الرّافضة يهدّدون أمّهم أمريكا لا يخفى على كل ذي لبٍّ متصفّح للتاريخ تحالف الروافض مع كل غازٍ ...

الرّافضة يهدّدون أمّهم أمريكا

لا يخفى على كل ذي لبٍّ متصفّح للتاريخ تحالف الروافض مع كل غازٍ لديار المسلمين، ولم يشذ روافض العراق عن هذا الأصل مع دخول الغازي الصليبي الأمريكي وحلفائه أرض العراق في محرم 1424 هـ، بل أفتى كبيرهم السيستاني بحرمة التعرض للأمريكيين، مما دعاهم إلى أن يسلموهم حكم العراق وخيراته، فبدأوا بنهبها ولم ينتهوا إلى الآن، وكان حكمهم كارثة لا تطاق، يصدق عليهم قول العربي: أربعة لا يطاقون، ذكر منهم وضيعٌ ارتفع.

ولكن أهل السنة ممن لم يرضوا الدنية في دينهم جاهدوا الأمريكيين وحلفاءهم، وأذاقوهم الويلات، وجعلوا الأرض تحت أقدامهم ناراً، حتى أخرجوهم صاغرين، وهنا رفع الروافض رأسهم مدّعين بكلِّ صلافة أنهم هم من أخرج الأمريكان، بل لم يستحوا من عرض إصدارات المجاهدين التي تبيّن هزائم الصليبيّين على أنها من إنجازات ميليشياتهم المختلفة، ومما يزيدك دهشةً وعجباً أنَّ (نوري المالكي) الذي وضع أكاليل الزهر على قبور الصليبيين صار يُنسب إلى حلف يدعى "حلف المقاومة والممانعة"، ولا ندري عن أي "مقاومة" يتحدّثون.

ومرّت الأيام، وقويت شوكة مجاهدي الدولة الإسلامية حتى دحروا الروافض من نينوى وصلاح الدين وديالى والأنبار، وهربوا من مدينة (الموصل) بلباس لا يكاد يغطي عوراتهم، وفزع الروافض إلى أسيادهم الصليبيين الذين لم يخذلوهم، فشكّلوا الحلف الصليبي لنجدتهم ونجدة خدّامهم الآخرين من مرتدّي "البيشمركة".

وانحاز المجاهدون من بعض الأراضي التي سيطروا عليها كمدينة (تكريت) التي لم يستطع الروافض دخولها رغم ضخامة حشودهم، إلا تحت غطاء من القصف الشديد لطائرات التحالف الصليبي، حيث طلب رئيس وزرائهم ووزير دفاعه رسمياً من الحلف الصليبي التدخّل لإنقاذهم، فدخلوا (تكريت) ليفسدوا فيها، ثم ادّعوا أن الأمريكيّين ما جاؤوا إلا ليفسدوا "نصرهم".

واستمرّ الصليبيون في دعمهم في مصفاة بيجي والرمادي وغيرها من المناطق، ثم يخرج أحد قيادات "الحشد الشعبي" الرافضي، المدعو (أبو مهدي المهندس) نائب هيئة الحشد الرافضي، ليهدّد ويتوعّد الأمريكان بالسلاح الذي في يده، والذي تلقّاه من أمريكا، ومن قبل هدّد طواغيت جزيرة العرب، متّهماً إيّاهم "بدعم وتأييد الدولة الإسلامية".

بل وخرجت قيادات ممّا يسمى "التحالف الوطني" الرافضي يطالبون بالاستغناء عن التحالف الصليبي الغربي الذي تقوده أمريكا، والارتباط بالتحالف الصليبي الشرقي الذي تقوده روسيا، مدّعين أن الأمريكيين لم يغنوا عنهم شيئا، كما في الطلب الذي قدموه لرئيس وزرائهم (حيدر العبادي) ذاكرين فيه أنّ التحالف الدولي بقيادة أمريكا فشل في تحقيق مهامه ولا يمكن التعويل عليه.

فماذا يريد الروافض؟ أحقّاً ينتقدون أسيادهم؟ أم أنّه نوع من الاستفزاز للحلف الأمريكي كي يزيد من دعمه لهم؟ أم أنّها سياسة النفاق التي اعتادها الروافض منذ عهودهم الأولى، كل هذا يصدق على الروافض، إضافة إلى أنّها نوع من دغدغة مشاعر أتباعهم الذين اعتادوا الصياح بالموت لأمريكا فما عساهم يقولون وهم يسيرون تحت لوائها.

المصدر: صحيفة النبأ – العدد 3
السنة السابعة - السبت 17 محرم 1437 هـ
...المزيد

قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض - إلّا ليعبدون (5) إنّ من أكثر الأمور التي تدفع المجاهد ...

قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض - إلّا ليعبدون (5)

إنّ من أكثر الأمور التي تدفع المجاهد لإخلاص نيّته في جهاده، وتصحيح غايته إلى أن تكون كلمة الله هي العليا، هو التذكير الدائم بالثمرة الوحيدة والغنيمة الكبرى التي يحرص أن لا تفوته في جهاده، ألا وهي الجنّة. وبمقدار انحراف قلب المجاهد عن هذه الغاية، يحدث الانحراف في نفسه وفي سلوكه بل وحتّى في غاية جهاده، لأنّه إن نقص في قلبه حب الجنّة والشوق إليها والحرص على تحصيلها، فلا شكّ أنّه سيملأ مكان هذا الحرص المحمود حرص من نوع آخر؛ هو حرص على الدنيا وزينتها، لذا على المجاهد أن يحرص كل الحرص أن يبقى قلبه متعلّقاً بطلب الجنة، ليبقى متعلقاً بالصراط المستقيم الذي يوصله إليها، فتراه يسأل نفسه عند كل سبيل تعرُض له: أهذه السبيل تؤدّي بي إلى الجنّة؟ فيندم على كل معصية اقترفها، وكل خير فاته بمقدار ما يظنّ أنّهما ستحددان من درجته في الجنّة لعلمه (إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض) [رواه البخاري]، فطالما أن المجاهد في سبيل الله قد عرض أغلى ما يملكه ليبلغ الجنّة، فإن من الخيبة ألّا يطلب عالي الدرجات ثمناً لأغلى الممتلكات، كما قال الشاعر:

إذا غامرت في شرفٍ مرومٍ ※ فلا تطمع بما دون النجومِ
فطعم الموت في أمرٍ حقيرٍ ※ كطعم الموت في أمرٍ عظيمِ

وعلى هذا كانت سنّة النبي -صلّى الله عليه وسلم- في تحريض أصحابه على الجهاد والقتال، سواء كان التحريض على الهجوم واقتحام صفوف العدو وطلب النكاية فيهم، أو كان للدعوة إلى الثبات والاستبسال في الدفاع عن الحرمات والذود عن الحياض، ويمكننا أن نضرب على ذلك مثالين من سيرته صلى الله عليه وسلم: الأول في غزوة بدر حيث كانت صيحة التحريض التي أطلقها النبي -عليه الصلاة والسلام- لأصحابه ليبدؤوا هجومهم "قوموا إلى جنّة عرضها السموات والأرض"، فأشعلت في قلوبهم جمرة لم تنطفئ نارها إلّا وهم قتلى، يستبطئون الدقائق التي تفصلهم عن هذه الجنّة، (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قوموا إلى جنّة عرضها السّموات والأرض»، قال يقول عمير بن الحمام الأنصاري يا رسول الله جنّة عرضها السّماوات والأرض قال «نعم»، قال بخٍ بخٍ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما يحملك على قولك بخٍ بخٍ»، قال لا و الله يا رسول الله إلّا رجاءة أن أكون من أهلها، قال: «إنّك من أهلها». فأخرج تمرات من قرنه فجعل يأكل منهنّ، ثمّ قال: لئن أنا حييت حتّى آكل تمراتي هذه إنّها لحياة طويلة -قال- فرمى بما كان معه من التّمر، ثمّ قاتلهم حتّى قتل) [رواه مسلم].

والمثال الثاني في غزوة أُحُد، لمّا اشتد الخطب على المسلمين، وبلغت القلوب الحناجر، وكاد المشركون أن تطال أيديهم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأراد الرّسول عليه الصّلاة والسّلام أن يحرّض المجاهدين على ردّ المشركين عنهم، فلم يزد أن ذكرهم بما لهم إن فعلوا ذلك؛ وهو الجنّة، (عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أفرد يوم أحد في سبعة من الأنصار ورجلين من قريش، فلمّا رهقوه قال: «من يردّهم عنّا وله الجنّة أو هو رفيقي في الجنّة؟»، فتقدّم رجل من الأنصار فقاتل حتّى قتل، ثمّ رهقوه أيضا فقال: «من يردّهم عنّا وله الجنّة أو هو رفيقي في الجنّة؟»، فتقدّم رجل من الأنصار فقاتل حتّى قتل فلم يزل كذلك حتّى قتل السّبعة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لصاحبيه: «ما أنصفنا أصحابنا») [رواه مسلم].

هذه الاستجابة الفريدة من الصحابة للتحريض على الجهاد، التي بلغت حدّ أن يستبطئ أحدهم المدّة القليلة التي سيقضيها في تناول التمرات، فيعتبرها فترة طويلة تفصله عن الجنّة إن بقي على قيد الحياة حتى يقضيها، وأن يندفع سبعة من المجاهدين في إثر بعضهم، وكلٌ منهم يرى أو يعرف مصرع من استجاب لتحريض النبي عليه الصلاة والسلام قبله، فلا يثنيه ذلك عن أن يقتل بعده، وهكذا حتى يهلكوا جميعهم، هذه الاستجابة لم تكن -ولا شك- وليدة اللحظة، بل هي نتيجة الارتباط الدائم في الذهن بين العمل الصالح وجزائه، واليقين بأن أعظم ما يناله المسلم لقاء عمله الصالح هو الجنّة، وأن حياته كلّها ما هي إلّا وسيلة لبلوغ الجنّة، فإن بذلها في أي لحظة من اللحظات وهو يعرف أنّه سينال ما تمنّى فقد حقّق غاية مراده من جهاده.

وعلى هذا المنهج يجب أن تسير الجماعة المسلمة في كل وقت وحين، فتكون الآخرة حاضرة في الخطابين التحريضي والدعوي، فلا يتحول التحريض على الجهاد بخلوه من الترغيب بما عند الله والحرص على التوكل عليه وحصره بالترغيب بالمجد والغنيمة والنكاية بالخصوم إلى ما يشبه الخطابات العاطفية التي يلقيها القادة والزعماء من كل الأمم حتى الجاهلية منها على الأنصار والمقاتلين ليزيدوا من حماستهم للقتال والفتك بالأعداء، ولا يجب أن تخلو دروس التوحيد والفقه من الارتباط بالغاية من تحقيق التوحيد وتصحيح العبادات وهي الجنة التي سيدخل الله فيها من يحقق ذلك.

فطالما أن الجنّة حاضرة في الذهن، والرغبة في الوصول إليها، والخوف من تفويتها أو تفويت درجاتها العليا، دائمة الاتّقاد، وتوفّرت المعرفة بالطريق الصحيح لبلوغها، والعزيمة للسير على هذا الطريق الشاق، فإنّ الفلاح سيكون مرافقاً لهذا السالك، أما إذا اختلّ لديه أيٌّ مما سبق فالانحراف والفشل والتراجع ستكون في الغالب نتائج تلحق به وتعيقه عن إكمال الطريق.

إن الاستشهادي على سبيل المثال نوع من الجنود فريد، لا يمكن تحصيله أو إنتاجه في أطول المعسكرات وأشقّها وأكثرها تعليماً، ولكن آية واحدة أو حديثاً أو أثراً مما يشوّق إلى الجنّة، ويدفع إلى طلب مرضاة الله، قد تنتج مثل هذا الجندي الفريد، الذي يمثل أسمى النماذج لحرص المجاهد على بلوغ غاية جهاده، واستعجاله ذلك، وطلبه بإلحاح وعزيمة.

إن الجنود الذين يعوَّل عليهم لإقامة دين الله كما أراد الله عزّ وجل لا يمكن إعدادهم إلا بتربية إيمانيّة حقيقيّة، يكون الترغيب بالجنّة والتخويف من النار من أهم أركانها، ويبنى على ذلك ما تبقّى من أسس الدين وأركانه، إذ حتّى توحيد الله لا يمكن بناؤه إلا على هذا الأساس، فالمسلم لا يلتزم طريق التوحيد الشاق، ويترك طرائق الشرك إن لم يكن قائده في ذلك طلب الجنة والاستعاذة من النار.

وليعلم المجاهد أن أعداء الدين قد يحقّقون بعضاً من غاية قتالهم، من استيلاءٍ على الأرض أو تقتيل للمجاهدين أو نهب للخيرات، ولكن ما لا يستطيعون بلوغه ولن يستطيعون بلوغه أبداً هو أن يقفوا حائلاً في طريق الجنّة، وهي غاية كل مجاهد في سبيل الله.

فمهما فقد من الأحباب، وغُلب في المعارك، وفاتته الغنائم، وتراجع عن المناطق التي كان يسيطر عليها، فسيبقى مستمسكاً بطريق الجهاد، لأنّه على يقين أنّه طريق الجنّة، التي إن لم ينلها في هذه الأرض، أو هذه المعركة، فلعلّه ينالها في أرض أخرى أو معركة أخرى، فيرفع الله مقامه فيها بما قام به من الصالحات، أو ناله من المصاعب والمشقّات في الفترة بين المعركتين، وأثناء انتقاله بين الأرضين.


-افتتاحية صحيفة النبأ – العدد (3)
السنة السابعة - السبت 17 محرم 1437 هـ
...المزيد

سكينة المجاهد الصادق ومن عجائب الجهاد في سبيل الله، أنه ما إن يمتثل العبد أمر ربه ويرغم نفسه ...

سكينة المجاهد الصادق

ومن عجائب الجهاد في سبيل الله، أنه ما إن يمتثل العبد أمر ربه ويرغم نفسه على القتال في سبيله، حتى تتنزل عليه السكينة ويذهب عنه الخوف رغم وجود أسبابه، بل ربما تكون أشد، وتدبر قوله تعالى عن المسلمين في أحد، وهم بين يدي القتل والقتال: { ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّن بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاسًا يَغْشَىٰ طَائِفَةً مِّنكُمْ..}، وروى البخاري في صحيحه عن أبي طلحة - رضي الله عنه - قال: "كنت فيمن تغشاه النعاس يوم أحد حتى سقط سيفي من يدي مرارا يسقط وآخذه، يسقط فآخذه"، وهذا الحال ما يزال المجاهدون في سبيل الله يعيشونه في معاركهم مع أعدائهم حتى اليوم، وهذا من فضل الله عليهم وتثبيته لهم، فتأمل كيف يظفر المجاهد بالأمن والنجاة في موطن الخوف والهلاك، في حين يغشى الناس الخوف والهلاك حيث ظنوا أنه المنجى والخلاص، والجزاء من جنس العمل.

• افتتاحية النبأ "بين الخوف والحذر" 449
...المزيد

توكلوا على الله لا على فصل الشتاء قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، والشرك ...

توكلوا على الله لا على فصل الشتاء

قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، والشرك بالله تعالى يدبّ إلى هذه القلوب كدبيب النمل، لذا كان على العبد المسلم وخصوصا المجاهد في سبيل الله أن يكثر من الاستعاذة بالله من الوقوع في شرك يعلمه والاستغفار مما لا يعلمه، كما أنّ على المجاهد في سبيل الله أن يعلم أن كل ما في هذا الكون هو جند من جنود الله تعالى التي قد يسخرها الله تعالى لنصرة المجاهد، فتسخيرها بأمر الله إنْ عمل هذا المجاهد بأسباب النصر التي أمر الله تعالى عباده المجاهدين بالأخذ بها، وأهمها التوكل على الله تعالى وحده والبعد عن الذنوب والمعاصي والحذر من ظلم الناس دونما تجاهل لإعداد العدة التي أمر الله تعالى بها في قوله: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَّا اسْتَطَعْتُمْ مِّنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (60)) [الأنفال].

فقدوم الشتاء لا يأتي بالنصر وإن كان الشتاء جنديا من جنود الله تعالى، فلا تعتمد على هذا الجندي بل اعتمد وتوكل على ربّه، فهذا إبراهيم عليه السلام لما ألقي في النار قال: "حسبي الله ونعم الوكيل"، كما روى البخاريّ عن ابن عبّاس، وذكر بعض السّلف أنّه عرض له جبريل وهو في الهواء، فقال: ألك حاجة؟ فقال: أمّا إليك فلا، هذا مع أن جبريل عليه السلام جندي من جنود الله وقد أرسله الله تعالى لنصرة إبراهيم، لكن إبراهيم عليه السلام معلم الناس التوحيد أبى بث شكواه إلى جبريل وأبى الاعتماد عليه وتوكل على الله تعالى، ويوم الأحزاب لم تكن الريح سبب هزيمة المشركين بل كانت جنديا سخره الله تعالى لنصرة المؤمنين بعد أن كان منهم ذلك الموقف العظيم قال تعالى: (وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَٰذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا (22))، فيا جنود دولة الإسلام الحذر الحذر من الركون إلى هذه الظواهر أو الاعتماد عليها، وتوكلوا على الله حقّ التوكل.

ففي رمضان الماضي -على سبيل المثال- حدّثني عدد من الإخوة عن ترقّبهم وانتظارهم لنصر عظيم يحلّ عليهم إذا ما جاء شهر رمضان، وكأن النصر لجند الله متعلق بحلول هذا الشهر مع العلم أن الفتح العظيم لمدينة الموصل كان في شهر شعبان من سنة 1435 هـ، والفتح الثاني لسهل نينوى وما بعده كان في شهر شوال من السنة ذاتها، ولم يكونا في رمضان، فلا تنتظر النصر والفتح إلا إذا أخذت بأسبابه، فقد نُصر المسلمون يوم بدر مع قلة عددهم بفضل الله تعالى، وهُزموا أول الأمر يوم حنين مع كثرة عددهم بسبب اغترارهم بهذه الكثرة وهُزموا يوم أحد، لا لكثرة أعدائهم بل لمعصيتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما أمرهم بلزوم الجبل، فالنصر من عند الله وحده، فإذا نصرت الله نصرك الله في حر الصيف أو في برد الشتاء بعدد قليل أو كثير، سواء كان من يعاديك فصيلا مرتدا واحدا أو العالم كله. فيا جند دولة الإسلام توكلوا على الله لا على فصل الشتاء، والحذر الحذر من الظلم، فالظلم جرم قد يؤخر النصر.

فهذه رسالة لولاة أمر المسلمين أن ينظروا في مظالم الرعية بأنفسهم ولا يكتفوا بإيكال هذا الأمر إلى هيئة أو قاض، فهذا القبطي قد جاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه قاصدا إياه من أرض مصر فقضى أمير المؤمنين له أمره وأنصفه ولم يقل له ارجع إلى قاضي بلدك أو ارجع إلى واليك، وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه أيضاً يعزل الصحابي المبشّر بالجنة سعد بن أبي وقاص لشكوى رجل من أرض الكوفة عليه.

المصدر: صحيفة النبأ العدد (2)
السنة السابعة - السبت 10 محرم 1437 هـ
...المزيد

معركة الجماعة والفصائل (1) في ظل غياب جماعة المسلمين التي تضمّهم، وغياب الإمام الذي يقيم فيهم ...

معركة الجماعة والفصائل (1)


في ظل غياب جماعة المسلمين التي تضمّهم، وغياب الإمام الذي يقيم فيهم شرع الله، ويقاتلون من خلفه، وجد المسلمون في الفترات الماضية في الأحزاب التي كانت تزعم أنها تعمل لإقامة الدّولة الإسلاميّة حلّاً مؤقتاً يتمكّنون خلاله من الاجتماع في إطاره، وتنظيم جهودهم وحشد طاقاتهم في سبيل العودة بالأمة إلى وضعها الطبيعي، وهو إقامة جماعة المسلمين التي تضمّهم جميعاً ويحكمها الإمام الواحد بشرع الله عزّ وجل.

وبسبب الاختلاف الكبير بين مؤسسي هذه التنظيمات والأحزاب عقديّاً ومنهجيّاً بل وحتّى نفسياً، انعكس هذا الاختلاف على أحزابهم، فسادَ الصراع والنزاع بدل الائتلاف والاتفاق، رغم أن كل هذه الجماعات تدّعي أنّ لها الهدف نفسه، وزاد من حدّة هذه الخلافات تدخّل الأطراف الخارجية وعلى رأسها أجهزة المخابرات التي نجحت في التسلل إلى هذه الأحزاب محدثةً في صفوفها اختراقات على مستوى القيادات غالباً، فتحولت الخلافات إلى صراع وتنازعٍ فيما بينها، وتحوّلت هذه الأحزاب إلى همٍّ جديد يضاف إلى هموم هذه الأمّة المثقلة بالجراح والنكبات.

وما قام المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها يوماً ضد طاغية، إلا وتقدّمت الأحزاب أمامهم تطلب الزعامة والقيادة، ثم تنافست فيما بينها على هذه الزعامة، لتضيعَ ثمرة تضحيات مئات الألوف من القتلى والأسرى والمكلومين، وتدوسَ على جراح ملايين المشرّدين والمهجّرين.

ويسعنا في هذا المقام ضرب أمثلة قليلة، لتوضيح هذه الحقائق.

النموذج الأول: أحزاب أفغانستان

في عام ١٤٠٠ هـ دخل السوفييت واحتلوا أفغانستان بشكل مباشر للحفاظ على سلطة الشيوعيّين فيها بعد سلسلة من الاضطرابات التي قمعها الشيوعيون بشدّة، وراح ضحيّتها أكثر من عشرة آلاف قتيل وعشرات الآلاف من اللاجئين، ليبدأ عندها قتال السوفييت المحتلّين وعملائهم من الأحزاب الشيوعيّة الأفغانيّة من قبل الأهالي، وتشكّلت الكثير من المجاميع لقتال الشيوعيّين على امتداد أفغانستان، منها ما أنشئ على أساس قبَلي فقادها الزعماء القبليّون، ومنها ما أنشئ على أساس ديني فقاد بعضها المرتدون من أصحاب الطرق الصوفيّة، وقاد أخرى رجال الحوزات الرافضيّة، فيما ارتبط كثير من المجاميع بالأحزاب المتفرّقة الموجودة في بيشاور، وشيئاً فشيئاً استقرّت الساحة على مجموعة من الأحزاب الكبرى التي كان لكلٍّ منها ارتباطه الدولي، ومصادر التمويل الخاصّة به.

وقد لعب الصراع بين هذه الأحزاب والفصائل دوراً كبيراً في إطالة أمد الحرب ضد الشيوعيّين، وفي تأخير النصر، وإدامة الحرب التي أهلكت ما يقارب من مليوني نفس من الأفغان، ودفعت 5 ملايين إلى النزوح واللجوء إلى باكستان وإيران، فكلما سيطر فصيل على جزءٍ من أرضٍ انسحب الشيوعيون منها منع الفصائل الأخرى من المرور من منطقته، أو أخذ منها ضرائب باهظة لقاء السماح بمرور قوافلها، أو الاعتداء على هذه القوافل وسلبها إن امتنعت عن دفع هذه الضرائب، ممّا دفع مقاتلي الفصائل إلى السير أحياناً مئات الأميال للابتعاد عن مناطق سيطرة هذا الفصيل أو ذاك ممّن ينافسهم على النفوذ والسيطرة، هذا عدا عن الخيانات المتبادلة بين هذه الأحزاب في المعارك المشتركة ضد الشيوعيّين، إذ وصل بهم الأمر أن يفضل بعضهم انتصار الشيوعيّين في سبيل تكبيد خصمه من الحزب الآخر خسائر باهظة في الأرواح فيضعفه بذلك.

وبعد انهيار النظام الشيوعي إثر انسحاب الجيش السوفيتي الذي بدأ عام ١٤٠٩هـ بعد الاستنزاف الكبير الذي تعرّض له، تأخّر فتح كابول أكثر من ١٥ يوماً، لا لسبب إلا النزاع بين هذه الأحزاب على أسبقيّة الدخول إلى المدينة وبالتالي نيل زعيم الحزب لقب (الفاتح)، وأيضاً للسيطرة على مفاصل العاصمة وبالتالي الهيمنة على الحكومة المستقبلية، بالإضافة إلى الرغبة في تصفية الشيوعيّين داخل العاصمة من المرتبطين بالأحزاب الأخرى، وحماية المرتبطين بحزبه، حيث تورّطت معظم هذه الأحزاب بالعلاقة مع الضبّاط الشيوعيّين داخل كابول قبل فتحها، أولئك الضبّاط الذين قام كلٌّ منهم بخدمة الحزب الذي وعد بتأمينه، بل وحاول بعضهم القيام بانقلابات ضد الرئيس الشيوعي (نجيب الله) بدعم وتحريض من هذا الحزب أو ذاك.


وبعد انهيار النظام الشيوعي إثر انسحاب الجيش السوفيتي الذي بدأ عام ١٤٠٩هـ بعد الاستنزاف الكبير الذي تعرّض له، تأخّر فتح كابول أكثر من ١٥ يوماً، لا لسبب إلا النزاع بين هذه الأحزاب على أسبقيّة الدخول إلى المدينة وبالتالي نيل زعيم الحزب لقب (الفاتح)، وأيضاً للسيطرة على مفاصل العاصمة وبالتالي الهيمنة على الحكومة المستقبلية، بالإضافة إلى الرغبة في تصفية الشيوعيّين داخل العاصمة من المرتبطين بالأحزاب الأخرى، وحماية المرتبطين بحزبه، حيث تورّطت معظم هذه الأحزاب بالعلاقة مع الضبّاط الشيوعيّين داخل كابول قبل فتحها، أولئك الضبّاط الذين قام كلٌّ منهم بخدمة الحزب الذي وعد بتأمينه، بل وحاول بعضهم القيام بانقلابات ضد الرئيس الشيوعي (نجيب الله) بدعم وتحريض من هذا الحزب أو ذاك.

ودخلت الأحزاب إلى كابول في عام ١٤١٢ هـ، وأُعلن عن تشكيل "حكومة المجاهدين" التي لم تستمر سوى أسابيع قليلة، ليبدأ القتال بين الأحزاب الذي استمرّ ثلاث سنوات، وراح ضحيّته أكثر من خمسين ألف نفس معظمهم من أهالي كابول الذين لا ناقة لهم ولا جمل في هذه الحرب، وتغيّرت وجهة القتال أكثر من مرّة وتغيّرت التحالفات بين الأحزاب أيضاً، فالحزب المعادي اليوم قد يتحوّل غداً إلى حزب حليف على حزب آخر وهكذا، وزاد الانقسام في المناطق، وزادت سطوة عناصر الأحزاب على الناس، سلباً للأموال وانتهاكاً للأعراض وإزهاقاً للأنفس، حتى كرههم الناس وتمنّى كثير منهم عودة الحياة الآمنة، فقادة الأحزاب لا شريعةً أقاموا ولا تركوا الناس يهنؤون بعيش.

ولم يحسم أيٌّ من هذه الأحزاب المعركة لصفّه حتى ظهر حزب جديد على الساحة ليقاتل الأحزاب جميعاً وهو حزب (الطالبان)، الذي لقي الدعم الشعبي الكافي، حيث دخل في طاعتهم بعض زعماء الأحزاب، بعد إعلان (الطالبان) إقامة (الإمارة الإسلاميّة) وطردهم الأحزاب من العاصمة كابول، فيما قاتلهم أكثر الأحزاب، إلا أن (الطالبان) تمكّنوا من هزيمتهم مجتمعين، واستمروا في مطاردتهم إلى أقصى شمال البلاد، حيث توقفوا عن محاربة بعضهم، وشكلوا تحالفاً مشتركاً ضد هذا الحزب الجديد، فلمّا عجزوا جميعاً عن هزيمة (الطالبان) لجؤوا إلى طلب المساعدة من روسيا وإيران والدول الأوروبية وأمريكا، الذين أمدّوهم بالمال والدعم، الذي لم يكن كافياً لحسم هذه المعركة.

ومع قدوم الصليبيّين لاحتلال أفغانستان لم يجدوا أفضل من هذه الأحزاب ليعملوا تحت إمرتهم، فانضمّ معظمهم إلى التحالف الصليبي، إما مقاتلين يمشطون المناطق التي تقصفها الطائرات الصليبيّة، وقد ارتكبوا المجازر بحق أعدائهم من (الطالبان)، وحلفائهم من المهاجرين، أو مشاركين في العمليّة السياسيّة التي نظّمها الصليبيّون لإدارة البلاد في ظل الاحتلال، وهكذا تحوّل زعماء الأحزاب الذين خرجوا يوماً ما لقتال المحتل الكافر الشيوعي، إلى عملاء للمحتل الكافر الصليبي.

أما حزب (الطالبان) فقد استمر في قتال الأمريكيين لأكثر من عقد من الزمن، هم وحلفائهم من الجماعات والفصائل الأخرى في أفغانستان وباكستان، ومع إعلان الأمريكيين عن قرب انسحابهم، كثُر الحديث عن مفاوضات تجري بينهم وبين الحكومة المرتبطة بالصليبيّين، حيث أن المشروع الأمريكي يقضي بتشكيل حكومة "وحدة وطنيّة" تجمع حزب (الطالبان) وأحزاب (حكومة كابول)، وبالتالي ضم مقاتلي الحزب إلى "الجيش الأفغاني"، وإذا ما تمّ هذا الأمر فإن حزب (الطالبان) سيكون بذلك قد انضمّ إلى جملة الأحزاب التي دخلت في صف الحكومة الأفغانية المرتدّة، وليس هذا مستبعداً عن قيادة الحزب الجديدة التي أخفت عن الجنود نبأ مقتل أميرهم (الملا عمر) لأكثر من عامين، وقادت الحزب باسمه، مصدرة البيانات والقرارات بتوقيعه، فاتحةً الباب للعلاقة مع طواغيت جزيرة العرب وإيران، مقدّمةً وفي أكثر من مناسبة التطمينات لطواغيت العرب والعجم أن حزب (الطالبان) معنيٌّ فقط بقتال الأمريكيين داخل أفغانستان وأنّهم لن يتدخّلوا في شؤون البلدان الأخرى، قاصدين بذلك عدم جهاد هؤلاء الطواغيت في حال وصولهم إلى الحكم في (كابول).


-مقال صحيفة النبأ العدد (2) "معركة الجماعة والفصائل (1)"
السنة السابعة - السبت 10 محرم 1437 هـ
...المزيد

لتكون كلمة الله هي العليا - إلّا ليعبدون (4) لا توجد أمّة من الأمم إلا ولديها من الأبطال ...

لتكون كلمة الله هي العليا - إلّا ليعبدون (4)


لا توجد أمّة من الأمم إلا ولديها من الأبطال المقاتلين، والشجعان المحاربين، الكثيرون ممّن تفتخر بهم، وترفع من شأنهم، فالتدافع بين الناس سنّة من سنن الله عزّ وجل، فحق يدفع الباطل، وباطل يدفع باطل، ولكلّ حقٍ أو باطلٍ أمّة من الأمم تداعي به، وتحرص على الوصول إليه، وكلا الطرفين (الطالب والمانع) يفتخر بمدافعته لخصمه وقتاله له ونكايته فيه، وبمقدار ما استطاع أن يستلبه منه، بل ويفتخر بحجم ما قدّمه من تضحيات في سبيل هزيمة خصمه، وهنا يبرز غالباً الأبطال الحقيقيّون وأحياناً الأدعياء المزيّفون، بمقدار ما قدّموه من تضحيات، أو حقّقوه من منجزات، أو بمقدار ما تم اختلاقه من ذلك. وبهذا تشترك كلّ الأمم، لا فرق في ذلك بين عربي وأعجمي، أو أبيض وأسود، فأبطال ملاحم اليونان، لا يختلفون عن فرسان العرب في الجاهليّة، ولا شجعان قرطاجة أو روميّة، فالحرب هي الحرب، والنفس الإنسانيّة هي النفس الإنسانيّة، والعصبيّة هي العصبيّة، والفرق في التقييم نسبي طبعاً بين كلا الطرفين، فالمجرمون السافكون للدماء المدمّرون للعمران، في عرف كل شعوب قارة آسيا تقريباً، من أمثال (جنكيز خان) و أحفاده (هولاكو) و(تيمورلنك)، هم أبطال قوميّون تصنع لهم التماثيل والنصب التذكاريّة، في الدّول ذات التعصّب للقوميّة التركيّة وعلى رأسها مسقط رأسهم (دولة منغوليا).

وقد أخرج الإسلام القتال من هذه المفاهيم العصبية القوميّة أو الكسبيّة الدنيويّة، ليجعله عبادة من العبادات، كالصلاة والصيام والزكاة والحج، يشترط لصحّته ما يشترط في أي عبادة أخرى من إخلاص واتّباع، قال الله تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ) كما قال: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ)، معطياً على القتال في سبيل الله ما يعطى على كل العبادات الأخرى من الجزاء، وهو الجنّة، رغم فضله عليها، فعن أبي ذر رضي الله عنه أنه قال: (قلت يا رسول الله، أي العمل أفضل؟ قال: الإيمان بالله، والجهاد في سبيل الله) [متفق عليه]، كما قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)، وقد حصر الإسلام القتال الشرعي في نطاق ضيّق ليمنع كلّ أسباب القتال الدنيويّة من الدخول في إطاره، كما في الحديث (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل للذِكْر، والرجل يقاتل ليرى مكانه، فمن في سبيل الله؟) [البخاري]، وفي رواية أخرى (فقال: يا رسول الله ما القتال في سبيل الله؟ فإِن أحدنا يقاتل غضبا، ويقاتل حميّة) [البخاري]، وفي أخرى (يقاتل شجاعة، ويقاتل حميّة، ويقاتل رياء) [مسلم]، واتفقت كل الروايات على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ردّ على السائل: (من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله) [أخرجه البخاري]، وبهذا المعنى أجاب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه من سأل من الصحابة عن حقيقة الشهادة (فقال عمر: الله أعلم، أنّ من الناس ناساً يقاتلون وأنّ همّهم القتال فلا يستطيعون إلّا إيّاه، وأن من الناس ناساً يقاتلون رياءً وسمعةً، وأنّ من الناس ناساً يقاتلون ابتغاء وجه الله، فأولئك الشهداء، و كلّ امرئٍ منهم يبعث على الذي يموت عليه) [قال الذهبي: على شرط البخاري].

فهذا هو القتال الشرعي الوحيد، وغيره قتال أهل الجاهلية مهما تنوّعت غاياته، كطلب الغنيمة، والحميّة الجاهليّة (في سبيل رفعة قومه)، ولغضب نفسه، ولحبّه الذِكر (الشهرة)، وليرى مكانه أو للرياء (كي ترتفع مكانة المقاتل في قومه)، أو للشجاعة (كأن يكون حبّ القتال طبيعة في الفرد)، وغير ذلك، فغايات العباد تتنوّع، ولكن الله عزّ وجل لا يقبل إلا ما خلص له، وهو أن يكون القتال لتكون كلمة الله هي العليا.

فالجهاد لمّا كان من أشقّ العبادات على النفس ومن أكثرها تعريضاً للنفس للهلكة، كان من الواجب توضيح أهدافه وغاياته للعاملين به، وعدم تركهم لأهواء أنفسهم، فيهلكونها في غير طاعة الله، فيخسرون الدنيا والآخرة، لا كما تفعل الجماعات والفصائل المنحرفة، التي تنتهج بتحريضها واستنفارها للناس جمع أكبر قدر ممكن من الناس ليخدموا الأهداف التي تسعى قيادات تلك الفصائل لتحقيقها، دون تعليم هؤلاء الجنود حقيقة ما يجب عليهم أن يجاهدوا من أجله ويموتوا في سبيله، وذلك خشية أن ينفضّ عنهم أهل الباطل إذا علموا أن القتال هو في سبيل إعلاء كلمة الله، أو ينفض عنهم أهل الحق إذا اكتشفوا أن القتال هو لإعلاء كلمة الفصيل أو الزعيم أو المرشد أو لإقامة نظام جاهلي جديد مكان الجاهليّة التي سيعملون على هدمها، أو نصرةً لأهل الباطل على أهل الحق، وتبقى هذه الجماعات تنقل جنودها وأنصارها من تيه إلى تيه، فلا يعلمون من غاية قتالهم إلا عموميّات يمكن للقيادات أن توظّفها في اتّجاهات شتّى، كأن تعلن قيادة الفصيل أن القتال هو في سبيل (إقامة دولة الحريّة والعدالة)، أو في سبيل (العدالة والتنمية) وما شابه، فإذا التفتوا إلى أنصارهم أو حلفائهم من العلمانيين قالوا: "نريد الدّولة الديموقراطية التي تحقّق الحريّة لكل أفراد الوطن ويتساوى فيها الناس أمام القانون"، وإذا التفتوا إلى من انخدع بشعاراتهم "الإسلاميّة" قالوا: "المقصود بالحرية والعدالة، هو الدّولة الإسلاميّة لأنها تعطي الحرية للمسلمين، وتحقق لهم العدالة بالشريعة".

وعوضاً عن التصريح بحقيقة المعركة ضد الطواغيت وأنّها جهاد في سبيل الله، انتشرت مصطلحات غريبة في وصف هذا القتال، ففي العراق وفلسطين وغيرها أشاعت الفصائل المقاتلة مصطلح "مقاومة الاحتلال" كبديل للجهاد في سبيل الله، مبرّرين ذلك بالرغبة في كسب تعاطف الناس من "غير المسلمين" وهم يريدون بذلك الكفّار والمرتدّين، وزادوا على مصيبة اصطلاحاتهم تبريرهم لقتال الصليبيّين بأن "مقاومة المحتل تقرّها كل الأديان السماويّة، والقوانين الوضعية"، وبذلك جعلوا من أديان أهل الكتاب المنحرفة التي وضعها لهم الأحبار والرهبان أدياناً مصدرها السماء، وأعطوا للقوانين الوضعية الطاغوتية شرعيّة الحكم على صحة الأفعال، وشابههم في ذلك أهل "الربيع العربي" بإطلاقهم مصطلح "الثورة على الاستبداد" عوضاً عن وصف الخروج على الطاغوت المبدّل لشرع الله بأنه جهاد في سبيل الله، مبرّرين ذلك بعدم استفزاز الغرب الصليبي الذي يطلبون نصرته والذي ترعبه كلمة الجهاد، وبالتالي ممكن أن يقف في صف النظام إذا سمّينا هذا الخروج على الحاكم الكافر بأنه جهاد في سبيل الله.

وفي نفس الوقت تجد الصنفين، قبلوا في صفوفهم كل من طلب ذلك، وإذا قتل أو مات أطلقوا عليه أوصاف الشهداء، مهما كانت عقيدته أو كان دينه، وكأنّهم لا يعرفون أنّه لا ينفع مع الكفر عمل صالح، وأن من خرج لأي غاية سوى أن تكون كلمة الله هي العليا، فلا يكون مجاهداً في سبيل الله، وإن مات أو قُتل، فهو قتيل في سبيل ما خرج لأجله، ولا يسمّى شهيداً.

أمّا النبي عليه الصلاة والسلام، فلم يكن ليخدع الناس أملاً في اكتساب مقاتلين جدد في صفّه، مهما بلغت الفائدة التي يعرض هؤلاء تقديمها، ومهما كانت الحاجة للاستفادة منهم، وحاشاه أن يفعل شيئا من ذلك، وذلك لعدم انتفاعهم بهذا القتال إن لم يكن شرعيّاً من جهة، ولعدم رغبته أن يكون لغير المسلم منّة أو فضل على هذا الدين، (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بدر، فلما كان بحرة الوبرة أدركه رجل قد كان يذكر منه جرأة ونجدة، ففرح أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين رأوه، فلما أدركه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: جئت لأتبعك وأصيب معك، قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: تؤمن بالله ورسوله. قال: لا، قال: فارجع فلن أستعين بمشرك) [مسلم]، وظل يُرجع هذا الرجل الذي جاء يقاتل طلباً للغنيمة رغم شجاعته، حتى أعلن إسلامه فقبل انضمامه للجيش.

وهذا هو المنهج الإسلامي في حشد الأنصار واستنفار المسلمين للجهاد، أن يكون الحرص على إخراجهم من النار وإدخالهم إلى الجنة مقدّماً على الحرص على الاستكثار من الجند والمقاتلين، وإن في المنهج المتبع اليوم في انتساب المجاهدين إلى جيش الخلافة لسنّة حسنة، باستقبالهم أولاً في دورات شرعية تعلمهم التوحيد، وأساسيات فقه العبادات وفقه الجهاد وسوى ذلك مما يحتاجه المجاهد من أمر دينه قبل أن يلج ساحات الجهاد، فينتفع بإذن الله من جهاده إن أخلص النية لله، وتنتفع بجهاده الأمة طالما خرج مجاهداً لتكون كلمة الله هي العليا.


-افتتاحية صحيفة النبأ - العدد (2)
السنة السابعة - السبت 10 محرم 1437 هـ
...المزيد

الجهاد على بصيرة - إلّا ليعبدون (3) كانت بيعة العقبة من أهم العتبات التي عبر بها الرسول عليه ...

الجهاد على بصيرة - إلّا ليعبدون (3)


كانت بيعة العقبة من أهم العتبات التي عبر بها الرسول عليه الصلاة والسلام إلى مرحلة تكوين الدّولة الإسلاميّة بهجرته بعدها من دار الاستضعاف (مكة) إلى دار النصرة ثم التمكين (يثرب)، حيث كان عليه الصلاة والسلام يبحث عن هذه النصرة فيدور في المواسم يقول: (من يؤويني وينصرني حتى أبلّغ رسالات ربي) [صحيح ابن حبّان]، ولكن تلك القبائل كانت تخشى على نفسها ما خشيته قريش من قبولها دعوة هذا النبي عليه الصلاة والسلام (وَقَالُوا إِنْ نَّتَّبِعِ الْهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا)، ولم يكن عند هذا النبي عليه الصلاة والسلام ومن معه من المستضعفين في مكّة من المكاسب المتوقّعة ما يغري القبائل لأن تحتمل في سبيل نصرته الخسائر المؤكّدة من عداوة العرب والعجم لها، هذه الخسائر أدركها أصغر نقباء يثرب وهو أسعد بن زرارة رضي الله عنه، فبيّن لهم نتيجة قرارهم في خروج النبي عليه الصلاة والسلام إليهم أن (إخراجه اليوم مفارقة العرب كافة وقتل خياركم وأن يعضّكم السيف)، فاستبانت لمن يريد أن يسلك هذا الطريق مكارهه، فلما أرادوا أن يعرفوا ثمرات هذا الطريق الشاق إن هم سلكوه، لم يزد عليه الصلاة والسلام على أن وعدهم بالجنة، فكان عقد البيعة بينهم (تؤووني وتمنعوني قالوا: نعم، فما لنا؟ قال: الجنة)، وبالأسلوب ذاته حذّر أسعد بن زرارة قومه بعد أن بين لهم حقيقة النصرة (فإما أن تصبروا على ذلك وأجركم على الله وإما أنتم تخافون من أنفسكم جبناً فبيّنوا ذلك، فهو أعذر لكم، فقالوا: أمط عنا، فوالله لا ندع هذه البيعة أبداً فقمنا إليه فبايعناه فأخذ علينا وشرط أن يعطينا على ذلك الجنة).

فعلى هذه الصفقة الواضحة التي لا غشّ فيها ولا غبن ولا تدليس قامت الدولة الإسلاميّة الأولى، على أن يقدّم المسلمون كل ما لديهم لنصرة دينهم، ولا يطلبوا مقابل ذلك غير الجنّة، مهما كان حجم التضحيات والنفقات التي سيقدمونها.

إن قصّة هذه البيعة يجب أن تكون من أهم المنارات للسائر في طريق العبوديّة لله، حتى يتّضح له المقصد، وتستبين له الرؤية، ويستقيم لديه المنهج، فيمشي سويّاً على الصراط المستقيم الذي يؤدّي به إلى الغاية الوحيدة له من كل أعماله في الدنيا وهي الجنّة، ولا يلتفت إلى السبل التي على رأس كلٍّ منها شيطانٌ يدعوه إلى النار.

فوضوح الغاية وهي الجنّة والعلم بقيمتها (ألا إنّ سلعة الله غالية، ألا إنّ سلعة الله الجنّة)، ومعرفة السبيل إليها وهو اتباع النبي عليه الصلاة والسلام، هما الضمانة للمسافر في طريق العبوديّة لله ألّا ينحرف في الطريق فينتقل من تيه إلى تيه، وهو يحسب أنّه يحسن صنعاً، وبمقدار التزام العبد بذلك يسهل عليه تجاوز العقبات التي في طريقه (حُفّت الجنّة بالمكاره)، وتجنّب أسباب الانحراف عن هذا الطريق المتمثّلة بالشهوات والشبهات، فمن حصر همّه ببلوغ المراد، اجتهد في البحث عن الطريق الذي يبلغه به، ولم يلتفت لبنيّات الطريق.

ويستوي للعابد في ذلك كلّ عمل، من إماطة الأذى عن الطريق حتّى إقامة (لا إله إلا الله)، إذ كلّها درجات يسمو بها في طريق بلوغه الجنّة، وعلى هذا الأساس أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم دولة الإسلام.

فبعد سنوات من العمل في مكّة الذي تركّز على توحيد الله وترسيخه في النفوس، وإعلان البراء من المشركين وفعالهم التي أخرجتهم عن التوحيد، حان الوقت لإقامة دار الإسلام التي سيكون فيها الدين كلّه لله عزّ وجلّ، ولما كانت إقامة هذه الدار ستزيد من حدّة عداء المشركين لهذا الدين ومن رغبتهم في استئصاله، كان من الضروري الانتقال بالمؤمنين من مرحلة إقامة هذا الدين في أنفسهم إلى الاستعداد للدفاع عنه بأنفسهم وأموالهم.

ورغم أهميّة هذا العمل وضرورة إنجاحه والحاجة إلى حشد الأنصار إليه، فإن منهج النبي عليه الصلاة والسلام في الدعوة إليه قام على أصول صلبة، أدّت وبلا شك إلى حصر العاملين في فئة قليلة وعزوف الكثيرين عنها ربّما مع قناعتهم بصحّة الطريق وجدارة القائد بالاتّباع، وكان من أهم هذه الأصول:

- وضوح الهدف: (من يؤويني وينصرني حتى أبلّغ رسالات ربي).

- وضوح المهمّة التي يجب على الأنصار أداؤها: (تبايعوني على السمع والطاعة في النشاط والكسل، وعلى النفقة في العسر واليسر، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى أن تقولوا في الله لا تأخذكم لومة لائم، وعلى أن تنصروني إذا قدمت عليكم، وتمنعوني مما تمنعون عنه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم).

- توضيح الصعوبات والعقبات التي ستعترض الأنصار في سبيل قيامهم بالمهمّة: بإقراره قول صاحبهم: (إخراجه اليوم مفارقة العرب كافة وقتل خياركم وأن يعضّكم السيف).

- توضيح الغاية الوحيدة والمقابل الوحيد الذي سيحصل عليه الأنصار لقاء قيامهم بالمهمّة: (قالوا: نعم فما لنا؟ قال: الجنة).

وبخلاف هذا المنهج في حشد الأنصار تعمل الجماعات المنحرفة في سعيها المزعوم لإقامة الدّولة الإسلاميّة والخلافة الإسلاميّة.

- فعوضاً عن توضيح هدفها الحقيقي ساد الخداع والتقيّة بدعوى الاقتراب من هموم الناس، وذلك بإخفاء هذه الجماعات لحقيقة مشاريعها وأهدافها عن الجماهير والحشود التي اجتمعت فيها وكلٌّ يأمل من نصرته لهذه الجماعة ما يشتهيه، فمنهم من يرى في هذه الجماعات وسيلة للخلاص من مستبدٍّ ظالم، ومنهم من يرى فيها أملاً في توحيد المسلمين وجمعهم بعد فرقة، ومنهم من يرى فيها بديلاً أفضل من زمر الفساد التي تحكم البلاد بالاستناد إلى الطواغيت، ومنهم من يأمل منها أن تقيم الشريعة الإسلاميّة، و(قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ)، وقيادات الجماعات تزداد فرحاً باتساع "حاضنتها الشعبيّة" أو حتى "قاعدتها الانتخابيّة"، ولا تلتفت في الغالب إلى مصير هؤلاء النّاس في الآخرة، وإلامَ هم صائرون بعد موتهم، وكأن تأييد الجماعة أو الحزب صار في دين هؤلاء من مفاتيح الجنّة، فيحجز "المناصر" أو "المؤيد" مقعده فيها بمجرد انتسابه إليها.

- وعوضاً عن توضيح حقيقة الطريق لتنفيذ المهمّة، والصعوبات والعقبات التي يجب على الأنصار أن يستعدّوا لها، ساد الكذب على الأتباع والأنصار بإخفاء حقيقة ما سيلاقونه من مشاق وما يجب عليهم من صبر وجهاد في سبيل تجاوزها والتغلّب عليها، إذ لو علم الذين شاركوا بما تسمّى "ثورات الربيع العربي" بنتيجة هذه الثورات وما ستؤدّي إليه من حروب ومآسٍ لهم ولأهلهم وبلدانهم على أيادي الطغاة لأحجم معظمهم -وبلا شك- عن سلوك هذا الطريق، ولفضّل الكثير منهم أن يعيش تحت حكم الطاغوت على أن يتحمل نتيجة الخروج عليه، ولو علم معظم الذين انتخبوا "جبهة الإنقاذ" ما سيلاقونه من طواغيت الجزائر بسبب إسقاطهم في الانتخابات لما شاركوا فيها، هذا إن لم ينتخبوا الطواغيت ويسقطوا "جبهة الإنقاذ".

وعلى هذا الأساس تنتشر أكثر الانحرافات في صفوف "الجماعات الجهاديّة" التي انحرفت عن طريق الجهاد في سبيل إقامة الدّولة الإسلاميّة، لمّا طال عليهم الأمد، وكثرت فيهم الجراح، تفرّقوا بين منحرفٍ عن غاية ما خرج في سبيله، وقاعدٍ رَكَنَ إلى الدنيا وزينتها، بل وحتى منقلبٍ على عقبيه صار من أنصار الطاغوت، وقليلٌ من يثبت على هذا الطريق.

- وعوضاً عن دعوة الأنصار إلى الإخلاص في العمل وأن تكون غايتهم الوحيدة منه إرضاء الله تعالى، والمقابل الوحيد الذي يأملونه هو الجنّة، تنهال الوعود على الجماهير بما سيلقونه في دولة السمن والعسل التي ستقيمها هذه الجماعات إذا وصلت للحكم، وتنثر على رؤوسهم أحلام السيادة العالميّة السريعة والاكتساح الحتمي للدول والقارات، هذا فضلاً عن تحفيز الطموحات الشخصية والآمال الدنيوية للأنصار بما سيحصلون عليه إذا انتصرت الجماعة التي نصروها وأيّدوها، حتّى إذا وصلت الجماعة للحكم وبدأت الضغوطات، وارتفعت الأسعار، أو انقطعت الكهرباء، أو تأخرت الرواتب، رأيت أنصار الأمس معارضين لهذه الحكومة التي لم تزد عليهم في شؤون معاشهم شيئاً إن لم تنقص منه، ولكم في "حكومة الإخوان" التي أُسقطت في مصر خير مثال.

إن الداعي إلى الله تعالى يجب أن يبيّن للناس حقيقة هذا الدين، فيؤمنوا به على بصيرة، ويبيّن لهم ما عليهم من واجبات إن آمنوا، فيعملوا بها، ويبين لهم ما سيلقونه من مشقّة في سبيل إقامة هذا الدين، وتبليغه للناس، ويوصيهم بالصبر على ذلك كلّه، فإن فعلوا ذلك كانوا من الفائزين بالجنّة، وإلا كانوا في جملة الخاسرين من بني آدم، كما قال تعالى: (وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)).


-افتتاحية النبأ العدد (1)
السنة السابعة - السبت 3 محرم 1437 هـ
...المزيد

تَنكيس الوَسيلة وَالغَايَة لقد قرأنا كتاب الله فوجدنا فيه أنّ العبد مأمور باتخاذ ما آتاه الله في ...

تَنكيس الوَسيلة وَالغَايَة

لقد قرأنا كتاب الله فوجدنا فيه أنّ العبد مأمور باتخاذ ما آتاه الله في الدنيا وسيلة للنجاة في الآخرة، كما قال سبحانه: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ۖ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا}، إلا أن المتاجرين بالدين قلبوا الآية ونكّسوا الغاية فابتغوا الدنيا بالتدين الكاذب وباعوا الباقية بالفانية، دون أن يُبقوا لهم نصيبا في الآخرة فكانوا بذلك أخسر خاسرين، فأنت أيها العبد إذن بين تجارتين تجارة نصرة للدين، وأخرى طلبا للدنيا!، والمغبون المحروم من حُرم الهداية فقدّم دنياه على دينه، والسعيد من أحسن الاختيار ففاز بتجارة لن تبور.

افتتاحية النبأ "ويشترون به ثمنا قليلا" 447

مؤسسة صرح الخلافة
صفر 1446 هـ
...المزيد

فضائل القرآن ➏ باب الخوف على من لم يفهم القرآن أن يكون من المنافقين وقوله تعالى: {وَمِنْهُمْ ...

فضائل القرآن

➏ باب الخوف على من لم يفهم القرآن أن يكون من المنافقين

وقوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّىٰ إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ} الآية، وقوله عز وجل: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ ۖ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا} الآية.

عن أسماء أن رسول الله ﷺ قال: "إنكم تفتنون في قبوركم مثل أو قريبا من فتنة الدجال؛ يؤتى أحدكم [فيقال: ما علمك بهذا الرجل؟ فأما المؤمن أو الموقن، لا أدري أي ذلك قالت أسماء] فيقول: هو محمد رسول الله جاءنا بالبينات والهدى، فأجبنا وآمنا واتبعنا، فيقال: نم صالحا فقد علمنا إن كنت لمؤمنا.
وأما المنافق أو المرتاب فيقول: لا أدري. سمعت الناس يقولون شيئا فقلته ".أخرجاه. وفي حديث البراء في الصحيح: "أن المؤمن يقول: هو رسول الله، فيقولان: قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت"


فضائل القرآن للشيخ المجدد الإمام محمد بن عبد الوهاب
...المزيد

وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ اجتمعت دعوة الأنبياء على كلمة سواء {أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ ...

وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ

اجتمعت دعوة الأنبياء على كلمة سواء {أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}، ولذا احتلت قضية اجتناب الطاغوت مساحة كبيرة في الإسلام جعلتها حدّ الإيمان والكفر، فصار الإيمان بالله تعالى والاستمساك بعروته الوثقى لا يتم إلا بالكفر بالطاغوت لقوله تعالى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ}، قال ابن كثير: "قال مجاهد: يعني: الإيمان، وقال السدي: الإسلام، وقال سعيد بن جبير والضحاك: يعني: لا إله إلا الله، وعن أنس بن مالك: القرآن، وعن سالم بن أبي الجعد: هو الحب في الله والبغض في الله، قال ابن كثير: "وكل هذه الأقوال صحيحة ولا تنافي بينها"، فتأمل مقام اجتناب الطاغوت في الإسلام أين بلغ وماذا جمع.
وقد أجاد أئمة السنة في بيان حقيقة الطاغوت وصوره والتشديد في التحذير منه والدعوة إلى اجتنابه أسوة بالأنبياء، فقال الإمام ابن القيم رحمه الله-: "الطاغوت: ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع"، وقال الإمام ابن عبد الوهاب: "الطواغيت كثيرون ورؤوسهم خمسة: إبليس -لعنه الله-، ومن عُبد وهو راضٍ، ومن دعا الناس إلى عبادة نفسه، ومن ادعى شيئا من علم الغيب، ومن حكم بغير ما أنزل الله"؛ وتأمل عمق التوصيف ودقة العبارة التي اتخذها الإمام بقوله: "الطواغيت كثيرون ورؤوسهم خمسة"، فدلَّ هذا على تعدّد وتنوّع صور الطواغيت، واتخاذها أشكالا مختلفة ومتجددة بحسب كل زمان، وهو ما أدركه وأكده الإمام الطبري حين قال: "الصواب من القول عندي في الطاغوت، أنه كل ذي طغيان على الله! فعُبد من دونه، إما بقهر منه لمن عبده، وإما بطاعة ممن عبده له، وإنسانا كان ذلك المعبود، أو شيطانا، أو وثنا، أو صنما، أو كائنا ما كان من شيء".
فيُفهم مما سبق أنّ الطاغوت الذي أُمرنا باجتنابه والكفر به، يتخذ في كل عصر أشكالا وصورا جديدة للترويج لعبادته المنافية لعبادة الله تعالى، وهذا يحتّم على ورثة الأنبياء، اتباعَ سبيلهم وانتهاجَ منهجهم في تبيان الطواغيت وتحديثاتهم في كل عصر، وزجر الناس عنها، وبالأخص في عصرنا الذي غدت فيه صناعة الطاغوت الحرفة الرائجة والمهنة الشائعة، بل وصارت بضاعة المُضلين من الكبراء الذين استكبروا، ومتاع الضالين من الضعفاء الذين اتبعوا، فقد توسعت هذه الصناعة الإبليسية في عصرنا حتى طغت وبغت ودخلت كل بيت، وزاحمت المسلم في توحيده وعبادته وفطرته وأخلاقه، وغدا -صدقا وعدلا- أنّ إيمان العبد لا يستقيم ولا يسلم إلا باجتناب الطاغوت والكفر به.
وأدّت وسائل الإعلام الخبيثة في عصرنا دورا كبيرا في الترويج لصناعة الطاغوت، وتعليبها وتغليفها وتوزيعها على الزبائن المتلقين، لتكون جاهزة للاستهلاك، بأشكال ونماذج جديدة وحلل وحيل متعددة لإغواء الناس باتباعها وعبادتها من دون الله تعالى، ولا عجب فقد توعد زعيم الطواغيت "إبليس" بني آدم منذ طرده من الجنة بصرفهم عن عبادة الله، كما في قوله: {لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ}، قال ابن عباس: "أي طريق الحق وسبيل النجاة، ولأضلنهم عنها لئلا يعبدوك ولا يوحدوك!". [التفسير]
ومن أبرز صور الطواغيت المعاصرة: طاغوت الديمقراطية وما اتصل بها من أحكام وقوانين ومواثيق وأنظمة ومحاكم كفرية تحارب الله تعالى وتنازعه في حاكميته وشريعته، ويلحق بها -قطعا- الطاغوت الحاكم بغير ما أنزل الله الذي يحكم بالدساتير الوضعية الشركية ويدعو الناس إلى التزامها واحترامها، وبالجملة فكل ما اتصل بمنظومة الديمقراطية فهو طاغوت وجب الكفر به وترك التحاكم إليه، قال تعالى: {يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ}.
ومـن الطواغيـت الـمعاصـرة: طاغـوت "الإنسانية" التي تروج لها وسائل الإعلام ودعاة التقارب بين الأديان على مدار الساعة ويضعونها بديلا لرابطة الإسلام، فالناس في "الإنسانية" سواء وأولياء بغض النظر عن دينهم كفارا كانوا أو مسلمين! عبادا لله أو للطاغوت! والله تعالى يقول: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ}؛ فلا ولاية ولا محبة ولا نصرة إلا للمسلم، والبغض والعداوة للكافر ولا اعتبار لإنسانيته عند انتقاض أو انعدام توحيده.
ومن الطواغيت المعاصرة: طاغوت الوطن والوطنية، فغدا الوطن هو الغاية العظمى، يقاتلون في سبيله ويتسابقون لتحريره من حكم طاغوت إلى حكم آخر. وصارت الوطنية تجبُّ عن صاحبها كل كفر! فمن قاتل للوطن عدّوه شهيدا مجيدا حتى لو كان شيوعيا أو رافضيا شيعيا بل ولو كان نصرانيا يعتقد التثليث لا التوحيد! والله تعالى يقول: {الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ}.

ومن الطواغيت المعاصرة: طاغـوت "الحرية الشخصية" التي يتشدق بها كفار الغرب والشرق، وحقيقتها الحرية المطلقة، المنافية للعبودية المطلقة لله تعالى، أي: أن يقول أو يفعل المرء ما شاء ومتى شاء، وكيفما شاء، دون ضابط من دين أو شرع، طالما أنه يوافق رغبته وهواه، فيصبح الهوى بذلك الأساس المتبع والسيد المطاع، وبعبارة أوضح وأكثر صراحة: الإله المعبود كما قال الله تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ}.
ومـن الطواغيـت الـمعاصـرة الأحـزاب والحركات المرتدة التي يتبعها أتباعها في كل حين، ويؤيدونها على الحق والباطل، ويضمرون لها من صفات العصمة والتقديس ما يضاهي عصمة الأنبياء وقداسة الشريعة، ولذلك تجاوزوا بها حد الطاعة والاتباع فغدت طاغوتا معبودا من دون الله، حجبهم عن اتباع الحق والفيء إليه حتى انتهى بهم المطاف جنودا وبيادق في محاور وأحلاف الرافضة والنصارى الكافرين.
وجريا على القواعد التي قعّدها علماء الملة استقاء من نصوص الكتاب والسنة، فإن صور الطواغيت أكثر من أن تُحصى أو تحصر في مقال، فقد يكون الطاغوت حاكما أو عالما أو رويبضة مشهورا أو ساحرا مغمورا... أو كما قال الطبري في عبارته الجامعة: "إنسانا كان ذلك المعبود، أو شيطانا، أو وثنا، أو صنما، أو كائنا ما كان من شيء". ولئن كان رأس الطواغيت بالأمس الشيطان وأبرز صوره الأوثان، فإن رأس الطاغوت في عصرنا هو هو، غير أن أبرز صوره الإنسان وما انبثق عنه من أفكار ومذاهب تنافي وتناقض الإيمان.
وأيًّا كانت صورة الطاغوت اليوم، فإن الواجب على المسلم الكفر بها، وذلك لا يكون إلا بالبراءة منها وبغضها وعداوتها ومحاربتها ومدافعتها ومفارقة جيوشها وصفوفها، مهما نزل بالمسلم من بلية ومهما خُذل من البرية، فحسبه سلامة الدين إن أصيب في دنياه، والبشرى من مولاه كما قال سبحانه: {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَىٰ فَبَشِّرْ عِبَادِ}.

• المصدر: صحيفة النبأ العدد 457
...المزيد

وصف الجنة "وكيفَ يُقَدِّرُ قَدْرَ دار غَرَسَها الله بيده وجعلَها مَقَرًّا لأحبابه ومَلأها من ...

وصف الجنة

"وكيفَ يُقَدِّرُ قَدْرَ دار غَرَسَها الله بيده وجعلَها مَقَرًّا لأحبابه ومَلأها من رحمته وكرامته ورضوانه، ووَصَفَ نعيمها بالفوز العظيم، ومُلْكَها بالمُلْك الكبير، وأودعها جميع الخير بحذافيره، وطَهَّرَها مِن كُلِّ عَيبِ وَآفةٍ ونقص"

فإنْ سألتَ عن أرضِها وتِربتِها:
فهي المِسكُ والزعفران

وإنْ سألتَ عن سَقْفِها:
فهو عَرش الرحمن

وإن سألتَ عن مِلاطِها:
فهو المِسكُ الإذفر

وإن سألتَ عن حَصبائِها:
فهو اللؤلؤ والجوهَر

وإن سألتَ عن بِنائِها:
فلَبِنةٌ من فضة ولَبِنةٌ من ذهب

وإن سألتَ عن أشجارِها:
فما فيها شجرةٌ إلَّا وساقها من
ذهب وفضة لا مِن الحطَب والخشَب

وإن سألتَ عن ثَمَرها:
فأمثالُ القِلال أليَنُ مِن الزَّبد، وأحلى من العسل

وإن سألتَ عن ورَقِها:
فأحسَنُ ما يكون مِن رقائِق الحُلل

وإن سألتَ عن أنهارِها:
فأنهارُها مِن لبَن لَم يَتَغَيَّر طَعمُه
وأنهارٌ من خمر لَذةٌ للشاربين
وأنهارٌ من عسل مصَفى

وإن سألتَ عن طعامِهم:
ففاكهةٌ مما يَتخيَّرون
ولحمِ طيرٍ ممَّا يشتهون

وإن سألتَ عن شرابهم:
فالتسنيم والزنجبيل والكافور

وإن سألتَ عن آنيتهم:
فآنيةٌ من الذهب والفضة
في صَفاءِ القوارير

وإن سألتَ عن سَعَة أبوابِها:
فبَينَ المِصراعَين مسيرة أربعين
من الأعوام ولَيأتيَنَّ عليه يومٌ
وهو كغيظ من الزَّحام

وإن سألتَ عن تصفيق الرياح لأشجارها:
فإنها تَستَفِز بالطَّرَب لَمِن يَسمعها

وإن سألتَ عن ظِلِّها:
ففيها شجرة واحدة يَسير الراكب
المُجِد السريع في ظِلِّها مائة عام لا يَقطعُها

[حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح - لابن القيم رحمه الله]

إنفوغرافيك النبأ العدد 457
صفر 1446 هـ
...المزيد

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: (خيرُ يوم طلعتْ عليه الشمسُ يوم الجمعة، فيه خُلِق آدم، ...

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: (خيرُ يوم طلعتْ عليه الشمسُ يوم الجمعة، فيه خُلِق آدم، وفيه أُدخل الجنة، وفيه أُخرج منها، ولا تقوم الساعةُ إلا في يوم الجمعة) [رواه مسلم].

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً