حتى يستيقظ ، وعن الصبي حتى يشب ، وعن المعتوه حتى يعقل " ( اخرجه الترمذي ) وغير ذلك .
بالنظر الى تلكم النصوص نجد ان الله ـ سبحانه وتعالى ـ سمى الانسان قبل الاحتلام طفلا وفي حديث ابن مسعود ـ رضي الله عنه " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ـ نجد ان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ خاطب جماعة باسم الشباب حاثا لهم على الزواج ، ولايكون الزواج الا بعد الاحتلام ، وفي حديث علي ـ رضي الله عنه المتقدم انفا ـ نجد ان النبي صلى الله عليه وسلم ـ جعل بداية الشباب بلوغ الانسان ، وعلى هذا الاساس فان مرحلة الشباب تبدأ بالبلوغ والتحديد المختار لمرحلة الشباب هو : من البلوغ حتى سن الاربعين .
وسبب هذا الاختيار ان الاصل اللغوي لكلمة الشباب يدل على امرين :
1ـ النمــاء 2ـ القــوة .
ونجد في القران الكريم ان سن الاربعين داخلة في هذا المعنى وانها نهاية للنماء كما في قوله تعالى : ( حتى اذا بلغ اشده وبلغ اربعين سنة ) " الاحقاف : 15 " .
وتظهر أهميـــة مرحلة الشـــــباب في هذه السمات منها :-
1-انها بداية التكليف عن على بي ابي طـالب ـ رضي الله عنه ـ ان رسـول الله صلى الله عليه وسلم قال : " رفع القلم عن ثـلاثة : عن النائم حتى يسـتيقظ وعن الصبي حتى يشب وعن المعتوه حتى يعقل " ( اخرجه الترمذي ) ومرحلة الشـباب هي المرحلة التي يحصـل فيها العلم والقدرة على التكليف الشرعية
2 ـ انها فترة قوة ، ولكن هذه المرحلة من القوة لا تدوم مع الانسان بل اذا طال به العمر عاد مرة اخرى الى الضعف قال تعالى : ( ومن نعمره ننكسه في الخلق افلا يعقلون ) " يس : 68 " ، وقوله تعالى : (الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جطعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير ) " الروم : 54 " .
قال ابن الجوزي ـ رحمه الله ـ " يعني جعل بعد ضعف الطفولة قوة الشباب ثم جعل من بعد قوة الشباب ضعف الكبر وشيبه " والقوة في هذه المرحلة في كل شيء : قوة في البدن وقوة في الحواس وقوة على العمل والتكسب وقوة على طلب العلم قال الشافعي :
ولا ينال العلم الا فتي ***** خال من الافكار والشــغل
ولذالك كان العلماء والفقهاء يبدأون طلب العلم في الصغر وقد حكى المسعودي في (شرح المقامات) أن المهدي لما دخل البصرة رأى إياس بن معاوية وهو صبي، وخلفه أربعمائة من العلماء وأصحاب الطيالسة، وإياس يقدمهم، فقال المهدي: "أما كان فيهم شيخ يتقدمهم غير هذا الحدث؟"، ثم إن المهدي التفت إليه، وقال: "كم سنك يا فتى؟" فقال:"سني، أطال الله بقاء الأمير سن أسامة بن زيد بن حارثة لما ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشًا فيهم أبو بكر وعمر"، فقال له: "تقدم بارك الله فيك".
3ـ انها افضل فترات العمر ، وتعود افضليتها لما يجتمع للانسان فيها من القوة والنشاط دون غيرها وراحة الحياة وبهجتها في الدنيا غالبا ماتكون في مرحلة الشباب فهي مرحةل يتطلع الصغير ان يصل اليها ويتمنى الكبير ان يرجع اليها مرحلة بكى عليها الشيوخ .
وتغني بها الشعراء يقول أبوالعتاهية :
بكيت على الشباب بدمع عيــني ******* فلم يغن البكاء ولا النحـيب
فيا أسفا اسفت على شــــباب ****** نعاه الشيب والرأس الخضيب
عريت من الشباب وكنت غصـنا ****** كما يعرى من الورق القضيب
فيا ليت الشباب يعــود يومــا ******* لاخبره بما فعـل المشــيب .
4. انها اطول مراحل العمر ، اذا كان عمر الانسان في هذه الامة بين الستين والسبعين كما في الحديث الشـريف الذي رواه ابو هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسـول الله ـ صلى الله عليه وسـلم ـ : " اعمار امتي بين الستين الى السبعين واقلهم من يجوز ذلك " ( اخرجه الترمذي ) .
5. سرعة الاستجابة : فان الشباب على مدار التاريخ في جميع الاطوار وفي أي قطر وعلى اختلاف الدعــوات هم اكثر الناس تأثرا واســرعهم اســتجابة ( انهم فتيـة امنوا بربهــم وزدناهم هدى ) " الكهف : 13 "
قدم وفد على عمر بن عبد العزيز من العراق، فنظر إلى شاب منهم يتحوّز يريد الكلام، فقال عمر: "كبّروا كبروا"، فقال الفتى: "يا أمير المؤمنين إن الأمر ليس بالسن، ولو كان كذلك كان في المسلمين من هو أسنُّ منك، قال: صدقت، فتكلم" .
انهم عماد الامم ، فالشباب هم عماد حضارة الامم وسر نهضتها وحاملو لوائها ، وهم في سن الهمم المتوثبة والجهود المبذولة سن البذل والعطاء .
أحــاديــث ورد فيهــا ذكــر الشـــباب :-
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـ عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم : " يا معشر الشباب ، من استطاع منكم الباءة فليتزوج ، فانه اغض للبصر واحسن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فانه له وجاء " ( متفق عليه )
ـ وقال عليه الصلاة والسلام : " سبعة يظلهم الله بظله يوم لاظل الا ظله : امام عادل وشاب نشأ في طاعة الله ورجل قلبه معلق بالمسجد " ( رواه البخاري )
ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم : قال : " لاتزول قدم ابن ادم يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن خمس : عن عمره فيما افناه ، وعن شبابه فيما ابلاه ، وماله من اين اكتسبه وفيم انفقه ، وعلمه ماذا عمل به " ( رواه البخاري ).
ـ عن ابي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أهل الجنة شباب جرد ، مرد كحل ، لاتبلى ثيابهم ، ولايفني شبابهم " ( رواه مسلم )
دخل النبي صلى الله عليه وسلم : " على شاب وهو في سياق الموت فقال له : " كيف تجدك " قال : ارجو الله يارسول الله ، واخاف ذنوبي ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لايجتمعان في قلب عبد في مثل هذه الموطن الا اعطاه الله مايرجوه وامنه مما يخافه " ( رواه مسلم )
ـ وقال : " يعجب ربك من الشاب ليست له صبوة " ( رواه احمد )
ومعنى الصبوة : الهوى والميل عن طريق الحق وقال أيضا " ما اكرم شاب شيخا لسنه الا قيض الله له من يكرمه عند سنه " ( رواه الترمذي ) .
كتبه الشيخ شرماركي محمد عيسى (بخاري)
هرجيسيا 10/رمضان/1440 هــــــــــــ
أبو الأثير الصومالي . ...المزيد
شبابك قبل هرمك .......
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
روى الحاكم في المستدرك وابن أبي شيبة والقضاعي في مسند الشهاب بسند صحيح عن إبن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل وهو يعظه : " اغتنم خمسا قبل خمس شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك وغناءك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل موتك " .
الشباب هو زمن العمل، لأنه فترة قوة بين ضعفين، ضعف الطفولة وضعف الشيخوخة وقد ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "ما آتى الله عز وجل عبدا علما إلا شابا، والخير كله في الشباب، ثم تلا قوله عز وجل: {قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ} [الأنبياء:60]، وقوله تعالى: {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} [الكهف:13]، وقوله تعالى: {وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا}(مريم:12) .
تبدأ مرحلة الشباب بالبلوغ كما جاء في قول الله تعالى : ( واذا بلغ الاطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم ) " النور : 59 " , وفي الحديث عن علي بن ابي طالب ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " رفع القلم عن ثلاثة : عن النائم حتى يستيقظ ، وعن الصبي حتى يشب ، وعن المعتوه حتى يعقل " ( اخرجه الترمذي ) وغير ذلك .
بالنظر الى تلكم النصوص نجد ان الله ـ سبحانه وتعالى ـ سمى الانسان قبل الاحتلام طفلا وفي حديث ابن مسعود ـ رضي الله عنه " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ـ نجد ان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ خاطب جماعة باسم الشباب حاثا لهم على الزواج ، ولايكون الزواج الا بعد الاحتلام ، وفي حديث علي ـ رضي الله عنه المتقدم انفا ـ نجد ان النبي صلى الله عليه وسلم ـ جعل بداية الشباب بلوغ الانسان ، وعلى هذا الاساس فان مرحلة الشباب تبدأ بالبلوغ والتحديد المختار لمرحلة الشباب هو : من البلوغ حتى سن الاربعين .
وسبب هذا الاختيار ان الاصل اللغوي لكلمة الشباب يدل على امرين :
1ـ النمــاء 2ـ القــوة .
ونجد في القران الكريم ان سن الاربعين داخلة في هذا المعنى وانها نهاية للنماء كما في قوله تعالى : ( حتى اذا بلغ اشده وبلغ اربعين سنة ) " الاحقاف : 15 " .
وتظهر أهميـــة مرحلة الشـــــباب في هذه السمات منها :-
1-انها بداية التكليف عن على بي ابي طـالب ـ رضي الله عنه ـ ان رسـول الله صلى الله عليه وسلم قال : " رفع القلم عن ثـلاثة : عن النائم حتى يسـتيقظ وعن الصبي حتى يشب وعن المعتوه حتى يعقل " ( اخرجه الترمذي ) ومرحلة الشـباب هي المرحلة التي يحصـل فيها العلم والقدرة على التكليف الشرعية
2 ـ انها فترة قوة ، ولكن هذه المرحلة من القوة لا تدوم مع الانسان بل اذا طال به العمر عاد مرة اخرى الى الضعف قال تعالى : ( ومن نعمره ننكسه في الخلق افلا يعقلون ) " يس : 68 " ، وقوله تعالى : (الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جطعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير ) " الروم : 54 " .
قال ابن الجوزي ـ رحمه الله ـ " يعني جعل بعد ضعف الطفولة قوة الشباب ثم جعل من بعد قوة الشباب ضعف الكبر وشيبه " والقوة في هذه المرحلة في كل شيء : قوة في البدن وقوة في الحواس وقوة على العمل والتكسب وقوة على طلب العلم قال الشافعي :
ولا ينال العلم الا فتي ***** خال من الافكار والشــغل
ولذالك كان العلماء والفقهاء يبدأون طلب العلم في الصغر وقد حكى المسعودي في (شرح المقامات) أن المهدي لما دخل البصرة رأى إياس بن معاوية وهو صبي، وخلفه أربعمائة من العلماء وأصحاب الطيالسة، وإياس يقدمهم، فقال المهدي: "أما كان فيهم شيخ يتقدمهم غير هذا الحدث؟"، ثم إن المهدي التفت إليه، وقال: "كم سنك يا فتى؟" فقال:"سني، أطال الله بقاء الأمير سن أسامة بن زيد بن حارثة لما ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشًا فيهم أبو بكر وعمر"، فقال له: "تقدم بارك الله فيك".
3ـ انها افضل فترات العمر ، وتعود افضليتها لما يجتمع للانسان فيها من القوة والنشاط دون غيرها وراحة الحياة وبهجتها في الدنيا غالبا ماتكون في مرحلة الشباب فهي مرحةل يتطلع الصغير ان يصل اليها ويتمنى الكبير ان يرجع اليها مرحلة بكى عليها الشيوخ .
وتغني بها الشعراء يقول أبوالعتاهية :
بكيت على الشباب بدمع عيــني ******* فلم يغن البكاء ولا النحـيب
فيا أسفا اسفت على شــــباب ****** نعاه الشيب والرأس الخضيب
عريت من الشباب وكنت غصـنا ****** كما يعرى من الورق القضيب
فيا ليت الشباب يعــود يومــا ******* لاخبره بما فعـل المشــيب .
4. انها اطول مراحل العمر ، اذا كان عمر الانسان في هذه الامة بين الستين والسبعين كما في الحديث الشـريف الذي رواه ابو هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسـول الله ـ صلى الله عليه وسـلم ـ : " اعمار امتي بين الستين الى السبعين واقلهم من يجوز ذلك " ( اخرجه الترمذي ) .
5. سرعة الاستجابة : فان الشباب على مدار التاريخ في جميع الاطوار وفي أي قطر وعلى اختلاف الدعــوات هم اكثر الناس تأثرا واســرعهم اســتجابة ( انهم فتيـة امنوا بربهــم وزدناهم هدى ) " الكهف : 13 "
قدم وفد على عمر بن عبد العزيز من العراق، فنظر إلى شاب منهم يتحوّز يريد الكلام، فقال عمر: "كبّروا كبروا"، فقال الفتى: "يا أمير المؤمنين إن الأمر ليس بالسن، ولو كان كذلك كان في المسلمين من هو أسنُّ منك، قال: صدقت، فتكلم" .
انهم عماد الامم ، فالشباب هم عماد حضارة الامم وسر نهضتها وحاملو لوائها ، وهم في سن الهمم المتوثبة والجهود المبذولة سن البذل والعطاء .
أحــاديــث ورد فيهــا ذكــر الشـــباب :-
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـ عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم : " يا معشر الشباب ، من استطاع منكم الباءة فليتزوج ، فانه اغض للبصر واحسن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فانه له وجاء " ( متفق عليه )
ـ وقال عليه الصلاة والسلام : " سبعة يظلهم الله بظله يوم لاظل الا ظله : امام عادل وشاب نشأ في طاعة الله ورجل قلبه معلق بالمسجد " ( رواه البخاري )
ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم : قال : " لاتزول قدم ابن ادم يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن خمس : عن عمره فيما افناه ، وعن شبابه فيما ابلاه ، وماله من اين اكتسبه وفيم انفقه ، وعلمه ماذا عمل به " ( رواه البخاري ).
ـ عن ابي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أهل الجنة شباب جرد ، مرد كحل ، لاتبلى ثيابهم ، ولايفني شبابهم " ( رواه مسلم )
دخل النبي صلى الله عليه وسلم : " على شاب وهو في سياق الموت فقال له : " كيف تجدك " قال : ارجو الله يارسول الله ، واخاف ذنوبي ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لايجتمعان في قلب عبد في مثل هذه الموطن الا اعطاه الله مايرجوه وامنه مما يخافه " ( رواه مسلم )
ـ وقال : " يعجب ربك من الشاب ليست له صبوة " ( رواه احمد )
ومعنى الصبوة : الهوى والميل عن طريق الحق وقال أيضا " ما اكرم شاب شيخا لسنه الا قيض الله له من يكرمه عند سنه " ( رواه الترمذي ) .
كتبه الشيخ شرماركي محمد عيسى (بخاري)
هرجيسيا 10/رمضان/1440 هــــــــــــ
أبو الأثير الصومالي . ...المزيد
#خواطر_رمضانية_9 "وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا ...
#خواطر_رمضانية_9
"وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ" النّمل{48} .
الحمدلله وكفى والصلاة والسلام على النبيّ المصطفى :
يقول إبن عاشور رحمه الله تعالى : ( عَطَفَ جُزْءَ الْقِصَّةِ عَلَى جُزْءٍ مِنْهَا. والْمَدِينَةِ: هِيَ حِجْرُ ثَمُودَ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَسُكُونِ الْجِيمِ الْمَعْرُوفُ مَكَانُهَا الْيَوْمَ بِدِيَارِ ثَمُودَ وَمَدَائِنَ صَالِحٍ، وَهِيَ بَقَايَا تِلْكَ الْمَدِينَةِ مِنْ أَطْلَالٍ وَبُيُوتٍ مَنْحُوتَةٍ فِي الْجِبَالِ. وَهِيَ بَيْنَ الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ وَتَبُوكَ فِي طَرِيقِ الشَّامِ وَقَدْ مَرَّ بِهَا النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ فِي مَسِيرِهِمْ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وَرَأَوْا فِيهَا آبَارًا نَهَاهُمُ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الشُّرْبِ وَالْوُضُوءِ مِنْهَا إِلَّا بِئْرًا وَاحِدَةً أَمَرَهُمْ بِالشُّرْبِ وَالْوُضُوءِ بِهَ , وَالرَّهْطُ: الْعَدَدُ مِنَ النَّاسِ حَوَالَيِ الْعَشَرَةِ وَهُوَ مِثْلُ النَّفَرِ. وَإِضَافَةُ تِسْعَةٍ إِلَيْهِ مِنْ إِضَافَةِ الْجُزْءِ إِلَى اسْمِ الْكُلِّ عَلَى التَّوَسُّعِ وَهُوَ إِضَافَةٌ كَثِيرَةٌ فِي الْكَلَامِ الْعَرَبِيِّ مِثْلَ: خَمْسُ ذَوْدٍ. وَاخْتَلَفَ أَيِمَّةُ النَّحْوِ فِي الْقِيَاسِ عَلَيْهَا، وَمَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ وَالْأَخْفَشِ أَنَّهَا سَمَاعِيَّةٌ وكَانَ هَؤُلَاءِ الرَّهْطُ مِنْ عُتَاةِ الْقَوْمِ ) .
ليس المراد من المقال إستيراد قصة ثمود ونبي الله صالح بل سأقف بعض الوقفات مع هذه الآية , لنرى الأولويات عند هذين الرهطين، و نستبصر بالقرآن لفضح هذه الطائفة ، التي هي كالسرطان تنتظر الفرصة لهدم دين الله في الأرض.
قال _تعالى_:" وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ " 48"
عجيب تحديد هذا الرهط بنفر يسير، فعددهم قليل جداً، و مع هذه القلة فإنهم لا يُفسدون في المدينة فقط، بل إنهم " يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ"، فسبحان الله ! هل تأملت تعظيم القرآن للإفساد في الأرض؟ حيث جعل الإفساد في منطقة معينة هو في حقيقته إفساد في جميع أرجاء الأرض .
فماذا نقول لمن يريد أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا ؟ ممن يُريدون للمرأة أن تُسفر عن وجهها، و يسعون من أجل ذلك سعياً حثيثاً ، و يَصبرون في هذا الطريق ثم يُصبرون .
تشييع الفاحشة من أبرز الرهط المفسد للأرض :-
( إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) أي يريدون أن ينتشر الفعل القبيح المفرط في القبح كإشاعة الرذيلة والزنى وغير ذلك من المنكرات {فِي الذين آمَنُواْ} أي في المؤمنين الأطهار {لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدنيا والآخرة} أي لهم عذاب موجع مؤلم في الدنيا فإقامة الحدِّ، وفي الآخرة بعذاب جهنم قال الحسن: عنى بهذا الوعيد واللعن المنافقين فإ نهم أحبوا وقصدوا إذاية الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وذلك كفرٌ وملعون صاحبه .
قال ابن العربي: { يُحِبُّونَ } يَعْنِي يُرِيدُ ذَلِكَ وَيَفْعَلُهُ ؛ لِأَنَّ الْمَحَبَّةَ فِعْلُ الْقَلْبِ، وَمَنْ أَحَبَّ شَيْئًا أَظْهَرَهُ .
لنعلم إذا أن المفسدين يُـفسدون في الأرض ولا يُصلحون .
تتتبّع الآيات التي ورد فيها ذكر الإفساد لنتعرف على أنواع الإفساد وصوره :
– الشرك بالله إفساد . قال الله تبارك وتعالى : ( الَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يُفْسِدُونَ )
فهؤلاء جمعوا بين إفسادين :
1- كفرٌ بالله 2- وصدٌ عن سبيل الله
وقال سبحانه وبحمده: ( وَمِنهُم مَّن يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُم مَّن لاَّ يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ )
- النِّـفاق إفساد في الأرض . قال الله تبارك وتعالى : ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـكِن لاَّ يَشْعُرُونَ )
- تكذيب الرسل ، ورد الحق برغم الإيقان به . قال الله تبارك وتعالى عن آل فرعون : ( وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ )
وقال سبحانه وتعالى عن قوم صالح ، وأن صالحاً قال لهم : ( وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ * الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ )
ويدخل فيه الصدّ عن سبيل الله . قال الله تبارك وتعالى : (وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُواْ إِذْ كُنتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ وَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ )
- اللجـوء إلى غير الله ودعاء الأموات إفساد . قال الله تبارك وتعالى : ( ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ )
- قتل النفس إفساد ، وتعظم الجريرة إذا كان المقتول مُصلحاً . قال الله تبارك وتعالى : ( وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ )
واشترك القوم بالرأي والمكيدة ، فهو إفساد الطبقة المتنفّذة المتسلّطة ، ولذا قال سبحانه :
( قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ )
والتبييت قتله ليلا
فهم خفافيش الظلام التي يبهرها النور فلا تستطيع أن تتحرك وتعمل إلا تحت جُنح الظلام .
وقتل الأنفس البريئة إفساد
قال جل جلاله عن فرعون : ( إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ )
ولذا قالت الملائكة ( قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء ) ؟
- بخس الموازين والتطفيف بالكيل إفساد . قال الله تبارك وتعالى على لسان شعيب : ( فَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا )
- التقاطع في الأرحام وعدم وصلها . قال الله تبارك وتعالى : ( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ )
- نقض العهد ، وعدم الوفاء به ، وقطع ما أمر الله به أن يُوصل . قال الله تبارك وتعالى : ( الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ )
ولذا قال سبحانه وتعالى بعدها مباشرة : ( كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ )
وقال جل جلاله : ( وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ )
- الإسراف ومجاوزة الحد في الغي والتمادي في المعاصي إفساد . قال الله تبارك وتعالى على لسان موسى عليه الصلاة والسلام :( كُلُواْ وَاشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ )
وقال سبحانه وتعالى عن الألـدّ الخصِم : (وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ )
- إيقاد نيران الحروب بين عباد الله إفساد . واليهود هم أهل هذا التخصص . قال الله تبارك وتعالى : ( كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ )
- السِّـحـر إفساد . قال الله تبارك وتعالى : ( قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ )
- الجبروت والتكبّر على عباد الله إفساد ، والإفراط في الفرح والأشر والبَطَر . قال جل جلاله عن رمز الثراء الفاحش " قارون " : ( إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ * وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ)
- ارتكاب المنكرات وإتيان ما حرّم الله من الفواحش . قال الله تبارك وتعالى على لسان لوط : ( إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ * أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ )
فماذا كان جواب القوم المفسدين ؟
(ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ)
فكانت دعوته (قَالَ رَبِّ انصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ )
- السرقة إفسـاد . قال جلا وعلا عن إخوة يوسف : ( قَالُواْ تَاللّهِ لَقَدْ عَلِمْتُم مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ )
كل ذلك إفســـــــــــــاد بغير إصــــــــلاح ، وإن ادّعوا أنهم مُصلحون فقد كذبهم الله .
( أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار )
لا يستويان .
وصلى الله وسلم وبارك على النبيّ محمد
كتبه الشيــــخ شــــــــــــــرماركي محمد عـــيسى ( بخاري )
9/رمضان/1440هــــــــــــــــــ هـــــــــــــرجيـــــــــــــسيا
أبــــــــــو الاثيــــــــــــــــــر الصـــــــــــــومالي , ...المزيد
"وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ" النّمل{48} .
الحمدلله وكفى والصلاة والسلام على النبيّ المصطفى :
يقول إبن عاشور رحمه الله تعالى : ( عَطَفَ جُزْءَ الْقِصَّةِ عَلَى جُزْءٍ مِنْهَا. والْمَدِينَةِ: هِيَ حِجْرُ ثَمُودَ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَسُكُونِ الْجِيمِ الْمَعْرُوفُ مَكَانُهَا الْيَوْمَ بِدِيَارِ ثَمُودَ وَمَدَائِنَ صَالِحٍ، وَهِيَ بَقَايَا تِلْكَ الْمَدِينَةِ مِنْ أَطْلَالٍ وَبُيُوتٍ مَنْحُوتَةٍ فِي الْجِبَالِ. وَهِيَ بَيْنَ الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ وَتَبُوكَ فِي طَرِيقِ الشَّامِ وَقَدْ مَرَّ بِهَا النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمُونَ فِي مَسِيرِهِمْ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وَرَأَوْا فِيهَا آبَارًا نَهَاهُمُ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الشُّرْبِ وَالْوُضُوءِ مِنْهَا إِلَّا بِئْرًا وَاحِدَةً أَمَرَهُمْ بِالشُّرْبِ وَالْوُضُوءِ بِهَ , وَالرَّهْطُ: الْعَدَدُ مِنَ النَّاسِ حَوَالَيِ الْعَشَرَةِ وَهُوَ مِثْلُ النَّفَرِ. وَإِضَافَةُ تِسْعَةٍ إِلَيْهِ مِنْ إِضَافَةِ الْجُزْءِ إِلَى اسْمِ الْكُلِّ عَلَى التَّوَسُّعِ وَهُوَ إِضَافَةٌ كَثِيرَةٌ فِي الْكَلَامِ الْعَرَبِيِّ مِثْلَ: خَمْسُ ذَوْدٍ. وَاخْتَلَفَ أَيِمَّةُ النَّحْوِ فِي الْقِيَاسِ عَلَيْهَا، وَمَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ وَالْأَخْفَشِ أَنَّهَا سَمَاعِيَّةٌ وكَانَ هَؤُلَاءِ الرَّهْطُ مِنْ عُتَاةِ الْقَوْمِ ) .
ليس المراد من المقال إستيراد قصة ثمود ونبي الله صالح بل سأقف بعض الوقفات مع هذه الآية , لنرى الأولويات عند هذين الرهطين، و نستبصر بالقرآن لفضح هذه الطائفة ، التي هي كالسرطان تنتظر الفرصة لهدم دين الله في الأرض.
قال _تعالى_:" وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ " 48"
عجيب تحديد هذا الرهط بنفر يسير، فعددهم قليل جداً، و مع هذه القلة فإنهم لا يُفسدون في المدينة فقط، بل إنهم " يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ"، فسبحان الله ! هل تأملت تعظيم القرآن للإفساد في الأرض؟ حيث جعل الإفساد في منطقة معينة هو في حقيقته إفساد في جميع أرجاء الأرض .
فماذا نقول لمن يريد أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا ؟ ممن يُريدون للمرأة أن تُسفر عن وجهها، و يسعون من أجل ذلك سعياً حثيثاً ، و يَصبرون في هذا الطريق ثم يُصبرون .
تشييع الفاحشة من أبرز الرهط المفسد للأرض :-
( إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) أي يريدون أن ينتشر الفعل القبيح المفرط في القبح كإشاعة الرذيلة والزنى وغير ذلك من المنكرات {فِي الذين آمَنُواْ} أي في المؤمنين الأطهار {لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدنيا والآخرة} أي لهم عذاب موجع مؤلم في الدنيا فإقامة الحدِّ، وفي الآخرة بعذاب جهنم قال الحسن: عنى بهذا الوعيد واللعن المنافقين فإ نهم أحبوا وقصدوا إذاية الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وذلك كفرٌ وملعون صاحبه .
قال ابن العربي: { يُحِبُّونَ } يَعْنِي يُرِيدُ ذَلِكَ وَيَفْعَلُهُ ؛ لِأَنَّ الْمَحَبَّةَ فِعْلُ الْقَلْبِ، وَمَنْ أَحَبَّ شَيْئًا أَظْهَرَهُ .
لنعلم إذا أن المفسدين يُـفسدون في الأرض ولا يُصلحون .
تتتبّع الآيات التي ورد فيها ذكر الإفساد لنتعرف على أنواع الإفساد وصوره :
– الشرك بالله إفساد . قال الله تبارك وتعالى : ( الَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يُفْسِدُونَ )
فهؤلاء جمعوا بين إفسادين :
1- كفرٌ بالله 2- وصدٌ عن سبيل الله
وقال سبحانه وبحمده: ( وَمِنهُم مَّن يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُم مَّن لاَّ يُؤْمِنُ بِهِ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ )
- النِّـفاق إفساد في الأرض . قال الله تبارك وتعالى : ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـكِن لاَّ يَشْعُرُونَ )
- تكذيب الرسل ، ورد الحق برغم الإيقان به . قال الله تبارك وتعالى عن آل فرعون : ( وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ )
وقال سبحانه وتعالى عن قوم صالح ، وأن صالحاً قال لهم : ( وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ * الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ )
ويدخل فيه الصدّ عن سبيل الله . قال الله تبارك وتعالى : (وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُواْ إِذْ كُنتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ وَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ )
- اللجـوء إلى غير الله ودعاء الأموات إفساد . قال الله تبارك وتعالى : ( ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ * وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ )
- قتل النفس إفساد ، وتعظم الجريرة إذا كان المقتول مُصلحاً . قال الله تبارك وتعالى : ( وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ )
واشترك القوم بالرأي والمكيدة ، فهو إفساد الطبقة المتنفّذة المتسلّطة ، ولذا قال سبحانه :
( قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ )
والتبييت قتله ليلا
فهم خفافيش الظلام التي يبهرها النور فلا تستطيع أن تتحرك وتعمل إلا تحت جُنح الظلام .
وقتل الأنفس البريئة إفساد
قال جل جلاله عن فرعون : ( إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ )
ولذا قالت الملائكة ( قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء ) ؟
- بخس الموازين والتطفيف بالكيل إفساد . قال الله تبارك وتعالى على لسان شعيب : ( فَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا )
- التقاطع في الأرحام وعدم وصلها . قال الله تبارك وتعالى : ( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ )
- نقض العهد ، وعدم الوفاء به ، وقطع ما أمر الله به أن يُوصل . قال الله تبارك وتعالى : ( الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ )
ولذا قال سبحانه وتعالى بعدها مباشرة : ( كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتاً فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ )
وقال جل جلاله : ( وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ )
- الإسراف ومجاوزة الحد في الغي والتمادي في المعاصي إفساد . قال الله تبارك وتعالى على لسان موسى عليه الصلاة والسلام :( كُلُواْ وَاشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ )
وقال سبحانه وتعالى عن الألـدّ الخصِم : (وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ )
- إيقاد نيران الحروب بين عباد الله إفساد . واليهود هم أهل هذا التخصص . قال الله تبارك وتعالى : ( كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ )
- السِّـحـر إفساد . قال الله تبارك وتعالى : ( قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ )
- الجبروت والتكبّر على عباد الله إفساد ، والإفراط في الفرح والأشر والبَطَر . قال جل جلاله عن رمز الثراء الفاحش " قارون " : ( إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ * وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ)
- ارتكاب المنكرات وإتيان ما حرّم الله من الفواحش . قال الله تبارك وتعالى على لسان لوط : ( إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ * أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ )
فماذا كان جواب القوم المفسدين ؟
(ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ)
فكانت دعوته (قَالَ رَبِّ انصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ )
- السرقة إفسـاد . قال جلا وعلا عن إخوة يوسف : ( قَالُواْ تَاللّهِ لَقَدْ عَلِمْتُم مَّا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ )
كل ذلك إفســـــــــــــاد بغير إصــــــــلاح ، وإن ادّعوا أنهم مُصلحون فقد كذبهم الله .
( أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار )
لا يستويان .
وصلى الله وسلم وبارك على النبيّ محمد
كتبه الشيــــخ شــــــــــــــرماركي محمد عـــيسى ( بخاري )
9/رمضان/1440هــــــــــــــــــ هـــــــــــــرجيـــــــــــــسيا
أبــــــــــو الاثيــــــــــــــــــر الصـــــــــــــومالي , ...المزيد
#خواطر_رمضانية_8 عشق المحبين ورونقة الخاشعين . قال تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ ...
#خواطر_رمضانية_8
عشق المحبين ورونقة الخاشعين .
قال تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ ﴾ (البقرة: 165) .
الحُبُّ من أعمال القلوب، فإنَّ حُبَّ الله جل جلاله من أعظم أعمال القلب، ولن يستطيعه إلا القلب السليم، فإنَّ محبة الله جل جلاله تصلحه، فإذا امتلأ قلب العبد بحب الله جل جلاله، انساقت للقلب الجوارح؛ لأنها تابعة له، فعن النعمان بن بشير رضي الله عنه، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (( ألا وإنَّ في الجسد مضغة، إذا صلَحت صلح الجسد كله، وإذا فسَدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب)) رواه البخاري
وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: ((أسألُكَ حُبَّكَ، وحُبَّ مَنْ يحبُّك، وحُبَّ عملٍ يُقرِّب إلى حُبِّكَ))؛ صحيح سنن الترمذي .
والعلاقة بين الحب والإيمان يوضحها حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ثلاث من كُنَّ فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحَبَّ إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار)) [4].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وإذا كان الحُبُّ أصلَ كُلِّ عملٍ من حقٍّ وباطلٍ، وهو أصل الأعمال الدينية وغيرها، وأصل الأعمال الدينية حب الله ورسوله، كما أنَّ أصلَ الأقوال الدينية تصديق الله ورسوله، فالتصديقُ بالمحبة هو أصل الإيمان، وهو قولٌ وعملٌ .
فإذا أصبح حُبُّ الله جل جلاله في قلب العبد في أعلى المراتب، يكون العبد قد بلغ مرتبة الإحسان، عند ذاك تتحرك الجوارح كافة على مراد الله جل جلاله، فيحب في الله، ويكره في الله، ويعطي لله، ويمنع لله، ويوالي في الله، ويعادي في الله جل جلاله.
وقد ذكر العلماء عشر علامات تدل على حب العبد لربه وهي :-
العلامة الأولى : محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فلا يتصور حب لله من دون حب لرسوله صلى الله عليه وسلم الذي عرَّفنا بربِّنا، وبلَّغنا رسالته، وبيَّن لنا الطريق إليه؛ قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [آل عمران: 31]، قال الحسن البصري رحمه الله: "زعم قوم أنهم يحبُّون الله، فابتلاهم الله بهذه الآية"، وقال ابن كثير رحمه الله: "هذه الآية الكريمة حاكمة على كل من ادَّعى محبَّة الله، وليس هو على الطريقة المحمدية، فإنه كاذب في دعواه في نفس الأمر، حتى يتبع الشرع المحمدي".
وهل صادق مَنْ يدَّعي حُبَّ ربِّه ****وأمسى عن اللَّذات غير صبور
ويسلو عن الدنيا وعن كل شهوة****وعن كل ما يودي بوصل سرور
العلامة الثانية : حُبُّ مَنْ يحبُّه الله عز وجل من عباده المصطفين الأخيار .
وذالك كحُبِّ الرسول صلى الله عليه وسلم، وصحابته، وأولياء الله الصالحين، وليس ذلك حبًّا مع الله؛ بل هو من تمام حب الله؛ لأنه حب لأجل الله، وفي الله؛ قال ابن القيم رحمه الله: "فأصل العبادة محبَّة الله؛ بل إفراده بالمحبَّة، وأن يكون الحبُّ كله لله، فلا يحبُّ معه سواه؛ وإنما يحبُّ لأجله وفيه، كما يحبُّ أنبياءه، ورسله، وملائكته، وأولياءه، فمحبَّتنا لهم من تمام محبَّته، وليست محبَّةً معه".
فالذي يبغض صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا حَظَّ له في محبَّة الله، والذي يُنكِر وجود الملائكة، لا حظَّ له في محبَّة الله، والذي يتَّهم أولياء الله بالجهل، لا حظَّ له في محبَّة الله... وهكذا.
العلامة الثالثة : الرضا بما يعطي الله وبما يمنع .
فلا تسخُّط، ولا تأفُّف، ولا تأوُّه؛ لأنه أعطاك ليختبرك، ومنعك ليبتليك، وهو تعالى في الأمرين يحبُّك، فقابل تقديره بالقبول، وابتلاءه بالرضا، وقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: ((وأسألك الرضاء بعد القضاء))؛ صحيح سنن النسائي.
ومن كلام ابن مسعود رضي الله عنه: "لأن ألحَسَ جمرةً أحرقت ما أحرقت، وأبقت ما أبقت، أحبُّ إليَّ من أن أقول لشيء كان: ليته لم يكن، أو لشيء لم يكن: ليته كان".
ولقد سأل رجل الفضيل بن عياض رحمه الله، فقال: يا أبا علي، متى يبلغ الرجل غايته من حبِّ الله تعالى؟ فقال له الفضيل: "إذا كان عطاؤه ومنعه إيَّاك عندك سواءً، فقد بلغت الغاية من حبِّه".
وذكر ابن الجوزي قصة أحد الصالحين، ابتلاه الله ليختبر حبَّه له، فجعله مكفوفًا، مجذومًا، مقعدًا، حتى جعل الزنبور يقع عليه فيقطع لحمه، فقال: "وعزَّتك وجلالك، لو قطعتني إرْبًا إرْبًا، أو صببت عليَّ البلاء صبًّا، ما ازددت إلَّا حبًّا".
إن الطبيب بطبِّه ودوائه ****لا يستطيع دفاع مقدور القضا
ما للطبيب يموت بالداء الذي ****قد كان يبرئ مثله فيما مضى
ذهب المداوي والمداوي والذي ****جلب الدواء وباعه ومن اشترى
العلامة الرابعة: محبة كلام الله تعالى، والانشغال بتلاوته وتدبُّره .
فلا حب لله مع هجر كلامه، ولا حب لله مع عدم التلذُّذ بتلاوته، والتمتُّع بالاستماع إليه، فالقرآن الكريم جنة العابدين، وبُستان الزاهدين، وكنز المتلذِّذين، وبهجة مجالس المجتمعين؛ قال ابن القيم رحمه الله: "وكذلك محبَّة كلام الله، فإنه من علامة حُبِّ الله، وإذا أردْتَ أن تعلم ما عندك وعند غيرك من محبة الله، فانظر محبة القرآن من قلبك، والتذاذك بسماعه أعظم من التذاذ أصحاب الملاهي والغناء المطرب بسماعهم".
ورحم الله ابن القيم، فقد علم أن من الناس من ينشغل بالغناء والطرب، حتى يُلهيه ذلك عن كتاب الله، فينفق الساعات الطوال للسَّماع، ولا يجد نصف ساعة في اليوم يفتح فيها كتاب الله، يقرؤه، ويتدبَّره، ويقوي إيمانه بالتأمُّل في آياته، حتى إذا قرأ منه بعض آيات، لم يشعُر لها بلذَّة، ولم يستفد منها بومضة، ﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [المطففين: 14]، قال ابن جزي رحمه الله: "أي: غطَّى على قلوبهم ما كسبوا من الذنوب، فطمس بصائرهم".
قال عثمان بن عفان رضي الله عنه: "لو طهرت قلوبنا، ما شبعت من كلام الله".
العلامة الخامسة : القيام بالأعمال الحسنة، والاتِّصاف بالأخلاق الحميدة.
إذ لا يجتمع حب الله والكلام الفاحش، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن فاحشًا ولا مُتفحِّشًا، وكان يقول: ((إنَّ خياركم أحاسنُكم أخلاقًا))؛ متفق عليه.
ولا يجتمع حبُّ الله مع الإساءة إلى الجار، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا يدخل الجنة مَنْ لا يأمن جاره بوائقه))؛ مسلم.
ولا يجتمع حُبُّ الله مع الكذب، تقول عائشة رضي الله عنها: "ما كان خلق أبغض إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكذب"؛ صحيح سنن الترمذي، ويقول صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ قال في مؤمن ما ليس فيه، أسكنه الله ردغة الخبال حتى يخرج مما قال))؛ صحيح سنن أبي داود؛ وردغة الخبال: هي عصارة أهل النار.
ولا يجتمع حب الله مع أخذ الرشوة، والراشي والمرتشي ملعونان في شريعتنا، ولا يجتمع حبُّ الله مع الغش في العمل، وفي الحديث: ((مَنْ غشَّنا فليس منا))؛ مسلم.
ولا يجتمع حُبُّ الله مع التحايُل على الناس في الخصومة، لأكل أموالهم بالباطل، أو سلب حقوقهم ومستحقَّاتهم، فهذا جزاؤه من الله السخط لا الحب؛ يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ خاصم في باطل وهو يعلمه، لم يزل في سخط الله حتى ينزع عنه))؛ صحيح سنن أبي داود.
ويجمع التحذير من كل ذلك، حديث عبدالرحمن بن أبي قراد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم توضَّأ يومًا، فجعل أصحابه يتمسَّحون بوضوئه، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما يحملكم على هذا؟))، قالوا: حب الله ورسوله، فقال صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ سرَّه أن يحبَّ الله ورسوله، أو يحبَّه الله ورسوله، فليصدق حديثه إذا حدث، وليُؤدِّ أمانته إذا ائتمن، وليحسن جوار مَنْ جاوره))؛ حسَّنه في المشكاة.
سبحان من لو سجدنا بالجباه له **** على لظى الجمر والمحمي من الإبر
لم تبلغ العشر من مقدار نعمته **** ولا العشير ولا عشرًا من العشر
العلامة السادسة : الجمع بين خلوص التوحيد لله تعالى، وعبادته على الوجه الذي يرتضيه. فالمسلم يلهج بذكر الله في كل حين، ويراقب الله تعالى في كل عمل، ويخاف من تجاوز حدوده في كل معاملة، فشأنه العمل لله، والالتجاء إلى الله، والعيش مع الله، والاستعانة بالله، بحيث تصير تردُّدات أنفاسه، ونبضات قلبه، وحركات جوارحه وقفًا لله تعالى: ﴿ فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ ﴾ [الذاريات: 50].
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه: ((يا معاذ، هل تدري ما حق الله على العباد؟))، قال: الله ورسوله أعلم، قال: ((أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، هل تدري ما حقُّ العباد على الله إذا فعلوه؟))، قال: الله ورسوله أعلم، قال: ((ألَّا يُعذِّبهم))؛ متَّفق عليه.
ومن جميل ما تنبَّهوا إليه، أن كلمة "حب"، بدئت بحرف الحاء، ويخرج من أقصى الحلق، وانتهت بحرف الباء، الذي يخرج من الشفتين وهما آخر ما تخرج منه الحروف، فالحاء دلَّتْ على الابتداء، والباء دلَّت على الانتهاء، وكذلك شأن المحبَّة، تبدأ من المحبوب، وتنتهي إليه.
ولقد شبَّ بعض الناس على حبِّ الماديات، فساووا حبَّها بحبِّ الله أو أكثر، فصار المال قِبْلتهم، والجاه وجهتهم، والتفاخُر حياتهم، والاعتناء بالذات ديدنهم، والتجمُّل في المظهر هجيراهم، وربما قدموا ذلك على الصلاة فلم يصلُّوا، وإذا صلَّوا، فصلاة كسلان متثاقل، لا صلاة مستوفز مُحبٍّ، ولا عبادة متحفِّز متوثِّب، يخشى عليهم من مثل قوله تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ﴾ (البقرة: 165).
وأبغض إله عُبِد في الأرض هو الهوى، قال تعالى: ﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾ (الجاثية: 23).
وأتـرك ما أهـوى لمـا قـد هويتــه *** فأرضى بما ترضى وإن سخطت نفسي
العلامة السابعة : التلذُّذ بمناجاة الله عز وجل، وأفضله قيام الليل ولو بركعتين، فذلك السبيل لمن أراد العزَّ والشرف، ولقد أتي جبريل عليه السلام النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: "يا محمد، أحبب من شئت، فإنك مُفارقه، واعمل ما شئت، فإنك مجزي به، وعِشْ ما شئت، فإنك ميت، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل، وعزه استغناؤه عن الناس"؛ صحيح الجامع.
كيف لا وقد أخبرنا الصادق المصدوق أنه: ((إذا مضى شَطْرُ الليل أو ثُلثاه، ينزل الله تبارك وتعالى إلى السماء الدُّنيا، فيقول: هل من سائلٍ يُعطى، هل من داعٍ يُستجابُ له، هل من مُستغفرٍ يُغفَر له، حتى ينفجر الصبح"؛ مسلم.
ويقول صلى الله عليه وسلم: ((إن في الليل لساعةً، لا يُوافقها رجل مسلم يسأل الله خيرًا من أمر الدنيا والآخرة، إلا أعطاه إيَّاه، وذلك كل ليلة))؛ مسلم.
هنا يظهر حب العبد لربه ويقوم للعبادة ولصلاة ويشمر لها لكي ينال السعادة في الدارين وقد قال بعض السلف سابقا (إذا أردت أن تلحق بركب السادة فعليك بترك الوسادة لتحظى بالحسنى وزيادة ) فالمسلم المحبُّ لربِّه، يغتنم هدوء الليل، وصفاء النفس بانقطاع العوائق، وانصرام العلائق، فيأنس بربِّه، ويتنعَّم بمناجاته، ويتلذَّذ بالشوق إليه، وإدامة دعائه.
وقد قيل لإبراهيم بن أدهم وقد نزل من الجبل: من أين أقبلت؟ فقال: "من الأنس بالله"، ﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾ [السجدة: 16].
وقد سئل الحسن البصري رحمه الله: ما بال المتهجِّدين بالليل من أحسن الناس وجوهًا؟ فقال: "لأنهم خلوا بالرحمن، فألبسهم من نوره".
وقال له شاب: أعياني قيام الليل، فقال له: "قيَّدتك خطاياك"،فقارن بين هؤلاء ومن شغل سواد ليله في لعب الورق، أو تقليب القنوات الفضائية، أو السهر مع المباريات، والأفلام، وتتبُّع الأخبار السوقية، وربما زاغ بصره فوقع على الصور الخليعة، والمسلسلات الوضيعة، والنكات السمجةالممجوجة، ويزعم مع ذلك أنه يحبُّ الله، لركعات يملأ بها فراغه، وصيام في رمضان اعتاده، ودريهمات جعلها صدقته.
قال مالك بن ضيغم: "لو يعلم الخلائق ما يستقبلون غدًا، ما لذُّوا بعيش أبدًا".
وقال إبراهيم التيمي رحمه الله: "شيئان قطعا عنِّي لذَّة الدنيا: ذكر الموت، وذكر الموقف بين يدي الله تعالى".
العلامة الثامنة : التلذُّذ بفعل الطاعة، واعتقاد أنها خير تسرع إليه، وفضل ترتاح لفعله، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((وجعلت قرة عيني في الصلاة))؛ صحيح سنن النسائي.
وكان يقول صلى الله عليه وسلم: ((يا بلال، أقم الصلاة أرحنا بها))؛ صحيح سنن أبي داود، وكذلك سائر العبادات من صيام، وصدقة، وقراءة للقرآن، وسير في حوائج الناس.
ومن الناس مَنْ ينتظر الصلاة بعد الصلاة، تلذُّذًا بالمكوث في بيت الله، داعيًا، مُصلِّيًا، باكيًا؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((ألا أدلُّكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات؟))، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ((إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخُطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط))؛ مسلم، والرباط: حبس النفس على هذه الطاعة.
وكان عطاء السليمي رحمه الله إذا فرغ من وضوئه، انتفض، وارتعد، وبكى بكاءً شديدًا، فيُقال له في ذلك، فيقول: "إني أريد أن أُقدِمَ على أمرٍ عظيمٍ، أريد أن أقوم بين يدي الله عز وجل ".
العلامة التاسعة : الإحساس بالحسرة والأسى عند فوات الطاعة أو تركها، فإن فات المحب لربِّه الاستيقاظ إلى صلاة الصبح، رأيته حزينًا كئيبًا، متألم القلب، كاسِفَ البال، قد فاته خيرٌ عظيمٌ، أعظم من فوات صفقة تجارية رابحة، أو سفر لقضاء حاجة ملحَّة.
فهذا حاتم الأصم، فاتته صلاة العصر في جماعة، فصلَّاها في البيت، فجلس يبكي؛ لأن صلاة الجماعة قد فاتته.
وعن نافع أن ابن عمر رضي الله عنهما كان إذا فاتته العشاء في جماعة، أحيا بقية ليلته.
العلامة العاشرة : الغيرة على محارم الله إذا انتهكت، وحزن القلب لشعائر الله إذا هجرت، وقلق النفس للمنكرات إذا تفشَّت، وضيق الصدر لحدود الله إذا تعديت؛ لأن المؤمن يحبُّ للناس ما يحبُّ لنفسه، ولا يرضى لهم ما لا يرتضيه لنفسه.
اللهم يا من لا تراه في الدنيا العيون ، ولا تخالطه الظنون ، يا من سجد له الساجدون ، وركع له الراكعون ، وقام بين يديه القائمون ، ولبى له الملبون ، وحج إليه الحاجون ، واعتمر له المعتمرون ، وقام إليه القائمون ، وعاد إليه العائدون ، يا من إذا أراد شيئا قال له كن فيكون ، اللهم أقمنا بين يديك نصلي لك يا رب العالمين .
كتبه الشــــــيخ شــــــــرمــــاركــــــي محمد عـــــــــــيسى (بخاري)
هــــــــــــــــــــرجيـــــــــــــــــــــــــســــــــــيا 8/رمضان/1440هــــــــــــــ
أبـــــــــــو ألأثيـــــــــــــــــــــــر الصــــــــــــــــــــــومالــــــي ...المزيد
عشق المحبين ورونقة الخاشعين .
قال تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ ﴾ (البقرة: 165) .
الحُبُّ من أعمال القلوب، فإنَّ حُبَّ الله جل جلاله من أعظم أعمال القلب، ولن يستطيعه إلا القلب السليم، فإنَّ محبة الله جل جلاله تصلحه، فإذا امتلأ قلب العبد بحب الله جل جلاله، انساقت للقلب الجوارح؛ لأنها تابعة له، فعن النعمان بن بشير رضي الله عنه، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (( ألا وإنَّ في الجسد مضغة، إذا صلَحت صلح الجسد كله، وإذا فسَدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب)) رواه البخاري
وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: ((أسألُكَ حُبَّكَ، وحُبَّ مَنْ يحبُّك، وحُبَّ عملٍ يُقرِّب إلى حُبِّكَ))؛ صحيح سنن الترمذي .
والعلاقة بين الحب والإيمان يوضحها حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ثلاث من كُنَّ فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحَبَّ إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار)) [4].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وإذا كان الحُبُّ أصلَ كُلِّ عملٍ من حقٍّ وباطلٍ، وهو أصل الأعمال الدينية وغيرها، وأصل الأعمال الدينية حب الله ورسوله، كما أنَّ أصلَ الأقوال الدينية تصديق الله ورسوله، فالتصديقُ بالمحبة هو أصل الإيمان، وهو قولٌ وعملٌ .
فإذا أصبح حُبُّ الله جل جلاله في قلب العبد في أعلى المراتب، يكون العبد قد بلغ مرتبة الإحسان، عند ذاك تتحرك الجوارح كافة على مراد الله جل جلاله، فيحب في الله، ويكره في الله، ويعطي لله، ويمنع لله، ويوالي في الله، ويعادي في الله جل جلاله.
وقد ذكر العلماء عشر علامات تدل على حب العبد لربه وهي :-
العلامة الأولى : محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فلا يتصور حب لله من دون حب لرسوله صلى الله عليه وسلم الذي عرَّفنا بربِّنا، وبلَّغنا رسالته، وبيَّن لنا الطريق إليه؛ قال تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [آل عمران: 31]، قال الحسن البصري رحمه الله: "زعم قوم أنهم يحبُّون الله، فابتلاهم الله بهذه الآية"، وقال ابن كثير رحمه الله: "هذه الآية الكريمة حاكمة على كل من ادَّعى محبَّة الله، وليس هو على الطريقة المحمدية، فإنه كاذب في دعواه في نفس الأمر، حتى يتبع الشرع المحمدي".
وهل صادق مَنْ يدَّعي حُبَّ ربِّه ****وأمسى عن اللَّذات غير صبور
ويسلو عن الدنيا وعن كل شهوة****وعن كل ما يودي بوصل سرور
العلامة الثانية : حُبُّ مَنْ يحبُّه الله عز وجل من عباده المصطفين الأخيار .
وذالك كحُبِّ الرسول صلى الله عليه وسلم، وصحابته، وأولياء الله الصالحين، وليس ذلك حبًّا مع الله؛ بل هو من تمام حب الله؛ لأنه حب لأجل الله، وفي الله؛ قال ابن القيم رحمه الله: "فأصل العبادة محبَّة الله؛ بل إفراده بالمحبَّة، وأن يكون الحبُّ كله لله، فلا يحبُّ معه سواه؛ وإنما يحبُّ لأجله وفيه، كما يحبُّ أنبياءه، ورسله، وملائكته، وأولياءه، فمحبَّتنا لهم من تمام محبَّته، وليست محبَّةً معه".
فالذي يبغض صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا حَظَّ له في محبَّة الله، والذي يُنكِر وجود الملائكة، لا حظَّ له في محبَّة الله، والذي يتَّهم أولياء الله بالجهل، لا حظَّ له في محبَّة الله... وهكذا.
العلامة الثالثة : الرضا بما يعطي الله وبما يمنع .
فلا تسخُّط، ولا تأفُّف، ولا تأوُّه؛ لأنه أعطاك ليختبرك، ومنعك ليبتليك، وهو تعالى في الأمرين يحبُّك، فقابل تقديره بالقبول، وابتلاءه بالرضا، وقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: ((وأسألك الرضاء بعد القضاء))؛ صحيح سنن النسائي.
ومن كلام ابن مسعود رضي الله عنه: "لأن ألحَسَ جمرةً أحرقت ما أحرقت، وأبقت ما أبقت، أحبُّ إليَّ من أن أقول لشيء كان: ليته لم يكن، أو لشيء لم يكن: ليته كان".
ولقد سأل رجل الفضيل بن عياض رحمه الله، فقال: يا أبا علي، متى يبلغ الرجل غايته من حبِّ الله تعالى؟ فقال له الفضيل: "إذا كان عطاؤه ومنعه إيَّاك عندك سواءً، فقد بلغت الغاية من حبِّه".
وذكر ابن الجوزي قصة أحد الصالحين، ابتلاه الله ليختبر حبَّه له، فجعله مكفوفًا، مجذومًا، مقعدًا، حتى جعل الزنبور يقع عليه فيقطع لحمه، فقال: "وعزَّتك وجلالك، لو قطعتني إرْبًا إرْبًا، أو صببت عليَّ البلاء صبًّا، ما ازددت إلَّا حبًّا".
إن الطبيب بطبِّه ودوائه ****لا يستطيع دفاع مقدور القضا
ما للطبيب يموت بالداء الذي ****قد كان يبرئ مثله فيما مضى
ذهب المداوي والمداوي والذي ****جلب الدواء وباعه ومن اشترى
العلامة الرابعة: محبة كلام الله تعالى، والانشغال بتلاوته وتدبُّره .
فلا حب لله مع هجر كلامه، ولا حب لله مع عدم التلذُّذ بتلاوته، والتمتُّع بالاستماع إليه، فالقرآن الكريم جنة العابدين، وبُستان الزاهدين، وكنز المتلذِّذين، وبهجة مجالس المجتمعين؛ قال ابن القيم رحمه الله: "وكذلك محبَّة كلام الله، فإنه من علامة حُبِّ الله، وإذا أردْتَ أن تعلم ما عندك وعند غيرك من محبة الله، فانظر محبة القرآن من قلبك، والتذاذك بسماعه أعظم من التذاذ أصحاب الملاهي والغناء المطرب بسماعهم".
ورحم الله ابن القيم، فقد علم أن من الناس من ينشغل بالغناء والطرب، حتى يُلهيه ذلك عن كتاب الله، فينفق الساعات الطوال للسَّماع، ولا يجد نصف ساعة في اليوم يفتح فيها كتاب الله، يقرؤه، ويتدبَّره، ويقوي إيمانه بالتأمُّل في آياته، حتى إذا قرأ منه بعض آيات، لم يشعُر لها بلذَّة، ولم يستفد منها بومضة، ﴿ كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [المطففين: 14]، قال ابن جزي رحمه الله: "أي: غطَّى على قلوبهم ما كسبوا من الذنوب، فطمس بصائرهم".
قال عثمان بن عفان رضي الله عنه: "لو طهرت قلوبنا، ما شبعت من كلام الله".
العلامة الخامسة : القيام بالأعمال الحسنة، والاتِّصاف بالأخلاق الحميدة.
إذ لا يجتمع حب الله والكلام الفاحش، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن فاحشًا ولا مُتفحِّشًا، وكان يقول: ((إنَّ خياركم أحاسنُكم أخلاقًا))؛ متفق عليه.
ولا يجتمع حبُّ الله مع الإساءة إلى الجار، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا يدخل الجنة مَنْ لا يأمن جاره بوائقه))؛ مسلم.
ولا يجتمع حُبُّ الله مع الكذب، تقول عائشة رضي الله عنها: "ما كان خلق أبغض إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكذب"؛ صحيح سنن الترمذي، ويقول صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ قال في مؤمن ما ليس فيه، أسكنه الله ردغة الخبال حتى يخرج مما قال))؛ صحيح سنن أبي داود؛ وردغة الخبال: هي عصارة أهل النار.
ولا يجتمع حب الله مع أخذ الرشوة، والراشي والمرتشي ملعونان في شريعتنا، ولا يجتمع حبُّ الله مع الغش في العمل، وفي الحديث: ((مَنْ غشَّنا فليس منا))؛ مسلم.
ولا يجتمع حُبُّ الله مع التحايُل على الناس في الخصومة، لأكل أموالهم بالباطل، أو سلب حقوقهم ومستحقَّاتهم، فهذا جزاؤه من الله السخط لا الحب؛ يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ خاصم في باطل وهو يعلمه، لم يزل في سخط الله حتى ينزع عنه))؛ صحيح سنن أبي داود.
ويجمع التحذير من كل ذلك، حديث عبدالرحمن بن أبي قراد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم توضَّأ يومًا، فجعل أصحابه يتمسَّحون بوضوئه، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما يحملكم على هذا؟))، قالوا: حب الله ورسوله، فقال صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ سرَّه أن يحبَّ الله ورسوله، أو يحبَّه الله ورسوله، فليصدق حديثه إذا حدث، وليُؤدِّ أمانته إذا ائتمن، وليحسن جوار مَنْ جاوره))؛ حسَّنه في المشكاة.
سبحان من لو سجدنا بالجباه له **** على لظى الجمر والمحمي من الإبر
لم تبلغ العشر من مقدار نعمته **** ولا العشير ولا عشرًا من العشر
العلامة السادسة : الجمع بين خلوص التوحيد لله تعالى، وعبادته على الوجه الذي يرتضيه. فالمسلم يلهج بذكر الله في كل حين، ويراقب الله تعالى في كل عمل، ويخاف من تجاوز حدوده في كل معاملة، فشأنه العمل لله، والالتجاء إلى الله، والعيش مع الله، والاستعانة بالله، بحيث تصير تردُّدات أنفاسه، ونبضات قلبه، وحركات جوارحه وقفًا لله تعالى: ﴿ فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ ﴾ [الذاريات: 50].
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه: ((يا معاذ، هل تدري ما حق الله على العباد؟))، قال: الله ورسوله أعلم، قال: ((أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، هل تدري ما حقُّ العباد على الله إذا فعلوه؟))، قال: الله ورسوله أعلم، قال: ((ألَّا يُعذِّبهم))؛ متَّفق عليه.
ومن جميل ما تنبَّهوا إليه، أن كلمة "حب"، بدئت بحرف الحاء، ويخرج من أقصى الحلق، وانتهت بحرف الباء، الذي يخرج من الشفتين وهما آخر ما تخرج منه الحروف، فالحاء دلَّتْ على الابتداء، والباء دلَّت على الانتهاء، وكذلك شأن المحبَّة، تبدأ من المحبوب، وتنتهي إليه.
ولقد شبَّ بعض الناس على حبِّ الماديات، فساووا حبَّها بحبِّ الله أو أكثر، فصار المال قِبْلتهم، والجاه وجهتهم، والتفاخُر حياتهم، والاعتناء بالذات ديدنهم، والتجمُّل في المظهر هجيراهم، وربما قدموا ذلك على الصلاة فلم يصلُّوا، وإذا صلَّوا، فصلاة كسلان متثاقل، لا صلاة مستوفز مُحبٍّ، ولا عبادة متحفِّز متوثِّب، يخشى عليهم من مثل قوله تعالى: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ﴾ (البقرة: 165).
وأبغض إله عُبِد في الأرض هو الهوى، قال تعالى: ﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾ (الجاثية: 23).
وأتـرك ما أهـوى لمـا قـد هويتــه *** فأرضى بما ترضى وإن سخطت نفسي
العلامة السابعة : التلذُّذ بمناجاة الله عز وجل، وأفضله قيام الليل ولو بركعتين، فذلك السبيل لمن أراد العزَّ والشرف، ولقد أتي جبريل عليه السلام النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: "يا محمد، أحبب من شئت، فإنك مُفارقه، واعمل ما شئت، فإنك مجزي به، وعِشْ ما شئت، فإنك ميت، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل، وعزه استغناؤه عن الناس"؛ صحيح الجامع.
كيف لا وقد أخبرنا الصادق المصدوق أنه: ((إذا مضى شَطْرُ الليل أو ثُلثاه، ينزل الله تبارك وتعالى إلى السماء الدُّنيا، فيقول: هل من سائلٍ يُعطى، هل من داعٍ يُستجابُ له، هل من مُستغفرٍ يُغفَر له، حتى ينفجر الصبح"؛ مسلم.
ويقول صلى الله عليه وسلم: ((إن في الليل لساعةً، لا يُوافقها رجل مسلم يسأل الله خيرًا من أمر الدنيا والآخرة، إلا أعطاه إيَّاه، وذلك كل ليلة))؛ مسلم.
هنا يظهر حب العبد لربه ويقوم للعبادة ولصلاة ويشمر لها لكي ينال السعادة في الدارين وقد قال بعض السلف سابقا (إذا أردت أن تلحق بركب السادة فعليك بترك الوسادة لتحظى بالحسنى وزيادة ) فالمسلم المحبُّ لربِّه، يغتنم هدوء الليل، وصفاء النفس بانقطاع العوائق، وانصرام العلائق، فيأنس بربِّه، ويتنعَّم بمناجاته، ويتلذَّذ بالشوق إليه، وإدامة دعائه.
وقد قيل لإبراهيم بن أدهم وقد نزل من الجبل: من أين أقبلت؟ فقال: "من الأنس بالله"، ﴿ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾ [السجدة: 16].
وقد سئل الحسن البصري رحمه الله: ما بال المتهجِّدين بالليل من أحسن الناس وجوهًا؟ فقال: "لأنهم خلوا بالرحمن، فألبسهم من نوره".
وقال له شاب: أعياني قيام الليل، فقال له: "قيَّدتك خطاياك"،فقارن بين هؤلاء ومن شغل سواد ليله في لعب الورق، أو تقليب القنوات الفضائية، أو السهر مع المباريات، والأفلام، وتتبُّع الأخبار السوقية، وربما زاغ بصره فوقع على الصور الخليعة، والمسلسلات الوضيعة، والنكات السمجةالممجوجة، ويزعم مع ذلك أنه يحبُّ الله، لركعات يملأ بها فراغه، وصيام في رمضان اعتاده، ودريهمات جعلها صدقته.
قال مالك بن ضيغم: "لو يعلم الخلائق ما يستقبلون غدًا، ما لذُّوا بعيش أبدًا".
وقال إبراهيم التيمي رحمه الله: "شيئان قطعا عنِّي لذَّة الدنيا: ذكر الموت، وذكر الموقف بين يدي الله تعالى".
العلامة الثامنة : التلذُّذ بفعل الطاعة، واعتقاد أنها خير تسرع إليه، وفضل ترتاح لفعله، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((وجعلت قرة عيني في الصلاة))؛ صحيح سنن النسائي.
وكان يقول صلى الله عليه وسلم: ((يا بلال، أقم الصلاة أرحنا بها))؛ صحيح سنن أبي داود، وكذلك سائر العبادات من صيام، وصدقة، وقراءة للقرآن، وسير في حوائج الناس.
ومن الناس مَنْ ينتظر الصلاة بعد الصلاة، تلذُّذًا بالمكوث في بيت الله، داعيًا، مُصلِّيًا، باكيًا؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((ألا أدلُّكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات؟))، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ((إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخُطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط))؛ مسلم، والرباط: حبس النفس على هذه الطاعة.
وكان عطاء السليمي رحمه الله إذا فرغ من وضوئه، انتفض، وارتعد، وبكى بكاءً شديدًا، فيُقال له في ذلك، فيقول: "إني أريد أن أُقدِمَ على أمرٍ عظيمٍ، أريد أن أقوم بين يدي الله عز وجل ".
العلامة التاسعة : الإحساس بالحسرة والأسى عند فوات الطاعة أو تركها، فإن فات المحب لربِّه الاستيقاظ إلى صلاة الصبح، رأيته حزينًا كئيبًا، متألم القلب، كاسِفَ البال، قد فاته خيرٌ عظيمٌ، أعظم من فوات صفقة تجارية رابحة، أو سفر لقضاء حاجة ملحَّة.
فهذا حاتم الأصم، فاتته صلاة العصر في جماعة، فصلَّاها في البيت، فجلس يبكي؛ لأن صلاة الجماعة قد فاتته.
وعن نافع أن ابن عمر رضي الله عنهما كان إذا فاتته العشاء في جماعة، أحيا بقية ليلته.
العلامة العاشرة : الغيرة على محارم الله إذا انتهكت، وحزن القلب لشعائر الله إذا هجرت، وقلق النفس للمنكرات إذا تفشَّت، وضيق الصدر لحدود الله إذا تعديت؛ لأن المؤمن يحبُّ للناس ما يحبُّ لنفسه، ولا يرضى لهم ما لا يرتضيه لنفسه.
اللهم يا من لا تراه في الدنيا العيون ، ولا تخالطه الظنون ، يا من سجد له الساجدون ، وركع له الراكعون ، وقام بين يديه القائمون ، ولبى له الملبون ، وحج إليه الحاجون ، واعتمر له المعتمرون ، وقام إليه القائمون ، وعاد إليه العائدون ، يا من إذا أراد شيئا قال له كن فيكون ، اللهم أقمنا بين يديك نصلي لك يا رب العالمين .
كتبه الشــــــيخ شــــــــرمــــاركــــــي محمد عـــــــــــيسى (بخاري)
هــــــــــــــــــــرجيـــــــــــــــــــــــــســــــــــيا 8/رمضان/1440هــــــــــــــ
أبـــــــــــو ألأثيـــــــــــــــــــــــر الصــــــــــــــــــــــومالــــــي ...المزيد
#خواطر_رمضانية_7 تجــديد الشـــــــكر بتجــــدد النـــــــــعمة ( وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ ...
#خواطر_رمضانية_7
تجــديد الشـــــــكر بتجــــدد النـــــــــعمة
( وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ ۚ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ ) الشورى (28).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يقول الألوسي رحمه الله تعالى ( وهو الذي ينزل الغيث أي المطر الذي يغيثهم من الجدب ولذلك خص بالنافع منه فلا يقال غيث لكل مطر، وقرأ الجمهور (ينزل) مخففا.
من بعد ما قنطوا يئسوا منه، وتقييد تنزيله بذلك مع تحققه بدونه أيضا لتذكير كمال النعمة؛ وقرأ الأعمش . وابن وثاب (قنطوا) بكسر النون وينشر رحمته أي منافع الغيث وآثاره في كل شيء من السهل والجبل والنبات والحيوان أو رحمته الواسعة المنتظمة لما ذكر انتظاما أوليا، وقيل: الرحمة هنا ظهور الشمس لأنه إذا دام المطر سئم فتجيء الشمس بعده عظيمة الموقع ذكره المهدوي وليس بشيء، ومن البعيد جدا ما قاله السدي من أن الرحمة هنا الغيث نفسه عدد النعمة نفسها بلفظين، وأيا ما كان فضمير رحمته لله عز وجل، وجوز على الأول كونه للغيث).
ذم القنوط من رحمة الله تعالى :
قال تعالى: {قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُن مِّنَ الْقَانِطِينَ . قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ} [الحجر:55-56]. قال الطبري: "قال ضيف إبراهيم له: بشرناك بحقِّ يقين، وعلم منَّا بأن الله قد وهب لك غلامًا عليمًا، فلا تكن من الذين يقنطون من فضل الله فييأسون منه، ولكن أبشر بما بشرناك به واقبل البُشرى... فقال إبراهيم للضيف: ومن ييأس من رحمة الله إلا القوم الذين قد أخطؤوا سبيل الصواب، وتركوا قصد السبيل في تركهم رجاء الله، ولا يخيب من رجاه، فضلوا بذلك عن دين الله"(جامع البيان: [17/113]). قال الواحدي: " {فَلَا تَكُن مِّنَ الْقَانِطِينَ} [الحجر من الآية:55]: من الآيسين، والقنوط: اليأْس من الخير. {قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ} [الحجر:56]. قال ابن عباس: يريد ومن ييئس من رحمة ربه إلا المكذبون، وهذا يدلُّ على أنَّ إبراهيم لم يكن قانطًا، ولكنه استبعد ذلك، فظنت الملائكة به قنوطًا، فنفى ذلك عن نفسه، وأخبر أنَّ القانط من رحمة الله ضالٌّ"(الوسيط في تفسير القرآن المجيد: [3/47]). - وقال تعالى: {وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا ۖ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} [الروم:36]. "خبر تعالى عن طبيعة أكثر الناس في حالي الرَّخاء والشدة؛ أنهم إذا أذاقهم الله منه رحمة من صحة، وغنى، ونصر، ونحو ذلك فرحوا بذلك فرح بطر، لا فرح شكر وتبجح بنعمة الله. {وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ} أي: حال تسوؤهم وذلك {بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} من المعاصي، {إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} ييأسون من زوال ذلك الفقر والمرض ونحوه. وهذا جهل منهم وعدم معرفة" ((تيسير الكريم الرحمن) للسعدي: [1/642]). قال الماوردي: "{إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} فيه وجهان: أحدهما: أن القنوط اليأْس من الرحمة والفرج، قاله الجمهور، الثاني: أن القنوط ترك فرائض الله في اليسر، قاله الحسن" (النكت والعيون: [4/315]). قال البغوي: "{إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ}، ييأسون من رحمة الله، وهذا خلاف وصف المؤمن، فإنه يشكر الله عند النعمة ويرجو ربه عند الشدة" ((معالم التنزيل) للبغوي: [3/579])، (المحرر الوجيز) لابن عطية: [4/338]). - وقال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّـهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53]. "{لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ} أي: لا تيأسوا منها، فتلقوا بأيديكم إلى التهلكة، وتقولوا قد كثرت ذنوبنا، وتراكمت عيوبنا، فليس لها طريق يزيلها، ولا سبيل يصرفها، فتبقون بسبب ذلك مصرين على العصيان، متزودين ما يغضب عليكم الرحمن، ولكن اعرفوا ربكم بأسمائه الدالة على كرمه وجوده، واعلموا أنه يغفر الذنوب جميعًا من الشرك، والقتل، والزنا، والربا، والظلم، وغير ذلك من الذنوب الكبار" ((تيسير الكريم الرحمن) للسعدي: {/727} .
عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول: «إنَّ الله خلق الرَّحمة يوم خلقها مائة رحمة، فأمسك عنده تسعًا وتسعين رحمة. وأرسل في خلقه كلِّهم رحمة واحدة، فلو يعلم الكافر بكلِّ الَّذي عند الله من الرَّحمة، لم ييأس من الجنَّة، ولو يعلم المسلم بكلِّ الذي عند الله من العذاب، لم يأمن من النَّار» (رواه البخاري: (6469)]. قال بدر الدين العيني: "«لم ييأس من الجنة» من اليأْس وهو القنوط.. وقوله: «لم ييأس من الجنة» قلت: قيل: المراد أن الكافر لو علم سعة الرحمة لغطى على ما يعلمه من عظيم العذاب فيحصل له الرجاء، وقيل: المراد أن متعلق علمه بسعة الرحمة مع عدم التفاته إلى مقابلها يطمعه في الرحمة" (عمدة القاري شرح صحيح البخاري) لبدر الدين العيني: [23/67]، (فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر [11/302]). - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع في جنته أحد، ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة، ما قنط من رحمته أحد» (رواه مسلم: [2755]). قال المباركفوري: "إن المؤمن قد اختص بأن يطمع في الجنة، فإذا انتفى الطمع منه فقد انتفى عن الكل، وكذلك الكافر مختص بالقنوط، فإذا انتفى القنوط عنه فقد انتفى عن الكل. وورد الحديث في بيان كثرة رحمته وعقوبته كيلا يغتر مؤمن برحمته فيأمن من عذابه ولا ييأس كافر من رحمته ويترك بابه" (مرعاة المفاتيح : 8/80)
لا بدّ من تجديد الشكر بتجدد النعمة :
إن الله تعالى يحب من عباده إذا جدد لهم نعمة أن يجددوا له شكرًا فاشكروا الله عباد الله واحمدوه على سوابق نعمه الوافرة يزدكم بركة وفضلًا: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم: 7]، عباد الله إن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب ولا يعطي الدين إلا من يحب، حليم كريم ينعم على العاصي والمطيع ليزداد المطيع من شكره وحده فيكون ذلك كفارة لذنوبه ويزداد العاصي شقاوة وبعدًا عن الله فيكون ذلك العطاء استدراجًا له من الله ومكرًا به، يقول - صلى الله عليه وسلم -: (إذا رأيت العبد يعطى وهو على غير تقوى لله فاعلم أنه استدراج، ثم قرأ ﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ﴾ [الأنعام: 44]) , وهو سبحانه طبيب عباده يبتلي بالضراء ليذكر، ويبدلها بالسراء ليشكر، يحبس المطر عن قوم ويصرفه إلى آخرين ليلهج إليه من صرفه عنهم بالدعاء ويلتجئ إليه، وليحمده ما أنعم به عليه ويشكره ويثني عليه، خزائنه ملأى لا تغيض مع كثرة الإنفاق، يقول تبارك وتعالى: ﴿ وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا ﴾ [الفرقان: 50]، صرفه عن هؤلاء ليشكروه، فعكسوا الأمر وخالفوه، فكفروا نعمة الله ونسوه فأبى أكثر الناس إلا كفورا أي أبوا إلا أن يكفروا نعمة الله وينسبوها إلى غيره، يقولون: مطرنا بنوء كذا وكذا، أو يقولون: مطرنا بسبب النجم الفلاني أو الفصل الفلاني أو بسبب الريح الموسمية أو الجنوبية والغربية، فبهذا القوة كفروا بنعمة الله ونسبوها إلى غيره، وهذا معنى قوله تعالى: ﴿ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ ﴾ [الواقعة: 82] أي لما أنعم عليكم بالمطر نسبتموه إلى الأنواء والنجوم وجعلتم شكركم لله كذبًا افتريتموه على الله بنسبتكم المطر إلى النجوم، فاحذروا يا عباد الله أن يخدعكم الشيطان وتكفروا بالله عند تجدد نعمه، فإذا أسقاكم المطر تنسبونه إلى الأنواء والنجوم أو الفصول، وإذا تفضل عليكم بصحة الأبدان تنسبونها إلى غيره أي إلى تقدم الطب وإجادة الأطباء، وإذا أوسع لكم في الرزق تنسبونه إلى مخلوق أيا كان فيعاقبكم الله بنقيض قصدكم ويبدلكم بعد السعة ضيقًا وبعد الصحة سقمًا وبعد الأمن خوفًا وبعد العز ذلًا وبعد الخصب جدبًا، واعلموا أن ما بكم من نعمة كبيرة أو صغيرة فمن الله فقيدوا نعمه بشكرها.
كتبه الشـــــــــــــيخ شــــــــــرماركي مـــحـــمــــــــد عيـــــــــــــــسى (بخاري)
هــــــــــــــــــــرجيـــــــــــــــسيــــــــــا 7/رمـــــــــضــــــــــان/1440.
أبــــــــــــــــــــــــــــو الأثيـــــــــــــــــــــر الصــــــــــــــومـــــــــــــالي ...المزيد
تجــديد الشـــــــكر بتجــــدد النـــــــــعمة
( وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ ۚ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ ) الشورى (28).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يقول الألوسي رحمه الله تعالى ( وهو الذي ينزل الغيث أي المطر الذي يغيثهم من الجدب ولذلك خص بالنافع منه فلا يقال غيث لكل مطر، وقرأ الجمهور (ينزل) مخففا.
من بعد ما قنطوا يئسوا منه، وتقييد تنزيله بذلك مع تحققه بدونه أيضا لتذكير كمال النعمة؛ وقرأ الأعمش . وابن وثاب (قنطوا) بكسر النون وينشر رحمته أي منافع الغيث وآثاره في كل شيء من السهل والجبل والنبات والحيوان أو رحمته الواسعة المنتظمة لما ذكر انتظاما أوليا، وقيل: الرحمة هنا ظهور الشمس لأنه إذا دام المطر سئم فتجيء الشمس بعده عظيمة الموقع ذكره المهدوي وليس بشيء، ومن البعيد جدا ما قاله السدي من أن الرحمة هنا الغيث نفسه عدد النعمة نفسها بلفظين، وأيا ما كان فضمير رحمته لله عز وجل، وجوز على الأول كونه للغيث).
ذم القنوط من رحمة الله تعالى :
قال تعالى: {قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُن مِّنَ الْقَانِطِينَ . قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ} [الحجر:55-56]. قال الطبري: "قال ضيف إبراهيم له: بشرناك بحقِّ يقين، وعلم منَّا بأن الله قد وهب لك غلامًا عليمًا، فلا تكن من الذين يقنطون من فضل الله فييأسون منه، ولكن أبشر بما بشرناك به واقبل البُشرى... فقال إبراهيم للضيف: ومن ييأس من رحمة الله إلا القوم الذين قد أخطؤوا سبيل الصواب، وتركوا قصد السبيل في تركهم رجاء الله، ولا يخيب من رجاه، فضلوا بذلك عن دين الله"(جامع البيان: [17/113]). قال الواحدي: " {فَلَا تَكُن مِّنَ الْقَانِطِينَ} [الحجر من الآية:55]: من الآيسين، والقنوط: اليأْس من الخير. {قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ} [الحجر:56]. قال ابن عباس: يريد ومن ييئس من رحمة ربه إلا المكذبون، وهذا يدلُّ على أنَّ إبراهيم لم يكن قانطًا، ولكنه استبعد ذلك، فظنت الملائكة به قنوطًا، فنفى ذلك عن نفسه، وأخبر أنَّ القانط من رحمة الله ضالٌّ"(الوسيط في تفسير القرآن المجيد: [3/47]). - وقال تعالى: {وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا ۖ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} [الروم:36]. "خبر تعالى عن طبيعة أكثر الناس في حالي الرَّخاء والشدة؛ أنهم إذا أذاقهم الله منه رحمة من صحة، وغنى، ونصر، ونحو ذلك فرحوا بذلك فرح بطر، لا فرح شكر وتبجح بنعمة الله. {وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ} أي: حال تسوؤهم وذلك {بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} من المعاصي، {إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} ييأسون من زوال ذلك الفقر والمرض ونحوه. وهذا جهل منهم وعدم معرفة" ((تيسير الكريم الرحمن) للسعدي: [1/642]). قال الماوردي: "{إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} فيه وجهان: أحدهما: أن القنوط اليأْس من الرحمة والفرج، قاله الجمهور، الثاني: أن القنوط ترك فرائض الله في اليسر، قاله الحسن" (النكت والعيون: [4/315]). قال البغوي: "{إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ}، ييأسون من رحمة الله، وهذا خلاف وصف المؤمن، فإنه يشكر الله عند النعمة ويرجو ربه عند الشدة" ((معالم التنزيل) للبغوي: [3/579])، (المحرر الوجيز) لابن عطية: [4/338]). - وقال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّـهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53]. "{لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ} أي: لا تيأسوا منها، فتلقوا بأيديكم إلى التهلكة، وتقولوا قد كثرت ذنوبنا، وتراكمت عيوبنا، فليس لها طريق يزيلها، ولا سبيل يصرفها، فتبقون بسبب ذلك مصرين على العصيان، متزودين ما يغضب عليكم الرحمن، ولكن اعرفوا ربكم بأسمائه الدالة على كرمه وجوده، واعلموا أنه يغفر الذنوب جميعًا من الشرك، والقتل، والزنا، والربا، والظلم، وغير ذلك من الذنوب الكبار" ((تيسير الكريم الرحمن) للسعدي: {/727} .
عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول: «إنَّ الله خلق الرَّحمة يوم خلقها مائة رحمة، فأمسك عنده تسعًا وتسعين رحمة. وأرسل في خلقه كلِّهم رحمة واحدة، فلو يعلم الكافر بكلِّ الَّذي عند الله من الرَّحمة، لم ييأس من الجنَّة، ولو يعلم المسلم بكلِّ الذي عند الله من العذاب، لم يأمن من النَّار» (رواه البخاري: (6469)]. قال بدر الدين العيني: "«لم ييأس من الجنة» من اليأْس وهو القنوط.. وقوله: «لم ييأس من الجنة» قلت: قيل: المراد أن الكافر لو علم سعة الرحمة لغطى على ما يعلمه من عظيم العذاب فيحصل له الرجاء، وقيل: المراد أن متعلق علمه بسعة الرحمة مع عدم التفاته إلى مقابلها يطمعه في الرحمة" (عمدة القاري شرح صحيح البخاري) لبدر الدين العيني: [23/67]، (فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر [11/302]). - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع في جنته أحد، ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة، ما قنط من رحمته أحد» (رواه مسلم: [2755]). قال المباركفوري: "إن المؤمن قد اختص بأن يطمع في الجنة، فإذا انتفى الطمع منه فقد انتفى عن الكل، وكذلك الكافر مختص بالقنوط، فإذا انتفى القنوط عنه فقد انتفى عن الكل. وورد الحديث في بيان كثرة رحمته وعقوبته كيلا يغتر مؤمن برحمته فيأمن من عذابه ولا ييأس كافر من رحمته ويترك بابه" (مرعاة المفاتيح : 8/80)
لا بدّ من تجديد الشكر بتجدد النعمة :
إن الله تعالى يحب من عباده إذا جدد لهم نعمة أن يجددوا له شكرًا فاشكروا الله عباد الله واحمدوه على سوابق نعمه الوافرة يزدكم بركة وفضلًا: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم: 7]، عباد الله إن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب ولا يعطي الدين إلا من يحب، حليم كريم ينعم على العاصي والمطيع ليزداد المطيع من شكره وحده فيكون ذلك كفارة لذنوبه ويزداد العاصي شقاوة وبعدًا عن الله فيكون ذلك العطاء استدراجًا له من الله ومكرًا به، يقول - صلى الله عليه وسلم -: (إذا رأيت العبد يعطى وهو على غير تقوى لله فاعلم أنه استدراج، ثم قرأ ﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ﴾ [الأنعام: 44]) , وهو سبحانه طبيب عباده يبتلي بالضراء ليذكر، ويبدلها بالسراء ليشكر، يحبس المطر عن قوم ويصرفه إلى آخرين ليلهج إليه من صرفه عنهم بالدعاء ويلتجئ إليه، وليحمده ما أنعم به عليه ويشكره ويثني عليه، خزائنه ملأى لا تغيض مع كثرة الإنفاق، يقول تبارك وتعالى: ﴿ وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا ﴾ [الفرقان: 50]، صرفه عن هؤلاء ليشكروه، فعكسوا الأمر وخالفوه، فكفروا نعمة الله ونسوه فأبى أكثر الناس إلا كفورا أي أبوا إلا أن يكفروا نعمة الله وينسبوها إلى غيره، يقولون: مطرنا بنوء كذا وكذا، أو يقولون: مطرنا بسبب النجم الفلاني أو الفصل الفلاني أو بسبب الريح الموسمية أو الجنوبية والغربية، فبهذا القوة كفروا بنعمة الله ونسبوها إلى غيره، وهذا معنى قوله تعالى: ﴿ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ ﴾ [الواقعة: 82] أي لما أنعم عليكم بالمطر نسبتموه إلى الأنواء والنجوم وجعلتم شكركم لله كذبًا افتريتموه على الله بنسبتكم المطر إلى النجوم، فاحذروا يا عباد الله أن يخدعكم الشيطان وتكفروا بالله عند تجدد نعمه، فإذا أسقاكم المطر تنسبونه إلى الأنواء والنجوم أو الفصول، وإذا تفضل عليكم بصحة الأبدان تنسبونها إلى غيره أي إلى تقدم الطب وإجادة الأطباء، وإذا أوسع لكم في الرزق تنسبونه إلى مخلوق أيا كان فيعاقبكم الله بنقيض قصدكم ويبدلكم بعد السعة ضيقًا وبعد الصحة سقمًا وبعد الأمن خوفًا وبعد العز ذلًا وبعد الخصب جدبًا، واعلموا أن ما بكم من نعمة كبيرة أو صغيرة فمن الله فقيدوا نعمه بشكرها.
كتبه الشـــــــــــــيخ شــــــــــرماركي مـــحـــمــــــــد عيـــــــــــــــسى (بخاري)
هــــــــــــــــــــرجيـــــــــــــــسيــــــــــا 7/رمـــــــــضــــــــــان/1440.
أبــــــــــــــــــــــــــــو الأثيـــــــــــــــــــــر الصــــــــــــــومـــــــــــــالي ...المزيد
#خواطر_رمضانية_6 هنيئا لهم على معرفة الرسول صلى الله عليه وسلم . إن محبة محمد- صلى الله عليه ...
#خواطر_رمضانية_6
هنيئا لهم على معرفة الرسول صلى الله عليه وسلم .
إن محبة محمد- صلى الله عليه وسلم- فرض لازم على كل مسلم حباً صادقاً مخلصاً؛ لأن الله -تبارك وتعالى- قال:{قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} فكفى بهذا حضاً وتنبيهاً ودلالة على إلزام محبته ووجوب فرضها وعظم خطرها، واستحقاقه لها-صلى الله عليه وسلم , فعن أنس -رضي الله عنه-قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (( لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين )) ، فالرسول- صلى الله عليه وسلم- يستحق المحبة العظيمة بعد محبة الله -عزوجل-كيف لا وهو من أرانا الله به طريق الخير من طريق الشر، كيف لا وهو من عرفنا بالله –عزوجل-، كيف لا وهو من بسببه اهتدينا إلى الإسلام، أفيكون أحد أعظم محبة بعد الله منه؟!!.
فمحبة النبي صلى الله عليه وسلم ليست مجرد كلمات يرددها الشعراء، أو خطب يتلوها على المنابر الخطباء، ولكن محبته نفحة ربانية وعقيدة إيمانية، يتنافس فيها المتنافسون وإليها يشخص العاملون، فلا يكفي فيها الادعاء باللسان فحسب، بل لا بد أن تكون محبته عليه الصلاة والسلام حياة تعاش، ومنهجاً يتبع، وصدق الله إذ يقول: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)آل عمران/31 .
جاء عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- فقال: "لأنت أحبَّ إلي من كل شيء إلا من نفسي التي بين جنبي" فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- : (( لن يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه )). فقال عمر: " والذي أنزل عليك الكتاب لأنت أحب إلي من نفس التي بين جنبي". فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم-: (( الآن يا عمر )), فحب النبي - صلى الله عليه وسلم- يجب أن يكون أعظم حب بعد حب الله تبارك وتعالى، أعظم من حب الولد والوالد، وأعظم من حب الوالدة والإخوة، ومن حب المال والدنيا، وأعظم من حب الزوجة بل أعظم من حب النفس، فإذا لم يكن هذا هو واقع محبة النبي في قلب المسلم فإنه لا يذوق حلاوة سنته، قال سهل: "من لم ير ولاية الرسول- صلى الله عليه وسلم- في جميع الأحوال ويرى نفسه في ملكه - صلى الله عليه وسلم- لا يذوق حلاوة سنته، لأن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: (( لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه )).
وإنّ الصحابةُ -رضي الله عنهم- نالوا الفضلَ لصُحبتهم وإخلاصِهم وسَبقهم في الاستِجابة لله ولرسولِه، فزادَت رِفعتُهم عند الله؛ أُمِرُوا باستِقبال الكعبة فحوَّلُوا وِجهتَهم من بيت المقدِس إليها حينما سمِعوا بتغييرها وهم في الصلاة، ولم يُؤخِرُوا الامتِثالَ إلى الصلاة التي تَليهَا.
ولذا ترجم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم محبته ترجمة عملية، فقد بذلوا أرواحهم ودماءهم وأموالهم رخيصة في سبيل الله وطاعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا له: "يا رسول الله، هذه أموالنا بين يديك، خذ منها ما شئت ودع منها ما شئت، وما أخذته منها كان أحب إلينا مما تركته، وهذه أرواحنا بين يديك، لو استعرضت بنا البحر لخضناه معك ما تخلف منا أحد، إنا والله لَصبرٌ في الحرب صِدق عند اللقاء؛ فامض بنا يا رسول الله حيث أمرك الله" (السيرة النبوية، ابن هشام ج1/ 320).
بأبي وأمي أنت يا خير الورى *** وصلاة ربي والسلام معطرا
يا خاتم الرسل الكرام محمد *** بالوحي والقرآن كنت مطهرا
لك يا رسول الله صدق محبة *** وبفيضها شهد اللسان وعبرا
لك يا رسول الله صدق محبة *** فاقت محبة من على وجه الثرى
لك يا رسول الله صدق محبة *** لا تنتهي أبدا ولن تتغيرا .
نماذج من حب الصحابة للرسول صلى الله عليه وسلم .
وهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه يستأذن النبي صلى الله عليه وسلم في الهجرة، فيقول له:(لا تعجل لعل الله يجعل لك صاحباً). فلما أذن الله عز وجل لنبيه بالهجرة قدم على أبي بكر يخبره بالأمر فقال له أبو بكر: "الصحبة يا رسول الله". فقال له: (الصحبة). تقول السيدة عائشة: "فوالله ما شعرت قط قبل ذلك اليوم أن أحداً يبكي من الفرح حتى رأيت أبا بكر يبكي يومئذ"
(السيرة النبوية، ابن هشام ج1/ 245 ) .
وفي الطريق كان الصديق رضي الله عنه يسير أمام النبي صلى الله عليه وسلم ساعة، ثم من خلفه، ثم عن يمينه، ثم عن شماله، فيسأله النبي صلى الله عليه وسلم عن سبب ذلك، فيقول: "يا رسول الله، أذكر الطلب فأمشي خلفك، وأذكر الرصد فأمشي أمامك". فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (لو كان شيء أأحببت أن تقتل دوني)؟ فقال: "إي والذي بعثك بالحق".
ويقول سيدنا أبو بكر: كنا في الهجرة وأنا عطشان جدا ، فجئت بمذقة لبن فناولتها للرسول صلى الله عليه وسلم، وقلت له :اشرب يا رسول الله، يقول أبو بكر: فشرب النبي صلى الله عليه وسلم حتى ارتويت !!
ويوم فتح مكة أسلم أبو قحافة [ أبو سيدنا أبي بكر ]، وكان إسلامه متأخرا جدا وكان قد عمي، فأخذه سيدنا أبو بكر وذهب به إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليعلن إسلامه ويبايع النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم , يا أبا بكر هلا تركت الشيخ في بيته، فذهبنا نحن إليه ' فقال أبو بكر: لأنت أحق أن يؤتى إليك يا رسول الله .. وأسلم أبو قحافة.. فبكى سيدنا أبو بكر الصديق، فقالوا له : هذا يوم فرحة، فأبوك أسلم ونجا من النار فما الذي يبكيك؟تخيّل .. ماذا قال أبو بكر..؟قال: لأني كنت أحب أن الذي بايع النبي الآن ليس أبي ولكن أبو طالب، لأن ذلك كان سيسعد النبي أكثر ..
وهذا علي بن أبي طالب رضي الله عنه يُسأل: كيف كان حبكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: "كان والله أحب إلينا من أموالنا وأولادنا وأبنائنا وأمهاتنا ومن الماء البارد على الظمأ" (روضة المحبين ونزهة المشتاقين ج1/ 418). وصدق والله رضي الله عنه وأبر، فقد ترجم ذلك عملياً حينما نام في فراش النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الهجرة مع علمه بأن فتية قريش الذين قدموا لقتل النبي صلى الله عليه وسلم ربما يصلوا إليه في أي لحظة، ومع ذلك فإنه قدم نفسه فداء لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
وذاك سواد بن غزيّة يوم غزوة أحد واقف في وسط الجيش فقال النبي صلى الله عليه وسلم للجيش :' استووا.. استقيموا '. فينظر النبي فيرى سوادا لم ينضبط فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ' استو يا سواد' فقال سواد: نعم يا رسول الله ووقف ولكنه لم ينضبط، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم بسواكه ونغز سوادا في بطنه قال: ' استو يا سواد '، فقال سواد: أوجعتني يا رسول الله، وقد بعثك الله بالحق فأقدني !فكشف النبي عن بطنه الشريفة وقال:' اقتص يا سواد'. فانكب سواد على بطن النبي يقبلها .يقول: هذا ما أردت وقال: يا رسول الله أظن أن هذا اليوم يوم شهادة فأحببت أن يكون آخر العهد بك أن تمس جلدي جلدك .
وحتى الصبيان أحبوا رسول الله.. روى البخاري ومسلم من حديث عبدالرحمن بن عوف قال: بينما أنا واقف في الصف يوم بدر إذ التفتُّ عن يميني وعن شمالي، فرأيت غلامين من الأنصار، فغمزني أحدهما سراً من صاحبه وقال لي: يا عم، هل تعرف أبا جهل؟ فقال له عبد الرحمن: نعم، وماذا تصنع بـأبي جهل يا ابن أخي؟! فقال له: لقد سمعت أنه يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد عاهدت الله إن رأيته أن أقتله أو أموت دونه، يقول عبدالرحمن بن عوف: فتعجبت لذلك! يقول: فغمزني الغلام الآخر وقال لي سراً من صاحبه: ياعم، هل تعرف أبا جهل؟ فقلت: نعم يا ابن أخي، وماذا تصنع بـأبي جهل؟! فقال: لقد سمعت أنه يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد عاهدت الله جل وعلا إن رأيته أن أقتله أو أموت دونه. يقول: فتعجبت! والله ما يسرني أني بين رجلين مكانهما، يقول: فنظرت في القوم فرأيت أبا جهل يجول في الناس، فقلت لهما: انظرا هل تريان هذا؟ قالا: نعم. قال: هذا صاحبكما الذي تسألان عنه. يقول: فانقضا عليه مثل الصقرين فقتلاه! وجرى كل منهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقول: يا رسول الله قتلته، والآخر يقول: بل أنا الذي قتلت أبا جهل. فقال النبي لهما: (هل مسحتما سيفيكما؟) قالا: لا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أعطني سيفك). وقال للآخر: (أعطني سيفك). ونظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى السيفين فوجد دم أبي جهل على السيفين، فالتفت إليهما وقال: (كلاكما قتله)!
وأخيرا لا تكن أقل من الجذع....
كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب في مسجده قبل أن يقام المنبر بجوار جذع الشجرة حتى يراه الصحابة.. فيقف النبي صلى الله عليه وسلم يمسك الجذع، فلما بنوا له المنبر ترك الجذع وذهب إلى المنبر 'فسمعنا للجذع أنينا لفراق النبي صلى الله عليه وسلم، فوجدنا النبي صلى الله عليه وسلم ينزل عن المنبر ويعود للجذع ويمسح عليه ويقول له النبي صلى الله عليه وسلم :' ألا ترضى أن تدفن هاهنا وتكون معي في الجنة؟ فسكن الجذع .
نسأل الله عز وجل أن نكون مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم يوم القيامة؛ لأنا نُشهد الله ورسوله والدنيا بأسرها بأنا نحب الله ونحب رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وليكن حالنا كما قال الشاعر:
حبي نبي الـهدى ديني وإيمانـي***يسري مع الدم يحيي نبض شرياني
يسمو بنفسي على الدنيا وزخرفها ***وهو السلام على روحي ووجدانـي
وتخشع النفس في محراب سيرته***فأذرفُ الدمعَ من شوق وتـحنـان
هذي الجوارح بالتسبيح لاهجةً***تسبِّح الله في سـري وإعـلانـي
وبالصلاة على المختار من مضر***ما دام للوُرق سجع فوق أغصـان
هو المقدم في نفسي على نفسي*** وأهل بيتـي وأحبابـي وخلانـي .
كتبه الشيخ شرماركي محمد عيسى ( بخاري) .
هـــــــــرجيـــــــــــــسيـــــــــــــــــــا 6/رمضان/1440هـــــــ .
أبـــــو الاثيـــــــــــــــــــــــر الصـــــــــــــــــــــومـــــــالي . ...المزيد
هنيئا لهم على معرفة الرسول صلى الله عليه وسلم .
إن محبة محمد- صلى الله عليه وسلم- فرض لازم على كل مسلم حباً صادقاً مخلصاً؛ لأن الله -تبارك وتعالى- قال:{قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} فكفى بهذا حضاً وتنبيهاً ودلالة على إلزام محبته ووجوب فرضها وعظم خطرها، واستحقاقه لها-صلى الله عليه وسلم , فعن أنس -رضي الله عنه-قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (( لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين )) ، فالرسول- صلى الله عليه وسلم- يستحق المحبة العظيمة بعد محبة الله -عزوجل-كيف لا وهو من أرانا الله به طريق الخير من طريق الشر، كيف لا وهو من عرفنا بالله –عزوجل-، كيف لا وهو من بسببه اهتدينا إلى الإسلام، أفيكون أحد أعظم محبة بعد الله منه؟!!.
فمحبة النبي صلى الله عليه وسلم ليست مجرد كلمات يرددها الشعراء، أو خطب يتلوها على المنابر الخطباء، ولكن محبته نفحة ربانية وعقيدة إيمانية، يتنافس فيها المتنافسون وإليها يشخص العاملون، فلا يكفي فيها الادعاء باللسان فحسب، بل لا بد أن تكون محبته عليه الصلاة والسلام حياة تعاش، ومنهجاً يتبع، وصدق الله إذ يقول: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)آل عمران/31 .
جاء عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- فقال: "لأنت أحبَّ إلي من كل شيء إلا من نفسي التي بين جنبي" فقال النبي- صلى الله عليه وسلم- : (( لن يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه )). فقال عمر: " والذي أنزل عليك الكتاب لأنت أحب إلي من نفس التي بين جنبي". فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم-: (( الآن يا عمر )), فحب النبي - صلى الله عليه وسلم- يجب أن يكون أعظم حب بعد حب الله تبارك وتعالى، أعظم من حب الولد والوالد، وأعظم من حب الوالدة والإخوة، ومن حب المال والدنيا، وأعظم من حب الزوجة بل أعظم من حب النفس، فإذا لم يكن هذا هو واقع محبة النبي في قلب المسلم فإنه لا يذوق حلاوة سنته، قال سهل: "من لم ير ولاية الرسول- صلى الله عليه وسلم- في جميع الأحوال ويرى نفسه في ملكه - صلى الله عليه وسلم- لا يذوق حلاوة سنته، لأن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: (( لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه )).
وإنّ الصحابةُ -رضي الله عنهم- نالوا الفضلَ لصُحبتهم وإخلاصِهم وسَبقهم في الاستِجابة لله ولرسولِه، فزادَت رِفعتُهم عند الله؛ أُمِرُوا باستِقبال الكعبة فحوَّلُوا وِجهتَهم من بيت المقدِس إليها حينما سمِعوا بتغييرها وهم في الصلاة، ولم يُؤخِرُوا الامتِثالَ إلى الصلاة التي تَليهَا.
ولذا ترجم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم محبته ترجمة عملية، فقد بذلوا أرواحهم ودماءهم وأموالهم رخيصة في سبيل الله وطاعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا له: "يا رسول الله، هذه أموالنا بين يديك، خذ منها ما شئت ودع منها ما شئت، وما أخذته منها كان أحب إلينا مما تركته، وهذه أرواحنا بين يديك، لو استعرضت بنا البحر لخضناه معك ما تخلف منا أحد، إنا والله لَصبرٌ في الحرب صِدق عند اللقاء؛ فامض بنا يا رسول الله حيث أمرك الله" (السيرة النبوية، ابن هشام ج1/ 320).
بأبي وأمي أنت يا خير الورى *** وصلاة ربي والسلام معطرا
يا خاتم الرسل الكرام محمد *** بالوحي والقرآن كنت مطهرا
لك يا رسول الله صدق محبة *** وبفيضها شهد اللسان وعبرا
لك يا رسول الله صدق محبة *** فاقت محبة من على وجه الثرى
لك يا رسول الله صدق محبة *** لا تنتهي أبدا ولن تتغيرا .
نماذج من حب الصحابة للرسول صلى الله عليه وسلم .
وهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه يستأذن النبي صلى الله عليه وسلم في الهجرة، فيقول له:(لا تعجل لعل الله يجعل لك صاحباً). فلما أذن الله عز وجل لنبيه بالهجرة قدم على أبي بكر يخبره بالأمر فقال له أبو بكر: "الصحبة يا رسول الله". فقال له: (الصحبة). تقول السيدة عائشة: "فوالله ما شعرت قط قبل ذلك اليوم أن أحداً يبكي من الفرح حتى رأيت أبا بكر يبكي يومئذ"
(السيرة النبوية، ابن هشام ج1/ 245 ) .
وفي الطريق كان الصديق رضي الله عنه يسير أمام النبي صلى الله عليه وسلم ساعة، ثم من خلفه، ثم عن يمينه، ثم عن شماله، فيسأله النبي صلى الله عليه وسلم عن سبب ذلك، فيقول: "يا رسول الله، أذكر الطلب فأمشي خلفك، وأذكر الرصد فأمشي أمامك". فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (لو كان شيء أأحببت أن تقتل دوني)؟ فقال: "إي والذي بعثك بالحق".
ويقول سيدنا أبو بكر: كنا في الهجرة وأنا عطشان جدا ، فجئت بمذقة لبن فناولتها للرسول صلى الله عليه وسلم، وقلت له :اشرب يا رسول الله، يقول أبو بكر: فشرب النبي صلى الله عليه وسلم حتى ارتويت !!
ويوم فتح مكة أسلم أبو قحافة [ أبو سيدنا أبي بكر ]، وكان إسلامه متأخرا جدا وكان قد عمي، فأخذه سيدنا أبو بكر وذهب به إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليعلن إسلامه ويبايع النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم , يا أبا بكر هلا تركت الشيخ في بيته، فذهبنا نحن إليه ' فقال أبو بكر: لأنت أحق أن يؤتى إليك يا رسول الله .. وأسلم أبو قحافة.. فبكى سيدنا أبو بكر الصديق، فقالوا له : هذا يوم فرحة، فأبوك أسلم ونجا من النار فما الذي يبكيك؟تخيّل .. ماذا قال أبو بكر..؟قال: لأني كنت أحب أن الذي بايع النبي الآن ليس أبي ولكن أبو طالب، لأن ذلك كان سيسعد النبي أكثر ..
وهذا علي بن أبي طالب رضي الله عنه يُسأل: كيف كان حبكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: "كان والله أحب إلينا من أموالنا وأولادنا وأبنائنا وأمهاتنا ومن الماء البارد على الظمأ" (روضة المحبين ونزهة المشتاقين ج1/ 418). وصدق والله رضي الله عنه وأبر، فقد ترجم ذلك عملياً حينما نام في فراش النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الهجرة مع علمه بأن فتية قريش الذين قدموا لقتل النبي صلى الله عليه وسلم ربما يصلوا إليه في أي لحظة، ومع ذلك فإنه قدم نفسه فداء لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
وذاك سواد بن غزيّة يوم غزوة أحد واقف في وسط الجيش فقال النبي صلى الله عليه وسلم للجيش :' استووا.. استقيموا '. فينظر النبي فيرى سوادا لم ينضبط فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ' استو يا سواد' فقال سواد: نعم يا رسول الله ووقف ولكنه لم ينضبط، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم بسواكه ونغز سوادا في بطنه قال: ' استو يا سواد '، فقال سواد: أوجعتني يا رسول الله، وقد بعثك الله بالحق فأقدني !فكشف النبي عن بطنه الشريفة وقال:' اقتص يا سواد'. فانكب سواد على بطن النبي يقبلها .يقول: هذا ما أردت وقال: يا رسول الله أظن أن هذا اليوم يوم شهادة فأحببت أن يكون آخر العهد بك أن تمس جلدي جلدك .
وحتى الصبيان أحبوا رسول الله.. روى البخاري ومسلم من حديث عبدالرحمن بن عوف قال: بينما أنا واقف في الصف يوم بدر إذ التفتُّ عن يميني وعن شمالي، فرأيت غلامين من الأنصار، فغمزني أحدهما سراً من صاحبه وقال لي: يا عم، هل تعرف أبا جهل؟ فقال له عبد الرحمن: نعم، وماذا تصنع بـأبي جهل يا ابن أخي؟! فقال له: لقد سمعت أنه يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد عاهدت الله إن رأيته أن أقتله أو أموت دونه، يقول عبدالرحمن بن عوف: فتعجبت لذلك! يقول: فغمزني الغلام الآخر وقال لي سراً من صاحبه: ياعم، هل تعرف أبا جهل؟ فقلت: نعم يا ابن أخي، وماذا تصنع بـأبي جهل؟! فقال: لقد سمعت أنه يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد عاهدت الله جل وعلا إن رأيته أن أقتله أو أموت دونه. يقول: فتعجبت! والله ما يسرني أني بين رجلين مكانهما، يقول: فنظرت في القوم فرأيت أبا جهل يجول في الناس، فقلت لهما: انظرا هل تريان هذا؟ قالا: نعم. قال: هذا صاحبكما الذي تسألان عنه. يقول: فانقضا عليه مثل الصقرين فقتلاه! وجرى كل منهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقول: يا رسول الله قتلته، والآخر يقول: بل أنا الذي قتلت أبا جهل. فقال النبي لهما: (هل مسحتما سيفيكما؟) قالا: لا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أعطني سيفك). وقال للآخر: (أعطني سيفك). ونظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى السيفين فوجد دم أبي جهل على السيفين، فالتفت إليهما وقال: (كلاكما قتله)!
وأخيرا لا تكن أقل من الجذع....
كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب في مسجده قبل أن يقام المنبر بجوار جذع الشجرة حتى يراه الصحابة.. فيقف النبي صلى الله عليه وسلم يمسك الجذع، فلما بنوا له المنبر ترك الجذع وذهب إلى المنبر 'فسمعنا للجذع أنينا لفراق النبي صلى الله عليه وسلم، فوجدنا النبي صلى الله عليه وسلم ينزل عن المنبر ويعود للجذع ويمسح عليه ويقول له النبي صلى الله عليه وسلم :' ألا ترضى أن تدفن هاهنا وتكون معي في الجنة؟ فسكن الجذع .
نسأل الله عز وجل أن نكون مع الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم يوم القيامة؛ لأنا نُشهد الله ورسوله والدنيا بأسرها بأنا نحب الله ونحب رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وليكن حالنا كما قال الشاعر:
حبي نبي الـهدى ديني وإيمانـي***يسري مع الدم يحيي نبض شرياني
يسمو بنفسي على الدنيا وزخرفها ***وهو السلام على روحي ووجدانـي
وتخشع النفس في محراب سيرته***فأذرفُ الدمعَ من شوق وتـحنـان
هذي الجوارح بالتسبيح لاهجةً***تسبِّح الله في سـري وإعـلانـي
وبالصلاة على المختار من مضر***ما دام للوُرق سجع فوق أغصـان
هو المقدم في نفسي على نفسي*** وأهل بيتـي وأحبابـي وخلانـي .
كتبه الشيخ شرماركي محمد عيسى ( بخاري) .
هـــــــــرجيـــــــــــــسيـــــــــــــــــــا 6/رمضان/1440هـــــــ .
أبـــــو الاثيـــــــــــــــــــــــر الصـــــــــــــــــــــومـــــــالي . ...المزيد
خواطر_رمضانية_5 منابرنا تشتكي . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ إتفق الفقهاء من ...
خواطر_رمضانية_5
منابرنا تشتكي .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إتفق الفقهاء من المذاهب الأربعة على أن الخطبة شرط لصحة صلاة الجمعة ، فهي من ذكر الله الذي أمر الله تعالى بالسعي إليه في قوله سبحانه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ) سورة الجمعة (9) وقد واظب النبي صلى الله عليه وسلم عليها مواظبة تامة ، بل جاء عن بعض الصحابة أن الخطبة هي بدل الركعتين من صلاة الظهر ، كل ذلك يدل على اشتراط الخطبة لصحة صلاة الجمعة وأهميتها فلابد أن تكون الخطبة ما تحصل منه الفائدة وأما ما يصنعه الجهلة عندنا من إقتصار الخطبتين بخمسة دقائق أو أقل فلا تصح أصلا إذ لا توفي غرض الخطبة يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " ولا يكفي في الخطبة ذم الدنيا وذكر الموت ، بل لا بد من مسمى الخطبة عرفا ، ولا تحصل باختصار يفوت به المقصود " انتهى .
فمنابرنا تشتكي من غالب الخطباء فيها فترى في حالنا اليوم خطيب يخطب في صلاة الجمعة في مسجد لا يتجاوز أفراد المصلين فيه ثلاثون فردا فيقرأ عليهم ما يقارب عشرين صفحة من أوراق صورها من كتاب أو سحبها من النت ، أقرب ما تكون إلى مقامات الحريري من السجع والتكلف والتعسف والتمطيط مع الشهيق والزفير وإخراج الحرف من الجوف وآخر الحلق , فتأتي خطبته باردة مثلجة سخيفة سامجة طويلة هزيلة ، ميتة ، لأنها بلا روح ولا تأثير ، وبعد الخطبة يحول التلاوة في المسجد إلى نواح طفل صغير ، ويصرخ في الميكرفون صراخا لو سمعته الحامل لأسقطت جنينها ولأوضعت حملها ، ويجعل التلاوة مثل مقامات المصريين ، حتى ينام الناس وهم وقوف .
ومنهم من يقص على الحاضرين أساطير الأوليين وقصص السالفين ويخرج الخطبة من معناها الأصلي والروحي فيغلب عليه روح الدعابة والضحك كأنه ممثل لفيلم كوميدي ويرتل السماجة والسخافة على الحاضرين ويظنّ نفسه أحد الخطباء البارعين وإذا قيل له إتق الله واشفق علينا أخذته العزة بالإثم ورد عليهم جوابا يفهم منه أن من لم يعجبه أن يصلي معه فليصل في مسجد آخر!
ومنهم من يخطب في قرية صغيرة أو حي فيورد مفاسد العوملة ويصرخ بمقاطعته للتطبيع مع إسرائيل ويفصل القول بالقضايا السياسية العالمية ويهجم على دول وتيارات ويصرخ في وجه من قال له ما هكذا تورد الإبل يا خطيبنا !!
ومنهم من يبدأ بخطبته التطبيل والتبريك للأمراء والسلاطبن ويسرد محاسنهم من يوم ولدته أمه إلى لحظته ذاك ويشبههم بالصحابة والتابعين وينتهي بالدعاء لهم ويوصي الناس بمحبتهم والسمع والطاعة لهم ويلعن في المنبر خصمهم ويشبههم بخصوم الصحابة رضوان الله عليهم علّه أن ينال منهم فضلا أو يكون له عندهم مرتبة أيبتغون عندهم العزة فإنّ العزة لله جميعا وهذا من البدع والحوادث بعد الرسول صلى الله عليه وسلم يقول الإمام النووي رحمه الله ( يكره في الخطبة أمور ابتدعها الجهله منها المجازفة في أوصاف السلاطين في الدعاء لهم . وأما أصل الدعاء للسلطان ، فقد ذكر صاحب (المهذب ) وغيره : أنه مكروه . والاختيار : أنه لا بأس به إذا لم يكن فيه مجازفة في وصفه ، ولا نحو ذلك ، فإنه يستحب الدعاء بصلاح ولاة الأمر ) .
ومنهم من غلب عليه اليأس والقنوط ويورد مآسي الأمة الإسلامية وويلات الشعوب من الظلمة ويختم بخطبته الصلاة والسلام على الرسول صلى الله عليه وسلم بدون بشارة للأمة ويثبط الناس ويجعلهم رعاعا وغثاء كغثاء السيل نسأل الله العافية .
وما أحسنه من خطيب ذاك الذي فهم واقع المخطوبين ووعى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عليه الصلاة والسلام: «يا أيها الناس إن منكم منفرين فأيكم أم الناس فليتجوز، فإن من ورائه الكبير والصغير وذا الحاجة» (متفق عليه)، وغضب صلى الله عليه وسلم على معاذ بن جبل، لما طول بالناس في الصلاة، وقال: «أفتان أنت يا معاذ؟» ثلاثا، (أخرجه الشيخان).
كتبه الشيخ :
شـــــرماركي محمد عيـــــــــــــــسى (بخاري )
هرجيـــــــــــــسيــــــــــا 5/ رمضان /1440 هـــــ
أبــــــــو الأثيـــــــــــــــــــر الصــــــــــــــــومالي . ...المزيد
منابرنا تشتكي .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إتفق الفقهاء من المذاهب الأربعة على أن الخطبة شرط لصحة صلاة الجمعة ، فهي من ذكر الله الذي أمر الله تعالى بالسعي إليه في قوله سبحانه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ) سورة الجمعة (9) وقد واظب النبي صلى الله عليه وسلم عليها مواظبة تامة ، بل جاء عن بعض الصحابة أن الخطبة هي بدل الركعتين من صلاة الظهر ، كل ذلك يدل على اشتراط الخطبة لصحة صلاة الجمعة وأهميتها فلابد أن تكون الخطبة ما تحصل منه الفائدة وأما ما يصنعه الجهلة عندنا من إقتصار الخطبتين بخمسة دقائق أو أقل فلا تصح أصلا إذ لا توفي غرض الخطبة يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " ولا يكفي في الخطبة ذم الدنيا وذكر الموت ، بل لا بد من مسمى الخطبة عرفا ، ولا تحصل باختصار يفوت به المقصود " انتهى .
فمنابرنا تشتكي من غالب الخطباء فيها فترى في حالنا اليوم خطيب يخطب في صلاة الجمعة في مسجد لا يتجاوز أفراد المصلين فيه ثلاثون فردا فيقرأ عليهم ما يقارب عشرين صفحة من أوراق صورها من كتاب أو سحبها من النت ، أقرب ما تكون إلى مقامات الحريري من السجع والتكلف والتعسف والتمطيط مع الشهيق والزفير وإخراج الحرف من الجوف وآخر الحلق , فتأتي خطبته باردة مثلجة سخيفة سامجة طويلة هزيلة ، ميتة ، لأنها بلا روح ولا تأثير ، وبعد الخطبة يحول التلاوة في المسجد إلى نواح طفل صغير ، ويصرخ في الميكرفون صراخا لو سمعته الحامل لأسقطت جنينها ولأوضعت حملها ، ويجعل التلاوة مثل مقامات المصريين ، حتى ينام الناس وهم وقوف .
ومنهم من يقص على الحاضرين أساطير الأوليين وقصص السالفين ويخرج الخطبة من معناها الأصلي والروحي فيغلب عليه روح الدعابة والضحك كأنه ممثل لفيلم كوميدي ويرتل السماجة والسخافة على الحاضرين ويظنّ نفسه أحد الخطباء البارعين وإذا قيل له إتق الله واشفق علينا أخذته العزة بالإثم ورد عليهم جوابا يفهم منه أن من لم يعجبه أن يصلي معه فليصل في مسجد آخر!
ومنهم من يخطب في قرية صغيرة أو حي فيورد مفاسد العوملة ويصرخ بمقاطعته للتطبيع مع إسرائيل ويفصل القول بالقضايا السياسية العالمية ويهجم على دول وتيارات ويصرخ في وجه من قال له ما هكذا تورد الإبل يا خطيبنا !!
ومنهم من يبدأ بخطبته التطبيل والتبريك للأمراء والسلاطبن ويسرد محاسنهم من يوم ولدته أمه إلى لحظته ذاك ويشبههم بالصحابة والتابعين وينتهي بالدعاء لهم ويوصي الناس بمحبتهم والسمع والطاعة لهم ويلعن في المنبر خصمهم ويشبههم بخصوم الصحابة رضوان الله عليهم علّه أن ينال منهم فضلا أو يكون له عندهم مرتبة أيبتغون عندهم العزة فإنّ العزة لله جميعا وهذا من البدع والحوادث بعد الرسول صلى الله عليه وسلم يقول الإمام النووي رحمه الله ( يكره في الخطبة أمور ابتدعها الجهله منها المجازفة في أوصاف السلاطين في الدعاء لهم . وأما أصل الدعاء للسلطان ، فقد ذكر صاحب (المهذب ) وغيره : أنه مكروه . والاختيار : أنه لا بأس به إذا لم يكن فيه مجازفة في وصفه ، ولا نحو ذلك ، فإنه يستحب الدعاء بصلاح ولاة الأمر ) .
ومنهم من غلب عليه اليأس والقنوط ويورد مآسي الأمة الإسلامية وويلات الشعوب من الظلمة ويختم بخطبته الصلاة والسلام على الرسول صلى الله عليه وسلم بدون بشارة للأمة ويثبط الناس ويجعلهم رعاعا وغثاء كغثاء السيل نسأل الله العافية .
وما أحسنه من خطيب ذاك الذي فهم واقع المخطوبين ووعى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عليه الصلاة والسلام: «يا أيها الناس إن منكم منفرين فأيكم أم الناس فليتجوز، فإن من ورائه الكبير والصغير وذا الحاجة» (متفق عليه)، وغضب صلى الله عليه وسلم على معاذ بن جبل، لما طول بالناس في الصلاة، وقال: «أفتان أنت يا معاذ؟» ثلاثا، (أخرجه الشيخان).
كتبه الشيخ :
شـــــرماركي محمد عيـــــــــــــــسى (بخاري )
هرجيـــــــــــــسيــــــــــا 5/ رمضان /1440 هـــــ
أبــــــــو الأثيـــــــــــــــــــر الصــــــــــــــــومالي . ...المزيد
#خواطر_رمضانية_4) صقر قريش ...... ودرس في بناء ...
#خواطر_رمضانية_4)
صقر قريش ...... ودرس في بناء الدولة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المكان هو مكة المكرمة، الزمان موسم حج 147 هـ، يدلف الخادم إلى مجلس الخليفة أبي جعفر المنصور، في حالة لم يُشاهَد على مثلها من قبل من الاضطراب، واصفرار الوجه، وكأنه فُجِعَ بألف مصيبة في نفس اللحظة. يحاول الرجل إخبار سيده بما حدث؛ فيتلعثم؛ فيشتاط أبو جعفر غضبًا. هنا لا يجد الرجل ردًا أبلغ من أن يفتح الصندوق الذي بحوزته، ويضعه في نطاق رؤية الخليفة العباسي، والذي أصابه وابل من مزيج من الذهول والامتعاض مما رأى، وحُقَّ له ذلك وأكثر.
كان الصندوق العجيب يحتوي رأسًا بشريُا بدت عليه علامات التحلل، وكان أشد ما أفزع أبا جعفر أنه رغم ذلك استطاع أن يعرف صاحب هذه الرأس جيدًا: فقد كان هو نفسه – أبو جعفر – السبب في ذلك المصير الذي انتهى إليه صاحب هذه الرأس. العلاء بن مغيث القحطاني، الذي أرسله المنصور إلى أقصى غرب العالم الإسلامي، وراء البحر، ومنحه راية العباسيين ، وكتاب الخليفة العباسي يمنحه ولاية الأندلس، يكاد ينفرد بسلطانها، وتوزيع ثرواتها، مقابل إخضاعها ولو اسمًا لسلطة العباسيين.
كان هذا المشهد السابق – طبقًا لأشهر رواية تاريخية – هو السبب في ظهور اللقب الشهير «صقر قريش»، والذي وُصِفَ به رجل استثنائي. وأقوى من اللقب أنه انتزعه في شهادة تاريخية من ألد خصومه الذي ذُبِحَ أهل بيته بسلطانه، وأن ذلك كان في سياق انتصار ساحق أمعن فيه في الأخذ بثأره .
______________________________________________________________________________
#صقر_قريش_وبناء_الدولة.
بعد سقوط دولة أجداده وفراره من الموت المحتم عليه وإختبائه عند خواله البربر دخل إلى الأندلس ففرضَ نفسه رجل دولة منذ اليوم الأول لدخوله عاصمة الأندلس ، فكبح رجاله خاصة اليمنية الموتورين ، عن أية أعمال انتقامية تجاه ممتلكات المنهزمين وحُرَمِهِم ؛ مما أعلى أسهمه كثيرًا لدى عامة أهل قرطبة، وجعل منه أميرًا للجميع ، لكن كان لهذا الموقف ثمنه من ولاء هؤلاء الموتورين الذين حرمهم من لحظة انتقامية عاتية ، لكن لم يكن ما سبق هو خاتمة رحلته أبدًا ، بل كان أول فصولها فحان وقت بناء دولة في الأندلس المشهورة بالثورات والفتن ولم تكن هذه أبدًا بالمهمة السهلة. كانت الجزيرة تموج بالكثير من الثارات، والزعامات المحلية، والصدامات العرقية والقبلية بين العرب والبربر وسكان الجزيرة، وفوق كل ما سبق، واستغلالًا لانكفاء المسلمين جنوبًا في حروبهم الأهلية، تتمدد شمالًا الدويلات الإسبانية المسيحية، والتي كانت تتربص بالفاتحين الدوائر، وتتصيَّد الفرص للانقضاض جنوبًا، وتحلم بيوم تلقيهم فيه في البحر من حيث أتوا مع طارق قبل نصف قرن .
ومن المعروف عند المتأخرين لم يتورع عبد الرحمن عن استخدام كل ما ينبغي استخدامه لتوحيد الأندلس تحت طاعته، فقمع الثوراث والفتن المتلاحقة بالسيف وبالتدبير، وكان يحاول في البداية عدم الإسراف في السطوة على مخالفيه، لكن تغيرت ردة فعله تدريجيًا مع تفاقم الثورات والاضطرابات، والتي قدَّرها جُلُّ المؤرخين بأكثر من 25 ثورةً وتمردًا خلال سنوات حكمه للأندلس، والتي ستصل إلى 34 عامًا (138هـ – 172هـ).
وتنوَّعت دوافعها ، بين المطامع السياسية المعتادة لزعامات محلية منافسة لحكم عبد الرحمن المركزي، وثورات ذات دوافع قبلية عربية كثورات المضرية، ثم اليمنية ، وثورات للبربر…إلخ، لكن عمومًا لم تكن تلك الثورات ذات مطالب شعبية عامة؛ فقد كان عامة سكان الأندلس، حتى غير المسلمين منهم، راضين عن حكم عبد الرحمن؛ لأنهم وجدوا فيه الأمل الوحيد في توحيد الجزيرة، وبث الاستقرار طويل الأمد في ربوعها، وعزَّز من سيادة هذا الرأي ما أظهره عبد الرحمن ورجاله من جهد في إدارة الدولة، والتوسع في العمران، والحفاظ على علاقة متزنة مع كافة الأحزاب الأندلسية .
ولكن الصدمة أن بني العباس أرسلوا إلى الاندلس .
في بداية الأمر لم يكن يعلم الكثيرون أن الاتفاق بين الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور، والعلاء بن مغيث، كان ينص على شبه استقلال العلاء بحكم الأندلس وخراجها، مقابل الدعوة الاسمية لبني العباس فيها! أي أن الأمر كان أقرب إلى عملية انتقامية ضد أحد فلول أعدائهم الأمويين .
استمرَّ الحصار في قرمونة أسابيع. مع مرور الوقت، كان موقع العلاء بن مغيث يهتز؛ فهو وجنوده عاجزون عن اقتحام القلعة الحصينة، وفي المقابل يخشون من رفع الحصار والتوغل في الأندلس، حتى لا ينقض عليهم عبد الرحمن من الخلف. أعلم العيونُ عبد الرحمنَ بشيوع التململ والاضطراب في معسكر العلاء؛ فبادر بقرار جريء لاستغلال اللحظة الراهنة، فخطب في جنوده خطبة حماسية، وأعلن أنه سيخرج لحرب قوات الحصار بنفسه، ورفع سيفه وألقى الغمد في النار دلالة على عدم التراجع، وطلب ألا يخرج معه أحد مجبرًا. فانضم إليه حوالي 700 من أشد جنوده إخلاصًا وولاءً، وفعلوا مثل أميرهم، وخرجوا من أبواب القلعة يقصدون عساكر العلاء.
نزل الهجوم كالصاعقة على العلاء وجنوده، رغم الفارق العددي الكبير لصالحهم؛ إذ توقعوا أن يظل عبد الرحمن متحصنًا في قلعته، متجنبًا المواجهة المباشرة. انهار جيش العلاء، وسقط قائده والكثير من معاونيه صرعى، وأمر عبد الرحمن بقتل من وقع من جنود العلاء في الأسر.
أمر عبد الرحمن بحشو رأس العلاء بالملح لحفظها وإرسالها في صندوق إلى الشرق، إلى أبي جعفر المنصور، وبالفعل تمكَّن بعض ثقاته من إلقائها قرب خيمة أبي جعفر في مكة المكرمة أثناء الحج. ما إن رأى أبو جعفر الرأس حتى صاح في مزيج من الغضب والفزع: «ما في هذا الشيطان مطمح، فالحمد لله الذي جعل بيننا وبينه البحر!».
استمرّ عبد الرحمن في إدارة الدولة بنفس الحزم، وواصل قمع الثورات والتمردات بلا هوادة ؛ حتى وصل به هذا إلى قتل بعض أهل بيته ممن حاولوا التمرد على حكمه , كذلك استحدث عبد الرحمن سياسة جديدة ليجعل لدولته جنودها المخلصين المتحررين من الولاءات العرقية والقبلية والمناطقية ، فأكثر من جلب العبيد الصغار من أسواق الرقيق في كافة أرجاء أوروبا ؛ ليتم تأسيسهم منذ نعومة أظفارهم على الإسلام ، والولاء للدولة وأميرها ، فنشأ مع مرور الوقت طبقة الصقالبة التي كانت تشكل العمود الفقري للحكومة الأموية في الأندلس ، فمنها الحرس الخاص للأمير ، ومنها الدائرة المقربة من الخدم والحشم التي تدير القصور الأميرية ، وتسهر على شئونها.
توفؤ عبد الرحمن عام 172هـ، مُخلِّفًا دولة مركزية قوية بالأندلس، تخضع رغبًا ورهبًا ليد قرطبة الحازمة، وخلفه على العرش ابنه هشام بن عبد الرحمن، والذي سار على منوال أبيه في خطا البناء والعمران ، ومواجهة الثورات والتمردات ، واستمر نسل عبد الرحمن الداخل في حكم الأندلس قرنين ونصف من الزمان غلب عليها قوة الدولة ، والتوسع في العمران ، وتحجيم مد الدويلات المسيحية الشمالية بالحملات العسكرية المتتابعة .
يقول المؤرخون إنّ خطوات عبدالرحمن إبن معاوية إبن هشام إبن عبدالملك المعروف بالداخل الملقب بصقر قريش كانت خطواتا ذات تركيز عالي وطموحه في تأسيس الدولة كان عاليا ولم يدخر جهدا يبذله أحد إلا وحاول عليه ولم تمر عليه فرصة إلا وأستفاد منها على أحسن وجه فأصبح موحد الجزيرة الإسلامية البعيدة عن الأراضي الإسلامية الأخرى النائية عنها قدّم مصلحة الدولة على كلّ شىء حتى كلّف ذالك بعض دماء أبناء أخيه الذين حاولو التمرد على سلطته ومن أهم ما نلاخظ على عملية تاسيس دولته ما يلي :
• الإستفادة من تفرق أصحاب البلد وتعصب بعضهم على بعض ودوام الثورات والحروب العصبية بينهم فانحازه إلى موالي بني أمية وإلى بعض القبائل اليمنية المتمركزة في الجزيرة الخضراء للوصول إلى سدة الحكم وإلى تأسيس دولة شاملة عادلة ذات شرعية ونفوذ واسع فالعقلاء دائما يقرأون الأحداث والواقع ويجعلونها تمشي لصالحهم ويستفيدون الفرص مع توخيهم الحذر من التحديات والصعوبات .
• ولما مكنه الله من أعدائه وأصبح أميرا لتلك البلاد وصاحبا لها لم يرجع إلى العصبية الهوجاء ولم يشتغل تصفية الحسابات القديمة بل دعل لنفسه جيشا لا ينتمي إلا إلى دولته ولا يعرفون سندا إلا هو فشرع يجمع الغلمان والرقيق من كل مكان ويجعلونهم من الجيش ويربينهم على ولاء الدين والوطن وأن الدين فوق كل شىء .
وهكذا بنى عبدالرحمن الداخل ( صقر قريش ) دولة قامت بعده بقرون وأصبحت من الدول المهتمة تاريخيا .
ومن أهم أعماله بعد ان إنتهى من أمر الثورات وأستتب له الامر قام لتطوير البلاد قكان من أهم أعماله :
أولاً: إنشاء جيش قوي وفي بنائه لجيشه الجديد عمل على ما يلي:
• اعتمد في تكوين جيشه على العناصر التالية :
أ - اعتمد في الأساس على عنصر المولَّدين، وهم الذين نَشَئُوا نتيجة انصهار وانخراط الفاتحين بالسكان الأصليين من أهل الأندلس.
ب - اعتمد كذلك على كل الفصائل والقبائل الموجودة في بلاد الأندلس، فضمَّ إليه كل الفصائل المُضَرِيَّة؛ سواء كانت من بني أمية أو من غير بني أمية، إلاَّ أنه بعد ثورة اليمانية لمقتل أبي الصباح اليحصبي صار لا يطمئن إلى العرب، فأكثر مِنَ اتخاذ المماليك من غير العرب لا سيما البربر، حتى صار له منهم أربعون ألفًا، وبهم استقرَّ ملكه .
ج - كذلك اعتمد على عنصر الصقالبة , وهم أطفالٌ نصارى كان قد اشتراهم عبد الرحمن الداخل من أوربا، ثم قام بتربيتهم وتنشئتهم تنشئةً إسلامية عسكرية صحيحة.
وبرغم قدوم عبد الرحمن الداخل إلى الأندلس وحيدًا، فقد وصل تعداد الجيش الإسلامي في عهده إلى مائة ألف فارسٍ غير الرجَّالة، مشكَّلاً من كل هذه العناصر السابقة، والتي ظلَّت عمادَ الجيش الإسلامي في الأندلس لدى أتباع وخلفاء وأمراء بني أمية من بعده.
2- إنشاء المصانع ودور الأسلحة
أنشأ عبد الرحمن الداخل -صقر قريش- دُورًا للأسلحة؛ فأنشأ مصانع السيوف ومصانع المنجنيق، وكان من أشهر هذه المصانع مصانع طُلَيْطلَة ومصانع برديل.
3- إنشاء أسطول بحري قوي
• أنشأ -أيضًا- أسطولاً بحريًّا قويًّا، بالإضافة إلى إنشاء أكثر من ميناء؛ كان منها ميناء طُرْطُوشة وألمَرِيَّة وإِشْبِيلِيَة وبَرْشُلُونَة وغيرها من المواني.
4- تقسيم ميزانية الدولة
كان عبد الرحمن الداخل يُقَسِّم ميزانية الدولة السنوية إلى ثلاثة أقسام : قسم يُنفقه بكامله على الجيش، والقسم الثاني لأمور الدولة العامَّة من مؤنٍ ومعمارٍ ومرتباتٍ ومشاريعَ وغير ذلك، والقسم الأخير كان يدَّخره لنوائب الزمان غير المتوقَّعة.
5- الاهتمام بالعلمَ والجانبَ الدينيَّ
أعطى عبد الرحمن الداخل العلم والجانب الديني المكانة اللائقة بهما؛ فعمل على الآتي:
• - نَشْر العلم وتوقير العلماء.
• - اهتمَّ بالقضاء والحسبة.
• - اهتمَّ بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
• - كان من أعظم أعماله في الناحية الدينية بناء مسجد قُرْطُبَة الكبير، والذي أنفق على بنائه ثمانين ألفًا من الدنانير الذهبية، وقد تنافس الخلفاء من بعده على زيادة حجمه؛ حتى تعاقب على اكتماله في شكله الأخير ثمانية من خلفاء بني أميَّة .
• وكان من العلماء في أيامه معاوية بن صالح بن حدير بن سعيد الحضرمي، وكان من جِلَّة أهل العلم ومن كبار المحدِّثين، وقد أخذ عنه جملة من الأئمة؛ منهم: سفيان الثوري، وابن عيينة، والليث بن سعد، ويُذْكَر أن مالك بن أنس قد روى عنه حديثًا، وكان عبد الرحمن الداخل قد ولاَّه القضاء.
• وكان من علماء الأندلس في عهده -أيضًا- سعيد بن أبي هند، والذي لَقَّبه الإمام مالك بن أنس / بالحكيم؛ لِمَا عُرِفَ عنه من رجاحة عقله، وقد توفي أيام الداخل .
6- العناية الكبيرة بالجانب الحضاري المادي ويبرز ذلك في الجوانب التالية :
• - اهتمامه الكبير بالإنشاء والتعمير، وتشييد الحصون والقلاع والقناطر، وربطه أول الأندلس بآخرها.
• - إنشاؤه الرُّصَافة، وهي من أكبر الحدائق في الإسلام، وقد أنشأها على غِرار الرصافة التي كانت بالشام، والتي أسَّسها جدُّه هشام بن عبد الملك -رحمه الله، وقد أتى لها عبد الرحمن بالنباتات العجيبة من كل بلاد العالم، فإذا نجحت زراعتها في الرصافة فإنها تنتشر في الأندلس كلها
7- حماية حدود دولته من أطماع الأعداء :
• بالإضافة إلى إعداده جيشًا قويًّا -كما أوضحنا سابقًا- وتأمينًا لحدود دولته الجديدة قام عبد الرحمن الداخل بخوض مرحلتين مهمتين:
• المرحلة الأولى: كان عبد الرحمن الداخل يعلم أن الخطر الحقيقي إنما يكمن في دولتي ليون في الشمال الغربي، وفرنسا في الشمال الشرقي من بلاد الأندلس، فقام بتنظيم الثغور في الشمال، ووضع جيوشًا ثابتةً على هذه الثغور المقابلة لهذه البلاد النصرانية، وهي :
• - الثغر الأعلى؛ وهو ثغر سَرَقُسْطَة في الشمال الشرقي في مواجهة فرنسا.
• - الثغر الأوسط؛ ويبدأ من مدينة سالم ويمتدُّ حتى طُليْطلَة.
• - الثغر الأدنى؛ وهو في الشمال الغربي في مواجهة مملكة ليون النصرانية.
المرحلة الثانية : كان عبد الرحمن الداخل –رحمه الله- قد تعلَّم من آبائه وأجداده عادة عظيمة، وهي عادة الجهاد المستمرِّ وبصورة منتظمة كل عام، فقد اشتُهِرَت الصوائفُ في عهده؛ حيث كان المسلمون يخرجون للجهاد في الصيف وبصورة منتظمة؛ وذلك حين يذوب الجليد، وكان يتناوب عليهم فيها كبار قوَّاد الجيش، بهدف الإرباك الدائم للعدوِّ، وهو ما يُسمُّونه الآن في العلوم العسكرية بالهجوم الإجهاضي المسبق .
وهكذا أصبح عبدالرحمن الداخل أسطورة في بناء الدول وتأسيسها .
كتبه الشيخ شرماركي محمد عيسى ( بــــــخـــــــــــــــاري )
هـــــــــــــــــــــــرجيـــــــــــــــسيــــــــــــا ــــــ 1440 هـــــــــــــــــــــ.
#خواطر_رمضانية. ...المزيد
صقر قريش ...... ودرس في بناء الدولة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المكان هو مكة المكرمة، الزمان موسم حج 147 هـ، يدلف الخادم إلى مجلس الخليفة أبي جعفر المنصور، في حالة لم يُشاهَد على مثلها من قبل من الاضطراب، واصفرار الوجه، وكأنه فُجِعَ بألف مصيبة في نفس اللحظة. يحاول الرجل إخبار سيده بما حدث؛ فيتلعثم؛ فيشتاط أبو جعفر غضبًا. هنا لا يجد الرجل ردًا أبلغ من أن يفتح الصندوق الذي بحوزته، ويضعه في نطاق رؤية الخليفة العباسي، والذي أصابه وابل من مزيج من الذهول والامتعاض مما رأى، وحُقَّ له ذلك وأكثر.
كان الصندوق العجيب يحتوي رأسًا بشريُا بدت عليه علامات التحلل، وكان أشد ما أفزع أبا جعفر أنه رغم ذلك استطاع أن يعرف صاحب هذه الرأس جيدًا: فقد كان هو نفسه – أبو جعفر – السبب في ذلك المصير الذي انتهى إليه صاحب هذه الرأس. العلاء بن مغيث القحطاني، الذي أرسله المنصور إلى أقصى غرب العالم الإسلامي، وراء البحر، ومنحه راية العباسيين ، وكتاب الخليفة العباسي يمنحه ولاية الأندلس، يكاد ينفرد بسلطانها، وتوزيع ثرواتها، مقابل إخضاعها ولو اسمًا لسلطة العباسيين.
كان هذا المشهد السابق – طبقًا لأشهر رواية تاريخية – هو السبب في ظهور اللقب الشهير «صقر قريش»، والذي وُصِفَ به رجل استثنائي. وأقوى من اللقب أنه انتزعه في شهادة تاريخية من ألد خصومه الذي ذُبِحَ أهل بيته بسلطانه، وأن ذلك كان في سياق انتصار ساحق أمعن فيه في الأخذ بثأره .
______________________________________________________________________________
#صقر_قريش_وبناء_الدولة.
بعد سقوط دولة أجداده وفراره من الموت المحتم عليه وإختبائه عند خواله البربر دخل إلى الأندلس ففرضَ نفسه رجل دولة منذ اليوم الأول لدخوله عاصمة الأندلس ، فكبح رجاله خاصة اليمنية الموتورين ، عن أية أعمال انتقامية تجاه ممتلكات المنهزمين وحُرَمِهِم ؛ مما أعلى أسهمه كثيرًا لدى عامة أهل قرطبة، وجعل منه أميرًا للجميع ، لكن كان لهذا الموقف ثمنه من ولاء هؤلاء الموتورين الذين حرمهم من لحظة انتقامية عاتية ، لكن لم يكن ما سبق هو خاتمة رحلته أبدًا ، بل كان أول فصولها فحان وقت بناء دولة في الأندلس المشهورة بالثورات والفتن ولم تكن هذه أبدًا بالمهمة السهلة. كانت الجزيرة تموج بالكثير من الثارات، والزعامات المحلية، والصدامات العرقية والقبلية بين العرب والبربر وسكان الجزيرة، وفوق كل ما سبق، واستغلالًا لانكفاء المسلمين جنوبًا في حروبهم الأهلية، تتمدد شمالًا الدويلات الإسبانية المسيحية، والتي كانت تتربص بالفاتحين الدوائر، وتتصيَّد الفرص للانقضاض جنوبًا، وتحلم بيوم تلقيهم فيه في البحر من حيث أتوا مع طارق قبل نصف قرن .
ومن المعروف عند المتأخرين لم يتورع عبد الرحمن عن استخدام كل ما ينبغي استخدامه لتوحيد الأندلس تحت طاعته، فقمع الثوراث والفتن المتلاحقة بالسيف وبالتدبير، وكان يحاول في البداية عدم الإسراف في السطوة على مخالفيه، لكن تغيرت ردة فعله تدريجيًا مع تفاقم الثورات والاضطرابات، والتي قدَّرها جُلُّ المؤرخين بأكثر من 25 ثورةً وتمردًا خلال سنوات حكمه للأندلس، والتي ستصل إلى 34 عامًا (138هـ – 172هـ).
وتنوَّعت دوافعها ، بين المطامع السياسية المعتادة لزعامات محلية منافسة لحكم عبد الرحمن المركزي، وثورات ذات دوافع قبلية عربية كثورات المضرية، ثم اليمنية ، وثورات للبربر…إلخ، لكن عمومًا لم تكن تلك الثورات ذات مطالب شعبية عامة؛ فقد كان عامة سكان الأندلس، حتى غير المسلمين منهم، راضين عن حكم عبد الرحمن؛ لأنهم وجدوا فيه الأمل الوحيد في توحيد الجزيرة، وبث الاستقرار طويل الأمد في ربوعها، وعزَّز من سيادة هذا الرأي ما أظهره عبد الرحمن ورجاله من جهد في إدارة الدولة، والتوسع في العمران، والحفاظ على علاقة متزنة مع كافة الأحزاب الأندلسية .
ولكن الصدمة أن بني العباس أرسلوا إلى الاندلس .
في بداية الأمر لم يكن يعلم الكثيرون أن الاتفاق بين الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور، والعلاء بن مغيث، كان ينص على شبه استقلال العلاء بحكم الأندلس وخراجها، مقابل الدعوة الاسمية لبني العباس فيها! أي أن الأمر كان أقرب إلى عملية انتقامية ضد أحد فلول أعدائهم الأمويين .
استمرَّ الحصار في قرمونة أسابيع. مع مرور الوقت، كان موقع العلاء بن مغيث يهتز؛ فهو وجنوده عاجزون عن اقتحام القلعة الحصينة، وفي المقابل يخشون من رفع الحصار والتوغل في الأندلس، حتى لا ينقض عليهم عبد الرحمن من الخلف. أعلم العيونُ عبد الرحمنَ بشيوع التململ والاضطراب في معسكر العلاء؛ فبادر بقرار جريء لاستغلال اللحظة الراهنة، فخطب في جنوده خطبة حماسية، وأعلن أنه سيخرج لحرب قوات الحصار بنفسه، ورفع سيفه وألقى الغمد في النار دلالة على عدم التراجع، وطلب ألا يخرج معه أحد مجبرًا. فانضم إليه حوالي 700 من أشد جنوده إخلاصًا وولاءً، وفعلوا مثل أميرهم، وخرجوا من أبواب القلعة يقصدون عساكر العلاء.
نزل الهجوم كالصاعقة على العلاء وجنوده، رغم الفارق العددي الكبير لصالحهم؛ إذ توقعوا أن يظل عبد الرحمن متحصنًا في قلعته، متجنبًا المواجهة المباشرة. انهار جيش العلاء، وسقط قائده والكثير من معاونيه صرعى، وأمر عبد الرحمن بقتل من وقع من جنود العلاء في الأسر.
أمر عبد الرحمن بحشو رأس العلاء بالملح لحفظها وإرسالها في صندوق إلى الشرق، إلى أبي جعفر المنصور، وبالفعل تمكَّن بعض ثقاته من إلقائها قرب خيمة أبي جعفر في مكة المكرمة أثناء الحج. ما إن رأى أبو جعفر الرأس حتى صاح في مزيج من الغضب والفزع: «ما في هذا الشيطان مطمح، فالحمد لله الذي جعل بيننا وبينه البحر!».
استمرّ عبد الرحمن في إدارة الدولة بنفس الحزم، وواصل قمع الثورات والتمردات بلا هوادة ؛ حتى وصل به هذا إلى قتل بعض أهل بيته ممن حاولوا التمرد على حكمه , كذلك استحدث عبد الرحمن سياسة جديدة ليجعل لدولته جنودها المخلصين المتحررين من الولاءات العرقية والقبلية والمناطقية ، فأكثر من جلب العبيد الصغار من أسواق الرقيق في كافة أرجاء أوروبا ؛ ليتم تأسيسهم منذ نعومة أظفارهم على الإسلام ، والولاء للدولة وأميرها ، فنشأ مع مرور الوقت طبقة الصقالبة التي كانت تشكل العمود الفقري للحكومة الأموية في الأندلس ، فمنها الحرس الخاص للأمير ، ومنها الدائرة المقربة من الخدم والحشم التي تدير القصور الأميرية ، وتسهر على شئونها.
توفؤ عبد الرحمن عام 172هـ، مُخلِّفًا دولة مركزية قوية بالأندلس، تخضع رغبًا ورهبًا ليد قرطبة الحازمة، وخلفه على العرش ابنه هشام بن عبد الرحمن، والذي سار على منوال أبيه في خطا البناء والعمران ، ومواجهة الثورات والتمردات ، واستمر نسل عبد الرحمن الداخل في حكم الأندلس قرنين ونصف من الزمان غلب عليها قوة الدولة ، والتوسع في العمران ، وتحجيم مد الدويلات المسيحية الشمالية بالحملات العسكرية المتتابعة .
يقول المؤرخون إنّ خطوات عبدالرحمن إبن معاوية إبن هشام إبن عبدالملك المعروف بالداخل الملقب بصقر قريش كانت خطواتا ذات تركيز عالي وطموحه في تأسيس الدولة كان عاليا ولم يدخر جهدا يبذله أحد إلا وحاول عليه ولم تمر عليه فرصة إلا وأستفاد منها على أحسن وجه فأصبح موحد الجزيرة الإسلامية البعيدة عن الأراضي الإسلامية الأخرى النائية عنها قدّم مصلحة الدولة على كلّ شىء حتى كلّف ذالك بعض دماء أبناء أخيه الذين حاولو التمرد على سلطته ومن أهم ما نلاخظ على عملية تاسيس دولته ما يلي :
• الإستفادة من تفرق أصحاب البلد وتعصب بعضهم على بعض ودوام الثورات والحروب العصبية بينهم فانحازه إلى موالي بني أمية وإلى بعض القبائل اليمنية المتمركزة في الجزيرة الخضراء للوصول إلى سدة الحكم وإلى تأسيس دولة شاملة عادلة ذات شرعية ونفوذ واسع فالعقلاء دائما يقرأون الأحداث والواقع ويجعلونها تمشي لصالحهم ويستفيدون الفرص مع توخيهم الحذر من التحديات والصعوبات .
• ولما مكنه الله من أعدائه وأصبح أميرا لتلك البلاد وصاحبا لها لم يرجع إلى العصبية الهوجاء ولم يشتغل تصفية الحسابات القديمة بل دعل لنفسه جيشا لا ينتمي إلا إلى دولته ولا يعرفون سندا إلا هو فشرع يجمع الغلمان والرقيق من كل مكان ويجعلونهم من الجيش ويربينهم على ولاء الدين والوطن وأن الدين فوق كل شىء .
وهكذا بنى عبدالرحمن الداخل ( صقر قريش ) دولة قامت بعده بقرون وأصبحت من الدول المهتمة تاريخيا .
ومن أهم أعماله بعد ان إنتهى من أمر الثورات وأستتب له الامر قام لتطوير البلاد قكان من أهم أعماله :
أولاً: إنشاء جيش قوي وفي بنائه لجيشه الجديد عمل على ما يلي:
• اعتمد في تكوين جيشه على العناصر التالية :
أ - اعتمد في الأساس على عنصر المولَّدين، وهم الذين نَشَئُوا نتيجة انصهار وانخراط الفاتحين بالسكان الأصليين من أهل الأندلس.
ب - اعتمد كذلك على كل الفصائل والقبائل الموجودة في بلاد الأندلس، فضمَّ إليه كل الفصائل المُضَرِيَّة؛ سواء كانت من بني أمية أو من غير بني أمية، إلاَّ أنه بعد ثورة اليمانية لمقتل أبي الصباح اليحصبي صار لا يطمئن إلى العرب، فأكثر مِنَ اتخاذ المماليك من غير العرب لا سيما البربر، حتى صار له منهم أربعون ألفًا، وبهم استقرَّ ملكه .
ج - كذلك اعتمد على عنصر الصقالبة , وهم أطفالٌ نصارى كان قد اشتراهم عبد الرحمن الداخل من أوربا، ثم قام بتربيتهم وتنشئتهم تنشئةً إسلامية عسكرية صحيحة.
وبرغم قدوم عبد الرحمن الداخل إلى الأندلس وحيدًا، فقد وصل تعداد الجيش الإسلامي في عهده إلى مائة ألف فارسٍ غير الرجَّالة، مشكَّلاً من كل هذه العناصر السابقة، والتي ظلَّت عمادَ الجيش الإسلامي في الأندلس لدى أتباع وخلفاء وأمراء بني أمية من بعده.
2- إنشاء المصانع ودور الأسلحة
أنشأ عبد الرحمن الداخل -صقر قريش- دُورًا للأسلحة؛ فأنشأ مصانع السيوف ومصانع المنجنيق، وكان من أشهر هذه المصانع مصانع طُلَيْطلَة ومصانع برديل.
3- إنشاء أسطول بحري قوي
• أنشأ -أيضًا- أسطولاً بحريًّا قويًّا، بالإضافة إلى إنشاء أكثر من ميناء؛ كان منها ميناء طُرْطُوشة وألمَرِيَّة وإِشْبِيلِيَة وبَرْشُلُونَة وغيرها من المواني.
4- تقسيم ميزانية الدولة
كان عبد الرحمن الداخل يُقَسِّم ميزانية الدولة السنوية إلى ثلاثة أقسام : قسم يُنفقه بكامله على الجيش، والقسم الثاني لأمور الدولة العامَّة من مؤنٍ ومعمارٍ ومرتباتٍ ومشاريعَ وغير ذلك، والقسم الأخير كان يدَّخره لنوائب الزمان غير المتوقَّعة.
5- الاهتمام بالعلمَ والجانبَ الدينيَّ
أعطى عبد الرحمن الداخل العلم والجانب الديني المكانة اللائقة بهما؛ فعمل على الآتي:
• - نَشْر العلم وتوقير العلماء.
• - اهتمَّ بالقضاء والحسبة.
• - اهتمَّ بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
• - كان من أعظم أعماله في الناحية الدينية بناء مسجد قُرْطُبَة الكبير، والذي أنفق على بنائه ثمانين ألفًا من الدنانير الذهبية، وقد تنافس الخلفاء من بعده على زيادة حجمه؛ حتى تعاقب على اكتماله في شكله الأخير ثمانية من خلفاء بني أميَّة .
• وكان من العلماء في أيامه معاوية بن صالح بن حدير بن سعيد الحضرمي، وكان من جِلَّة أهل العلم ومن كبار المحدِّثين، وقد أخذ عنه جملة من الأئمة؛ منهم: سفيان الثوري، وابن عيينة، والليث بن سعد، ويُذْكَر أن مالك بن أنس قد روى عنه حديثًا، وكان عبد الرحمن الداخل قد ولاَّه القضاء.
• وكان من علماء الأندلس في عهده -أيضًا- سعيد بن أبي هند، والذي لَقَّبه الإمام مالك بن أنس / بالحكيم؛ لِمَا عُرِفَ عنه من رجاحة عقله، وقد توفي أيام الداخل .
6- العناية الكبيرة بالجانب الحضاري المادي ويبرز ذلك في الجوانب التالية :
• - اهتمامه الكبير بالإنشاء والتعمير، وتشييد الحصون والقلاع والقناطر، وربطه أول الأندلس بآخرها.
• - إنشاؤه الرُّصَافة، وهي من أكبر الحدائق في الإسلام، وقد أنشأها على غِرار الرصافة التي كانت بالشام، والتي أسَّسها جدُّه هشام بن عبد الملك -رحمه الله، وقد أتى لها عبد الرحمن بالنباتات العجيبة من كل بلاد العالم، فإذا نجحت زراعتها في الرصافة فإنها تنتشر في الأندلس كلها
7- حماية حدود دولته من أطماع الأعداء :
• بالإضافة إلى إعداده جيشًا قويًّا -كما أوضحنا سابقًا- وتأمينًا لحدود دولته الجديدة قام عبد الرحمن الداخل بخوض مرحلتين مهمتين:
• المرحلة الأولى: كان عبد الرحمن الداخل يعلم أن الخطر الحقيقي إنما يكمن في دولتي ليون في الشمال الغربي، وفرنسا في الشمال الشرقي من بلاد الأندلس، فقام بتنظيم الثغور في الشمال، ووضع جيوشًا ثابتةً على هذه الثغور المقابلة لهذه البلاد النصرانية، وهي :
• - الثغر الأعلى؛ وهو ثغر سَرَقُسْطَة في الشمال الشرقي في مواجهة فرنسا.
• - الثغر الأوسط؛ ويبدأ من مدينة سالم ويمتدُّ حتى طُليْطلَة.
• - الثغر الأدنى؛ وهو في الشمال الغربي في مواجهة مملكة ليون النصرانية.
المرحلة الثانية : كان عبد الرحمن الداخل –رحمه الله- قد تعلَّم من آبائه وأجداده عادة عظيمة، وهي عادة الجهاد المستمرِّ وبصورة منتظمة كل عام، فقد اشتُهِرَت الصوائفُ في عهده؛ حيث كان المسلمون يخرجون للجهاد في الصيف وبصورة منتظمة؛ وذلك حين يذوب الجليد، وكان يتناوب عليهم فيها كبار قوَّاد الجيش، بهدف الإرباك الدائم للعدوِّ، وهو ما يُسمُّونه الآن في العلوم العسكرية بالهجوم الإجهاضي المسبق .
وهكذا أصبح عبدالرحمن الداخل أسطورة في بناء الدول وتأسيسها .
كتبه الشيخ شرماركي محمد عيسى ( بــــــخـــــــــــــــاري )
هـــــــــــــــــــــــرجيـــــــــــــــسيــــــــــــا ــــــ 1440 هـــــــــــــــــــــ.
#خواطر_رمضانية. ...المزيد
#خواطر_رمضانية(3). فوق وتحت .......عباءة الشيخ إنّ ما نسمعه من أصحاب الألقاب والأسامي ...
#خواطر_رمضانية(3).
فوق وتحت .......عباءة الشيخ
إنّ ما نسمعه من أصحاب الألقاب والأسامي والمعالي والسمو والفضيلة لا يكونون على مستوى واحد من المعرفة والعلم وكذالك الورع والتقوى والشجاعة والثبات في قول الحق فلا يخدعنّك تسوية المظاهر والبشوت والطيلسان المزخرف فهناك من العلماء من يترزق بـــلــا إلـــــه إلــــا الـــلـــــــــه وهناك من يقتل ويسجن بـــلــا إلـــــه إلــــا الـــلـــــــــه فمن عادته المجاملة والتذبذب والحور بعد الكور وإنغماز الدنيا وإنحلالها وتشويه السمعة والعباءة التي ينطق بفمها ويترزق بالمواعظ والأذكار الصباحية والمسائية ولا يطيق أن يدافع عن المظلومين من أبناء ملّته ودينه إلا بإذن من ولي عهد إمارته فتبا له من مرتزق فما أخونه وأخبثه فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ , فلا شك أن مآل هذا يكون ضلاله بعد هدآه وتعاسته بعد كرامته وذله وهوانه بعد عزه وشرفه حيث أباع دينه بعرض من الدنيا .
إنّ الصراحة وبيان الحق في المسائل العلمية والمواقف الشرعية سمة عظيمة للعلماء الربانيين بل هي أفضل الجهاد وأعظمه ، وفي هذا يقول عليه الصلاة والسلام: “سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله” وفي رواية: “أفضل الجهاد كلمة (عدل) حق عند سلطان جائر ) كانت حياة الصحابة والسلف الصالح من بعدهم نبراسًا في طاعة الله ورسوله، وأولهم العلماء، فقد أخذوا كلام رسولهم على محمل الجد والالتزام حتى استطاعوا أن يكونوا استمرارًا لعهد الرسول ﷺ من بعده، واستحقوا وصفه لهم بأنهم خير القرون ، وأنهم من التابعين له بإحسان ، ولعل موقف العلماء من الحكام يجب أن يكون من أهم أعمالهم ، فالمنكِــــر منهم على الحاكم الظالم ظلمه هو من أعلى درجات الشهداء عند الله”.....
وأما ما نراه الآن من الإزدحام في أبواب السلاطين والأمراء فقد حذر منه الصحابة الكرام وأخبرونا أنها مذمة للعالم ونغمة عليه بل ورد في كتب السلف أنها معبرة عن غضب الله على العالم أن يدخل على السلطان أو يركض وراءه بغية النيل من دنياه فقد أخرج الدارمي في مسنده، عن ابن مسعود، رضي الله عنه قال: «من أراد أن يكرم دينه، فلا يدخل على السلطان
وأخرج البيهقي، عن ابن مسعود، رضي الله عنه، قال: «إن على أبواب السلطان فتنًا كمبارك الإبل، لا تصيبون من دنياهم شيئًا إلا أصابوا من دينكم مثله».
وأخرج البخاري في تاريخه وابن سعد في «الطبقات» عن ابن مسعود، رضي الله عنه، قال: «يدخل الرجل على السلطان ومعه دينه، فيخرج وما معه شيء».
قال عبد الله بن المبارك (رحمه الله): “من بخل بالعلم ابتلي بثلاث: إما موت يذهب علمه، وإما ينسى، وإما يلزم السلطان فيذهب علمه”.
وقال أبو حازم، سلمة بن دينار: “إن خير الأمراء من أحب العلماء، وإن شر العلماء من أحب الأمراء”.
قال أبو الأسود الدؤلي: “ليس شيء أعز من العلم، الملوك حكام على الناس، والعلماء حكام على الملوك”.
قال سليمان بن مهران الأعمش (رحمه الله): “شر الأمراء أبعدهم من العلماء، وشر العلماء أقربهم من الأمرا..“.
قال ابن الجوزي (رحمه الله): “ومن صفات علماء الآخرة أن يكونوا منقبضين على السلاطين، محترزين عن مخالطتهم. قال حذيفة رضي الله عنه: “إياكم ومواقف الفتن، قيل: وما هي؟ قال: أبواب الأمراء، يدخل أحدكم على الأمير فيصدقه بالكذب، ويقول ما ليس فيه”
ومن أبرز المواقف للسلف الصالح في إنكار المنكر في وجه الحاكم ونصرة المظلوم ما ورد من سيرة الإمام الاوزاعي ومواقفه أنه لما دخل العباسي "عبد الله بن علي" -عم السفاح الخليفة العباسي الذي أجلى بني أمية عن الشام ، وأزال الله سبحانه دولتهم على يده - دمشق فطلب الأوزاعي فتغيب عنه ثلاثة أيام ثم حضر بين يديه.
قال الأوزاعي: دخلت عليه وهو على سرير وفي يده خيزرانة والمسودة عن يمينه وشماله ، ومعهم السيوف مصلتة - والعمد الحديد - فسلمت عليه فلم يرد ونكت بتلك الخيزرانة التي في يده ثم قال: يا أوزاعي ! ما ترى فيما صنعنا من إزالة أيدي أولئك الظلمة عن العباد والبلاد ؟ أجهاداً ورباطاً هو ؟
قال: فقلت: ياامير المؤمنين
سمعت يحيى بن سعيد الأنصاري، يقول: سمعت محمد بن إبراهيم التيمي، يقول: سمعت علقمة بن وقاص، يقول: سمعت عمر بن الخطاب، يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه)).
قال: فنكت بالخيزرانة أشد مما كان ينكت، وجعل من حوله يقبضون أيديهم على قبضات سيوفهم، ثم قال: يا أوزاعي ! ما تقول في دماء بني أمية ؟
فقلت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يحل لمسلم دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والتارك لدينه المفارق للجماعة)).
فنكت بها أشد من ذلك ثم قال: ما تقول في أموالهم ؟
فقلت: إن كانت في أيديهم حراماً فهي حرام عليك أيضاً، وإن كانت لهم حلالاً فلا تحل لك إلا بطريق شرعي.
فنكت أشد مما كان ينكت قبل ذلك ثم قال: ألا نوليك القضاء ؟
فقلت: إن أسلافك لم يكونوا يشقون علي في ذلك، وإني أحب أن يتم ما ابتدؤني به من الإحسان.
فقال: كأنك تحب الانصراف ؟
فقلت: إن ورائي حرماً وهم محتاجون إلى القيام عليهن وسترهن، وقلوبهن مشغولة بسببي.
قال: وانتظرت رأسي أن يسقط بين يدي، فأمرني بالانصراف.
فلما خرجت إذا برسوله من ورائي، وإذا معه مائتا دينار، فقال: يقول لك امير المؤمنين: استنفق هذه.
قال: فتصدقت بها، وإنما أخذتها خوفاً.
وقيل كان في تلك الأيام الثلاثة صائماً فيقال: إن الأمير لما بلغه ذلك عرض عليه الفطر عنده فأبى أن يفطر عنده .
ومن ذلك أيضا: موقف الإمام "النووي" -رحمه الله- مع الظاهر بيبرس، لما أراد قتال التتار بالشام، واحتاج إلى جمع الأموال لذلك، فأخذ الفتاوى من العلماء بجواز الأخذ من مال الرعية يستنصر به على قتال التتار، وأجاز له الفقهاء ذلك، وامتنع الشيخ النووي. فلما سأله عن سبب امتناعه قال له:
"أنا أعرف أنك كنت في الرق للأمير "بندقار" وليس لك مال، ثم منَّ الله عليك، وجعلك ملكًا، وسمعت أن عندك ألف مملوك، كل مملوك له حياصة من الذهب، وعندك مائة جارية، لكل جارية حق من الذهب، فإذا أنفقت ذلك كله، وبقيت مماليكك بالبنود والصرف بدلاً من الحوائص، وبقيت الجواري بثيابهن دون الحلي؛ أفتيتك بأخذ المال من الرعية".
فغضب الظاهر "بيبرس"، وأمره بالخروج من دمشق، فخرج متوجهًا إلى "نوى"، فقال الفقهاء لبيبرس: "إن هذا من كبار علمائنا وصلحائنا، وممن يُقتدى به، فأعده إلى دمشق".
فدعاه للرجوع إلى دمشق، فامتنع الإمام النووي، وقال: لا أدخلها "والظاهر" فيها، فمات بعد شهر.
أرى خلل الرماد وميض جمر *** وأخشى أن يكون لها ضرام
أقلوا عليهم لا أباً لا أبيكم من اللوم *** أو سدوا المكان الذي سدوا .
هكذا كان مواقف العلماء الربانيون الذين لا يخافون في الله لومة لائم مواقفهم كانت واضحة وهذه قطرات من غيث ، وفي تاريخنا الإسلامي العشرات ، والعشرات مثلها... وحق علينا أن نتذاكرها ؛ لنتأسى بها ، ونتنفع بذكراها ، ونوعظ بها كل من تسول له نفسه في إبتغاء مرضاءة غضب الله لمرضاءة الحاكم ورعاته ويسارعون الإنسلاخ والهوان في طريق وعر صعب تمأله التحديات والصعوبات التي يمتحن الله به العباد حتى يتخد منا شهداء فليس للضعيف المتذبذب فيها مكان وسوف تنكسر كلمته وتسقط عمامته كما يحدث الآن فنسمع كل يوم إنسلاخ داعية وإنفلات آخر ورجوعه وتنازله أمام تحدي واجهه فهلاّ تأسى بهــــــؤلاء العلماء السابقين ليلحق به العاملون ويكون أسوة حسنة بدلا من أن يغوص أعماق المزمرين وحزب الشياطين ودعاة الإنسلاخ والإباحيين فما فوق عباءة الشيخ لا إعتبار له عندالله وأمته وهناك ما تحتها أخفى فالله أعلى وأحكم وإليه المستعان وعليه التكلان !!!
ذا عير الطائي بالبخل مادر *** وعير قسا بالفهامة باقل
وقال السهى للشمس أنت كثيفة *** وقال الدجى للبدر وجهك حائل
فيا موت زر أن الحياة دميمة *** ويا نفس جدي إن دهرك هازل
كتبه الشيخ شــــــــــرمــاركـــــــي محمد عيــــــــسى (بخــــــــاري)
3رمضان 1440هــــــــــــ هرجيــــــسيــــا
أبــــــــــــو الأثيــــــــــــــــــــــــــــــــر الصـــــــــــــومالــــي ...المزيد
فوق وتحت .......عباءة الشيخ
إنّ ما نسمعه من أصحاب الألقاب والأسامي والمعالي والسمو والفضيلة لا يكونون على مستوى واحد من المعرفة والعلم وكذالك الورع والتقوى والشجاعة والثبات في قول الحق فلا يخدعنّك تسوية المظاهر والبشوت والطيلسان المزخرف فهناك من العلماء من يترزق بـــلــا إلـــــه إلــــا الـــلـــــــــه وهناك من يقتل ويسجن بـــلــا إلـــــه إلــــا الـــلـــــــــه فمن عادته المجاملة والتذبذب والحور بعد الكور وإنغماز الدنيا وإنحلالها وتشويه السمعة والعباءة التي ينطق بفمها ويترزق بالمواعظ والأذكار الصباحية والمسائية ولا يطيق أن يدافع عن المظلومين من أبناء ملّته ودينه إلا بإذن من ولي عهد إمارته فتبا له من مرتزق فما أخونه وأخبثه فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ , فلا شك أن مآل هذا يكون ضلاله بعد هدآه وتعاسته بعد كرامته وذله وهوانه بعد عزه وشرفه حيث أباع دينه بعرض من الدنيا .
إنّ الصراحة وبيان الحق في المسائل العلمية والمواقف الشرعية سمة عظيمة للعلماء الربانيين بل هي أفضل الجهاد وأعظمه ، وفي هذا يقول عليه الصلاة والسلام: “سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله” وفي رواية: “أفضل الجهاد كلمة (عدل) حق عند سلطان جائر ) كانت حياة الصحابة والسلف الصالح من بعدهم نبراسًا في طاعة الله ورسوله، وأولهم العلماء، فقد أخذوا كلام رسولهم على محمل الجد والالتزام حتى استطاعوا أن يكونوا استمرارًا لعهد الرسول ﷺ من بعده، واستحقوا وصفه لهم بأنهم خير القرون ، وأنهم من التابعين له بإحسان ، ولعل موقف العلماء من الحكام يجب أن يكون من أهم أعمالهم ، فالمنكِــــر منهم على الحاكم الظالم ظلمه هو من أعلى درجات الشهداء عند الله”.....
وأما ما نراه الآن من الإزدحام في أبواب السلاطين والأمراء فقد حذر منه الصحابة الكرام وأخبرونا أنها مذمة للعالم ونغمة عليه بل ورد في كتب السلف أنها معبرة عن غضب الله على العالم أن يدخل على السلطان أو يركض وراءه بغية النيل من دنياه فقد أخرج الدارمي في مسنده، عن ابن مسعود، رضي الله عنه قال: «من أراد أن يكرم دينه، فلا يدخل على السلطان
وأخرج البيهقي، عن ابن مسعود، رضي الله عنه، قال: «إن على أبواب السلطان فتنًا كمبارك الإبل، لا تصيبون من دنياهم شيئًا إلا أصابوا من دينكم مثله».
وأخرج البخاري في تاريخه وابن سعد في «الطبقات» عن ابن مسعود، رضي الله عنه، قال: «يدخل الرجل على السلطان ومعه دينه، فيخرج وما معه شيء».
قال عبد الله بن المبارك (رحمه الله): “من بخل بالعلم ابتلي بثلاث: إما موت يذهب علمه، وإما ينسى، وإما يلزم السلطان فيذهب علمه”.
وقال أبو حازم، سلمة بن دينار: “إن خير الأمراء من أحب العلماء، وإن شر العلماء من أحب الأمراء”.
قال أبو الأسود الدؤلي: “ليس شيء أعز من العلم، الملوك حكام على الناس، والعلماء حكام على الملوك”.
قال سليمان بن مهران الأعمش (رحمه الله): “شر الأمراء أبعدهم من العلماء، وشر العلماء أقربهم من الأمرا..“.
قال ابن الجوزي (رحمه الله): “ومن صفات علماء الآخرة أن يكونوا منقبضين على السلاطين، محترزين عن مخالطتهم. قال حذيفة رضي الله عنه: “إياكم ومواقف الفتن، قيل: وما هي؟ قال: أبواب الأمراء، يدخل أحدكم على الأمير فيصدقه بالكذب، ويقول ما ليس فيه”
ومن أبرز المواقف للسلف الصالح في إنكار المنكر في وجه الحاكم ونصرة المظلوم ما ورد من سيرة الإمام الاوزاعي ومواقفه أنه لما دخل العباسي "عبد الله بن علي" -عم السفاح الخليفة العباسي الذي أجلى بني أمية عن الشام ، وأزال الله سبحانه دولتهم على يده - دمشق فطلب الأوزاعي فتغيب عنه ثلاثة أيام ثم حضر بين يديه.
قال الأوزاعي: دخلت عليه وهو على سرير وفي يده خيزرانة والمسودة عن يمينه وشماله ، ومعهم السيوف مصلتة - والعمد الحديد - فسلمت عليه فلم يرد ونكت بتلك الخيزرانة التي في يده ثم قال: يا أوزاعي ! ما ترى فيما صنعنا من إزالة أيدي أولئك الظلمة عن العباد والبلاد ؟ أجهاداً ورباطاً هو ؟
قال: فقلت: ياامير المؤمنين
سمعت يحيى بن سعيد الأنصاري، يقول: سمعت محمد بن إبراهيم التيمي، يقول: سمعت علقمة بن وقاص، يقول: سمعت عمر بن الخطاب، يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه)).
قال: فنكت بالخيزرانة أشد مما كان ينكت، وجعل من حوله يقبضون أيديهم على قبضات سيوفهم، ثم قال: يا أوزاعي ! ما تقول في دماء بني أمية ؟
فقلت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يحل لمسلم دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والتارك لدينه المفارق للجماعة)).
فنكت بها أشد من ذلك ثم قال: ما تقول في أموالهم ؟
فقلت: إن كانت في أيديهم حراماً فهي حرام عليك أيضاً، وإن كانت لهم حلالاً فلا تحل لك إلا بطريق شرعي.
فنكت أشد مما كان ينكت قبل ذلك ثم قال: ألا نوليك القضاء ؟
فقلت: إن أسلافك لم يكونوا يشقون علي في ذلك، وإني أحب أن يتم ما ابتدؤني به من الإحسان.
فقال: كأنك تحب الانصراف ؟
فقلت: إن ورائي حرماً وهم محتاجون إلى القيام عليهن وسترهن، وقلوبهن مشغولة بسببي.
قال: وانتظرت رأسي أن يسقط بين يدي، فأمرني بالانصراف.
فلما خرجت إذا برسوله من ورائي، وإذا معه مائتا دينار، فقال: يقول لك امير المؤمنين: استنفق هذه.
قال: فتصدقت بها، وإنما أخذتها خوفاً.
وقيل كان في تلك الأيام الثلاثة صائماً فيقال: إن الأمير لما بلغه ذلك عرض عليه الفطر عنده فأبى أن يفطر عنده .
ومن ذلك أيضا: موقف الإمام "النووي" -رحمه الله- مع الظاهر بيبرس، لما أراد قتال التتار بالشام، واحتاج إلى جمع الأموال لذلك، فأخذ الفتاوى من العلماء بجواز الأخذ من مال الرعية يستنصر به على قتال التتار، وأجاز له الفقهاء ذلك، وامتنع الشيخ النووي. فلما سأله عن سبب امتناعه قال له:
"أنا أعرف أنك كنت في الرق للأمير "بندقار" وليس لك مال، ثم منَّ الله عليك، وجعلك ملكًا، وسمعت أن عندك ألف مملوك، كل مملوك له حياصة من الذهب، وعندك مائة جارية، لكل جارية حق من الذهب، فإذا أنفقت ذلك كله، وبقيت مماليكك بالبنود والصرف بدلاً من الحوائص، وبقيت الجواري بثيابهن دون الحلي؛ أفتيتك بأخذ المال من الرعية".
فغضب الظاهر "بيبرس"، وأمره بالخروج من دمشق، فخرج متوجهًا إلى "نوى"، فقال الفقهاء لبيبرس: "إن هذا من كبار علمائنا وصلحائنا، وممن يُقتدى به، فأعده إلى دمشق".
فدعاه للرجوع إلى دمشق، فامتنع الإمام النووي، وقال: لا أدخلها "والظاهر" فيها، فمات بعد شهر.
أرى خلل الرماد وميض جمر *** وأخشى أن يكون لها ضرام
أقلوا عليهم لا أباً لا أبيكم من اللوم *** أو سدوا المكان الذي سدوا .
هكذا كان مواقف العلماء الربانيون الذين لا يخافون في الله لومة لائم مواقفهم كانت واضحة وهذه قطرات من غيث ، وفي تاريخنا الإسلامي العشرات ، والعشرات مثلها... وحق علينا أن نتذاكرها ؛ لنتأسى بها ، ونتنفع بذكراها ، ونوعظ بها كل من تسول له نفسه في إبتغاء مرضاءة غضب الله لمرضاءة الحاكم ورعاته ويسارعون الإنسلاخ والهوان في طريق وعر صعب تمأله التحديات والصعوبات التي يمتحن الله به العباد حتى يتخد منا شهداء فليس للضعيف المتذبذب فيها مكان وسوف تنكسر كلمته وتسقط عمامته كما يحدث الآن فنسمع كل يوم إنسلاخ داعية وإنفلات آخر ورجوعه وتنازله أمام تحدي واجهه فهلاّ تأسى بهــــــؤلاء العلماء السابقين ليلحق به العاملون ويكون أسوة حسنة بدلا من أن يغوص أعماق المزمرين وحزب الشياطين ودعاة الإنسلاخ والإباحيين فما فوق عباءة الشيخ لا إعتبار له عندالله وأمته وهناك ما تحتها أخفى فالله أعلى وأحكم وإليه المستعان وعليه التكلان !!!
ذا عير الطائي بالبخل مادر *** وعير قسا بالفهامة باقل
وقال السهى للشمس أنت كثيفة *** وقال الدجى للبدر وجهك حائل
فيا موت زر أن الحياة دميمة *** ويا نفس جدي إن دهرك هازل
كتبه الشيخ شــــــــــرمــاركـــــــي محمد عيــــــــسى (بخــــــــاري)
3رمضان 1440هــــــــــــ هرجيــــــسيــــا
أبــــــــــــو الأثيــــــــــــــــــــــــــــــــر الصـــــــــــــومالــــي ...المزيد
#خواطر_رمضانية (2) ومضات من تاريخ الاندلس يقول النصارى في رواياتهم : أنه لو هُزم الفرنسيون في ...
#خواطر_رمضانية (2)
ومضات من تاريخ الاندلس
يقول النصارى في رواياتهم : أنه لو هُزم الفرنسيون في موقعة بواتييه (معركة بلاط الشهداء ) لفُتحت أوروبا جميعاً، ولدُرس القرآن في الجامعات الأوروبية.
فى ( أوائل رمضان 114هـ = 21 أكتوبر 732م ) كانت الواقعة ذات العبرة التي كانت أشبه ما تكون بغزوة حنين ....
ولى هشام بن عبدالملك في عام 112 هـ عبدالرحمن الغافقي إمارة الأندلس فتأهب لفتح بلاد الغال (فرنسا) فدعا العرب من اليمن والشام إلى مناصرته فأقبلوا إليه فاجتاز جبال البرانس بجيش من العرب والبربر وأوغل في مقاطعتي اكيتانيا ووبرغونية وبوردو ثم تقدم يريد الإيغال داخل البلاد .
وبعد أن وحد عبد الرحمن الغافقي الناس وظن أن القوة قد اكتملت أخذ هؤلاء الناس وانطلق بهم ناحية فرنسا ليستكمل الفتوح من جديد، ودخل مناطق لم يدخلها السابقون، فقد فتح أقصى غرب فرنسا، وأخذ يفتح المدينة تلو المدينة؛ وفتح مدينة آرل، ثم مدينة بوردو، والتي تسمى الآن بهذا الاسم، ثم مدينة طلوشة، ثم مدينة تور، ثم وصل إلى بواتييه غرب باريس، والتي تبعد عنها حوالي مائة كيلو متر، وتبعد من قرطبة حوالي (1000) كيلو متر، فقد توغل جداً في بلاد فرنسا في اتجاه الشمال الغربي، وهناك في مدينة بواتييه عسكر عند منطقة تسمى البلاط، والبلاط في اللغة الأندلسية تعني القصر، فإن هذه المنطقة كان فيها قصر قديم مهجور، وبدأ ينظم جيشه ليلاقي جيش النصارى، وكانت حملة عبد الرحمن الغافقي أكبر حملة تدخل بلاد فرنسا، فقد وصلت إلى خمسين ألف مقاتل، ما وصل إليها المسلمون قبل ذلك الوقت.
والمشكلة الخطيرة في جيش عبد الرحمن الغافقي هي تعلق قلوبهم بالغنائم الكثيرة التي غنموها، وافتتانهم بتلك الأموال الضخمة التي حصلوها من بلاد فرنسا، واشتهرت بين الناس فكرة العودة إلى أرض الأندلس لوضع هذه الغنائم هناك حتى لا يأخذها الفرنسيون، لكن عبد الرحمن الغافقي رحمه الله جمع الناس وقال لهم: ما جئنا لأجل هذه الغنائم، ما جئنا إلا لتعليم هؤلاء الناس هذا الدين، ولتعبيد العباد لرب العباد سبحانه وتعالى، وأخذ يحفز الجيش ويحضهم على الجهاد في سبيل الله، وعلى الموت في سبيله سبحانه وتعالى، وأخذ الجيش وانطلق إلى بواتييه رغماً عن أنف الجنود، وعندما وصل إلى منطقة بواتييه ظهرت أمور جديدة في الجيش وهي العصبيات التي كانت في بلاد الأندلس بين العرب والبربر، فقد تجددت من جديد، بسبب الغنائم الكثيرة التي لم توزع.
فبدأ الناس يختلفون، وكل واحد ينظر إلى ما في يد أخيه، وكل واحد يريد الشيء الأكثر، وكل واحد يرى نفسه أو نسبه أفضل من الآخر، فالعربي يقول: أنا عربي وأنت بربري والعربي أفضل، والبربر قالوا: نحن الذين فتحنا البلاد، ونسي الناس أن الفاتحين السابقين ما فرقوا أبداً عند الفتح وعند الدعوة إلى الله سبحانه في تلك البلاد بين عربي وبربري، وبين هؤلاء الفاتحين وبين الأندلسيين الذين دخلوا في الإسلام بعد ذلك، فلم يفرقوا إلا بحساب التقوى.
فبدأت هذه المشاكل تظهر في الجيش، فاجتمعت العصيبة، واجتمع حب الغنائم والخوف عليها، كما اجتمع إلى جوار ذلك الاعتداد بالعدد الضخم؛ الذي لم يسبق في تاريخ الأندلس، فأخذتهم العزة بهذا العدد، وظنوا أنهم لن يغلبوا.
ومن جديد تعود موقعة حنين الجديدة، قال تعالى: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} [التوبة:25]، وللأسف الشديد مع وجود هذا القائد الرباني المجاهد التقي الورع، إلا أن عوامل الهزيمة الكثيرة كانت موجودة في داخل جيش المسلمين، من حب الغنائم، والعصيبة القبلية العنصرية، والاعتداد بالأرقام والأعداد والعدة والعتاد، والمسلمون ما انتصروا أبداً بعدتهم ولا عتادهم، وإنما بطاعتهم لله ومعصية عدوهم لله سبحانه وتعالى.
أما جيش النصارى فقد أتى من باريس بقيادة شارل مارتل، ويلقب عند العرب بقارلة، وينطقونه تشار قارلة، وكلمة مارتل لقب وتعني المطرقة، وقد سماه بها بابا إيطاليا؛ لأنه كان شديداً على أعدائه، وكان من أقوى حكام فرنسا على الإطلاق، وأتى شارل مارتل بأربعمائة ألف مقاتل من النصارى، أي: ثمانية أضعاف الجيش المسلم، والمسلمون أبداً ما كانت تهزهم هذه الأرقام، لكن جيش المسلمين فيه عوامل الضعف.
والتقى الجيشان في موقعة من أشرس المواقع الإسلامية على الإطلاق في منطقة بواتييه؛ دارت الموقعة بينهما عشرة أيام كاملة، وكانت في رمضان سنة (114) هجرية، وكانت في بداية الموقعة الغلبة للمسلمين على قلة عددهم، لكن النصارى في آخر الموقعة فطنوا إلى كمية الغنائم الضخمة المحملة خلف الجيش الإسلامي، فالتفوا حول الجيش وهاجموا الغنائم، وبدءوا يسلبون غنائم المسلمين، فارتبك المسلمون وأسرعوا ليحموا الغنائم الكثيرة؛ لأن حب الغنائم دخل في قلوبهم.
فحدث ارتباك شديد في صف المسلمين، وبدأت تحدث هزة أدت إلى هزيمة للجيش الإسلامي في هذه الموقعة العجيبة موقعة بواتييه أو موقعة بلاط الشهداء، وسميت بذلك لكثرة شهداء المسلمين في موقعة بواتييه بالقرب من البلاط وهو القصر، ولم يرد في الروايات الإسلامية حصر دقيق لشهداء المسلمين في موقعة بلاط الشهداء، لكن الروايات الأوروبية تبالغ كثيراً حتى تقول: أنه قتل من المسلمين في موقعة بلاط الشهداء ثلاثمائة وخمسة وسبعون ألف مسلم، وهذا مبالغ فيه جداً؛ لأن جيش المسلمين كان خمسين ألفاً.
وقفات يسيرة مع معركة بلاط الشهداء :
إن سبب هزيمة المسلمين في الاحد وحنين ومعركة بلاط الشهداء كانت حب المال والحرص عليه ولقد صدق الله عزوجل ( وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ).
• أثار المعاصي على الأمم والهزيمة من أجلها .
هذه المعركة يظهر أثر المعصية والفشل والتنازع في تخلف النصر عن الأمة، فبسبب معصية أمر الأمير وبسبب التنازع والاختلاف حول الغنائم، ذهب النصر عن المسلمين بعد أن انعقدت أسبابه، ولاحت بوادره، {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}.
فكيف ترجو أمة عصت ربها، وخالفت أمر نبيها، وتفرقت كلمتها أن يتنزل عليها نصر الله وتمكينه؟. وبالمعاصي تدور الدوائر، ففاضت أرواح في تلك المعركة بسبب خطيئة، وخرج آدم من الجنة بمعصيته، و((دخلت امرأة النار في هرة)) فما الذي أهلك الأمم السابقة وطمس الحضارات البائدة سوى الذنوب والمعاصي{ فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} ، فالمعاصي سبب كل عناء وطريق كل وشقاء ما حلت في ديار إلا أهلكتها ولا فشت في مجتمعات إلا دمرتها وأزالتها وما أهلك الله تعالى أمه إلا بذنب وما نجى وما فاز من فاز إلا بتوبة وطاعة ، قال مجاهد رحمه الله:" إن البهائم لتلعن عصاة بني آدم إذا اشتدت السنة وأمسك المطر وتقول هذا شؤمه معصية بني آدم" وما تخلف النصر اليوم الا بالمعاصي وترك العبادات وروح المسلم الشجي القوي بل ذهبت عنا نخوة العرب وحفظ كرامتهم فصرنا ما نحن عليه اليوم من الذل والهوان فالله المستعان .
• خطورة إيثار الدنيا على الآخرة .
وهذه المعركة تعلمنا كذلك خطورة إيثار الدنيا على الآخرة، وأن ذلك مما يفقد الأمة عون الله ونصره وتأييده ، قال ابن مسعود: " ما كنت أرى أحداً من أصحاب رسول الله - - صلى الله عليه وسلم -- يريد الدنيا حتى نزل فينا يوم أحد { مِنْكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُم مَّن يُرِيدُ الآَخِرَةَ } "، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -قال: «إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء»
قال ابن عباس - رضي الله عنه -: لما هزم الله المشركين يوم أحد، قال الرماة: (أدركوا الناس ونبي الله، لا يسبقوكم إلى الغنائم، فتكون لهم دونكم) وقال بعضهم: (لا نبرح حتى يأذن لنا النبي - صلى الله عليه وسلم ) فنزلت: ( مِنْكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُم مَّن يُرِيدُ الآَخِرَةَ ) .
وفي ذلك درس عظيم يبين أن حب الدنيا والتعلق بها قد يتسلل إلى قلوب أهل الإيمان والصلاح ، وربما خفي عليهم ذلك ، فآثروها على ما عند الله ، مما يوجب على المرء أن يتفقد نفسه وأن يفتش في خباياها ، وأن يزيل كل ما من شأنه أن يحول بينها وبين الاستجابة لأوامر الله ونواهيه.
وقد وردت نصوص عديدة من آيات وأحاديث تبين منزلة الدنيا عند الله وتصف زخارفها وأثرها على فتنة الإنسان، وتحذر من الحرص عليها,
قال تعالى:( زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ) وقد حذر الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - أمته من الاغترار بالدنيا، والحرص الشديد عليها في أكثر من موضع ، وذلك لما لهذا الحرص من أثره السيئ على الأمة عامة وعلى من يحملون لواء الدعوة خاصة.
إن الذي حدث في أحد عبرة عظيمة للدعاة وتعليمًا لهم بأن حب الدنيا قد يتسلل إلى قلوب أهل الإيمان ويخفى عليهم ، فيؤثرون الدنيا ومتاعها على الآخرة ومتطلبات الفوز بنعيمها ، ويعصون أوامر الشرع الصريحة كما عصى الرماة أوامر الرسول - صلى الله عليه وسلم - الصريحة بتأويل ساقط ، يرفعه هوى النفس وحب الدنيا ، فيخالفون الشرع وينسون المحكم من أوامره ، كل هذا يحدث ويقع من المؤمن وهو غافل عن دوافعه الخفية ، وعلى رأسها حب الدنيا ، وإيثارها على الآخرة ومتطلبات الإيمان ، وهذا يستدعي من الدعاة التفتيش الدائم الدقيق في خبايا نفوسهم واقتلاع حب الدنيا منها، حتى لا تحول بينهم وبين أوامر الشرع ، ولا توقعهم في مخالفته بتأويلات ملفوفة بهوى النفس وتلفتها إلى الدنيا ومتاعها .
• ومع ذاك لا بد من الأخذ بالأسباب :
لا بد أيضاً من الأخذ بأسباب النصر المادية والمعنوية مع التوكل على الله والاعتماد عليه ، والإكثار من العبادة والطاعة وحفظ حرمات الله عزوجل ، وتجنب المعاصي وترك حب الدنيا وكراهية الموت مع تجنب الدعة والركض لوراء العشب والزرع وترك روح الجهاد والقتال في سبيل الله عزوجل والتمني لنيل الشهادة في سبيل الله والدين ، فقد ظاهر النبي - - صلى الله عليه وسلم -- بين درعين، ولبس لأْمَة الحرب ، وكافح معه الصحابة ، وقاتل عنه جبريل وميكائيل أشد القتال ، رغم أن الله عصمه من القتل.
• التضحية من أجل الدين:
إن هذا الدين وصل إلينا بعد كفاح مرير من الصحابة والأسلاف، ذاقوا فيه مرارة المصائب والمحن : أنس بن النضر يصاب غزوة الاحد ببضع وثمانين جراحة ، ثم مثّل به بعدها ، فلم يعرفه أحد سوى أخته عرفته ببنانه ، وفي سعد بن الربيع سبعون طعنة ، فماذا قدمنا لديننا؟؟ وللصحابة الكرام الصُحبة والسبق والإقدام، تقطعت منهم الأشلاء ، وتمزقت الأجساد ، وترمل النساء ، قدَّموا أرواحهم فداء لهذا الدين ، حتى وصل إلينا كاملاً متمّماً ، فاقدر لهم قدرهم ، واشكر لهم سعيهم ، وترض عنهم ، فقد أحبهم ربهم، - رضي الله عنهم وأرضاهم .
• العاقبة للمتقين :
وليعلم المؤمنون في كل معركة وملحمة ان للحق جولة ، وللباطل صولة ، والعاقبة للتقوى ، فلا تيأس من إصلاح المجتمع ، ولا تقنط من هدايته ، فصَبَر النبي على الأذى والجراح ، حتى دخل الناس أفواجاً في دين الله ، إن عواقب الأمور كلها بيد الله ، فامض في الدعوة ، وداوم على الدعاء ، وهداية البشر بيد خالق البشر، فمما ورد في غزوة احد ان أبو سفيان يقود المشركين، وشعاره:"اعلُ هُبل"، وفي فتح مكة يقول:"لا إله إلا الله".ووحشي يقتل حمزة، ثم يُسلم ويقتل مُدعي النبوة مسيلمة الكذاب ، وها هي القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء فجاهد وقاتل وكافح وقاوم وردد اللهم يا مثبت القلوب ثبت قلبي على دينك .
كان هذا ما تيسر لي من المعالم في هذه المعركة المعروفة بمعركة (بلاط_الشهداء) وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم .
كتبه الشيخ شرماركي محمد عيسى
2 من رمضان 1440 هرجيسيا . ...المزيد
ومضات من تاريخ الاندلس
يقول النصارى في رواياتهم : أنه لو هُزم الفرنسيون في موقعة بواتييه (معركة بلاط الشهداء ) لفُتحت أوروبا جميعاً، ولدُرس القرآن في الجامعات الأوروبية.
فى ( أوائل رمضان 114هـ = 21 أكتوبر 732م ) كانت الواقعة ذات العبرة التي كانت أشبه ما تكون بغزوة حنين ....
ولى هشام بن عبدالملك في عام 112 هـ عبدالرحمن الغافقي إمارة الأندلس فتأهب لفتح بلاد الغال (فرنسا) فدعا العرب من اليمن والشام إلى مناصرته فأقبلوا إليه فاجتاز جبال البرانس بجيش من العرب والبربر وأوغل في مقاطعتي اكيتانيا ووبرغونية وبوردو ثم تقدم يريد الإيغال داخل البلاد .
وبعد أن وحد عبد الرحمن الغافقي الناس وظن أن القوة قد اكتملت أخذ هؤلاء الناس وانطلق بهم ناحية فرنسا ليستكمل الفتوح من جديد، ودخل مناطق لم يدخلها السابقون، فقد فتح أقصى غرب فرنسا، وأخذ يفتح المدينة تلو المدينة؛ وفتح مدينة آرل، ثم مدينة بوردو، والتي تسمى الآن بهذا الاسم، ثم مدينة طلوشة، ثم مدينة تور، ثم وصل إلى بواتييه غرب باريس، والتي تبعد عنها حوالي مائة كيلو متر، وتبعد من قرطبة حوالي (1000) كيلو متر، فقد توغل جداً في بلاد فرنسا في اتجاه الشمال الغربي، وهناك في مدينة بواتييه عسكر عند منطقة تسمى البلاط، والبلاط في اللغة الأندلسية تعني القصر، فإن هذه المنطقة كان فيها قصر قديم مهجور، وبدأ ينظم جيشه ليلاقي جيش النصارى، وكانت حملة عبد الرحمن الغافقي أكبر حملة تدخل بلاد فرنسا، فقد وصلت إلى خمسين ألف مقاتل، ما وصل إليها المسلمون قبل ذلك الوقت.
والمشكلة الخطيرة في جيش عبد الرحمن الغافقي هي تعلق قلوبهم بالغنائم الكثيرة التي غنموها، وافتتانهم بتلك الأموال الضخمة التي حصلوها من بلاد فرنسا، واشتهرت بين الناس فكرة العودة إلى أرض الأندلس لوضع هذه الغنائم هناك حتى لا يأخذها الفرنسيون، لكن عبد الرحمن الغافقي رحمه الله جمع الناس وقال لهم: ما جئنا لأجل هذه الغنائم، ما جئنا إلا لتعليم هؤلاء الناس هذا الدين، ولتعبيد العباد لرب العباد سبحانه وتعالى، وأخذ يحفز الجيش ويحضهم على الجهاد في سبيل الله، وعلى الموت في سبيله سبحانه وتعالى، وأخذ الجيش وانطلق إلى بواتييه رغماً عن أنف الجنود، وعندما وصل إلى منطقة بواتييه ظهرت أمور جديدة في الجيش وهي العصبيات التي كانت في بلاد الأندلس بين العرب والبربر، فقد تجددت من جديد، بسبب الغنائم الكثيرة التي لم توزع.
فبدأ الناس يختلفون، وكل واحد ينظر إلى ما في يد أخيه، وكل واحد يريد الشيء الأكثر، وكل واحد يرى نفسه أو نسبه أفضل من الآخر، فالعربي يقول: أنا عربي وأنت بربري والعربي أفضل، والبربر قالوا: نحن الذين فتحنا البلاد، ونسي الناس أن الفاتحين السابقين ما فرقوا أبداً عند الفتح وعند الدعوة إلى الله سبحانه في تلك البلاد بين عربي وبربري، وبين هؤلاء الفاتحين وبين الأندلسيين الذين دخلوا في الإسلام بعد ذلك، فلم يفرقوا إلا بحساب التقوى.
فبدأت هذه المشاكل تظهر في الجيش، فاجتمعت العصيبة، واجتمع حب الغنائم والخوف عليها، كما اجتمع إلى جوار ذلك الاعتداد بالعدد الضخم؛ الذي لم يسبق في تاريخ الأندلس، فأخذتهم العزة بهذا العدد، وظنوا أنهم لن يغلبوا.
ومن جديد تعود موقعة حنين الجديدة، قال تعالى: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} [التوبة:25]، وللأسف الشديد مع وجود هذا القائد الرباني المجاهد التقي الورع، إلا أن عوامل الهزيمة الكثيرة كانت موجودة في داخل جيش المسلمين، من حب الغنائم، والعصيبة القبلية العنصرية، والاعتداد بالأرقام والأعداد والعدة والعتاد، والمسلمون ما انتصروا أبداً بعدتهم ولا عتادهم، وإنما بطاعتهم لله ومعصية عدوهم لله سبحانه وتعالى.
أما جيش النصارى فقد أتى من باريس بقيادة شارل مارتل، ويلقب عند العرب بقارلة، وينطقونه تشار قارلة، وكلمة مارتل لقب وتعني المطرقة، وقد سماه بها بابا إيطاليا؛ لأنه كان شديداً على أعدائه، وكان من أقوى حكام فرنسا على الإطلاق، وأتى شارل مارتل بأربعمائة ألف مقاتل من النصارى، أي: ثمانية أضعاف الجيش المسلم، والمسلمون أبداً ما كانت تهزهم هذه الأرقام، لكن جيش المسلمين فيه عوامل الضعف.
والتقى الجيشان في موقعة من أشرس المواقع الإسلامية على الإطلاق في منطقة بواتييه؛ دارت الموقعة بينهما عشرة أيام كاملة، وكانت في رمضان سنة (114) هجرية، وكانت في بداية الموقعة الغلبة للمسلمين على قلة عددهم، لكن النصارى في آخر الموقعة فطنوا إلى كمية الغنائم الضخمة المحملة خلف الجيش الإسلامي، فالتفوا حول الجيش وهاجموا الغنائم، وبدءوا يسلبون غنائم المسلمين، فارتبك المسلمون وأسرعوا ليحموا الغنائم الكثيرة؛ لأن حب الغنائم دخل في قلوبهم.
فحدث ارتباك شديد في صف المسلمين، وبدأت تحدث هزة أدت إلى هزيمة للجيش الإسلامي في هذه الموقعة العجيبة موقعة بواتييه أو موقعة بلاط الشهداء، وسميت بذلك لكثرة شهداء المسلمين في موقعة بواتييه بالقرب من البلاط وهو القصر، ولم يرد في الروايات الإسلامية حصر دقيق لشهداء المسلمين في موقعة بلاط الشهداء، لكن الروايات الأوروبية تبالغ كثيراً حتى تقول: أنه قتل من المسلمين في موقعة بلاط الشهداء ثلاثمائة وخمسة وسبعون ألف مسلم، وهذا مبالغ فيه جداً؛ لأن جيش المسلمين كان خمسين ألفاً.
وقفات يسيرة مع معركة بلاط الشهداء :
إن سبب هزيمة المسلمين في الاحد وحنين ومعركة بلاط الشهداء كانت حب المال والحرص عليه ولقد صدق الله عزوجل ( وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ).
• أثار المعاصي على الأمم والهزيمة من أجلها .
هذه المعركة يظهر أثر المعصية والفشل والتنازع في تخلف النصر عن الأمة، فبسبب معصية أمر الأمير وبسبب التنازع والاختلاف حول الغنائم، ذهب النصر عن المسلمين بعد أن انعقدت أسبابه، ولاحت بوادره، {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}.
فكيف ترجو أمة عصت ربها، وخالفت أمر نبيها، وتفرقت كلمتها أن يتنزل عليها نصر الله وتمكينه؟. وبالمعاصي تدور الدوائر، ففاضت أرواح في تلك المعركة بسبب خطيئة، وخرج آدم من الجنة بمعصيته، و((دخلت امرأة النار في هرة)) فما الذي أهلك الأمم السابقة وطمس الحضارات البائدة سوى الذنوب والمعاصي{ فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} ، فالمعاصي سبب كل عناء وطريق كل وشقاء ما حلت في ديار إلا أهلكتها ولا فشت في مجتمعات إلا دمرتها وأزالتها وما أهلك الله تعالى أمه إلا بذنب وما نجى وما فاز من فاز إلا بتوبة وطاعة ، قال مجاهد رحمه الله:" إن البهائم لتلعن عصاة بني آدم إذا اشتدت السنة وأمسك المطر وتقول هذا شؤمه معصية بني آدم" وما تخلف النصر اليوم الا بالمعاصي وترك العبادات وروح المسلم الشجي القوي بل ذهبت عنا نخوة العرب وحفظ كرامتهم فصرنا ما نحن عليه اليوم من الذل والهوان فالله المستعان .
• خطورة إيثار الدنيا على الآخرة .
وهذه المعركة تعلمنا كذلك خطورة إيثار الدنيا على الآخرة، وأن ذلك مما يفقد الأمة عون الله ونصره وتأييده ، قال ابن مسعود: " ما كنت أرى أحداً من أصحاب رسول الله - - صلى الله عليه وسلم -- يريد الدنيا حتى نزل فينا يوم أحد { مِنْكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُم مَّن يُرِيدُ الآَخِرَةَ } "، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -قال: «إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء»
قال ابن عباس - رضي الله عنه -: لما هزم الله المشركين يوم أحد، قال الرماة: (أدركوا الناس ونبي الله، لا يسبقوكم إلى الغنائم، فتكون لهم دونكم) وقال بعضهم: (لا نبرح حتى يأذن لنا النبي - صلى الله عليه وسلم ) فنزلت: ( مِنْكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُم مَّن يُرِيدُ الآَخِرَةَ ) .
وفي ذلك درس عظيم يبين أن حب الدنيا والتعلق بها قد يتسلل إلى قلوب أهل الإيمان والصلاح ، وربما خفي عليهم ذلك ، فآثروها على ما عند الله ، مما يوجب على المرء أن يتفقد نفسه وأن يفتش في خباياها ، وأن يزيل كل ما من شأنه أن يحول بينها وبين الاستجابة لأوامر الله ونواهيه.
وقد وردت نصوص عديدة من آيات وأحاديث تبين منزلة الدنيا عند الله وتصف زخارفها وأثرها على فتنة الإنسان، وتحذر من الحرص عليها,
قال تعالى:( زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ) وقد حذر الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - أمته من الاغترار بالدنيا، والحرص الشديد عليها في أكثر من موضع ، وذلك لما لهذا الحرص من أثره السيئ على الأمة عامة وعلى من يحملون لواء الدعوة خاصة.
إن الذي حدث في أحد عبرة عظيمة للدعاة وتعليمًا لهم بأن حب الدنيا قد يتسلل إلى قلوب أهل الإيمان ويخفى عليهم ، فيؤثرون الدنيا ومتاعها على الآخرة ومتطلبات الفوز بنعيمها ، ويعصون أوامر الشرع الصريحة كما عصى الرماة أوامر الرسول - صلى الله عليه وسلم - الصريحة بتأويل ساقط ، يرفعه هوى النفس وحب الدنيا ، فيخالفون الشرع وينسون المحكم من أوامره ، كل هذا يحدث ويقع من المؤمن وهو غافل عن دوافعه الخفية ، وعلى رأسها حب الدنيا ، وإيثارها على الآخرة ومتطلبات الإيمان ، وهذا يستدعي من الدعاة التفتيش الدائم الدقيق في خبايا نفوسهم واقتلاع حب الدنيا منها، حتى لا تحول بينهم وبين أوامر الشرع ، ولا توقعهم في مخالفته بتأويلات ملفوفة بهوى النفس وتلفتها إلى الدنيا ومتاعها .
• ومع ذاك لا بد من الأخذ بالأسباب :
لا بد أيضاً من الأخذ بأسباب النصر المادية والمعنوية مع التوكل على الله والاعتماد عليه ، والإكثار من العبادة والطاعة وحفظ حرمات الله عزوجل ، وتجنب المعاصي وترك حب الدنيا وكراهية الموت مع تجنب الدعة والركض لوراء العشب والزرع وترك روح الجهاد والقتال في سبيل الله عزوجل والتمني لنيل الشهادة في سبيل الله والدين ، فقد ظاهر النبي - - صلى الله عليه وسلم -- بين درعين، ولبس لأْمَة الحرب ، وكافح معه الصحابة ، وقاتل عنه جبريل وميكائيل أشد القتال ، رغم أن الله عصمه من القتل.
• التضحية من أجل الدين:
إن هذا الدين وصل إلينا بعد كفاح مرير من الصحابة والأسلاف، ذاقوا فيه مرارة المصائب والمحن : أنس بن النضر يصاب غزوة الاحد ببضع وثمانين جراحة ، ثم مثّل به بعدها ، فلم يعرفه أحد سوى أخته عرفته ببنانه ، وفي سعد بن الربيع سبعون طعنة ، فماذا قدمنا لديننا؟؟ وللصحابة الكرام الصُحبة والسبق والإقدام، تقطعت منهم الأشلاء ، وتمزقت الأجساد ، وترمل النساء ، قدَّموا أرواحهم فداء لهذا الدين ، حتى وصل إلينا كاملاً متمّماً ، فاقدر لهم قدرهم ، واشكر لهم سعيهم ، وترض عنهم ، فقد أحبهم ربهم، - رضي الله عنهم وأرضاهم .
• العاقبة للمتقين :
وليعلم المؤمنون في كل معركة وملحمة ان للحق جولة ، وللباطل صولة ، والعاقبة للتقوى ، فلا تيأس من إصلاح المجتمع ، ولا تقنط من هدايته ، فصَبَر النبي على الأذى والجراح ، حتى دخل الناس أفواجاً في دين الله ، إن عواقب الأمور كلها بيد الله ، فامض في الدعوة ، وداوم على الدعاء ، وهداية البشر بيد خالق البشر، فمما ورد في غزوة احد ان أبو سفيان يقود المشركين، وشعاره:"اعلُ هُبل"، وفي فتح مكة يقول:"لا إله إلا الله".ووحشي يقتل حمزة، ثم يُسلم ويقتل مُدعي النبوة مسيلمة الكذاب ، وها هي القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء فجاهد وقاتل وكافح وقاوم وردد اللهم يا مثبت القلوب ثبت قلبي على دينك .
كان هذا ما تيسر لي من المعالم في هذه المعركة المعروفة بمعركة (بلاط_الشهداء) وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم .
كتبه الشيخ شرماركي محمد عيسى
2 من رمضان 1440 هرجيسيا . ...المزيد
#خواطر_رمضانية (1) معالم دعوية ومنهجية في قوله تعالى : ( أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة ...
#خواطر_رمضانية (1)
معالم دعوية ومنهجية
في قوله تعالى :
( أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ) .
كان المأثور والمعروف عن حياة المسلمين علو همتهم في نشر الدعوة الإسلامية وإستباقهم إليها فكان الدعاة إلى الله تعالى يسيحون لنشر الدعوة وتبليغها ويبادئون الناس بالكلام ولا ينتظرون مجيء الناس إليهم وهكذا كان شأن الدعاة دوما وسيظل إن شاء الله .
يقول توماس أرنولد عن تحمس المسلمين لنشر الإسلام على الساحل الغربي من أفريقية : وإذا ما اجتمع في مدينة ستة رجال منهم وأقل من ذلك أو أكثر وعزموا على أن يقيموا فيها فترة من الزمن سارعوا إلى بناء المسجد وأخذوا ينشرون الدعوة .
وخير دليل على ذالك قصة نشر الدعوة في المدينة المنورة يقول البراء بن عازب : أول من قدم علينا مصعب بن عمير وابن أم مكتوم ، وكانوا يقرءون الناس... سبحان الله! ما منع العمى ابن أم مكتوم عن الدعوة إلى الله فرحمه الله ورضي الله عنه.
وورد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : ( إن لله عند كل بدعة كيد بها الإسلام ولياً من أوليائه يذب عنها وينطق بعلاماتها ، فاغتنموا حضور تلك المواطن )
قال ابن القيم : مقام الدعوة إلى الله أشرف مقامات التعبد .
ويقول أيضاً : فالدعوة إلى الله تعالى هي وظيفة المرسلين وأتباعهم وهم خلفاء الرسل في أممهم والناس تبع لهم .
قال القرطبي : فجعل الله تعالى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. فرقاً بين المؤمنين والمنافقين ، فدل على أن أخص أوصاف المؤمنين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .. ورأسها الدعاء إلى الإسلام.
قال أبو قاسم الغرناطي في ذكر قصة نوح : ذكر أولاً أنه دعاهم بالليل والنهار ثم ذكر أنه دعاهم جهاراً ثم ذكر أنه جمع بين الجهر والإسرار وهذه غاية الجد في النصيحة وتبليغ الرسالة.
صورة نوح في دعوته وهو لا يمل ولا يفتر ولا ييأس أمام الإعراض والإصرار هي صورة لإصرار الداعية على الدعوة.
يقول زياد الزبيدي الذي كان في جند عمرو بن العاص : فجعلنا نأتي بالرجل ممن في أيدينا ثم نخيره بين الإسلام والنصرانية فإذا اختار الإسلام كبرنا تكبيرة هي أشد من تكبيرنا حين تفتح القرية.. من حرصهم على دعوة الناس.
يقول عمر بن الخطاب: إنما بعثت عمالا ليعلموكم كتاب ربكم وسنة نبيكم ويقيموا بينكم دينكم.
ما كان يشغل الدعاة إلى الله عن الدعوة التي امتزجت بدمائهم شاغل مهما عظم ولله صبرهم في نشر دعوتهم وإسلامهم .. وحياتهم من أجل نشره.
فانظروا إلى حرص النساء.. فهذه أم سليم تلقن ابنها أنس شهادة الإسلام رغم معارضة زوجها ودعت أبا طلحة إلى الإسلام حينما تقدم إليها ولم ترتض منه مهرا سوى الإسلام.
لا نجاح للدعوة ولا وصول للغاية إن أعطيناها فضول الأوقات ولم ننس أنفسنا وطعامنا من أجل إبلاغ الناس لكلام الله عزوجل ولا سيما في هذا الزمن الذي كثرت فيه الفتن، واشتدت المحن، وتكالبت صروف الدهر ونوائبه على أمة الإسلام ، وماجت عهود الناس ومواثيقهم ، واستشرى الجهل بالدين ، وتميعت عقيدة المسلمين ؛ تبرز أهمية حركة تصحيح المسار ، المتمثلة بالدعوة إلى الله عز وجل على بصيرة ، وإصلاح أوضاع الناس بالحكمة ، وهو ما يعزز فضل الدعوة إلى الله ، وفضل أصحابها من العلماء والدعاة والمخلصين من أبناء الجماعات الإسلامية ، الذي قد حملوا لواء تعبيد الناس لربهم ، وتصحيح معتقداتهم، وغرس القيم والمفاهيم الصحيحة في قلوبهم، رغم ما يلاقون من الأذى والاستهزاء، وسائر صنوف الابتلاء، ولا يزيدهم ذلك مع مرور الأيام إلا رفعة وعزة ومكانة في قلوب الناس. ويكفي في بيان فضلهم وحاجة الناس إليهم ولابد للداعية المسلم ان يكون قوي العزيمة ، حريص على الطاعة ، مستعين بالله ، مبتعد عن العجز والكسل ، فإن تحققت أهدافه التي ينشدها ، فهذه منة من الله ، وإن غلبته الأمور وتعسرت عليه - بعد أخذه بالأسباب الملائمة - كان منه حينئذ التسليم لقضاء الله والرضا به ، وعدم اليأس والقنوط مما فاته ، أو البحث والتنقيب عن حجج يعلق عليها أخطاءه ، لأن ذلك طريق للشيطان ، يؤدي إلى ضعف العزيمة وانحطاط الهمة .
المعالم الدعوية في الآية الكريمة :
إنَّ كلام الله تعالى له تأثير عجيب على الجمادات التي هي فاقدة جميع حواس الإدراك، من السمع والبصر والعقل، فكيف لا يكون له تأثير على إنسان منَّ الله عليه بجميع مدارك الإدراك!
قال تعالى: ﴿ لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الحشر: 21]
إذا كانت هذه الجبال الصم، لو سمعت كلام الله تعالى وفهمته، لخشعت وتصدعت من خشيته.فكيف بكم يا أيها البشر وقد سمعتم وفهمتم ؟
لذا ينبغي على الداعية أن يأخذ معالمه وأسلوبه من القران الكريم وأن يجعل عنوان حياته وأخلاقه هذا الكتاب المعجز .
المعلم الاول : الوضوح والبيان {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي...........
أن يصدح الداعية بدعوته، موضحا لأتباعه المنهج الذي يسعى لنشره، والطريقة التي يسير عليها، والوسائل التي يستخدمها، والغاية التي يريد أن يصل إليها، والابتلاءات التي قد يلاقيها بسبب دعوته، لا أن تكون دعوته محل غموض أو خفى، بل في غاية من الوضوح له أولاً، ولمن تبعه ثانيا؛ مصطحبين ذلك الوضوح في جميع مراحل الدعوة، حتى يكونوا على بينة من أمرهم، وأولى قضايا الوضوح الدعوي التي ينبغي الاعتناء بها؛ هي قضايا التوحيد، وأسس العقيدة الصحيحة، لا أن تكون الدعوة مجرد مواعظ مؤثرة، وخطب رنانة تزول بزوال المؤثر، ليفاجأ الداعية عند أول محنة تساقط الأتباع، وقلة النصير، بسبب غياب هذا المعلم في بداية الطريق. قال السعدي –رحمه الله-: \"يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {قُلْ} للناس {هَذِهِ سَبِيلِي} أي: طريقي التي أدعو إليها، وهي السبيل الموصلة إلى الله وإلى دار كرامته، المتضمنة للعلم بالحق والعمل به وإيثاره، وإخلاص الدين لله وحده لا شريك له، {أَدْعُو إِلَى اللَّهِ} أي: أحثُّ الخلق والعباد إلى الوصول إلى ربهم، وأرغِّبهم في ذلك وأرهِّبهم مما يبعدهم عنه\)
لقد كانت \"لا إله إلا الله\" واضحة الكلمات والمعاني لدى كفار القريش حينما طلب منهم النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يقولوها فيملكوا بها العرب، وتدين لهم بها العجم، بأنها دعوة صريحة، ومبدأ قويم لهذا الدين القائم العبودية المطلقة لله –تعالى-، ونفي ما سواه من المعبودات الباطلة، ولكنهم أبوا أن يقولوها، بل وحاربوها. وفي المقابل نجد صورة مشرقة في بيعة العقبة لوضوح الدعوة ومنهجها وتبعاتها لدى الداعي والمدعو، واستجابتهم لها، يقول ابن إسحاق –رحمه الله-: \"إن القوم لما اجتمعوا لبيعة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال العباس بن عبادة بن نضلة الأنصاري أخو بني سالم بن عوف: يا معشر الخزرج! هل تدرون علام تبايعون هذا الرجل؟ قالوا\" نعم، قال: إنكم تبايعونه على حرب الأحمر والأسود من الناس، فأن كنتم ترون أنكم إذا نهكت أموالكم مصيبة، وأشرافكم قتلا؛ أسلمتموه فمن الآن، فهو والله إن فعلتم خزي الدينا والآخرة، وإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه على نهكة الأموال، وقتل الأشراف فخذوه، فهو والله خير الدينا والآخرة، قالوا: فإنا نأخذه على مصيبة الأموال، وقتل الأشراف، فما لنا بذلك يا رسول الله إن نحن وفينا؟ قال: الجنة. قالوا: ابسط يدك، فبسط يده فبايعوه\" )
لذا؛ ينبغي أن يكون هذا المـَعْلم قيمة تربوية يتربى عليها أتباع الدعوة، وجند العقيدة، وأن يطالبوا من قياداتهم بيان منهجهم الذي يدعون إليه، سواء كان ذلك معلوما، أم مكتوبا، ولذا فقد دأب السلف الصالح على كتابة العقيدة الإسلامية الصحيحة وتدوينها؛ لبيان المنهج السليم، ووضوح الطريق القويم، والحفاظ على هوية الأمة، حتى لا يدخل معهم من ليس منهم ، ممن يريدون التسلق على تضحيات أبناء الدعوة لتحقيق مآربهم ومكاسبهم، أو أن تصاب قضايا المنهج وثوابته بآفة النسيان، مع مرور الزمان، لتصبح مجرد أفكار قابلة للتغيير، وتصورات خاضعة للمراجعة بما يتوافق مع طبيعة الصراع، أو مستجدات الواقع.
المعلم الثاني : الحجة والبرهان { أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ.....
أن تكون هذه الدعوة قائمة على الأسس الشرعية، والدلالات العقلية، التي تمثل في مجموعها مفهوم البصيرة، كما وضح ذلك ابن كثير –رحمه الله - في تفسيره للآية السابقة بقوله: \"هي الدعوة إلى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يدعو إلى الله بها على بصيرة من ذلك، ويقين وبرهان، هو وكل من اتبعه، يدعو إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم على بصيرة ويقين، وبرهان شرعي وعقلي) .
ومن هنا لزم على الدعاة أن تكون لهم قيمة علمية يحملونها للناس، ولمن أرادوا دعوتهم من المخالفين، لا أن تكون دعوتهم قائمة على تصورات خاطئة، ومعتقدات باطلة، وأفكار مضللة، ومشاريع قاصرة، بل دعوة تتميز بقوة الحجة، ووضوح المحجة، تؤثر بذاتها، وتقنع بطرحها، ترتقي بالداعية إلى الله إلى الرفعة، والمنازل العالية. قد تسلح الداعية إلى الله بسلاح العلم والحكمة؛ ليعظم أثره على الناس، وليرتقي للدرجات الرفيعة، والمنزلة السامية؛ قال ابن القيم –رحمه الله-: \"أن تصل باستدلالك إلى أعلى درجات العلم، وهي البصيرة التي تكون نسبة العلوم فيها إلى القلب كنسبة المرئي إلى البصر. وهذه هي الخصيصة التي اختص بها الصحابة عن سائر الأمة، وهي أعلى درجات العلماء\" ) .
مَعْلم الثالث: اليقين { أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ...........
يقين الداعية بأن المنهج الذي يحمله هو المنهج القويم، والطريق المستقيم، والنور المبين، الذي من تمسك به نجا، ومن سلك طريقه كان على الهدى، ومن مات عليه نال غاية المنى، مهما طال الطريق. وهو معلم رصين ومعنى دقيق من معاني البصيرة، كما قال الثعلبي –رحمه الله-: \"أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ على يقين، يقال: فلان مستبصر في كذا أي مستيقن\")
فمهما شكك المرتابون، وتساقط المخذولون، وأيس العاملون، واستعجل الثمار المتهورون، وأرجف المنافقون، وأوعد المتربصون، وهدد المخالفون، فإن هذه القيمة –اليقين- ينبغي أن تكون حاضرة أمام الدعاة إلى الله وهم يواجهون هذه التحديات، وأن ما هم عليه هو اليقين الذي لا يقبل الشك، والعقيدة التي لا ترضى بالشرك -بكافة صورة القديمة والمعاصرة-، ومنهج التغيير السليم الذي لا يساوم بغيره من المناهج الباطلة وإن طال الزمن، فاليقين طريق إلى الإمامة في الدين، ولو بعد حين. قال ابن القيم –رحمه الله-: \"فإن الداعي إلى الله –تعالى- لا يتم له أمره إلا بيقينه للحق الذي يدعو إليه، وبصيرته به، وصبره على تنفيذ الدعوة إلى الله؛ باحتمال مشاق الدعوة، وكف النفس عما يوهن عزمه ويضعف إرادته، فمن كان بهذه المثابة كان من الأئمة الذين يهدون بأمره –تعالى-\")
• المَعْلم الرابع: لزوم الإتباع {أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي......
دعوة نحو اتباع الحق، ولزوم الشرع، واستمساك بالهدي، وتسليم للنص، وترك ما سوى ذلك من الأهواء الشخصية، والآراء العقلانية، ووجهات النظر المنحرفة، بسبب التأثر بالمخالف، والانبهار بنهضة الآخر، وجلد النفس من الداخل، تحت مسمى حركة التنوير العصرانية، الداعية إلى حرية فهم النص، وتفسيره تفسيرا ينأ به عن جادة طريقة السلف؛ لينشأ على إثرها جيلاً من أبناء الدعوة مشوه الفكر، متخبط في الاستدلال، مشتت في الرؤى والتصورات، متمرد على الحق.
يقول ابن القيم –رحمه الله- في تفسير الآية السابقة: \"أخبر -تعالى- أن من اتبع الرسول يدعو إلى الله، ومن دعا إلى الله على بصيرة وجب اتباعه، ولأن من دعا إلى الله على بصيرة فقد دعا إلى الحق عالما به، والدعاء إلى أحكام الله دعاء إلى الله؛ لأنه دعاء إلى طاعته فيما أمر ونهى، وإذاً فالصحابة -رضوان الله عليهم- قد اتبعوا الرسول -صلى الله عليه وسلم- فيجب اتباعهم إذا دعوا إلى الله\" )
• المَعْلم الخامس: التميز والشموخ {.. وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ.........
أن تكون هذه الدعوة متميزة بمنهجها، مستقلة بتصوراتها ونظرتها نحو التغيير المنشود، لا أن تكون عقلانية التصور، عاطفية التأثر، تقبع في أسر الهزيمة النفسية، الداعية إلى التأثر بالأطروحات المخالفة في الخارج، أو التخبطات القيادية في الداخل، بل ينبغي أن تكون هذه الدعوة كالشامة في جبين الدعوات المنحرفة، متميزة بامتلاكها معالم الطريق القويم لتمكين هذا الدين، وعودة شريعة رب العالمين، لتكون هي الحاكمة والسائدة، لينعم بها الناس سعادة الدنيا، ونجاة الآخرة، وبذلك يحصل لهم الفلاح، وهي الغاية العظمى، والمنتهى الأسمى لهذه الدعوة.
يقول سيد قطب –رحمه الله- مبيناً هذا التميز الذي ينبغي أن يتحلى به أصحاب المنهج القويم، والدعوة الراشدة: \"وأصحاب الدعوة إلى الله لا بد لهم من هذا التميز، لا بد لهم أن يعلنوا أنهم أمة وحدهم، يفترقون عمن لا يعتقد عقيدتهم، ولا يسلك مسلكهم، ولا يدين لقيادتهم، ويتميزون ولا يختلطون! ولا يكفي أن يدعوا أصحاب هذا الدين إلى دينهم، وهم متميعون في المجتمع الجاهلي. فهذه الدعوة لا تؤدي شيئاً ذا قيمة! إنه لا بد لهم منذ اليوم الأول أن يعلنوا أنهم شيء آخر غير الجاهلية وأن يتميزوا بتجمع خاص آصرته العقيدة المتميزة، وعنوانه القيادة الإسلامية.. لا بد أن يميزوا أنفسهم من المجتمع الجاهلي وأن يميزوا قيادتهم من قيادة المجتمع الجاهلي أيضاً! إن اندغامهم وتميعهم في المجتمع الجاهلي، وبقاءهم في ظل القيادة الجاهلية، يذهب بكل السلطان الذي تحمله عقيدتهم، وبكل الأثر الذي يمكن أن تنشئه دعوتهم، وبكل الجاذبية التي يمكن أن تكون للدعوة الجديدة.
وهذه الحقيقة لم يكن مجالها فقط هو الدعوة النبوية في أوساط المشركين.. إن مجالها هو مجال هذه الدعوة كلما عادت الجاهلية فغلبت على حياة الناس.. والذين يظنون أنهم يصلون إلى شيء عن طريق التميع في المجتمع الجاهلي والأوضاع الجاهلية، والتدسس الناعم من خلال تلك المجتمعات ومن خلال هذه الأوضاع بالدعوة إلى الإسلام.. هؤلاء لا يدركون طبيعة هذه العقيدة ولا كيف ينبغي أن تطرق القلوب!.. إن أصحاب المذاهب الإلحادية أنفسهم يكشفون عن عنوانهم وواجهتهم ووجهتهم! أفلا يعلن أصحاب الدعوة إلى الإسلام عن عنوانهم الخاص؟ وطريقهم الخاص؟ وسبيلهم التي تفترق تماماً عن سبيل الجاهلية؟ )
إنها معالم منهجية تمثل أولويات فقه المراجعة التي ينبغي أن تكون محل اهتمام قادة العمل الإسلامي لتصحيح المسار، وإعادة البناء الدعوي والتربوي لأبناء الدعوة ولمن تبعهم، لكي ينعموا بغد مشرق بالنصر والتمكين .
إقتبست من هذه المعالم الخمس من أخونا الدكتور تميم محمد عبد الله الأصنج .
أما باقي المقالة فهي من قلم أخوكم الشيخ شرماركي محمد عيسى ( بخاري )
1440هــــــــــ الموافق 2019 مــــــ ...المزيد
معالم دعوية ومنهجية
في قوله تعالى :
( أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ) .
كان المأثور والمعروف عن حياة المسلمين علو همتهم في نشر الدعوة الإسلامية وإستباقهم إليها فكان الدعاة إلى الله تعالى يسيحون لنشر الدعوة وتبليغها ويبادئون الناس بالكلام ولا ينتظرون مجيء الناس إليهم وهكذا كان شأن الدعاة دوما وسيظل إن شاء الله .
يقول توماس أرنولد عن تحمس المسلمين لنشر الإسلام على الساحل الغربي من أفريقية : وإذا ما اجتمع في مدينة ستة رجال منهم وأقل من ذلك أو أكثر وعزموا على أن يقيموا فيها فترة من الزمن سارعوا إلى بناء المسجد وأخذوا ينشرون الدعوة .
وخير دليل على ذالك قصة نشر الدعوة في المدينة المنورة يقول البراء بن عازب : أول من قدم علينا مصعب بن عمير وابن أم مكتوم ، وكانوا يقرءون الناس... سبحان الله! ما منع العمى ابن أم مكتوم عن الدعوة إلى الله فرحمه الله ورضي الله عنه.
وورد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : ( إن لله عند كل بدعة كيد بها الإسلام ولياً من أوليائه يذب عنها وينطق بعلاماتها ، فاغتنموا حضور تلك المواطن )
قال ابن القيم : مقام الدعوة إلى الله أشرف مقامات التعبد .
ويقول أيضاً : فالدعوة إلى الله تعالى هي وظيفة المرسلين وأتباعهم وهم خلفاء الرسل في أممهم والناس تبع لهم .
قال القرطبي : فجعل الله تعالى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. فرقاً بين المؤمنين والمنافقين ، فدل على أن أخص أوصاف المؤمنين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .. ورأسها الدعاء إلى الإسلام.
قال أبو قاسم الغرناطي في ذكر قصة نوح : ذكر أولاً أنه دعاهم بالليل والنهار ثم ذكر أنه دعاهم جهاراً ثم ذكر أنه جمع بين الجهر والإسرار وهذه غاية الجد في النصيحة وتبليغ الرسالة.
صورة نوح في دعوته وهو لا يمل ولا يفتر ولا ييأس أمام الإعراض والإصرار هي صورة لإصرار الداعية على الدعوة.
يقول زياد الزبيدي الذي كان في جند عمرو بن العاص : فجعلنا نأتي بالرجل ممن في أيدينا ثم نخيره بين الإسلام والنصرانية فإذا اختار الإسلام كبرنا تكبيرة هي أشد من تكبيرنا حين تفتح القرية.. من حرصهم على دعوة الناس.
يقول عمر بن الخطاب: إنما بعثت عمالا ليعلموكم كتاب ربكم وسنة نبيكم ويقيموا بينكم دينكم.
ما كان يشغل الدعاة إلى الله عن الدعوة التي امتزجت بدمائهم شاغل مهما عظم ولله صبرهم في نشر دعوتهم وإسلامهم .. وحياتهم من أجل نشره.
فانظروا إلى حرص النساء.. فهذه أم سليم تلقن ابنها أنس شهادة الإسلام رغم معارضة زوجها ودعت أبا طلحة إلى الإسلام حينما تقدم إليها ولم ترتض منه مهرا سوى الإسلام.
لا نجاح للدعوة ولا وصول للغاية إن أعطيناها فضول الأوقات ولم ننس أنفسنا وطعامنا من أجل إبلاغ الناس لكلام الله عزوجل ولا سيما في هذا الزمن الذي كثرت فيه الفتن، واشتدت المحن، وتكالبت صروف الدهر ونوائبه على أمة الإسلام ، وماجت عهود الناس ومواثيقهم ، واستشرى الجهل بالدين ، وتميعت عقيدة المسلمين ؛ تبرز أهمية حركة تصحيح المسار ، المتمثلة بالدعوة إلى الله عز وجل على بصيرة ، وإصلاح أوضاع الناس بالحكمة ، وهو ما يعزز فضل الدعوة إلى الله ، وفضل أصحابها من العلماء والدعاة والمخلصين من أبناء الجماعات الإسلامية ، الذي قد حملوا لواء تعبيد الناس لربهم ، وتصحيح معتقداتهم، وغرس القيم والمفاهيم الصحيحة في قلوبهم، رغم ما يلاقون من الأذى والاستهزاء، وسائر صنوف الابتلاء، ولا يزيدهم ذلك مع مرور الأيام إلا رفعة وعزة ومكانة في قلوب الناس. ويكفي في بيان فضلهم وحاجة الناس إليهم ولابد للداعية المسلم ان يكون قوي العزيمة ، حريص على الطاعة ، مستعين بالله ، مبتعد عن العجز والكسل ، فإن تحققت أهدافه التي ينشدها ، فهذه منة من الله ، وإن غلبته الأمور وتعسرت عليه - بعد أخذه بالأسباب الملائمة - كان منه حينئذ التسليم لقضاء الله والرضا به ، وعدم اليأس والقنوط مما فاته ، أو البحث والتنقيب عن حجج يعلق عليها أخطاءه ، لأن ذلك طريق للشيطان ، يؤدي إلى ضعف العزيمة وانحطاط الهمة .
المعالم الدعوية في الآية الكريمة :
إنَّ كلام الله تعالى له تأثير عجيب على الجمادات التي هي فاقدة جميع حواس الإدراك، من السمع والبصر والعقل، فكيف لا يكون له تأثير على إنسان منَّ الله عليه بجميع مدارك الإدراك!
قال تعالى: ﴿ لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الحشر: 21]
إذا كانت هذه الجبال الصم، لو سمعت كلام الله تعالى وفهمته، لخشعت وتصدعت من خشيته.فكيف بكم يا أيها البشر وقد سمعتم وفهمتم ؟
لذا ينبغي على الداعية أن يأخذ معالمه وأسلوبه من القران الكريم وأن يجعل عنوان حياته وأخلاقه هذا الكتاب المعجز .
المعلم الاول : الوضوح والبيان {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي...........
أن يصدح الداعية بدعوته، موضحا لأتباعه المنهج الذي يسعى لنشره، والطريقة التي يسير عليها، والوسائل التي يستخدمها، والغاية التي يريد أن يصل إليها، والابتلاءات التي قد يلاقيها بسبب دعوته، لا أن تكون دعوته محل غموض أو خفى، بل في غاية من الوضوح له أولاً، ولمن تبعه ثانيا؛ مصطحبين ذلك الوضوح في جميع مراحل الدعوة، حتى يكونوا على بينة من أمرهم، وأولى قضايا الوضوح الدعوي التي ينبغي الاعتناء بها؛ هي قضايا التوحيد، وأسس العقيدة الصحيحة، لا أن تكون الدعوة مجرد مواعظ مؤثرة، وخطب رنانة تزول بزوال المؤثر، ليفاجأ الداعية عند أول محنة تساقط الأتباع، وقلة النصير، بسبب غياب هذا المعلم في بداية الطريق. قال السعدي –رحمه الله-: \"يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {قُلْ} للناس {هَذِهِ سَبِيلِي} أي: طريقي التي أدعو إليها، وهي السبيل الموصلة إلى الله وإلى دار كرامته، المتضمنة للعلم بالحق والعمل به وإيثاره، وإخلاص الدين لله وحده لا شريك له، {أَدْعُو إِلَى اللَّهِ} أي: أحثُّ الخلق والعباد إلى الوصول إلى ربهم، وأرغِّبهم في ذلك وأرهِّبهم مما يبعدهم عنه\)
لقد كانت \"لا إله إلا الله\" واضحة الكلمات والمعاني لدى كفار القريش حينما طلب منهم النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يقولوها فيملكوا بها العرب، وتدين لهم بها العجم، بأنها دعوة صريحة، ومبدأ قويم لهذا الدين القائم العبودية المطلقة لله –تعالى-، ونفي ما سواه من المعبودات الباطلة، ولكنهم أبوا أن يقولوها، بل وحاربوها. وفي المقابل نجد صورة مشرقة في بيعة العقبة لوضوح الدعوة ومنهجها وتبعاتها لدى الداعي والمدعو، واستجابتهم لها، يقول ابن إسحاق –رحمه الله-: \"إن القوم لما اجتمعوا لبيعة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال العباس بن عبادة بن نضلة الأنصاري أخو بني سالم بن عوف: يا معشر الخزرج! هل تدرون علام تبايعون هذا الرجل؟ قالوا\" نعم، قال: إنكم تبايعونه على حرب الأحمر والأسود من الناس، فأن كنتم ترون أنكم إذا نهكت أموالكم مصيبة، وأشرافكم قتلا؛ أسلمتموه فمن الآن، فهو والله إن فعلتم خزي الدينا والآخرة، وإن كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه إليه على نهكة الأموال، وقتل الأشراف فخذوه، فهو والله خير الدينا والآخرة، قالوا: فإنا نأخذه على مصيبة الأموال، وقتل الأشراف، فما لنا بذلك يا رسول الله إن نحن وفينا؟ قال: الجنة. قالوا: ابسط يدك، فبسط يده فبايعوه\" )
لذا؛ ينبغي أن يكون هذا المـَعْلم قيمة تربوية يتربى عليها أتباع الدعوة، وجند العقيدة، وأن يطالبوا من قياداتهم بيان منهجهم الذي يدعون إليه، سواء كان ذلك معلوما، أم مكتوبا، ولذا فقد دأب السلف الصالح على كتابة العقيدة الإسلامية الصحيحة وتدوينها؛ لبيان المنهج السليم، ووضوح الطريق القويم، والحفاظ على هوية الأمة، حتى لا يدخل معهم من ليس منهم ، ممن يريدون التسلق على تضحيات أبناء الدعوة لتحقيق مآربهم ومكاسبهم، أو أن تصاب قضايا المنهج وثوابته بآفة النسيان، مع مرور الزمان، لتصبح مجرد أفكار قابلة للتغيير، وتصورات خاضعة للمراجعة بما يتوافق مع طبيعة الصراع، أو مستجدات الواقع.
المعلم الثاني : الحجة والبرهان { أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ.....
أن تكون هذه الدعوة قائمة على الأسس الشرعية، والدلالات العقلية، التي تمثل في مجموعها مفهوم البصيرة، كما وضح ذلك ابن كثير –رحمه الله - في تفسيره للآية السابقة بقوله: \"هي الدعوة إلى شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يدعو إلى الله بها على بصيرة من ذلك، ويقين وبرهان، هو وكل من اتبعه، يدعو إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم على بصيرة ويقين، وبرهان شرعي وعقلي) .
ومن هنا لزم على الدعاة أن تكون لهم قيمة علمية يحملونها للناس، ولمن أرادوا دعوتهم من المخالفين، لا أن تكون دعوتهم قائمة على تصورات خاطئة، ومعتقدات باطلة، وأفكار مضللة، ومشاريع قاصرة، بل دعوة تتميز بقوة الحجة، ووضوح المحجة، تؤثر بذاتها، وتقنع بطرحها، ترتقي بالداعية إلى الله إلى الرفعة، والمنازل العالية. قد تسلح الداعية إلى الله بسلاح العلم والحكمة؛ ليعظم أثره على الناس، وليرتقي للدرجات الرفيعة، والمنزلة السامية؛ قال ابن القيم –رحمه الله-: \"أن تصل باستدلالك إلى أعلى درجات العلم، وهي البصيرة التي تكون نسبة العلوم فيها إلى القلب كنسبة المرئي إلى البصر. وهذه هي الخصيصة التي اختص بها الصحابة عن سائر الأمة، وهي أعلى درجات العلماء\" ) .
مَعْلم الثالث: اليقين { أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ...........
يقين الداعية بأن المنهج الذي يحمله هو المنهج القويم، والطريق المستقيم، والنور المبين، الذي من تمسك به نجا، ومن سلك طريقه كان على الهدى، ومن مات عليه نال غاية المنى، مهما طال الطريق. وهو معلم رصين ومعنى دقيق من معاني البصيرة، كما قال الثعلبي –رحمه الله-: \"أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ على يقين، يقال: فلان مستبصر في كذا أي مستيقن\")
فمهما شكك المرتابون، وتساقط المخذولون، وأيس العاملون، واستعجل الثمار المتهورون، وأرجف المنافقون، وأوعد المتربصون، وهدد المخالفون، فإن هذه القيمة –اليقين- ينبغي أن تكون حاضرة أمام الدعاة إلى الله وهم يواجهون هذه التحديات، وأن ما هم عليه هو اليقين الذي لا يقبل الشك، والعقيدة التي لا ترضى بالشرك -بكافة صورة القديمة والمعاصرة-، ومنهج التغيير السليم الذي لا يساوم بغيره من المناهج الباطلة وإن طال الزمن، فاليقين طريق إلى الإمامة في الدين، ولو بعد حين. قال ابن القيم –رحمه الله-: \"فإن الداعي إلى الله –تعالى- لا يتم له أمره إلا بيقينه للحق الذي يدعو إليه، وبصيرته به، وصبره على تنفيذ الدعوة إلى الله؛ باحتمال مشاق الدعوة، وكف النفس عما يوهن عزمه ويضعف إرادته، فمن كان بهذه المثابة كان من الأئمة الذين يهدون بأمره –تعالى-\")
• المَعْلم الرابع: لزوم الإتباع {أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي......
دعوة نحو اتباع الحق، ولزوم الشرع، واستمساك بالهدي، وتسليم للنص، وترك ما سوى ذلك من الأهواء الشخصية، والآراء العقلانية، ووجهات النظر المنحرفة، بسبب التأثر بالمخالف، والانبهار بنهضة الآخر، وجلد النفس من الداخل، تحت مسمى حركة التنوير العصرانية، الداعية إلى حرية فهم النص، وتفسيره تفسيرا ينأ به عن جادة طريقة السلف؛ لينشأ على إثرها جيلاً من أبناء الدعوة مشوه الفكر، متخبط في الاستدلال، مشتت في الرؤى والتصورات، متمرد على الحق.
يقول ابن القيم –رحمه الله- في تفسير الآية السابقة: \"أخبر -تعالى- أن من اتبع الرسول يدعو إلى الله، ومن دعا إلى الله على بصيرة وجب اتباعه، ولأن من دعا إلى الله على بصيرة فقد دعا إلى الحق عالما به، والدعاء إلى أحكام الله دعاء إلى الله؛ لأنه دعاء إلى طاعته فيما أمر ونهى، وإذاً فالصحابة -رضوان الله عليهم- قد اتبعوا الرسول -صلى الله عليه وسلم- فيجب اتباعهم إذا دعوا إلى الله\" )
• المَعْلم الخامس: التميز والشموخ {.. وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ.........
أن تكون هذه الدعوة متميزة بمنهجها، مستقلة بتصوراتها ونظرتها نحو التغيير المنشود، لا أن تكون عقلانية التصور، عاطفية التأثر، تقبع في أسر الهزيمة النفسية، الداعية إلى التأثر بالأطروحات المخالفة في الخارج، أو التخبطات القيادية في الداخل، بل ينبغي أن تكون هذه الدعوة كالشامة في جبين الدعوات المنحرفة، متميزة بامتلاكها معالم الطريق القويم لتمكين هذا الدين، وعودة شريعة رب العالمين، لتكون هي الحاكمة والسائدة، لينعم بها الناس سعادة الدنيا، ونجاة الآخرة، وبذلك يحصل لهم الفلاح، وهي الغاية العظمى، والمنتهى الأسمى لهذه الدعوة.
يقول سيد قطب –رحمه الله- مبيناً هذا التميز الذي ينبغي أن يتحلى به أصحاب المنهج القويم، والدعوة الراشدة: \"وأصحاب الدعوة إلى الله لا بد لهم من هذا التميز، لا بد لهم أن يعلنوا أنهم أمة وحدهم، يفترقون عمن لا يعتقد عقيدتهم، ولا يسلك مسلكهم، ولا يدين لقيادتهم، ويتميزون ولا يختلطون! ولا يكفي أن يدعوا أصحاب هذا الدين إلى دينهم، وهم متميعون في المجتمع الجاهلي. فهذه الدعوة لا تؤدي شيئاً ذا قيمة! إنه لا بد لهم منذ اليوم الأول أن يعلنوا أنهم شيء آخر غير الجاهلية وأن يتميزوا بتجمع خاص آصرته العقيدة المتميزة، وعنوانه القيادة الإسلامية.. لا بد أن يميزوا أنفسهم من المجتمع الجاهلي وأن يميزوا قيادتهم من قيادة المجتمع الجاهلي أيضاً! إن اندغامهم وتميعهم في المجتمع الجاهلي، وبقاءهم في ظل القيادة الجاهلية، يذهب بكل السلطان الذي تحمله عقيدتهم، وبكل الأثر الذي يمكن أن تنشئه دعوتهم، وبكل الجاذبية التي يمكن أن تكون للدعوة الجديدة.
وهذه الحقيقة لم يكن مجالها فقط هو الدعوة النبوية في أوساط المشركين.. إن مجالها هو مجال هذه الدعوة كلما عادت الجاهلية فغلبت على حياة الناس.. والذين يظنون أنهم يصلون إلى شيء عن طريق التميع في المجتمع الجاهلي والأوضاع الجاهلية، والتدسس الناعم من خلال تلك المجتمعات ومن خلال هذه الأوضاع بالدعوة إلى الإسلام.. هؤلاء لا يدركون طبيعة هذه العقيدة ولا كيف ينبغي أن تطرق القلوب!.. إن أصحاب المذاهب الإلحادية أنفسهم يكشفون عن عنوانهم وواجهتهم ووجهتهم! أفلا يعلن أصحاب الدعوة إلى الإسلام عن عنوانهم الخاص؟ وطريقهم الخاص؟ وسبيلهم التي تفترق تماماً عن سبيل الجاهلية؟ )
إنها معالم منهجية تمثل أولويات فقه المراجعة التي ينبغي أن تكون محل اهتمام قادة العمل الإسلامي لتصحيح المسار، وإعادة البناء الدعوي والتربوي لأبناء الدعوة ولمن تبعهم، لكي ينعموا بغد مشرق بالنصر والتمكين .
إقتبست من هذه المعالم الخمس من أخونا الدكتور تميم محمد عبد الله الأصنج .
أما باقي المقالة فهي من قلم أخوكم الشيخ شرماركي محمد عيسى ( بخاري )
1440هــــــــــ الموافق 2019 مــــــ ...المزيد
رمضان فرصتك للتغير ...
رمضان فرصتك للتغير .............................................................................................
يقول الله تعالى في كتابه العزيز: "إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ" ..
فهذه الآية ، سنة كونية يسطرها لنا الباري عز وجل في كتابه حتى نكون على بينة، وحتى لا نبتعد عن الجادة ونتوه عن الصواب، وحتى لا نضيِّع العروة الوثقى. هذه آية تمثل معادلة ثابتة مفادها أن الله لن يغير حال قوم من وضع مرضي مريح إلى وضع ضنك مذموم أو العكس إلا إذا غير هؤلاء القوم ما في قلوبهم، فإذا وجهوا قلوبهم إلى مولاهم وامتثلوا أوامره وابتعدوا عن نواهيه غيّر الله حالهم إلى أحسن حال، وإذا توجهت قلوبهم إلى الشهوات وارتكست أنفسهم في حمأة الرذيلة غيّر الله حالهم إلى أسوأ حال، يقول سبحانه: " فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى"
فهذا القانون الإلهي يعلمنا أننا لكي ننعم بحياة آمنة مرضية يأتينا رزقنا رغدًا فإننا لا بد أن نتفقد قلوبنا ونتفقد علاقتنا بمولانا، لا بد أن نرضي مولانا عز وجل، وعبثًا نحاول أن نصلح أحوالنا إذا نسينا هذا القانون الإلهي أو تجاهلناه، فسنن الله سبحانه لا تتغير ولا تتبدل، " سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً "
ومن المعلوم أن أعمار أمة الإسلام ما بين الستين والسبعين، كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، حيث قال: "أعمارُ أمتي ما بينَ الستِّينَ إلى السبعينَ، وأقلُّهم من يجوزُ ذلِكَ"، [صحيح الترمذي: 3550].
ولكن جُعلت لنا مواسم طاعة يتضاعف فيها الأجر وكأننا عشنا مئات السنين من الحسنات؛ فقط إن أحسنَّا استغلالها.
أهم مواسم الطاعة هذه، هو شهر رمضان وهو من الرزق المقدر الذي يُساق للعبد فأنت مُقدر لك أن تعيش في هذه الدنيا عددًا محددًا من الرمضانات، لذا لا تتعجب من كثرة الموت من حولك في شهر شعبان، فقد استنفدوا جميعًا عدد الرمضانات المقدرة لهم في أرزاقهم.
هذا الكلام أقوله حتى نستشعر جميعًا نعمةً يغيب عنا الإحساس الصادق في استشعارها من كثرة تكرار الأيام والسنين والرمضانات خلال أعمارنا، وهي نعمة إدراك شهر رمضان.
ثم الأهم بعد استشعار هذه النعمة العظيمة هو استغلالها وشكر الله فيها بالإكثار من الأعمال الصالحة بشكل عام، طوال أيامه ولياليه، فلا بد أن تدخله بكامل إيمانك وجدك واجتهادك، وكأنك في سوق مفتوح للحسنات ليس لك أي خيار فيه على الإطلاق إلا الربح.
داخل كل منا في فطرته التي فُطر عليها معرفة للخير، وكل منا يميل لباب أو عدة أبواب من أبواب الخير (صلاة - قراءة قرآن - صدقة...) مهما كان بنا من السوء، علينا أن ندخل هذا السوق الكبير من الباب الذي نحبه، ونغالب هوانا وأنفسنا والشيطان، حتى نتمكن من فتح أبواب أخرى نُكثف بها من الأعمال الصالحة.
لا تدخل رمضان بروحك التي تعيش بها في مستنقع الآثام في منتهى الاستسلام والتسليم بالأمر الواقع، فيصعب، بل يستحيل أن تدخل بهذه الروح دون عزم على تغيير نفسك ثم تنتظر أي تغيير، استعن بالله وابدأ في العزم والتجهز لدخول سوق الحسنات المفتوح هذا بروح عازمة على التوبة والتغيير، لتجد بهذه النية ثمرة ونتيجة تنعكس على روحك وقلبك.
لا تُعلق إقبالك على الله بشخص أو بشيء أو بحالة معينة، فإن أيامك بل أنفاسك محدودة معدودة وأنت الشخص الوحيد المنوط بك استغلالُها، فإن يسهل عليك إهدارها والتفريط فيها فأنت وحدك من يتحمل نتيجة ذلك، وإن حرصت عليها واستغللتها كما يجب أن تُستغل فأنت من يجازى بالخير عن ذلك، قال تعالى: ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ [الزلزلة: 7، 8]
كتبه الشيخ شرماركي محمد عيسى (بخاري)
هرجيسيا 2019مـ -1440 هــ
#خواطر_رمضانية. ...المزيد
يقول الله تعالى في كتابه العزيز: "إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ" ..
فهذه الآية ، سنة كونية يسطرها لنا الباري عز وجل في كتابه حتى نكون على بينة، وحتى لا نبتعد عن الجادة ونتوه عن الصواب، وحتى لا نضيِّع العروة الوثقى. هذه آية تمثل معادلة ثابتة مفادها أن الله لن يغير حال قوم من وضع مرضي مريح إلى وضع ضنك مذموم أو العكس إلا إذا غير هؤلاء القوم ما في قلوبهم، فإذا وجهوا قلوبهم إلى مولاهم وامتثلوا أوامره وابتعدوا عن نواهيه غيّر الله حالهم إلى أحسن حال، وإذا توجهت قلوبهم إلى الشهوات وارتكست أنفسهم في حمأة الرذيلة غيّر الله حالهم إلى أسوأ حال، يقول سبحانه: " فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى"
فهذا القانون الإلهي يعلمنا أننا لكي ننعم بحياة آمنة مرضية يأتينا رزقنا رغدًا فإننا لا بد أن نتفقد قلوبنا ونتفقد علاقتنا بمولانا، لا بد أن نرضي مولانا عز وجل، وعبثًا نحاول أن نصلح أحوالنا إذا نسينا هذا القانون الإلهي أو تجاهلناه، فسنن الله سبحانه لا تتغير ولا تتبدل، " سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً "
ومن المعلوم أن أعمار أمة الإسلام ما بين الستين والسبعين، كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، حيث قال: "أعمارُ أمتي ما بينَ الستِّينَ إلى السبعينَ، وأقلُّهم من يجوزُ ذلِكَ"، [صحيح الترمذي: 3550].
ولكن جُعلت لنا مواسم طاعة يتضاعف فيها الأجر وكأننا عشنا مئات السنين من الحسنات؛ فقط إن أحسنَّا استغلالها.
أهم مواسم الطاعة هذه، هو شهر رمضان وهو من الرزق المقدر الذي يُساق للعبد فأنت مُقدر لك أن تعيش في هذه الدنيا عددًا محددًا من الرمضانات، لذا لا تتعجب من كثرة الموت من حولك في شهر شعبان، فقد استنفدوا جميعًا عدد الرمضانات المقدرة لهم في أرزاقهم.
هذا الكلام أقوله حتى نستشعر جميعًا نعمةً يغيب عنا الإحساس الصادق في استشعارها من كثرة تكرار الأيام والسنين والرمضانات خلال أعمارنا، وهي نعمة إدراك شهر رمضان.
ثم الأهم بعد استشعار هذه النعمة العظيمة هو استغلالها وشكر الله فيها بالإكثار من الأعمال الصالحة بشكل عام، طوال أيامه ولياليه، فلا بد أن تدخله بكامل إيمانك وجدك واجتهادك، وكأنك في سوق مفتوح للحسنات ليس لك أي خيار فيه على الإطلاق إلا الربح.
داخل كل منا في فطرته التي فُطر عليها معرفة للخير، وكل منا يميل لباب أو عدة أبواب من أبواب الخير (صلاة - قراءة قرآن - صدقة...) مهما كان بنا من السوء، علينا أن ندخل هذا السوق الكبير من الباب الذي نحبه، ونغالب هوانا وأنفسنا والشيطان، حتى نتمكن من فتح أبواب أخرى نُكثف بها من الأعمال الصالحة.
لا تدخل رمضان بروحك التي تعيش بها في مستنقع الآثام في منتهى الاستسلام والتسليم بالأمر الواقع، فيصعب، بل يستحيل أن تدخل بهذه الروح دون عزم على تغيير نفسك ثم تنتظر أي تغيير، استعن بالله وابدأ في العزم والتجهز لدخول سوق الحسنات المفتوح هذا بروح عازمة على التوبة والتغيير، لتجد بهذه النية ثمرة ونتيجة تنعكس على روحك وقلبك.
لا تُعلق إقبالك على الله بشخص أو بشيء أو بحالة معينة، فإن أيامك بل أنفاسك محدودة معدودة وأنت الشخص الوحيد المنوط بك استغلالُها، فإن يسهل عليك إهدارها والتفريط فيها فأنت وحدك من يتحمل نتيجة ذلك، وإن حرصت عليها واستغللتها كما يجب أن تُستغل فأنت من يجازى بالخير عن ذلك، قال تعالى: ﴿ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ [الزلزلة: 7، 8]
كتبه الشيخ شرماركي محمد عيسى (بخاري)
هرجيسيا 2019مـ -1440 هــ
#خواطر_رمضانية. ...المزيد
معلومات
الشيخ شرماركي محمد عيسى(بخاري) داعية إسلامية ومؤلف يتقلد الآن مناصب منها :- ألامين عام لمركز المنار للدراسات والإستشارات التعليمية . عضو من مؤسسة الكرم للدعوة والتنمية عضو من رابطة المعاهد الشرعية في الصومال .
أكمل القراءة