نعمة الصحة والابتلاء بالمرض [٢/٢] الصبر على المرض.. سنة الأنبياء ومنهج الصالحين وبين نعمة ...

نعمة الصحة والابتلاء بالمرض
[٢/٢]

الصبر على المرض.. سنة الأنبياء ومنهج الصالحين
وبين نعمة الصحة ونعمة الدواء لا بد لكل مسلم أن يتوكل على ربه ويتخذ سبب العلاج، فإن شُفي فإنه من الله وحده، وإن لم يبرأ فليُحسن الظن بربه أنه أراد له رفعة المنزلة ومحو الخطايا بكل ما يصيبه من أنواع الأذى البدني والنفسي، وليحتسب المسلم أجره بالصبر على المصاب فإنه حال المؤمن في السراء الضراء، روى الشيخان عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (ما يصيب المسلم من نصب، ولا وصب، ولا هم، ولا حزن، ولا أذى، ولا غم، حتى الشوكة يشاكها؛ إلا كفر الله بها من خطاياه).

لذلك كان بعض السلف يفرح إذا أصابه المرض، فإن أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، روى الإمام البخاري في صحيحه عن الحارث بن سويد عن عبد الله قال: دخلت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يوعك، فقلت يا رسول الله إنك لتوعك وعكا شديدا؟ قال: (أجل إني أوعك كما يوعك رجلان منكم). قلت ذلك بأن لك أجرين؟ قال: (أجل ذلك، كذلك ما من مسلم يصيبه أذى، شوكة فما فوقها، إلا كفر الله بها سيئاته كما تحط الشجرة ورقها)، وكذلك ما أصاب نبي الله أيوب -عليه السلام- من مرضه الذي طال به ومدحه الله –تعالى- على صبره فقال: {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص: 44]، ثم إنَّه ما دعا الله ربه بطلب مباشر بل كان في غاية الأدب وجميل الدعاء فقال: {مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [الأنبياء: 83]، ولم يكن دعاؤه هذا إلا بعد سنين تبعتها سنين، مستعذبا ألم المرض وانفضاض الناس عنه، محتسبا أجره صابرا على مُره وضره، فكم طال به المرض حتى سعى لأعظم الأسباب، ألا وهو سؤاله الله، عز وجل، وهكذا هو منهج أتباع الأنبياء، فقد روى أبو داود في كتاب الزهد أن أبا الدرداء -رضي الله عنه- قال: "أحب الفقر تواضعا لربي، وأحب الموت اشتياقا إلى ربي، وأحب المرض تكفيرا لخطاياي".

- من يشتري الجنة بالصبر؟

ومن عجائب حال الجيل الأول في الصبر على البلاء طلبا للجنة ما رواه الإمام البخاري عن عطاء بن أبي رباح قال: "قال لي ابن عباس: ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ قلت: بلى قال: هذه المرأة السوداء أتت النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: إني أصرع، وإني أتكشف، فادع الله لي، قال: (إن شئت صبرت ولك الجنة وإن شئت دعوت الله أن يعافيك). فقالت: أصبر، فقالت: إني أتكشف، فادع الله ألا أتكشف فدعا لها"، فهذه المرأة المؤمنة تحملت ألم الصرع في الدنيا لتنال الجنة ونعيمها فتأمل.

ومن استغرب الحال فحسبه الحديث الذي رواه الإمام الترمذي عن جابر قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (يود أهل العافية يوم القيامة حين يعطى أهل البلاء الثواب لو أن جلودهم كانت قرضت في الدنيا بالمقاريض).

فعلى من أنعم الله عليه بوافر الصحة أن يحمد الله -تعالى- على هذه النعمة، ويشكره عليها بأن يستعمل ما أوتيَه في طاعته كما أمر سبحانه: {وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [القصص: 77]، وعليه أن يستغل أيام صحته وقوته في زيادة رصيده من الحسنات من قبل أن يدهمه المرض أو الكبر والضعف، كما أوصى نبي الله، صلى الله عليه وسلم: (اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك) [رواه الحاكم في المستدرك]، ومن ابتلي بمرض فليحمد الله -تعالى- على ما أصابه، فإن بعض البلاء أهون من بعض، وليصبر على ما أصابه، محتسبا الأجر عند الله تعالى، وخاصة إذا كان مكلوما في سبيل الله، فإن صبره على ما أصابه، وشكر الله على أن أنعم عليه بالكلم في سبيله هو من عزم الأمور.

ونسأل الله أن يشافي كل مريض من مرضى المسلمين، وأن يجعل ما أصابهم كفارة لذنوبهم، ورفعا لدرجاتهم، إنه ولي ذلك وأهله، والحمد لله رب العالمين.


المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 69
الخميس 25 جمادى الأولى 1438 ه‍ـ

لقراءة المقال كاملاً.. تواصل معنا تيليغرام:
@WMC11AR
...المزيد

نعمة الصحة والابتلاء بالمرض أمر الله -تعالى- عباده بالحفاظ على أنفسهم من كل ما يؤذيها ويَضر بها، ...

نعمة الصحة والابتلاء بالمرض

أمر الله -تعالى- عباده بالحفاظ على أنفسهم من كل ما يؤذيها ويَضر بها، وحثهم على الطيبات وحرم عليهم الخبائث والأرجاس التي تضر بعقولهم أو أبدانهم، وأرسل نبيَّه بذلك المنهج الرباني المتكامل الذي شمل أمور الدين والدنيا، فزخرت السنة بأنواع من المنح الربانية التي تقي المسلم في بدنه وعقله، قال سبحانه وتعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157]، قال الطبري رحمه الله: "وقوله: ويُحل لهم الطيبات: وذلك ما كانت الجاهلية تحرمه من البحائر والسوائب والوصائل والحوامي. ويحرم عليهم الخبائث وذلك لحم الخنزير والربا، وما كانوا يستحلونه من المطاعم والمشارب التي حرمها الله".

الصحة نعمة مغبون فيها كثير من الناس
ومن عظيم ما أنعم الله به -سبحانه- على خلقه هو نعمة تمام الصحة التي لا يعرفها إلا من يفقدها، ولو فقدها لدفع كل ما يملك ليعالج نفسه ويسترجع صحته ما استطاع إلى ذلك سبيلا، وقد دلت السنة على نعمة الصحة فيما رواه البخاري في الأدب المفرد وغيره من أهل السنن، وهو قوله، صلى الله عليه وسلم: (من أصبح آمنا في سربه معافى في جسده، عنده طعام يومه فكأنما حيزت له الدنيا)، وكذلك ما رواه الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في صحيحه عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال النبي، صلى الله عليه وسلم: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ)، قال ابن بطال -رحمه الله- في شرحه لهذا الحديث الجليل: "معنى الحديث أن المرء لا يكون فارغا حتى يكون مَكفيا صحيح البدن، فمن حصل له ذلك فليحرص على ألا يُغبن بأن يترك شكر الله على ما أنعم به عليه، ومن شكره امتثال أوامره واجتناب نواهيه، فمن فرّط في ذلك فهو المغبون".

- تحريم إتلاف النفوس:

ومن عجيب أمر بعض الناس أنهم يسعون لإتلاف صحتهم بما حرم الله -تعالى- من الموبقات والخبائث بأيديهم، مثل السجائر وغيرها من المسكرات التي تعطل العقل وتغيبه بنسب متفاوتة وتضر بالجسد ضررا عظيما، فتلك وغيرها من المحرمات هي قتل بطيء وإهلاك للبدن وقد نهى الله –تعالى- عن قتل النفس فقال: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29]، وهكذا جاءت الشريعة الغراء بصيانة الدين والنفس، ولأجل الدين ترخُص النفس بالجهاد في سبيل الله حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله، وأما ما عدا ذلك فلا يجوز للمسلم أن يُلحق الضرر ببدنه أو يفعل ما يضر بصحته مهما كانت الأسباب، وقد روى الحاكم في مستدركه عن جابر أن رجلا من قوم الطفيل بن عمرو الدوسي هاجر مع الطفيل فمرض الرجل، قال: فضجر فجاء إلى قرن فأخذ مشقصا فقطع رواجبه فمات، فرآه الطفيل في المنام فقال: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي بهجرتي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ما شأن يديك؟ قال: قيل لي إنا لا نصلح منك ما أفسدت من نفسك، قال: فقصها الطفيل على النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: (اللهم وليديه فاغفر، ورفع يديه)، فهذا الرجل لم يقصد قتل نفسه ولكنه فعل فعلا أدى إلى قتله، وغفر الله له بسبب هجرته كما هو ظاهر الحديث من دعوة النبي -صلى الله عليه وسلم- له، وتأمل ما قيل له: إنَّا لا نصلح منك ما أفسدت، فهذا الجسد لا يُتلف إلا في مرضاة الله وطاعته لا بهوى النفس وملذاتها ودوافعها.


المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 69
الخميس 25 جمادى الأولى 1438 ه‍ـ

لقراءة المقال كاملاً.. تواصل معنا تيليغرام:
@WMC11AR
...المزيد

عِتْقُ الرِّقَابِ نَجَاةٌ مِنَ الْعَذَابِ الحمد لله الذي أخرجنا من ظلمات الحكم الجبري إلى نور ...

عِتْقُ الرِّقَابِ نَجَاةٌ مِنَ الْعَذَابِ

الحمد لله الذي أخرجنا من ظلمات الحكم الجبري إلى نور خلافة على المنهاج النبوي، والحمد لله الذي أقر بالشريعة عيون الموحدين، وأغاظ رؤوس الكفر والمنافقين، والحمد لله الذي أحيى بالصادقين سننا مهجورة، لم تكن لتعود إلا بصوارم الطائفة المنصورة، والصلاة والسلام على صاحب السيرة المحمودة المشهورة، أما بعد:

فإنه لمّا كان السبي والاسترقاق، من الأمور المشروعة بدليل القرآن والسنة والاتفاق، شُرع في مقابل ذلك العتق، والعتق شرعا هو تحرير وتخليص رقبة مملوك -ذكرا كان أم أنثى- من الرق.

وهو من أعظم القربات وأجل الطاعات؛ قال الله عز وجل: { فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ} [البلد: 11 - 13]؛ قال الإمام الطبري، رحمه الله تعالى: "وقوله: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ} يقول تعالى ذكره: وأيّ شيء أشعرك يا محمد ما العقبة؟

ثم بيَّن جلّ ثناؤه له ما العقبة، وما النجاة منها، وما وجه اقتحامها؟ فقال: اقتحامها وقطعها فكّ رقبة من الرقّ، وأسر العبودة". [جامع البيان].

- كفارة للذنوب:

وقد جعل الله -عز شأنه- العتق كفارة للقتل الخطأ فقال سبحانه: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92]، وكفارة للظِّهار فقال تعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3]، وكفارة لمن حنث في يمينه فقال، عز من قائل: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المائدة: 89]، كما جعل الله -تعالى- العتق كفارة لإتيان الزوجة في نهار رمضان، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: هلكت. قال: (وما شأنك؟) قال: وقعت على امرأتي في رمضان، قال: (تستطيع تعتق رقبة؟) قال: لا. قال: (فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟) قال: لا. قال: (فهل تستطيع أن تطعم ستين مسكينا؟) قال: لا. قال: (اجلس) فجلس، فأُتي النبي -صلى الله عليه وسلم- بعرق فيه تمر -والعرق: المِكْتل الضخم- قال: (خذ هذا فتصدق به) قال: أعلى أفقر منا؟ فضحك النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى بدت نواجذه، قال: (أطعمه عيالك) [متفق عليه].

قال الإمام ابن قدامة، رحمه الله تعالى: "والعتق من أفضل القرب إلى الله تعالى؛ لأن الله تعالى جعله كفارة للقتل، والوطء في رمضان، والأيمان، وجعله النبي -صلى الله عليه وسلم- فكاكاً لمعتقه من النار، ولأن فيه تخليصا للآدمي المعصوم من ضرر الرق وملك نفسه ومنافعه، وتكميل أحكامه، وتمكنه من التصرف في نفسه ومنافعه، على حسب إرادته واختياره" [المغني].

- فضل من أعتق رقبة مسلمة:

وقد نُقل الإجماع على استحباب العتق والندب إليه، قال الإمام ابن هبيرة، رحمه الله تعالى: "اتفقوا على أن العتق من القرب المندوب إليها" [اختلاف الأئمة العلماء].

والسنة النبوية تزخر بالأحاديث المبينة لفضل العتق، الحاثة عليه المرغبة فيه؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (من أعتق رقبة مسلمة، أعتق الله بكل عضو منه عضوا من النار، حتى فرجه بفرجه) [متفق عليه].

وعن أبي أمامة، وغيره من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (أيما امرئ مسلم، أعتق امرأ مسلما، كان فكاكه من النار، يجزي كل عضو منه عضوا منه، وأيما امرئ مسلم، أعتق امرأتين مسلمتين، كانتا فكاكه من النار، يجزي كل عضو منهما عضوا منه، وأيما امرأة مسلمة، أعتقت امرأة مسلمة، كانت فكاكها من النار، يجزي كل عضو منها عضوا منها) [أخرجه الترمذي].

وعن البراء بن عازب -رضي الله عنه- قال: جاء أعرابي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، علمني عملا يدخلني الجنة، فقال: (لئن كنت أقصرت الخطبة، لقد أعرضت المسألة، أعتق النسمة، وفك الرقبة). فقال: يا رسول الله، أوليستا بواحدة؟ قال: (لا، إنّ عتق النسمة أن تفرد بعتقها، وفك الرقبة أن تعين في عتقها، والمنحة الوكوف، والفيء على ذي الرحم الظالم، فإن لم تطق ذلك، فأطعم الجائع، واسق الظمآن، وأمر بالمعروف، وانه عن المنكر، فإن لم تطق ذلك، فكف لسانك إلا من الخير) [أخرجه أحمد].

هذا وقد كان العتق من هدي النبي -صلى الله عليه وسلم- وصحابته الكرام؛ قال الماوردي، رحمه الله تعالى: "وأعتق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سلمان، وشقران، وثوبان، وزيد بن حارثة، واشترى أبو بكر -رضي الله عنه- بلالاً وكان يُعذَّب على الإسلام فأعتقه لوجه الله تعالى، فقال فيه عمر بن الخطاب، رضي الله عنه: بلال سيدنا وعتيق سيدنا).

ثم قال، رحمه الله: (وقد أعتق عمر، وعثمان، وعلي -رضوان الله عليهم- عبيدا وإماء، وكذلك أهل الثروة من الصحابة -رضي الله عنهم- في عصر الرسول -صلى الله عليه وسلم- وبعده، فدل على فضل العتق) [الحاوي الكبير].

- ممّا تحبّون..:

وإنا في هذا المقام ندل أصحاب الرقاب من مالكين ومالكات على تجارة قد تنجيهم من النار، ألا وهي العتق بل وعتق أفضل ما يملكون، إذ إن أفضل الرقاب أغلاها بدليل حديث أبي ذر -رضي الله عنه- قال: (سألت النبي، صلى الله عليه وسلم: أي العمل أفضل؟ قال: إيمان بالله، وجهاد في سبيله، قلت: فأي الرقاب أفضل؟ قال: أغلاها ثمنا، وأنفسها عند أهلها) [متفق عليه]، والله -عز وجل- يقول: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92]، نعم مما تحبون وتشتهون، لا مما تزهدون فيه وتزدرون، فكلما كانت الرقبة غالية على أهلها، ثمينة مرتفعا سعرها، كان أجر معتقها أعظم عند الله تعالى، لأنه بعتقها يكون قد آثر ما عند الله من أجر على ما في هذه الدنيا من خير.

إنها النار يا عباد الله وتالله إن عتق عضو واحد من أن تلفحه ريح جهنم أعظم من الدنيا وما فيها، فسارعوا إلى الخيرات قبل الممات والفوات، واعملوا ليوم يقول فيه المجرمون: {رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ} [السجدة: 12].

كما ولا ينتظرن مؤمن فطن مجيء الموت حتى يعتق مملوكا أو مملوكة، كأن يُصاب مالكٌ بإصابة يوقن بهلاكه منها فيعتق حينها ما يملك، فإن ذلك وإن جاز بشروطه إلا أن أجره قليل مقارنة بمن يعتق رقبة وهو موفور الصحة والعافية؛ عن أبي الدرداء أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (الذي يعتق عند الموت كالذي يهدي بعدما يشبع) [أخرجه النسائي والطبراني].

وأخيرا: ننبه إلى أن العتق المندوب إنما يكون لمن حسن إسلامه، وغلب على الظن ثباته على الدين، أمَّا من خُشي عليه الفتنة، والرجوع إلى دار الكفر، فلا يُشرع عتقُه في الشريعة، بل يحرم سدا للذريعة.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلِّ اللهم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.


- المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 69
الخميس 25 جمادى الأولى 1438 ه‍ـ
...المزيد

المتحاكمون إلى الطواغيت قال الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- في قوله ...

المتحاكمون إلى الطواغيت

قال الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- في قوله تعالى:
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا * فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا} [النساء: 60 - 62]:
"إن من عرف أن لا إله إلا الله فلا بد من الانقياد لحكم الله، والتسليم لأمره الذي جاء من عنده على يد رسوله محمد، صلى الله عليه وسلم، فمن شهد أن لا إله إلا الله ثم عدل إلى تحكيم غير الرسول -صلى الله عليه وسلم- في موارد النزاع فقد كذب في شهادته.

ولما كان التوحيد مبنيا على الشهادتين إذ لا تنفك إحداهما عن الأخرى لتلازمهما وكان ما تقدم من هذا الكتاب [يعني كتاب التوحيد لجده الشيخ محمد بن عبد الوهاب، رحمهما الله] في معنى شهادة أن لا إله إلا الله التي تتضمن حق الله على عباده، نبه في هذا الباب على معنى شهادة أن محمدا رسول الله التي تتضمن حق الرسول -صلى الله عليه وسلم- فإنها تتضمن أنه عبد لا يُعبد، ورسول صادق لا يكذب، بل يطاع ويتبع، لأنه المبلِّغ عن الله تعالى، فله -عليه الصلاة والسلام- منصب الرسالة والتبليغ عن الله، والحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه، إذ هو لا يحكم إلا بحكم الله، ومحبته على النفس والأهل والمال والوطن، وليس له من الإلهية شيء، بل هو عبد الله ورسوله، كما قال تعالى {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا} [الجن: 19]، وقال صلى الله عليه وسلم: (إنما أنا عبده فقولوا عبد الله ورسوله) [رواه البخاري].

ومن لوازم ذلك متابعته وتحكيمه في موارد النزاع، وترك التحاكم إلى غيره، كالمنافقين الذي يدَّعون الإيمان به ويتحاكمون إلى غيره، وبهذا يتحقق العبد بكمال التوحيد وكمال المتابعة، وذلك هو كمال سعادته، وهو معنى الشهادتين، إذا تبين هذا فمعنى الآية المترجم لها: إن الله -تبارك وتعالى- أنكر على من يدعي الإيمان بما أنزل الله على رسوله وعلى الأنبياء قبله وهو مع ذلك يريد أن يتحاكم في فصل الخصومات إلى غير كتاب الله وسنة رسوله، كما ذكر المصنف في سبب نزولها: قال ابن القيم: "والطاغوت كل من تعدى به حده، من الطغيان، وهو مجاوزة الحد"، فكل ما تحاكم إليه متنازعان غير كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- فهو طاغوت، اذ قد تعدى به حده، ومن هذا كل من عبد شيئا دون الله، فإنما عبد الطاغوت وجاوز بمعبوده حده، فأعطاه العبادة التي لا تنبغي له، كما أن من دعا إلى تحكيم غير الله تعالى ورسوله -صلى الله عليه وسلم- فقد دعا إلى تحكيم الطاغوت، وتأمل تصديره -سبحانه- الآية، منكرا لهذا التحكيم على من زعم أنه قد آمن بما أنزله الله على رسوله -صلى الله عليه وسلم- وعلى من قبله، ثم هو مع ذلك يدعو إلى تحكيم غير الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- ويتحاكم إليه عند النزاع، وفي ضمن قوله {يَزْعُمُونَ}، نفي لما زعموه من الإيمان، ولهذا لم يقل: ألم تر إلى الذين آمنوا، فإنهم لو كانوا من أهل الإيمان حقيقة لم يريدوا أن يتحاكموا الى غير الله -تعالى- ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولم يقل فيهم {يَزْعُمُونَ} فإن هذا إنما يقال -غالبا- لمن ادعى دعوى هو فيها كاذب أو مُنزَّل منزلة الكاذب، لمخالفته لمُوجِبها وعمله بما ينافيها، قال ابن كثير: "والآية ذامَّة لمن عدل عن الكتاب والسنة وتحاكم إلى ما سواهما من الباطل، وهو المراد بالطاغوت ههنا، وقوله تعالى: {وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ} أي بالطاغوت، وهو دليل على أن التحاكم إلى الطاغوت مناف للإيمان، مضاد له، فلا يصح الإيمان إلا بالكفر به، وترك التحاكم اليه، فمن لم يكفر بالطاغوت لم يؤمن بالله، وقوله: {وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا}، أي: لأن إرادة التحاكم إلى غير كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- من طاعة الشيطان، وهو إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير، وفي الآية دليل على أن ترك التحاكم إلى الطاغوت الذي هو ما سوى الكتاب والسنة: من الفرائض، وأن المتحاكم إليه غير مؤمن، بل ولا مسلم.

وقوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا}، أي إذا دعوا إلى التحاكم إلى ما أنزل الله والى الرسول أعرضوا إعراضا مستكبرين، كما قال تعالى: {وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ} [النور: 48]، قال ابن القيم: "هذا دليل على أن من دُعي الى تحكيم الكتاب والسنة فلم يقبل وأبى ذلك أنه من المنافقين، و{يَصُدُّونَ} هنا لازم لا متعد، هو بمعنى يُعرضون، لا بمعنى يمنعون غيرهم، ولهذا أتى مصدره على صدود، ومصدر المتعدي صدا"، فإذا كان المعرض عن ذلك قد حكم الله -سبحانه- بنفاقهم، فكيف بمن ازداد إلى إعراضه منعَ الناس من تحكيم الكتاب والسنة، والتحاكم إليهما، بقوله وعمله وتصانيفه، ثم يزعم مع ذلك أنه إنما أراد الإحسان والتوفيق؛ الإحسان في فعله ذلك والتوفيق بين الطاغوت الذي حكَّمه وبين الكتاب والسنة؟
قلت: وهذا حال كثير ممن يدعي العلم والإيمان في هذه الأزمان، إذا قيل لهم تعالوا نتحاكم الى ما أنزل الله والى الرسول {رَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ} [المنافقون: 5]، ويعتذرون أنهم لا يعرفون ذلك ولا يعقلون، {بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ} [البقرة: 88].

وقوله تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ}، قال ابن كثير: "أي فكيف بهم إذا ساقتهم المقادير إليك في المصائب بسبب ذنوبهم، واحتاجوا إليك في ذلك"، وقال ابن القيم: "قيل المصيبة فضيحتهم، إذا أُنزل القرآن بحالهم ولا ريب أن هذا أعظم المصيبة والإضرار، فالمصائب التي تصيبهم بما قدمت أيديهم في أبدانهم وقلوبهم وأديانهم بسبب مخالفة الرسول -عليه الصلاة والسلام- أعظمها مصائب القلب والدين، فيُرى المعروف منكرا، والهدى ضلالا، والرشاد غيا، والحق باطلا، والصلاح فسادا، وهذا من المصيبة التي أصيب بها في قبله، وهو الطبع الذي أوجبه مخالفة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وتحكيم غيره، قال سفيان الثوري: في قوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ} [النور: 63]، قال: هي أن تطبع على قلوبهم".

وقوله تعالى: {ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا}، قال ابن كثير: "أي: يعتذرون ويحلفون إن أردنا بذهابنا إلى غيرك إلا الإحسان والتوفيق، أي المداراة والمصانعة".

وقال غيره: "{إِلَّا إِحْسَانًا}، أي: لا إساءة، و{وَتَوْفِيقًا} أي: بين الخصمين، ولم نرد مخالفة لك، ولا تسخطا لحكمك"". [من كتاب: تيسير العزيز الحميد، باختصار]


المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 69
الخميس 25 جمادى الأولى 1438 ه‍ـ
...المزيد

إقامة الدولة الإسلامية بين منهاج النبوة وسبل أهل الضلالة إن الدولة الإسلامية هي الوسيلة الوحيدة ...

إقامة الدولة الإسلامية بين منهاج النبوة وسبل أهل الضلالة

إن الدولة الإسلامية هي الوسيلة الوحيدة لإقامة الدين، وتحقيق العدل بين الناس الذي فرضه الله -تعالى- على خلقه، وجعل تحكيم شريعته شرطا له، وبغياب هذا الدين، وبتحكيم غير شريعة الله -سبحانه- يطغى الكفر، ويسود الظلم، ولعلاج ذلك يلجأ الناس إلى مسالك شتى، فمنهم من يرى أن إقامة الدين إضافة إلى كونها واجبا شرعيا، فإنها تتضمن تحقيق العدل، وهم المسلمون لرب العالمين، ومنهم من يسعى لإقامة كل ما يحسبه عدلا بأي طريق كانت، ولأسباب دنيوية محضة، وهم المفسدون من دعاة الإصلاح في كل ملّة ودين باطل.

إذ يتساوى البشر جلهم برغبتهم في إقامة العدل داخل المجتمعات التي يحيون فيها، ويرون في ذلك وسيلة لتجنيبهم ظلم الآخرين لهم، وفتح المجال أمامهم ليحيوا حياتهم الدنيوية بأمان أكبر، وسعادة أكثر، ولذلك نرى كثرة ما كتبه الفلاسفة والمتكلمون من الجاهليين في مسائل الحكم، لكونه وسيلة لإقامة العدل، وسعادة البشر، وظهرت مصطلحات كثيرة تحوم حول "الحكم العادل" و"المدينة الفاضلة" التي يحلم الناس بوجودها والعيش فيها، وقد قام عدد لا يحصى من الثورات والحروب في الأمم المختلفة لتحقيق هذه الغايات.
فبإغفال الناس للمنهج الذي بيّنه لهم خالقهم -جلّ وعلا- لتحقيق العدل فيما بينهم، وتحصيل السعادة في الدارين، لا يلبثون أن يختلفوا فيما بينهم، وأن يظهر فيهم الأئمة المضلون الذين يزعم كل منهم أنه وحده من يعرف الطريق لتحقيق العدل، وأنه وحزبه هم الوحيدون الذين بإمكانهم إقامته في الأرض، وعندما تتصارع رؤاهم حول العدل الذي يزعمون مع رؤى غيرهم ومصالحهم، لا يبقى إلا السلاح حكما بينهم، إذ لا أصل متفق عليه بينهم يرجعون إليه لحسم التنازع.

- قالوا إنّما نحن مصلحون:

وعلى هذا يسير الكثيرون ممن يزعمون اتّباع أنبياء الله ورسله -عليهم السلام- ممن ترك السنة وسار على طريق الهوى والبدعة، فضلَّ عن الصراط المستقيم، واتبع كلٌّ منهم سبيلا من السبل، عليه شيطان يدعو إلى النار، وكلٌّ منهم يدّعي أنه وريث علم النبوة، وحامي حمى الشريعة، وكلٌّ منهم يؤمل أتباعه بأنه سيعيد الدين إلى ما كان عليه في حياة أنبيائهم، بل وسيحقق لهم ما لم يتحقق لأولئك الأنبياء من الظفر والتمكين، وتحكيم الكتاب وإقامة الدين، وفي المحصلة ظهرت فيهم الفرق المتعددة؛ ففي النصارى إحدى وسبعون فرقة، وفي اليهود ثنتان وسبعون، ليتبعهم من يزعمون الانتساب إلى أمة محمد، صلى الله عليه وسلم، فينقسموا بدورهم إلى ثلاث وسبعين فرقة، كلها على ضلالة إلا فرقة تسير على منهاج النبوة، على ما كان عليه النبي -عليه الصلاة والسلام- وصحابته الكرام.

ومن يرجع إلى تاريخ كثير من تلك الفرق يجد أن مبدأ الانحراف في مناهج كثير منها، الذي قادها إلى الخروج عن الدين بالكلية إنما هو مناداتهم بالعودة إلى منهاج النبوة مع بنائهم دعاواهم على أصول فاسدة، وسعيهم في إقامة دولة تختلف كثيرا عن دولة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ما برحوا يزداد بهم الانحراف، ويبتعد بهم سبيلهم عن الصراط المستقيم، وهم يزيدون على دينهم وينقصون بما يخدم منهجهم الضال، حتى باتت أديانهم المختلفة شيئا مختلفا عن دين الإسلام الذي خرجوا بادئ الأمر يطلبون إعادته لما كان عليه السلف الأول.

- الرافضة.. تاريخ طويل من الضلال:

فالرافضة -إن صدق عدُّهم من أولى الفرق ظهورا- هم استمرار للانحراف الذي بدأ عند بعض الناس بتعصبهم لآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، واعتقادهم أنه لن يعيد الدين إلى ما كان عليه قبل انقطاع الوحي، ولن يحفظه إلى يوم القيامة إلا رجال من آل النبي وذريته، فظهرت في الشيعة عقيدة الوصاية على الدين التي حصروها بعلي، رضي الله عليه، وخرجوا بكذبةٍ مفادها أن النبي –صلى الله عليه وسلم- نصّ عليه خليفة من بعده، وأظهروا بدعة تفضيله على الصحابة وخاصة الشيخين، ثم تطوّر بهم الأمر إلى الغلو في علي بل إلى تأليهه في حياته وبعد موته، وأصبحت مسألة إمامة أهل البيت أصلا في دينهم، فلا يرون طريقا لإصلاح الدين إلا أن تكون إمامة الدين لواحد من أبناء فاطمة، رضي الله عنها.

وهذا الاتجاه البدعي في الإصلاح المزعوم -الذي ألزموا به أنفسهم- ذهب بهم في كل مرة يموت فيها إمامهم المنصوب إلى القول برجعته، أو إنكار موته، بل ووصل بهم الأمر إلى أن ينسبوا لأحد أئمتهم ابنا لم يكن له، وذلك لما وصلت سلسلة الإمامة التي تنتقل حلقاتها من الآباء إلى الأبناء إلى طريق مسدود، عندما انعدمت سلالة الإمام الحادي عشر الحسن العسكري، فخرجوا بكذبة الإمام الثاني عشر الذي أسموه (محمد المهدي بن الحسن العسكري)، ليواروا سوءة ضلالهم في مسألة الوصاية، بأن خلت الأرض من وصي يحقق شروطهم النَسبيّة والشرعية، واخترعوا قصة غيبته في سرداب سامراء إلى آخر الزمان ليستمر منهجهم البدعي الشركي الضال، زاعمين ظهوره في آخر الزمان ليملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا.

- دين ملفق في خدمة منهج ضال:

ومنذ بداية ظهور فرقة الشيعة وحتى ما نراه اليوم من شرك طوائفهم المختلفة وكفرها، غيّر علماء السوء الذين يتبعونهم دين الإسلام الذي زعموا أول الأمر أنهم حريصون على حفظه ووقايته من الانحراف الذي ادعوا وجوده، وأضافوا عليه الكثير من أديان أهل الكتاب والوثنيين، وأنكروا منه كل ما لا يوافق هواهم ومنهجهم، وكذبوا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وآل بيته، من الآثار ما ملؤوا به المجلدات وخدعوا به السذج الأغرار، وحتى القرآن الكريم لم يسلم من كفرهم وتشكيكهم، فزعموا أن فيه زيادة ونقصانا، لما وجدوا أن آياته تعارض ما يزعمون من الدين.

ولعزل منهجهم عن منهج أهل السنة والجماعة بالكلية، طفقوا يدورون على الفرق المنحرفة، والأديان الباطلة، ليختاروا من كلٍّ منها ما يمكن أن ينبني على أصولهم الفاسدة من العقائد والأحكام، حتى لفقوا لأنفسهم دين الرفض الذي يخالف دين الإسلام بالكلية.

ومن يرجع لتاريخ فرق الشيعة يجد أنها ما زالت منذ عهدها الأول مستمرة في العمل لإقامة ما يزعمون أنه الدولة الإسلامية، وإدخال الناس في دينهم الباطل الذي يزعمون أنه الدين الذي نزل على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وورث تبليغه للناس أئمتهم الغائبون، ولا يعلم إلا الله -تعالى- عدد من قُتل من أتباع ملتهم ومن المسلمين في سبيل غاياتهم تلك في حروبهم التي لم تتوقف ضد المسلمين خلال القرون الأربعة عشر الماضية.

فهكذا نشأ دين الرفض كلّه من أصل فاسد ونظرية فاسدة في الإصلاح، رأوها ضرورية لتحقيق العدل الذي يزعمون السعي إليه، والإصلاح الذي يكذبون في ادعاء طلبه، أخذها بعض الشيعة الأوائل من دين اليهود، أو أدخلها في أذهانهم يهودي كابن سبأ، باعتقادهم وصاية علي بن أبي طالب على الدين من بعد انقطاع الوحي، كما كان يوشع بن نون وصيا على بني إسرائيل من بعد موسى، عليه السلام، وتطوّرت هذه الفكرة على مدى القرون الطويلة، وما جرى فيها من صراعات بين فرق الشيعة وأعدائهم، ومن نزاعات بين فرق الشيعة أنفسهم، ومن تبديل وتغيير في دينهم على أيدي علماء السوء المشرعين لهم من دون الله، حتى تكوَّن من كل ذلك هذا المزيج النجس من العقائد الذي نراه اليوم عند فرق الشيعة المختلفة.

- تنظيمات وفصائل على خطى الرافضة:

فهذا التطور البعيد الأمد لدين الرافضة يقدّم لنا نموذجا حيا لما يمكن أن تصل إليه الدعوات إلى إقامة الدولة الإسلامية إن سلكت سبلا تنحرف عن الصراط المستقيم، وجعلت من تلك السبل واجبا حتميا على الناس سلوكه لإقامة الدين، فكانت نهايتهم أن بدَّلوا الدين ليتوافق مع تلك السبل التي ابتدعوها.

وهذا ما نجد كثيرا من الدعوات تسير عليه اليوم في طريقها المزعوم لإقامة الدين وتحكيم شريعة رب العالمين، فالانحرافات التي بدأت في أول الطريق لم تلبث أن انجلت اليوم عن ابتعادٍ كبيرٍ عن منهاج النبوة، بل ومحاربة لهذا المنهاج الذي رضيه الله ورسوله، صلى الله عليه وسلم.
وسنسعى -بإذن الله- فيما يأتي من حلقات هذه السلسلة إلى ضرب أمثلة أكثر لتوضيح هذه الفكرة، وصولا إلى بيان مآلات سبل الضالين، مقارنة مع منهاج النبوة الذي تسير عليه الدولة الإسلامية اليوم، بفضل الله تعالى.


المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 69
الخميس 25 جمادى الأولى 1438 ه‍ـ

لقراءة المقال كاملاً.. تواصل معنا تيليغرام:
@WMC11AR
...المزيد

إقامة الدولة الإسلامية بين منهاج النبوة وسبل أهل الضلالة - دين ملفق في خدمة منهج ضال: ومنذ ...

إقامة الدولة الإسلامية بين منهاج النبوة وسبل أهل الضلالة

- دين ملفق في خدمة منهج ضال:

ومنذ بداية ظهور فرقة الشيعة وحتى ما نراه اليوم من شرك طوائفهم المختلفة وكفرها، غيّر علماء السوء الذين يتبعونهم دين الإسلام الذي زعموا أول الأمر أنهم حريصون على حفظه ووقايته من الانحراف الذي ادعوا وجوده، وأضافوا عليه الكثير من أديان أهل الكتاب والوثنيين، وأنكروا منه كل ما لا يوافق هواهم ومنهجهم، وكذبوا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وآل بيته، من الآثار ما ملؤوا به المجلدات وخدعوا به السذج الأغرار، وحتى القرآن الكريم لم يسلم من كفرهم وتشكيكهم، فزعموا أن فيه زيادة ونقصانا، لما وجدوا أن آياته تعارض ما يزعمون من الدين.

ولعزل منهجهم عن منهج أهل السنة والجماعة بالكلية، طفقوا يدورون على الفرق المنحرفة، والأديان الباطلة، ليختاروا من كلٍّ منها ما يمكن أن ينبني على أصولهم الفاسدة من العقائد والأحكام، حتى لفقوا لأنفسهم دين الرفض الذي يخالف دين الإسلام بالكلية.

ومن يرجع لتاريخ فرق الشيعة يجد أنها ما زالت منذ عهدها الأول مستمرة في العمل لإقامة ما يزعمون أنه الدولة الإسلامية، وإدخال الناس في دينهم الباطل الذي يزعمون أنه الدين الذي نزل على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وورث تبليغه للناس أئمتهم الغائبون، ولا يعلم إلا الله -تعالى- عدد من قُتل من أتباع ملتهم ومن المسلمين في سبيل غاياتهم تلك في حروبهم التي لم تتوقف ضد المسلمين خلال القرون الأربعة عشر الماضية.

فهكذا نشأ دين الرفض كلّه من أصل فاسد ونظرية فاسدة في الإصلاح، رأوها ضرورية لتحقيق العدل الذي يزعمون السعي إليه، والإصلاح الذي يكذبون في ادعاء طلبه، أخذها بعض الشيعة الأوائل من دين اليهود، أو أدخلها في أذهانهم يهودي كابن سبأ، باعتقادهم وصاية علي بن أبي طالب على الدين من بعد انقطاع الوحي، كما كان يوشع بن نون وصيا على بني إسرائيل من بعد موسى، عليه السلام، وتطوّرت هذه الفكرة على مدى القرون الطويلة، وما جرى فيها من صراعات بين فرق الشيعة وأعدائهم، ومن نزاعات بين فرق الشيعة أنفسهم، ومن تبديل وتغيير في دينهم على أيدي علماء السوء المشرعين لهم من دون الله، حتى تكوَّن من كل ذلك هذا المزيج النجس من العقائد الذي نراه اليوم عند فرق الشيعة المختلفة.

- تنظيمات وفصائل على خطى الرافضة:

فهذا التطور البعيد الأمد لدين الرافضة يقدّم لنا نموذجا حيا لما يمكن أن تصل إليه الدعوات إلى إقامة الدولة الإسلامية إن سلكت سبلا تنحرف عن الصراط المستقيم، وجعلت من تلك السبل واجبا حتميا على الناس سلوكه لإقامة الدين، فكانت نهايتهم أن بدَّلوا الدين ليتوافق مع تلك السبل التي ابتدعوها.

وهذا ما نجد كثيرا من الدعوات تسير عليه اليوم في طريقها المزعوم لإقامة الدين وتحكيم شريعة رب العالمين، فالانحرافات التي بدأت في أول الطريق لم تلبث أن انجلت اليوم عن ابتعادٍ كبيرٍ عن منهاج النبوة، بل ومحاربة لهذا المنهاج الذي رضيه الله ورسوله، صلى الله عليه وسلم.
وسنسعى -بإذن الله- فيما يأتي من حلقات هذه السلسلة إلى ضرب أمثلة أكثر لتوضيح هذه الفكرة، وصولا إلى بيان مآلات سبل الضالين، مقارنة مع منهاج النبوة الذي تسير عليه الدولة الإسلامية اليوم، بفضل الله تعالى.


المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 69
الخميس 25 جمادى الأولى 1438 ه‍ـ

لقراءة المقال كاملاً.. تواصل معنا تيليغرام:
@WMC11AR
...المزيد

إقامة الدولة الإسلامية بين منهاج النبوة وسبل أهل الضلالة إن الدولة الإسلامية هي الوسيلة الوحيدة ...

إقامة الدولة الإسلامية بين منهاج النبوة وسبل أهل الضلالة

إن الدولة الإسلامية هي الوسيلة الوحيدة لإقامة الدين، وتحقيق العدل بين الناس الذي فرضه الله -تعالى- على خلقه، وجعل تحكيم شريعته شرطا له، وبغياب هذا الدين، وبتحكيم غير شريعة الله -سبحانه- يطغى الكفر، ويسود الظلم، ولعلاج ذلك يلجأ الناس إلى مسالك شتى، فمنهم من يرى أن إقامة الدين إضافة إلى كونها واجبا شرعيا، فإنها تتضمن تحقيق العدل، وهم المسلمون لرب العالمين، ومنهم من يسعى لإقامة كل ما يحسبه عدلا بأي طريق كانت، ولأسباب دنيوية محضة، وهم المفسدون من دعاة الإصلاح في كل ملّة ودين باطل.

إذ يتساوى البشر جلهم برغبتهم في إقامة العدل داخل المجتمعات التي يحيون فيها، ويرون في ذلك وسيلة لتجنيبهم ظلم الآخرين لهم، وفتح المجال أمامهم ليحيوا حياتهم الدنيوية بأمان أكبر، وسعادة أكثر، ولذلك نرى كثرة ما كتبه الفلاسفة والمتكلمون من الجاهليين في مسائل الحكم، لكونه وسيلة لإقامة العدل، وسعادة البشر، وظهرت مصطلحات كثيرة تحوم حول "الحكم العادل" و"المدينة الفاضلة" التي يحلم الناس بوجودها والعيش فيها، وقد قام عدد لا يحصى من الثورات والحروب في الأمم المختلفة لتحقيق هذه الغايات.
فبإغفال الناس للمنهج الذي بيّنه لهم خالقهم -جلّ وعلا- لتحقيق العدل فيما بينهم، وتحصيل السعادة في الدارين، لا يلبثون أن يختلفوا فيما بينهم، وأن يظهر فيهم الأئمة المضلون الذين يزعم كل منهم أنه وحده من يعرف الطريق لتحقيق العدل، وأنه وحزبه هم الوحيدون الذين بإمكانهم إقامته في الأرض، وعندما تتصارع رؤاهم حول العدل الذي يزعمون مع رؤى غيرهم ومصالحهم، لا يبقى إلا السلاح حكما بينهم، إذ لا أصل متفق عليه بينهم يرجعون إليه لحسم التنازع.

- قالوا إنّما نحن مصلحون:

وعلى هذا يسير الكثيرون ممن يزعمون اتّباع أنبياء الله ورسله -عليهم السلام- ممن ترك السنة وسار على طريق الهوى والبدعة، فضلَّ عن الصراط المستقيم، واتبع كلٌّ منهم سبيلا من السبل، عليه شيطان يدعو إلى النار، وكلٌّ منهم يدّعي أنه وريث علم النبوة، وحامي حمى الشريعة، وكلٌّ منهم يؤمل أتباعه بأنه سيعيد الدين إلى ما كان عليه في حياة أنبيائهم، بل وسيحقق لهم ما لم يتحقق لأولئك الأنبياء من الظفر والتمكين، وتحكيم الكتاب وإقامة الدين، وفي المحصلة ظهرت فيهم الفرق المتعددة؛ ففي النصارى إحدى وسبعون فرقة، وفي اليهود ثنتان وسبعون، ليتبعهم من يزعمون الانتساب إلى أمة محمد، صلى الله عليه وسلم، فينقسموا بدورهم إلى ثلاث وسبعين فرقة، كلها على ضلالة إلا فرقة تسير على منهاج النبوة، على ما كان عليه النبي -عليه الصلاة والسلام- وصحابته الكرام.

ومن يرجع إلى تاريخ كثير من تلك الفرق يجد أن مبدأ الانحراف في مناهج كثير منها، الذي قادها إلى الخروج عن الدين بالكلية إنما هو مناداتهم بالعودة إلى منهاج النبوة مع بنائهم دعاواهم على أصول فاسدة، وسعيهم في إقامة دولة تختلف كثيرا عن دولة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ما برحوا يزداد بهم الانحراف، ويبتعد بهم سبيلهم عن الصراط المستقيم، وهم يزيدون على دينهم وينقصون بما يخدم منهجهم الضال، حتى باتت أديانهم المختلفة شيئا مختلفا عن دين الإسلام الذي خرجوا بادئ الأمر يطلبون إعادته لما كان عليه السلف الأول.

- الرافضة.. تاريخ طويل من الضلال:

فالرافضة -إن صدق عدُّهم من أولى الفرق ظهورا- هم استمرار للانحراف الذي بدأ عند بعض الناس بتعصبهم لآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، واعتقادهم أنه لن يعيد الدين إلى ما كان عليه قبل انقطاع الوحي، ولن يحفظه إلى يوم القيامة إلا رجال من آل النبي وذريته، فظهرت في الشيعة عقيدة الوصاية على الدين التي حصروها بعلي، رضي الله عليه، وخرجوا بكذبةٍ مفادها أن النبي –صلى الله عليه وسلم- نصّ عليه خليفة من بعده، وأظهروا بدعة تفضيله على الصحابة وخاصة الشيخين، ثم تطوّر بهم الأمر إلى الغلو في علي بل إلى تأليهه في حياته وبعد موته، وأصبحت مسألة إمامة أهل البيت أصلا في دينهم، فلا يرون طريقا لإصلاح الدين إلا أن تكون إمامة الدين لواحد من أبناء فاطمة، رضي الله عنها.

وهذا الاتجاه البدعي في الإصلاح المزعوم -الذي ألزموا به أنفسهم- ذهب بهم في كل مرة يموت فيها إمامهم المنصوب إلى القول برجعته، أو إنكار موته، بل ووصل بهم الأمر إلى أن ينسبوا لأحد أئمتهم ابنا لم يكن له، وذلك لما وصلت سلسلة الإمامة التي تنتقل حلقاتها من الآباء إلى الأبناء إلى طريق مسدود، عندما انعدمت سلالة الإمام الحادي عشر الحسن العسكري، فخرجوا بكذبة الإمام الثاني عشر الذي أسموه (محمد المهدي بن الحسن العسكري)، ليواروا سوءة ضلالهم في مسألة الوصاية، بأن خلت الأرض من وصي يحقق شروطهم النَسبيّة والشرعية، واخترعوا قصة غيبته في سرداب سامراء إلى آخر الزمان ليستمر منهجهم البدعي الشركي الضال، زاعمين ظهوره في آخر الزمان ليملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا.


المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 69
لقراءة المقال، تيليغرام:
@WMC11AR
...المزيد

صحيفة النبأ العدد 69 المقال الافتتاحي: إيران وشجرة الرفض الخبيثة إن الإسلام يعلو في الأرض، ...

صحيفة النبأ العدد 69
المقال الافتتاحي:
إيران وشجرة الرفض الخبيثة

إن الإسلام يعلو في الأرض، وتُعظّم شعائره، وتقام حدوده عندما تحميه دولة تقوم على أساسه، وترفع رايته، ويجاهد أمراؤها وجنودها في سبيله، كالدول الإسلامية التي قام عليها الأنبياء كداود وسليمان ومحمد عليهم الصلاة والسلام، ومن بعدهم من تبعهم بإحسان وسار على منهاجهم، كالخلفاء الراشدين، رضوان الله عليهم، وكذلك الدول التي أقامها أتباعهم من أهل التوحيد والسنة في الأزمنة المتعاقبة، وصولا إلى هذه الدولة الإسلامية، وإلى دولة عبد الله المهدي وأخيه عيسى المسيح عليه السلام، فهي كلها من الأسباب التي هيَّأها الله تعالى لنشر دينه، ودخول الناس فيه، قال سبحانه: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [سورة الـنصر: 1-3].

وأما أديان الجاهلية فتظهر كذلك، ويكثر أتباعها، وتعلو أحكامها، وتعظم شعائرها عندما تقوم على حفظها والدعوة إليها دول جاهلية، فتقوى بها تلك الأديان الباطلة بمقدار قوة الدول الكافرة القائمة عليها وذلك بتقدير العليم الحكيم، وقد رأينا ذلك في انتشار النصرانية بسلطان روما والقسطنطينية، وانتشار الشيوعية بسلطان الاتحاد السوفيتي، وانتشار الديموقراطية بسلطان أمريكا ودول أوروبا.

ولكن الفارق هو أن الإسلام دين الله الذي تكفَّل بحفظه، وتجديده بمن شاء من عباده، بينما ملل الشرك لا تكاد تنقضّ دولها، حتى تُجتثَّ عقائدها معها، وينقرض أتباعها، كما قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ} [إبراهيم: 24 - 26].

وكذلك وجدنا أهل الرفض لا يظهر دينهم إلا عندما تظهر لهم دولة تنشر باطلهم، وتحمي شركهم، وتبني لهم الأوثان من قبور ومقامات ليعبدوها من دون الله، فتجبر المسلمين على الخضوع لهذا الإفك، بل والدخول فيه، كما كان من قبل في عهد دولة بني عبيد الله القداح المسمّاة بالفاطمية، ودولة القرامطة الباطنية، ودولة إسماعيل الصفوي، ودولة الخميني وأتباعه في إيران، فعُلُوُّ الروافض في الأرض اليوم، وإظهارهم شركهم، ونزعهم التقية، ما هو إلا نتيجة من نتائج قيام دولة الطاغوت الخميني وأتباعه في إيران.

وقد رأينا في التاريخ مرارا أنه ما إن تسقط دولة الرافضة حتى يسهل اقتلاع دينهم من الأرض، كما حدث عندما زال حكم بني عبيد الله القداح عن مصر والمغرب، فلم يبق في تلك المناطق من يُظهر دين الرافضة، رغم حكمهم لتلك البقاع لأكثر من قرنين من الزمن، اجتهدوا خلالها في نشر شركهم وبدعهم، وإدخال الناس في دينهم الباطل، فلما أزال الله سلطانهم، محى آثارهم، ولم يبق منها إلا بعض البدع التي ورثها عنهم مشركو الصوفية القبوريين.

وإن شوكة الرافضة في الأرض اليوم لن تنكسر إلا بفتح فارس من جديد، وتطهيرها من دنس شركهم، وإخضاع تلك الأرض لشريعة رب العالمين، كما فعل سلفنا الصالح من الصحابة والتابعين، ففي إيران اليوم أئمة الرفض، الذين يخططون، ويديرون كل المشروع الرافضي في العالم، ويمولونه، ويدعمونه بكل ما استطاعوا، وما بقية الروافض في العالم بأحزابهم وميليشياتهم إلا أدوات بيد أئمة الكفر في إيران.

وإننا على يقين من نصر الله لنا عليهم، ومن فتح الله لنا ديارهم، ومن تمكينه لنا من أرضهم، ومن إعانته لنا في إقامة دينه وتحكيم شرعه في أهل فارس من جديد، ومن توفيقه لنا بأن نُعلِّم التوحيد في قم وطهران، بعد أن نطهرها من الشرك وأهله، بإذن الله تعالى.

فيا أتباع ملّة إبراهيم في بلاد فارس، عليكم بأئمة الشرك في دولة إيران الرافضية، ويا أهل التوحيد في كل مكان عليكم بالرافضة المشركين وإخوانهم، صولوا عليهم، وحاربوا طواغيتهم، وانقضوا بنيان دولتهم الكافرة، وخرِّبوا معابدهم العامرة، وأروا الله فيهم ما يرضيه عنكم، ولا تلقوا السيوف من أيديكم حتى تروا رايات التوحيد في أرضهم، وحتى تحكِّموا شرع الله في ديارهم، والله ينصركم، ويهديكم، ويفتح لكم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.


المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 69
الخميس 25 جمادى الأولى 1438 ه‍ـ
...المزيد

تَصريحاتٌ وشِعارتٌ خُلبية في هذا الصدد، نستذكر التصريحات والشعارات الخلبية التي كان يطلقها قادة ...

تَصريحاتٌ وشِعارتٌ خُلبية

في هذا الصدد، نستذكر التصريحات والشعارات الخلبية التي كان يطلقها قادة النظام السوري الجديد في مرحلة "اللاوعي الثوري"، والتهديدات الجوفاء بقتال اليهود ونصرة فلسطين وغيرها من الشعارات التي يتقاسمها كل الطواغيت العرب، في حين لما وصل هؤلاء إلى سدة الحكم تنكّروا لشعاراتهم وأصبحوا يبررون ذلك بعقد مقارنات بين "عقلية الثورة" و "عقلية الدولة" وكأنهما خصمان! فإن كان هؤلاء قد خلعوا لباس الثورة عند أول عتبة قصر رئاسي ولجوه تحت أجنحة الطائرات الصليبية، أتراهم يتمسكون بالشريعة وهم يرونها عائقا ومانعا دون هذه القصور؟!

وفورا يتبادر إلى ذهن القارئ موقف هؤلاء وغيرهم المزاود على الدولة الإسلامية فيما يتعلق بقتال اليهود، مع أنها لم تكن على تماس مع الحدود اليهودية إلا في ساحة واحدة وعن بعد، بذلت فيها وسعها، فتحالفت ضدها كل الأطراف بمن فيهم "المقاومة" التي تعاونت لحماية "الأمن القومي المصري!" الذي يخنقها اليوم حماية لـ "الأمن القومي اليهودي!".

بينما يقف اليوم جيش النظام السوري الجديد موقف سلفه النصيري على طول الحد الجنوبي مع يهود وهو لا يفكر مجرد تفكير أن يمارس "حقه" في رد أي اعتداء عسكري على أراضيه التي باتت مستقرا للقوات اليهودية الغازية تدخل وتخرج على مرأى جنود الجولاني، بينما يكتفي النظام الثوري ببيانات "الإدانة" تماما كما كان يفعل نظام "ما قبل الثورة".

افتتاحية النبأ "الجولاني بين جدارين!" 488
لقراءة المقال كاملاً.. تواصل معنا تيليغرام:
@WMC11AR
...المزيد

مقدمة في الطب النبوي الحمد لله خالق الداء والدواء، ينفع من يشاء، ويُنزل بمن يشاء البلاء، والصلاة ...

مقدمة في الطب النبوي

الحمد لله خالق الداء والدواء، ينفع من يشاء، ويُنزل بمن يشاء البلاء، والصلاة والسلام على رسول الله محمد ماحي الشرك والشقاء، وعلى آله الأنقياء وصحبه الأصفياء وبعد:

فإن شريعة الرحمن جاءت بأحكام عظيمة تحفظ للمسلم دينه ونفسه ونسله وماله وعقله، فالخالق أعلم بصنعه وخلقه وما ينفعهم في دينهم وأنفسهم ودنياهم، فجرت أحكام الله تعالى بنواهٍ واضحة تقطع الأسباب التي تضر بتلك المقاصد، وجاءت الشريعة بنهج قويم يمنع حدوث كل ما يمس دين المسلم، مثل سد ذرائع الشرك للوقاية من خسارة الدين والخلود في النار، وكذلك اجتناب أسباب الزنى مثل النظرة والخلوة وغيرها لاجتناب الوقوع في الزنى الذي يضر بحفظ النسل، وكذلك جاءت الشريعة على سبيل الإرشاد والتعليم لاتخاذ الأسباب لحفظ النفس من التلف والضرر.

فدلت السنة النبوية على عادات وعلاجات وقائية في مرحلة ما قبل المرض، وعلاجية إذا ما وقع، وقد كتب أهل العلم كتبا في هذا الموضوع، لحاجة الناس للوقاية والعلاج لحفظ أنفسهم من الضرر.

- المنهج الوقائي في الطب النبوي:

ومِن المنهج الوقائي -مثلا- هو التوجيهات النبوية حول عدم الإكثار من الطعام الذي يسبب الكثير من الأمراض مثل السكر وضغط الدم وغيرها من الأمراض القلبية، إذ جاء في سنن البيهقي وابن ماجة قوله صلى الله عليه وسلم: (ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطن، حسب الآدمي، لقيمات يقمن صلبه، فإن غلبت الآدمي نفسه، فثلث للطعام، وثلث للشراب، وثلث للنفس)، وعلّق ابن القيم على هذا الحديث في كتابه الطب النبوي: "ومراتب الغذاء ثلاثة: أحدها: مرتبة الحاجة. والثانية: مرتبة الكفاية. والثالثة: مرتبة الفضلة. فأخبر النبي، صلى الله عليه وسلم: أنه يكفيه لقيمات يقمن صلبه، فلا تسقط قوته، ولا تضعف معها، فإن تجاوزها، فليأكل في ثلث بطنه، ويدع الثلث الآخر للماء، والثالث للنفس، وهذا من أنفع ما للبدن والقلب، فإن البطن إذا امتلأ من الطعام ضاق عن الشراب، فإذا ورد عليه الشراب ضاق عن النفس، وعرض له الكرب والتعب بحمله بمنزلة حامل الحمل الثقيل، هذا إلى ما يلزم ذلك من فساد القلب، وكسل الجوارح عن الطاعات، وتحركها في الشهوات التي يستلزمها الشبع. فامتلاء البطن من الطعام مضر للقلب والبدن هذا إذا كان دائما أو أكثريا".

كذلك تظهر صورة الوقاية جلية في قوله، صلى الله عليه وسلم: (من تصبّح كل يوم سبع تمرات عجوة لم يضره في ذلك اليوم سم ولا سحر) [رواه الشيخان]. وهذه وقاية عجيبة من بلاءين كبيرين لا يتفطن لهما المسلم الغافل.


- لا عدوى ولا صفر:

ويمتاز الطب النبوي بالإرشادات النبوية للوقاية من الأمراض المعدية، التي هي في حقيقتها لا تؤثر إلا بإذن الله تعالى، وفيها منهج متوازن للتعامل مع مثل هذه الأمراض، فقد ثبت في صحيح البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قول النبي، صلى الله عليه وسلم: (لا عدوى ولا صفر، ولا هامة) فقال أعرابي: يا رسول الله، فما بال الإبل، تكون في الرمل كأنها الظباء، فيخالطها البعير الأجرب فيُجربها؟ فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (فمن أعدى الأول؟). فالبعير الأول الذي بدأت منه العدوى كيف أصيب بالمرض؟ وهذا السؤال سأله النبي -صلى الله عليه وسلم- للأعرابي الذي قال إن البعير الأجرب عندما يخالط الإبل تصاب كلها بالجرب، وهو يأخذ بالظاهر كعادة أهل الجاهلية الذين لا ينظرون لمشيئة الله تعالى في تقدير الأمراض والأسقام لحكمة هو يعلمها، فجواب النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن أساس المرض ليس عدوى وإنما هو بتقدير الله تعالى، وكذلك العدوى من مريض لمصح، لا تكون إلا بإذن الله تعالى ليطمئن المسلم إذا خالط مريضا وهو لا يدري، فيعلق حصول العدوى بمشيئة الرب -جل وعلا- وتطمئن نفسه، ويعتقد أن الله -تعالى- ابتلاه بالمرض ليَحط من خطاياه كما جاءت بذلك الأحاديث النبوية، وهذا هو الأصل الذي قرره النبي، صلى الله عليه وسلم، ولكن هناك احتمالية حصول عدوى من بعض الأمراض وقد أشار النبي -صلى الله عليه وسلم- لمثل هذه الإرشادات.

وهو منهج وسط بين أهل الجاهلية الذين يرون الأمراض معدية بذاتها دون النظر لمشيئة الله تعالى، وبين من ينظر للمسألة على أنها علمية بحتة لا تقبل الاستثناء وحاصلة بالتجربة والبرهان، فالمنهج النبوي هو تعليق الأمر بمشيئة الله تعالى ونفي حدوث العدوى إلا بأمره مع إمكانيتها والتحذير منها، ولذلك أمر باتخاذ الأسباب الوقائية حين مشاهدة المرض الذي ظاهره أنه معدٍ، كما جاء في مسند الإمام أحمد عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (فر من المجذوم فرارك من الأسد)، كذلك ما رواه الإمام البخاري بسنده قال حدثنا حفص بن عمر، حدثنا شعبة، قال: أخبرني حبيب بن أبي ثابت، قال: سمعت إبراهيم بن سعد، قال: سمعت أسامة بن زيد، يحدث سعدا، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها) فقلت: أنت سمعته يحدث سعدا، ولا ينكره؟ قال: نعم.

- الشفاء من الله:

وأما إذا وقع المرض فإنه مع اختلاف العلماء حول مسألة التداوي فإن المُحصِّلة هي ما بين موجب وبين قائل بالندب، وهذا الأمر يتعلق بنية المتداوي بأن يعتقد أن العلاج هو سببٌ خَلَقه الله تعالى له، وأن الشفاء ليس في العلاج ذاته، بل هو محض منة الله -تعالى- كما قال إمام الموحدين نبي الله إبراهيم: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ} [الشعراء: 80 – 81].

ولذلك ترى كثيرا من الناس يتعلق قلبه بالسبب دون خالق السبب وهذا أمر خطير يُدخله في الشرك وينفي سلامة توكل القلب على الله تعالى، فالله -سبحانه وتعالى- خالق كل شي وخالق الأسباب والمسببات، ولا بد من الأخذ بالأسباب المشروعة لعلاج مسببات المرض، وكلها من خلق الله تعالى وتدور في مشيئته ومقتضيات حكمته، فقد أورد ابن أبي شيبة في مصنفه حديثا رواه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما أنزل الله من داء إلا أنزل له شفاء).

قال ابن تيمية رحمه الله تعالى في مجموع الفتاوى: "وإذا قدّر للعبد خيرا يناله بالدعاء لم يحصل بدون الدعاء، وما قدره الله وعلمه من أحوال العباد وعواقبهم فإنما قدّره الله بأسباب يسوق المقادير إلى المواقيت فليس في الدنيا والآخرة شيء إلا بسبب، والله خالق الأسباب والمسببات، ولهذا قال بعضهم: الالتفات إلى الأسباب شرك في التوحيد، ومحو الأسباب أن تكون أسبابا نقص في العقل، والإعراض عن الأسباب بالكلية قدح في الشرع".

فهذه نماذج من سنته -عليه الصلاة والسلام- في مسائل المرض والشفاء، سنتوسع فيها بإذن الله ضمن حلقات من هذه السلسلة، نسأل الله أن ييسر لنا إتمامها، وأن يعلِّمنا ما ينفعنا، وينفعنا بما علمنا، إنه ولي ذلك وأهله، والحمد لله رب العالمين.

المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 68
الخميس 18 جمادى الأولى 1438 ه‍ـ

لقراءة المقال كاملاُ.. تواصل معنا تيليغرام:
@WMC11AR
...المزيد

مقدمة في الطب النبوي [٢/٢] - لا عدوى ولا صفر: ويمتاز الطب النبوي بالإرشادات النبوية للوقاية من ...

مقدمة في الطب النبوي
[٢/٢]
- لا عدوى ولا صفر:

ويمتاز الطب النبوي بالإرشادات النبوية للوقاية من الأمراض المعدية، التي هي في حقيقتها لا تؤثر إلا بإذن الله تعالى، وفيها منهج متوازن للتعامل مع مثل هذه الأمراض، فقد ثبت في صحيح البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قول النبي، صلى الله عليه وسلم: (لا عدوى ولا صفر، ولا هامة) فقال أعرابي: يا رسول الله، فما بال الإبل، تكون في الرمل كأنها الظباء، فيخالطها البعير الأجرب فيُجربها؟ فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (فمن أعدى الأول؟). فالبعير الأول الذي بدأت منه العدوى كيف أصيب بالمرض؟ وهذا السؤال سأله النبي -صلى الله عليه وسلم- للأعرابي الذي قال إن البعير الأجرب عندما يخالط الإبل تصاب كلها بالجرب، وهو يأخذ بالظاهر كعادة أهل الجاهلية الذين لا ينظرون لمشيئة الله تعالى في تقدير الأمراض والأسقام لحكمة هو يعلمها، فجواب النبي -صلى الله عليه وسلم- بأن أساس المرض ليس عدوى وإنما هو بتقدير الله تعالى، وكذلك العدوى من مريض لمصح، لا تكون إلا بإذن الله تعالى ليطمئن المسلم إذا خالط مريضا وهو لا يدري، فيعلق حصول العدوى بمشيئة الرب -جل وعلا- وتطمئن نفسه، ويعتقد أن الله -تعالى- ابتلاه بالمرض ليَحط من خطاياه كما جاءت بذلك الأحاديث النبوية، وهذا هو الأصل الذي قرره النبي، صلى الله عليه وسلم، ولكن هناك احتمالية حصول عدوى من بعض الأمراض وقد أشار النبي -صلى الله عليه وسلم- لمثل هذه الإرشادات.

وهو منهج وسط بين أهل الجاهلية الذين يرون الأمراض معدية بذاتها دون النظر لمشيئة الله تعالى، وبين من ينظر للمسألة على أنها علمية بحتة لا تقبل الاستثناء وحاصلة بالتجربة والبرهان، فالمنهج النبوي هو تعليق الأمر بمشيئة الله تعالى ونفي حدوث العدوى إلا بأمره مع إمكانيتها والتحذير منها، ولذلك أمر باتخاذ الأسباب الوقائية حين مشاهدة المرض الذي ظاهره أنه معدٍ، كما جاء في مسند الإمام أحمد عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (فر من المجذوم فرارك من الأسد)، كذلك ما رواه الإمام البخاري بسنده قال حدثنا حفص بن عمر، حدثنا شعبة، قال: أخبرني حبيب بن أبي ثابت، قال: سمعت إبراهيم بن سعد، قال: سمعت أسامة بن زيد، يحدث سعدا، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها) فقلت: أنت سمعته يحدث سعدا، ولا ينكره؟ قال: نعم.

- الشفاء من الله:

وأما إذا وقع المرض فإنه مع اختلاف العلماء حول مسألة التداوي فإن المُحصِّلة هي ما بين موجب وبين قائل بالندب، وهذا الأمر يتعلق بنية المتداوي بأن يعتقد أن العلاج هو سببٌ خَلَقه الله تعالى له، وأن الشفاء ليس في العلاج ذاته، بل هو محض منة الله -تعالى- كما قال إمام الموحدين نبي الله إبراهيم: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ} [الشعراء: 80 – 81].

ولذلك ترى كثيرا من الناس يتعلق قلبه بالسبب دون خالق السبب وهذا أمر خطير يُدخله في الشرك وينفي سلامة توكل القلب على الله تعالى، فالله -سبحانه وتعالى- خالق كل شي وخالق الأسباب والمسببات، ولا بد من الأخذ بالأسباب المشروعة لعلاج مسببات المرض، وكلها من خلق الله تعالى وتدور في مشيئته ومقتضيات حكمته، فقد أورد ابن أبي شيبة في مصنفه حديثا رواه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما أنزل الله من داء إلا أنزل له شفاء).

قال ابن تيمية رحمه الله تعالى في مجموع الفتاوى: "وإذا قدّر للعبد خيرا يناله بالدعاء لم يحصل بدون الدعاء، وما قدره الله وعلمه من أحوال العباد وعواقبهم فإنما قدّره الله بأسباب يسوق المقادير إلى المواقيت فليس في الدنيا والآخرة شيء إلا بسبب، والله خالق الأسباب والمسببات، ولهذا قال بعضهم: الالتفات إلى الأسباب شرك في التوحيد، ومحو الأسباب أن تكون أسبابا نقص في العقل، والإعراض عن الأسباب بالكلية قدح في الشرع".

فهذه نماذج من سنته -عليه الصلاة والسلام- في مسائل المرض والشفاء، سنتوسع فيها بإذن الله ضمن حلقات من هذه السلسلة، نسأل الله أن ييسر لنا إتمامها، وأن يعلِّمنا ما ينفعنا، وينفعنا بما علمنا، إنه ولي ذلك وأهله، والحمد لله رب العالمين.

المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 68
الخميس 18 جمادى الأولى 1438 ه‍ـ

لقراءة المقال كاملاُ.. تواصل معنا تيليغرام:
@WMC11AR
...المزيد

مقدمة في الطب النبوي الحمد لله خالق الداء والدواء، ينفع من يشاء، ويُنزل بمن يشاء البلاء، والصلاة ...

مقدمة في الطب النبوي

الحمد لله خالق الداء والدواء، ينفع من يشاء، ويُنزل بمن يشاء البلاء، والصلاة والسلام على رسول الله محمد ماحي الشرك والشقاء، وعلى آله الأنقياء وصحبه الأصفياء وبعد:

فإن شريعة الرحمن جاءت بأحكام عظيمة تحفظ للمسلم دينه ونفسه ونسله وماله وعقله، فالخالق أعلم بصنعه وخلقه وما ينفعهم في دينهم وأنفسهم ودنياهم، فجرت أحكام الله تعالى بنواهٍ واضحة تقطع الأسباب التي تضر بتلك المقاصد، وجاءت الشريعة بنهج قويم يمنع حدوث كل ما يمس دين المسلم، مثل سد ذرائع الشرك للوقاية من خسارة الدين والخلود في النار، وكذلك اجتناب أسباب الزنى مثل النظرة والخلوة وغيرها لاجتناب الوقوع في الزنى الذي يضر بحفظ النسل، وكذلك جاءت الشريعة على سبيل الإرشاد والتعليم لاتخاذ الأسباب لحفظ النفس من التلف والضرر.

فدلت السنة النبوية على عادات وعلاجات وقائية في مرحلة ما قبل المرض، وعلاجية إذا ما وقع، وقد كتب أهل العلم كتبا في هذا الموضوع، لحاجة الناس للوقاية والعلاج لحفظ أنفسهم من الضرر.

- المنهج الوقائي في الطب النبوي:

ومِن المنهج الوقائي -مثلا- هو التوجيهات النبوية حول عدم الإكثار من الطعام الذي يسبب الكثير من الأمراض مثل السكر وضغط الدم وغيرها من الأمراض القلبية، إذ جاء في سنن البيهقي وابن ماجة قوله صلى الله عليه وسلم: (ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطن، حسب الآدمي، لقيمات يقمن صلبه، فإن غلبت الآدمي نفسه، فثلث للطعام، وثلث للشراب، وثلث للنفس)، وعلّق ابن القيم على هذا الحديث في كتابه الطب النبوي: "ومراتب الغذاء ثلاثة: أحدها: مرتبة الحاجة. والثانية: مرتبة الكفاية. والثالثة: مرتبة الفضلة. فأخبر النبي، صلى الله عليه وسلم: أنه يكفيه لقيمات يقمن صلبه، فلا تسقط قوته، ولا تضعف معها، فإن تجاوزها، فليأكل في ثلث بطنه، ويدع الثلث الآخر للماء، والثالث للنفس، وهذا من أنفع ما للبدن والقلب، فإن البطن إذا امتلأ من الطعام ضاق عن الشراب، فإذا ورد عليه الشراب ضاق عن النفس، وعرض له الكرب والتعب بحمله بمنزلة حامل الحمل الثقيل، هذا إلى ما يلزم ذلك من فساد القلب، وكسل الجوارح عن الطاعات، وتحركها في الشهوات التي يستلزمها الشبع. فامتلاء البطن من الطعام مضر للقلب والبدن هذا إذا كان دائما أو أكثريا".

كذلك تظهر صورة الوقاية جلية في قوله، صلى الله عليه وسلم: (من تصبّح كل يوم سبع تمرات عجوة لم يضره في ذلك اليوم سم ولا سحر) [رواه الشيخان]. وهذه وقاية عجيبة من بلاءين كبيرين لا يتفطن لهما المسلم الغافل.

المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 68
الخميس 18 جمادى الأولى 1438 ه‍ـ

لقراءة المقال كاملاً.. تواصل معنا تيليغرام:
@WMC11AR
...المزيد

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً