إن أتباعَ عيسى ثمرةُ توحيد وجهاد إن أتباع عيسى ابن مريم لن ينبعوا بين ليلة وضحاها، ولن ينزلوا ...

إن أتباعَ عيسى ثمرةُ توحيد وجهاد

إن أتباع عيسى ابن مريم لن ينبعوا بين ليلة وضحاها، ولن ينزلوا معه من السماء، فهم ثمرة توحيد وجهاد وثبات متعاقب طيلة السنين، ثمرة لا تضيع بل تعظم من أجلها التضحيات، وكذا الطائفة المنصورة لم تنشأ على باطل فتستحيل إلى الحق، إنها لم تبرح الحق من يوم بعث محمد -صلى الله عليه وسلم- حتى نزول عيسى عليه السلام، يؤيد ذلك حديث عمران بن حصين أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا تزال طائفة من أمّتي يقاتلون على الحقّ ظاهرين على من ناوأهم، حتّى يقاتل آخرهم المسيح الدّجّال) [أحمد وأبو داود]، فعجبا لمنتسب لأمة بعث رسولها بالسيف، وربط واقعها ومصيرها بالقتال حتى قيام الساعة؛ وهو يريد أن يرتع ويلعب بين هذه وتلك!


- افتتاحية النبأ "فكيف بهم غدًا" 483
- لقراءة الافتتاحية، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

وحي الشياطين أمام الضجة الكبيرة التي أثارها قرار طالبان منع "كتاب التوحيد" والصدمة التي أحدثها ...

وحي الشياطين

أمام الضجة الكبيرة التي أثارها قرار طالبان منع "كتاب التوحيد" والصدمة التي أحدثها ذلك في الأوساط الجهادية الموالية لطالبان؛ لم يكن أمام الميليشيا إلا محاولة تبرير ذلك بترقيعٍ متداعٍ جاء معتمدًا بالكلّية على بثوث "فقهاء التراجعات" واستعارةً لوحي شياطينهم الذي لم يصمد أمام صواعق الحق المرسلة.

- افتتاحية النبأ "في الأصل لا الحاشية" 482
- لقراءة الافتتاحية، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

عزة المجاهدين رغم اشتداد غربتهم وفي زماننا هذا الذي نعيشه تتكرر القصة بين الثلة المؤمنة، ...

عزة المجاهدين رغم اشتداد غربتهم

وفي زماننا هذا الذي نعيشه تتكرر القصة بين الثلة المؤمنة، والطواغيت الكفرة الفجرة، وقد تكالبت أمم الكفر على الإسلام وأهله، وعاد الإسلام غريبا كما بدأ، وعاد القائمون بأمره المستمسكون به غرباء في الأرض بعد أن حملوا راية الإسلام صافية ورفضوا الالتقاء مع أعدائه في منتصف الطريق، ووقفوا في وجه طواغيت العصر وفراعنته، وكفروا بهم وجاهروا بعداوتهم وبغضهم تحقيقا لملة إبراهيم عليه السلام، وجاهدوا في سبيل الله تعالى كل من رام صرفهم عن غايتهم بتعبيد الناس لخالقهم سبحانه، وأن لا يحكم في الأرض بغير شرعه.

فجمع الطواغيت لحربهم كل أحلافهم وأوباشهم من الصليبيين واليهود والمنافقين، وأتوا بجيوشهم الكافرة عبر البر والبحر والجو، يريدون ما أراده فراعنة الأمس من حرب التوحيد وطمس دعوته، فثبت لهم أجناد الإسلام ثبات الجبال ولم يعطوا الدنية في دينهم، وقاتلوا في سبيل الله -نحسبهم ولا نزكيهم-، وبذلوا الغالي والنفيس وما ضرهم ما يصيبهم لمّا علموا أنه إلى الله المنقلب، وكانت تضحياتهم نورا أضاءت طريق إخوانهم من بعدهم، وأحيا الله بها أجيالا من شباب الإسلام لا يعدلون بالتوحيد مصلحة، ولا يرون غير الشريعة غاية، ولم يُضع الله تعالى إيمانهم وتضحياتهم وقد استعانوا بالملك العزيز ولاذوا بجنابه، ورفضوا الالتجاء إلى غيره سبحانه، والاعتصام بغير حبله، فكانوا أعزة في حياتهم ومماتهم، وعلى ذلك فليواصل إخوانهم الطريق مِن بعدهم، حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.


- افتتاحية النبأ "سبيل العزة" 484
- لقراءة الافتتاحية، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

إنما تصان العقائد بالدماء إنّ العقائد لا تحفظ في متون الكتب وبطونها، إنما تصونها الدماء -وتصون ...

إنما تصان العقائد بالدماء

إنّ العقائد لا تحفظ في متون الكتب وبطونها، إنما تصونها الدماء -وتصون الدماء- في ميادين القتال والمراغمة، وترسم خارطة الطريق في الحكم والعلاقات والولاءات، يحتكم إليها المسلمون دوما وأبدا دون غيرها ولا يعدلون أو يخلطون بها سواها، ولا يستبدلونها بالشورى الأمريكية نعني "الديمقراطية".

- مقتبس من افتتاحية صحيفة النبأ " في الأصل لا الحاشية! " العدد (482)

- لقراءة الافتتاحية، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

حرص سلاطين الإسلام على بيعة الخليفة الإمام (٢/٢) - أمير خراسان محمود الغزنوي يبايع الخليفة ...

حرص سلاطين الإسلام على بيعة الخليفة الإمام

(٢/٢)

- أمير خراسان محمود الغزنوي يبايع الخليفة القادر بالله

ومن القوقاز إلى خراسان في أوائل القرن الخامس الهجري سنة (404 هـ) فبعدما أخضع السلطان محمود الغزنوي كثيرا من البلاد تحت سلطانه، أرسل رسالته إلى الخليفة العباسي مبايعاً له، وطالبا توليته على ما تحت يده من بلاد، قال ابن الأثير: «فلما فرغ من غزوته عاد إلى غزنة وأرسل إلى القادر بالله يطلب منه منشورا وعهدا بخراسان، وما بيده من الممالك فكتب له ذلك»، وقد ذكرنا في مقالة سابقة ما منَّ الله به على هذا السلطان من عز وتمكين مع التزامه بجماعة المسلمين وإمامهم امتثالا لأمر الله، لا لمصالح عسكرية أو مادية.

- أمير المغرب والأندلس يبايع الخليفة المستظهر بالله

ومن بلاد المغرب في أواخر القرن الخامس الهجري أرسل الأمير يوسف بن تاشفين إلى الخليفة العباسي يطلب توليته، قال ابن الأثير: «ولما ملك الأندلس، على ما ذكرناه، جمع الفقهاء وأحسن إليهم، فقالوا له: ينبغي أن تكون ولايتك من الخليفة لتجب طاعتك، فأرسل إلى الخليفة المستظهر بالله، أمير المؤمنين، رسولا ومعه هدية كثيرة، وكتب معه كتابا يذكر ما فتح الله من بلاد الفرنج، وما اعتمده من نصرة الإسلام، ويطلب تقليدا بولاية البلاد، فكتب له تقليدا من ديوان الخليفة بما أراد، ولقب أمير المسلمين، وسيرت إليه الخلع، فسُر بذلك سرورا كثيرا».

هكذا ورغم ما تمتَّع به ابن تاشفين من سلطة وتمكين، إلا أنها لم تُوجب طاعته حتى يدخل في جماعة المسلمين كما أفتاه بذلك فقهاء ذلك الزمان، وقد بارك الله في دولته وفتوحاتها كما هو معلوم في تاريخها.

- أمير الشام نور الدين زنكي يبايع الخليفة المقتفي

وإلى دمشق أواسط القرن السادس الهجري (549 هـ)، وصلت رسالة الخليفة العباسي إلى نور الدين زنكي بقبول بيعته وتوليته على ديار الشام ومصر، قال ابن كثير: «ملك السلطان نور الدين الشهيد بدمشق وجاءت الأخبار بأن مصر قد قُتل خليفتها الظافر [المقصود طاغوت العبيديين]، ولم يبق منهم إلا صبي صغير ابن خمس شهور، قد ولوه عليهم ولقبوه الفائز، فكتب الخليفة [العباسي] عهدا إلى نور الدين محمود بن زنكي بالولاية على بلاد الشام والديار المصرية، وأرسله إليها».

وقد كان لهذه الخطوة دور كبير في عزم نور الدين على تخليص مصر من حكم العبيديين الكفرة الذين تسمّوا بالفاطميين، وإلحاقها بديار الإسلام تحت حكم الخليفة العباسي، وقد تم له ذلك في المحرم سنة (567 هـ) إذ خطبت أول خطبة للخليفة المستضيء بالله.

وقال ابن تيمية، رحمه الله: «وكذلك السلطان نور الدين محمود، الذي كان بالشام، عزّ أهل الإسلام والسنّة في زمنه، وذلّ الكفار وأهل البدع ممن كان بالشام ومصر وغيرهما، من الرافضة والجهمية ونحوهم، وكذلك ما كان من زمنه من خلافة بني العباس» [مجموع الفتاوى].

وبهذا توحدت بلاد الإسلام تحت سلطان الإمام، مما مهَّد الطريق لمواصلة الجهاد ضد الصليبيين حتى إخراجهم من كل ديار المسلمين.


- وها قد عادت الخلافة

واليوم بفضل الله عادت الخلافة من جديد بعد قرون من تغييبها وبدأ المسلمون من أصقاع العالم يأوون إليها مبايعين لأميرها، وقد بايعها -بفضل الله- المجاهدون من كل أصقاع العالم -كالعراق والشام والقوقاز وخراسان وبلاد المغرب والصحراء وغرب إفريقية- كما بايعها المجاهدون في سيناء واليمن وجزيرة العرب وأرض ليبيا وشرق آسيا، ليعاد تشكيل جماعة المسلمين من جديد، ويعود تقسيم الأرض إلى فسطاطين، فمن تمسَّك بجماعة المسلمين وإمامها فقد نجى، ومن اختار لنفسه الفرقة فقد هلك، ولله عاقبة الأمور.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 59
الخميس 15 ربيع الأول 1438 ه‍ـ

• لقراءة المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

حرص سلاطين الإسلام على بيعة الخليفة الإمام (١/٢) أجمع المسلمون في كل العصور على وجوب الإمامة ...

حرص سلاطين الإسلام على بيعة الخليفة الإمام

(١/٢)
أجمع المسلمون في كل العصور على وجوب الإمامة ونصب الإمام ومبايعته وطاعته، فهو الذي يقيم الصلاة بهم، ويطبق الحدود، ويحفظ الثغور، ويجاهدون تحت لوائه أعداء الله، بل إن الصحابة -رضي الله عنهم- بعد وفاة النبي -صـلى الله عليه وسلم- كان أول ما شغلهم -حتى قبل دفنه- تنصيب خليفته، فكانت البيعة لأبي بكر الصديق -رضي الله عنه- في سقيفة بني ساعدة.

وبالرغم من أن الخلافة قد ضعفت في القرون المتأخرة قبل غيابها عن المعمورة بسقوط الدولة العباسية، إلا أن هذا لم يمنع كثيرا من سلاطين المسلمين، من أن يستمدوا شرعية سلطتهم من مبايعة الخليفة العباسي وبذل الطاعة امتثالا لأمر الله -عزو جل- بلزوم الجماعة، ونبذ الفرقة والتنازع، وقد وجد أولئك السلاطين بركات هذه البيعات، فأجرى الله على أيديهم الفتوحات وأطاعتهم رعاياهم.

- أمير الصقالبة في القوقاز يبايع الخليفة المقتدر بالله

ففي أوائل القرن الرابع الهجري سنة (309 هـ) أرسل الخليفة العباسي المقتدر بالله مبعوثه أحمد بن فضلان إلى أمير الصقالبة في بلاد القوقاز الذي أعلن بيعته للخليفة وطلب منه مساعدته في رد عادية الكفار المجاورين له في تلك البلاد، فأرسل الخليفة مبعوثه ليخلع عليه خِلَع الإمارة كما جرت العادة، وليُعينه فيما طلب.

وقد روى ابن فضلان في كتابه (رسالة ابن فضلان) تفاصيل تلك الرحلة الشاقة من بغداد دار الخلافة إلى ديار ذلك الأمير في عمق بلاد القوقاز، ومما جاء فيه: «فلمّا كنّا من ملك الصقالبة، وهو الذي قصدنا له على مسيرة يوم وليلة وجّه لاستقبالنا الملوك الأربعة الذين تحت يده وإخوته وأولاده فاستقبلونا ومعهم الخبز واللّحم والجاورس، وساروا معنا، فلمّا صرنا منه على فرسخين تلقّانا هو بنفسه فلمّا رآنا نزل، فخرّ ساجدا شكرا لله، جلّ وعزّ».

ويكمل ابن فضلان رواية الأحداث فيقول: «حتّى جمع الملوك والقوّاد وأهل بلده ليسمعوا قراءة الكتاب... ولم يزل التّرجمان يترجم لنا حرفا حرفا، فلمّا استتممنا قراءته كبّروا تكبيرة ارتجّت لها الأرض»، وهكذا علم هذا الأمير النائي في أقاصي الأرض فضل أن يكون تحت إمرة خليفة المسلمين وأن يصله التكليف منه بإمارة قومه.

وقد حرص هذا الأمير المسلم على امتثال كل ما يأمره به مبعوث الخليفة من تعاليم الشرع فعندما نهاه ابن فضلان عن أن يطري نفسه باسم الملك في الخطبة بادر بالامتثال، قال ابن فضلان: «فقال لي: فكيف يجوز أن يُخطب لي؟ قلت: باسمك واسم أبيك. قال: إن أبي كان كافرا ولا أحبّ أن أذكر اسمه على المنبر، وأنا أيضا فما أحب أن يُذكر اسمي إذ كان الذي سمّاني به كافرا، ولكن ما اسم مولاي أمير المؤمنين؟ فقلت: جعفر. قال: فيجوز أن أتسمّى باسمه؟ قلت: نعم، قال: قد جعلت اسمي جعفرا واسم أبي عبد الله، فتقدّم إلى الخطيب بذلك. ففعلت».

وكان جعفر بن عبد الله مع عظم سلطته وبعد دياره عن مركز الخلافة يخشى غضب الخليفة عليه، ومما قاله لابن فضلان: «فوالله إنّي لَبِمكاني البعيد الذي تراني فيه وإنّي لخائف من مولاي أمير المؤمنين، وذلك أنّي أخاف أن يبلغَه عني شيء يكرهه، فيدعو عليَّ فأهلك بِمَكاني»، وأخبره عن سبب طلبه المال من خليفة المسلمين، فقال: «رأيت دولةَ الإسلام مقبلة وأموالَهم يؤخذ من حلها فالتمست ذلك لهذه العلّة، ولو أني أردت أن أبني حصنا من أموالي من فضة أو ذهب لما تعذَر ذلك عليّ، وإنما تبرّكت بمال أمير المؤمنين»، أي لبُعد مال الخليفة عن الشبهة في ظن الأمير، والله أعلم.

فسبحان من فقَّه أمثال هؤلاء بفضل الجماعة ومبايعة الإمام!


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 59
الخميس 15 ربيع الأول 1438 ه‍ـ

• لقراءة المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

لسان حالكِ «لأموتَنَّ والإسلام عزيز» (٢/٢) وأنت يا مسلمة، كيف هي همتك؟ أهي همة صفية بنت عبد ...

لسان حالكِ «لأموتَنَّ والإسلام عزيز»

(٢/٢)
وأنت يا مسلمة، كيف هي همتك؟ أهي همة صفية بنت عبد المطلب؟ أم همة نسيبة بنت كعب؟ أم لعلها همة أم سلمة الأنصارية؟ رضي الله عنهن جميعا.

فأما صفية سليلة الحسب والنسب، عمّة النبي -صلى الله عليه وسلم- وشقيقة سيد الشهداء حمزة -رضي الله عنهما- ومن أوائل الذين آمنوا، فإنها لما رأت المسلمين يوم أُحُد، يتراجعون، تقدمت ورُمْحٌ بيدها، تضرب في وجوه المتراجعين وتقول: «انهزمتم عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم؟» بل وأكثر من ذلك، فيوم الخندق جمع النبي -صلى الله عليه وسلم- النساء في حصن حسان بن ثابت، كعادته -صلى الله عليه وسلم- إذا خرج للغزو، جمع النساء في ملجأ واحد، فجاء يهودي وأخذ يطوف حول الحصن، فقامت فأخذت عمودا، ثم نزلت من الحصن وتخفّت حتى مرّ اليهودي فضربته على رأسه فقتلته ثم قطعت رأسه بسكين.

أما نسيبة بنت كعب أم عمارة وما أدراك ما أم عمارة، فقد جاء في «الطبقات الكبرى»: «شهدت أم عمارة بنت كعب أُحُدا مع زوجها غزية بن عمرو وابنيها، وخرجت معهم بشَن لها في أول النهار تريد أن تسقي الجرحى، فقاتلت يومئذ وأبلت بلاء حسنا وجُرحت اثني عشر جرحا بين طعنة برمح أو ضربة بسيف، فكانت أم سعد بنت سعد بن ربيع تقول: دخلتُ عليها فقلت: حدثيني خبرك يوم أُحُد؛ قالت: خرجت أول النهار إلى أُحُد وأنا أنظر ما يصنع الناس ومعي سقاء فيه ماء، فانتهيت إلى رسول الله وهو في أصحابه، والدولة والريح للمسلمين، فلما انهزم المسلمون انحزت إلى رسول الله، فجعلت أباشر القتال وأذب عن رسول الله بالسيف وأرمي بالقوس حتى خَلُصت إليّ الجراح؛ قالت: فرأيت على عاتقها جرحا له غور أجوف فقلت: يا أم عمارة، من أصابك هذا؟ قالت: أقبل ابن قميئة وقد ولّى الناس عن رسول الله يصيح: دلّوني على محمد فلا نجوت إن نجا، فاعترض له مصعب بن عمير وناس معه، فكنت فيهم فضربني هذه الضربة ولقد ضربته على ذلك ضربات ولكنّ عدو الله كان عليه درعان».

وأما أم سلمة أو أم عامر الأنصارية فقد قال عنها الذهبي: «من المبايِعات المجاهدات، روت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- جملة أحاديث، وقتلت بعمود خبائها يوم اليرموك تسعة من الروم» [سير أعلام النبلاء].

وأين أنت يا مسلمة من هموم أمّتك؟ وكيف أنت اليوم وقد انجلى الظلام، وانقشع الغمام عن فسطاطين لا ثالث لهما؛ فسطاط إيمان وفسطاط كفر؟ وبم تحدثين نفسك كلما اشتد البلاء وعظمت المحنة؟ بالصبر والثبات أم بالنكوص والنجاة؟
إن الأرض أرض جهاد وقتال، وإن الحرب سجال، نُصيب من الأعداء ومنا يصيبون، نألم ويألمون، ولكن مما يجرِّئ المشرك على الموحد، رَخاوة العقيدة وضعف الإيمان والجزع عند الخطوب، فما أن يُشيعَ مرجِف أو مرجفة خبر ظهور للكفار في مكان ما، حتى ترجف القُلوب وتشخَص الأبصار خاصة بين النساء، ولكن أبدا ما تلكم بقلوب أو أبصار الصادقات ذوات الهمم العلية، لأن المؤمنة الصادقة وعند احتدام الصفوف، لسان حالها دائما: «دمي دون ديني، بل دمي دون شبر واحد علاه حكم الله ورفرفت في سمائه راية العقاب!» لسان حال حفيدات صفية وأم عمارة: «لنموتنّ والإسلام عزيز»

ولما أوصى ابن مسعود -رضي الله عنه- رجلا من أهل اليمن وأرشده كيف يعتصم عن الفتن والفتانين قال اليماني: «فإن لم أُترك؟» فقال ابن مسعود، رضي الله عنه: «وما أراك تُترك، فإن طلبوا دمك ودينك، فابذل دمك، واحرز دينك»؛ قال اليماني: «قُتلتُ، وربِ الكعبة!» قال ابن مسعود: «هي هي، أو النار ، هي هي، أو النار» [رواه ابن بطة في الإبانة الكبرى].

وما ينبغي لمن عَرَفَتْ قدر هذا الدين، وعاشت تحت عزة الشريعة أن تراودها فِكرة الرجوع خطوة إلى الوراء، أو الانحياز أو الهروب، وإنما ينبغي عليها أن تحدِّث نفسها بكلمتين بسيطتين هما عمود الأمر وذروة سنامه: «إما نحن وإما هم، إما أرض الخلافة وإما الجنة!»

وكما أنه من المعلوم أن لا جهاد على النساء من حيث الأصل، فلتعلم المسلمة أيضا أنه ومتى دخل العدو بيتها فالجهاد حينها متعيِّن عليها كما الرجال، تدفعه بما أمكنها، ونصوص الفقهاء في ذلك كثيرة مبسوطة في مظانها من كتب الفقه.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 59
الخميس 15 ربيع الأول 1438 ه‍ـ

• لقراءة الصحيفة تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

لسان حالكِ «لأموتَنَّ والإسلام عزيز» (١/٢) إنَّ الهمم -أرشدكِ الله- نوعان، همم سامية عالية، ...

لسان حالكِ «لأموتَنَّ والإسلام عزيز»

(١/٢)
إنَّ الهمم -أرشدكِ الله- نوعان، همم سامية عالية، وأخرى ساقطة نازلة، يقول ابن القيم، رحمه الله: «ولله الهمم! ما أعجب شأنها، وأشد تفاوتها، فهمة متعلقة بمن فوق العرش، وهمة حائمة حول الأنتان والحش» [مدارج السالكين].

فأما الذين تعلَّقت هممهم بمن فوق العرش، فقوم تزينت لهم الدنيا فأغرتهم بالخسيس والدني، وجعلت من نفسها أكبر همِّهم ومبلغ علمهم، وغلّقت الأبواب دون المعالي وقالت: هيت لكم! فما كان منهم إلا أن أدبروا هلعى، وفروا منها فرار المعافى من المجذوم، لا يلوون على شيء سوى أن يعصمهم الرحمن منها ويكفيهم شرها، فعاشوا فيها والأرواح تتنفس عزة.

إن لله عبادا فطنا * طلقوا الدنيا وخافوا الفتنا
نظروا فيها فلما علموا * أنها ليست لحيّ وطنا
جعلوها لُجّة واتخذوا * صالح الأعمال فيها سفنا

وأما الذين تحوم هِممهم حول الأنتان والحش، فقوم نجحت الدنيا في فتنتهم، وجعلت همَّهم بين مال وبطن وفرج، فعاشوا فيها والأرواح ترهقها ذلة.

ثم قال ابن القيم: «وإذا أردت أن تعرف مراتب الهمم، فانظر إلى همة ربيعة بن كعب الأسلمي -رضي الله عنه- وقد قال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (سلني)؛ فقال: أسألك مرافقتَك في الجنة؛ وكان غيره يسألُه ما يملأ بطنَه، أو يواري جلده، وانظر إلى همة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين عُرضت عليه مفاتيح كنوز الأرض فأباها، ومعلوم أنه لو أخذها لأنفقها في طاعة ربه تعالى، فأبت له تلك الهمة العالية، أن يتعلق منها بشيء مما سوى الله ومحابه، وعُرض عليه أن يتصرف بالملك، فأباه، واختار التصرف بالعبودية المحضة، فلا إله إلا الله، خالق هذه الهمة، وخالق نفس تحملها، وخالق همم لا تعدو همم أخس الحيوانات» [مدارج السالكين].

وجاء في «حلية الأولياء»: «عن عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه، قال: اجتمع في الحِجر مصعب بن الزبير، وعروة بن الزبير، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمر، فقالوا: تمنّوا؛ فقال عبد الله بن الزبير: أما أنا، فأتمنّى الخلافة؛ وقال عروة: أما أنا، فأتمنّى أن يؤخذ عني العلم؛ وقال مصعب: أما أنا، فأتمنّى إمرة العراق والجمع بين عائشة بنت طلحة، وسكينة بنت الحسين؛ وقال عبد الله بن عمر: أما أنا، فأتمنّى المغفرة؛ قال: فنالوا كلهم ما تمنوا، ولعل ابن عمر قد غُفر له».

ويقال إن عمر بن عبد العزيز خطب الناس فقال في خطبته: «أيها الناس، إن لي نفسا توّاقة لا تُعطى شيئا إلا تاقت إلى ما هو أعلى منه، وإني لمّا أُعطيت الخلافة تاقت نفسي إلى ما هو أعلى منها وهي الجنة» [البداية والنهاية].

ورُوي أن نابغة بني جعدة أنشد هذه الأبيات في حضرة النبي، صلى الله عليه وسلم:

بلغنا السماء مجدنا وثراؤنا * وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا

فيسأله النبي: (إلى أين المظهر يا أبا ليلى؟) قال: «إلى الجنة»؛ قال: (كذلك إن شاء الله) [رواه أبو نعيم والبيهقي في «دلائل النبوة»].
ولطالما كانت الجنة همَّة الصالحين من الأولين والآخرين.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 59
الخميس 15 ربيع الأول 1438 ه‍ـ

• لقراءة المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

ومنها: (لا سياحة، ولا تبتّل، ولا ترهّب في الإسلام) [رواه عبد الرزاق عن طاووس مرسلا]. قال ابن ...

ومنها: (لا سياحة، ولا تبتّل، ولا ترهّب في الإسلام) [رواه عبد الرزاق عن طاووس مرسلا].
قال ابن قتيبة: «قوله (ولا رهبانية) يريد فعل الرهبان من مواصلة الصوم ولبس المُسوح وترك أكل اللحم وأشباه ذلك... وقوله (ولا تبتّل) يريد ترك النكاح» [غريب الحديث].

وقال ابن الأنباري: «[راهب متبتّل]: منقطع إلى الله -تبارك وتعالى- تارك للنكاح»، ثم ذكر حديث طاووس، ثم قال: «الرهبانية: لزوم الصوامع، وترك أكل اللحم» [الزاهر].

ومما يشهد لقول أئمة اللغة أيضا بعضُ الآثار الموقوفة والمقطوعة، منها: «سياحةُ هذه الأمة الصيام» [رواه الطبري عن عائشة]، و«{السَّائِحُونَ}: الصائمون»، و«{سَائِحَاتٍ}: صائمات» [رواهما الطبري عن عدد من السلف].

قال ابن قتيبة: «أصل السائح: الذاهب في الأرض... والسائح في الأرض ممتنع من الشهوات، فشُبّه الصائم به، لإمساكه في صومه عن المطعم والمشرب والنكاح» [غريب القرآن].

وقال الطبري -رحمه الله- في تفسيره: «كان بعض أهل العربية يقول: نرى أن الصائم إنما سُمي سائحا، لأن السائح لا زاد معه، وإنما يأكل حيث يجد الطعام، فكأنه أُخذ من ذلك».

ومنها: عن سفيان بن عيينة -رحمه الله- قال: «حدثنا عمرو، أنه سمع وهب بن منبه يقول: كانت السياحة في بني إسرائيل...» قال ابن عيينة: «إذا ترك الطعام والشراب والنساء فهو السائح» [رواه الطبري].

وقال المروزي، رحمه الله (المتوفى 294 هـ): «عن إسحاق بن سويد [تابعي، توفي 131 هـ]: كانوا [أي السلف الصالح] يرون السياحة صيام النهار وقيام الليل» [مختصر قيام الليل].

وبعد هذا، يظهر بلا ريب أن المقصود بـ (سياحة أمتي الجهاد)، النهي عن سياحة الرهبان المبتدعة وما فيها من ادعاء التوكّل والزهد بترك الزاد والإعراض عن النكاح -وهي عادة وَرِثَتها بعض الطرق الصوفية من كفرة أهل الكتاب- والمقصود أيضا، الإرشاد إلى ما هو خير من السياحة، الجهاد في سبيل الله، وما يترتّب عليه من الاجتهاد في العبادة وطلب لقاء الله -سبحانه وتعالى- علماً أن بعض السلف الصالح جعلوا من بدائل السياحة: الاعتكاف وقيام الليل والصيام وطلب العلم، ومنهم من جعلها الهجرة إلى الله التي قورنت بالجهاد في الوحيين، قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم -رحمه الله- (المتوفى 182 هـ) في تفسير قوله سبحانه {السَّائِحُونَ} وقوله تعالى {سَائِحَاتٍ}: «ليس في القرآن ولا في أمة محمد سياحة إلا الهجرة» [رواه الطبري]، وقال: «كان سياحتهم الهجرة حين هاجروا إلى المدينة» [رواه ابن أبي حاتم].

فمن أراد أن يكون من أهل السياحة السنية السلفية، فعليه بالهجرة والجهاد، وعليه أن يجاهد نفسه في الله بالتزام الزهد والذكر في رباطه وقتاله ما استطاع، وعليه أن يهجر ما كره الله من الخطايا والذنوب الظاهرة والباطنة، ومنها: العجب والكبر والغيبة والنميمة والقتال للمغنم وللذكر.
وفي الختام، قال ابن القيم -رحمه الله- في تفسير قوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ...} الآية [التوبة: 111-112]: «فُسِّرت السياحة بالصيام، وفُسِّرت بالسفر في طلب العلم، وفُسِّرت بالجهاد، وفُسِّرت بدوام الطاعة، والتحقيق فيها أنها سياحة القلب في ذكر الله، ومحبته، والإنابة إليه، والشوق إلى لقائه، ويترتّب عليها كل ما ذكر من الأفعال، ولذلك وصف الله –سبحانه- نساء النبي -صلى الله عليه وسلم- اللاتي لو طُلق أزواجه، بدله بهن بأنهن سائحات، وليست سياحتهن جهادا، ولا سفرا في طلب علم، ولا إدامة صيام، وإنما هي سياحة قلوبهن في محبة الله تعالى، وخشيته، والإنابة إليه، وذكره، وتأمل كيف جعل الله -سبحانه- التوبة والعبادة قرينتين، هذه ترك ما يكره وهذه فعل ما يحب، والحمد والسياحة قرينتين، هذا الثناء عليه بأوصاف كماله وسياحة اللسان في أفضل ذكره، وهذه سياحة القلب في حبه وذكره وإجلاله، كما جعل سبحانه العبادة والسياحة قرينتين في صفة الأزواج، فهذه عبادة البدن وهذه عبادة القلب» [حادي الأرواح].

هذا، والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على الرسول النبي الصادق الأمين، وعلى أزواجه وذريته الطيبين الطاهرين.



• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 59
الخميس 15 ربيع الأول 1438 ه‍ـ

• لقراءة الصحيفة تواصل - تيليغرام:
@wmc111at

سياحة الجهاد

...المزيد

سياحة الجهاد • روى أبو داود في سُننه عن أبي أمامة الباهلي -رضي الله عنه- أن رجلا قال: «يا رسول ...

سياحة الجهاد

• روى أبو داود في سُننه عن أبي أمامة الباهلي -رضي الله عنه- أن رجلا قال: «يا رسول الله، ائذن لي بالسياحة»؛ فقال النبي، صلى الله عليه وسلم: (إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله)؛ سكت عنه أبو داود، ورواه الحاكم في مستدركه وصحّح إسناده، وصحّحه عبد الحق الإشبيلي والذهبي، وجوّد إسناده النووي والعراقي.

وهذا الحديث مما أخطأ بعض أهل الهجرة والجهاد في فهمه، وظنوا أن سياحة الجهاد هي ما عليه أهل العصر من «التنقل من بلد إلى بلد طلبا للتنزه أو الاستطلاع والكشف» [المعجم الوسيط المعاصر]، فإذا نظر بعد فهمه الخاطئ إلى شيء من جمال البلد المُهاجَر إليه من جبال وأنهار وشواطئ وأشجار، أو وجد شيئا من رغد العيش فيه من طعام وشراب وزينة وراحة، أشار إلى زهرة الحياة الدنيا، وقال: «صدق رسول الله، صلى الله عليه وسلم، إن الجهاد سياحة الأمة!».

وهكذا أخطأ كثير من الناس في فهم الحديث والأثر، فشتّان ما بين ما هو مقصود في الحديث الشريف، وبين ما ذهبت إليه أذهان كثير من الناس.

فإن قيل، فما معنى «السياحة» المذكورة إن لم يكن سفر النزهة المتعارف عليه؟

الجواب: إنما يُفسّر غريب الحديث والأثر بلسان العرب الفصيح وبفهم السلف الصالح -لا ما اصطلح عليه المتأخرون ولا ما تعارف عليه المعاصرون- وهذا بالرجوع إلى أئمة اللغة والغريب، الذين حفظوا معاني القرآن والحديث لمن بعدهم من القرون كما حفظ القراء والمحدثون ألفاظ الوحيين، جزاهم الله عن الإسلام والمسلمين خيرا كبيرا كثيرا.

قال ابن قتيبة، رحمه الله (المتوفى 276 هـ) في شرح ما جاء من السياحة في الأثر: «[السياحة]: مفارقة الأمصار والذهاب في الأرض كفعل... عُبّاد بني إسرائيل... وأراد -صلى الله عليه وسلم- أن الله -جل وعز- قد وضع هذا عن المسلمين وبعثه بالحنيفية السمحة» [غريب الحديث].

وقال ابن الأنباري، رحمه الله (المتوفى 328 هـ): «السياحة: الخروج إلى أطراف البلاد، والتفرد من الناس، بحيث لا يشهد جمعة، ولا يحضر جماعة» [الزاهر].

وقال أبو منصور الأزهري، رحمه الله (المتوفى 370 هـ): «قال الليث: السياحة ذهاب الرجل في الأرض للعبادة والترهّب، وسياحة هذه الأمة الصيام ولزوم المساجد» [تهذيب اللغة].

فالسياحة التي لم يأذن بها النبي -صلى الله عليه وسلم- هي من الترهّب الذي لم يشرّعه أحكم الحاكمين، قال سبحانه وتعالى: {ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد: 27].

عن عروة بن الزبير -رحمه الله- قال: «دخلت امرأة عثمان بن مظعون... على عائشة وهي باذَّة الهيئة فسألتها ما شأنك؟ فقالت: زوجي يقوم الليل ويصوم النهار؛ فدخل النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكرت عائشة ذلك له، فلقي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عثمان فقال: (يا عثمان، إن الرهبانية لم تكتب علينا، أفما لك فيّ أسوة، فوالله إني أخشاكم لله، وأحفظكم لحدوده) [رواه أحمد وأبو داود وابن حبان].

وهكذا، لما استأذن بعض الصحابة -رضي الله عنهم- النبي -صلى الله عليه وسلم- في السياحة، نهاه -صلى الله عليه وسلم- عن التشبّه بالرهبان الضالين، وأرشده إلى ما شرعه الله –تعالى- منهاجا لخير أمة أخرجت للناس: الجهاد في سبيله؛ وفيه ما في سياحة الرهبانية من الزهد والعزلة والذكر والعبادة، يتقرب المجاهد إلى الله بالتزام هذه الحقائق في أسفار جهاده، وليكون بذلك من رهبان الليل فرسان النهار، وهم: {ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ} [الواقعة: 13-14].

وتشهد لقول أئمة اللغة بعضُ الأحاديث المرفوعة الضعيفة، منها: (عليك بالجهاد، فإنه رهبانية الإسلام) [رواه أحمد عن أبي سعيد الخدري]، و(لكل نبي رهبانية، ورهبانية هذه الأمة الجهاد في سبيل الله) [رواه أحمد عن أنس]، و(عليك بالجهاد فإنه رهبانية أمّتي) [رواه ابن حبّان عن أبي ذر].
ومنها: رواية لحديث عثمان بن مظعون، أنه أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: «ائذن لنا بالاختصاء»؛ فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (ليس منا من خصى، ولا اختصى، إنّ إخصاء أمتي الصيام)؛ فقال: «يا رسول الله، ائذن لنا في السياحة»؛ فقال: (إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله)؛ فقال: «يا رسول الله، ائذن لنا في الترهّب»؛ فقال: (إن ترهّب أمتي الجلوس في المساجد انتظار الصلاة) [رواه ابن المبارك في الزهد بإسناد ضعيف].
...المزيد

قصة شهيد: أبو جهاد الكبيِّر حفظ كتاب الله وعمل بما فيه، نحسبه والله حسيبه.. (٢/٢) وقد أحسن ...

قصة شهيد:
أبو جهاد الكبيِّر
حفظ كتاب الله
وعمل بما فيه، نحسبه والله حسيبه..

(٢/٢)
وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن

مكث في السجن 3 سنين حتى فرّج الله عنه مع بدايات الجهاد في الشام، وبمجرد خروجه بدأ بالبحث عن طريق إلى ساحات الجهاد، وتخطي منع السفر الذي فرضه الطواغيت عليه ، فبقي عدة أشهر على هذا الحال حتى يسر الله له طريقاً إلى الشام، وكان خلال فترة الانتظار يجهز بعض المواد الإعلامية، ويجمع ما تفرّق من كلمات المجاهدين وعلمائهم، ليعدها ويوزعها بين الشباب، وكذلك شارك في مواقع التواصل مع أنصار الجهاد، حتى يسّر الله له الطريق فلم ينتظر أو يتوانَ، وانطلق مستعيناً بالله ووصل -بفضل الله- إلى الشام بسهولة ويسر.

وما إن أنهى المعسكر حتى بدأ بإكمال بعض مشاريعه الدعوية والإعلامية، وتوزيع ما جمعه من مواد علمية على الإخوة ليستفيدوا منها في أوقات فراغهم، فقد كان يتحسر دائماً على أي لحظة يضيعها من عمره دون أن يقدم شيئا للإسلام والمسلمين.

ومن تجربته الأولى مع حمير العلم ودعاة الضلالة عَلم كبير خطرهم على المسلمين، فكان لا يجلس مجلساً إلا حذّر منهم، ودعا إلى البراءة من أولئك الرموز الذين اتخذهم الناس طواغيت يتبعونها على ضلالة، خاصة وأن شرّهم وصل إلى ساحات الجهاد، فحشروا أنوفهم في كل صغيرة وكبيرة، لينفّذوا أوامر أسيادهم في تخريب الجهاد، والتحريض على الموحدين، ولم يطل الوقت حتى قامت صحوات الشام وغدرت بالمجاهدين بفتاويهم وتوصياتهم، فثبت -تقبله الله- وثبت إخوانه، وقد سمع في أول يوم من قيام الصحوات عن مجموعة من الشباب تردّدوا في قتال الصحوات، فقام إليهم مسرعاً وجمعهم وخطب فيهم خطبة بليغة انشرحت بها صدورهم، بفضل الله، ومضوا يقاتلون أولئك المرتدين بثبات ويقين.

ربِّ أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت عليّ

وبعد القضاء على الصحوات في أغلب المناطق وانحياز المجاهدين في ريف حلب الشمالي، كان أبو جهاد واحدا منهم، حيث انتقل إلى مدينة منبج وعمل في مركز الحسبة فيها، آمرا بالمعروف وناهيا عن المنكر.

فكان لا يترك منكراً إلا وأنكره مهما صغُر، وإن لم يجد منكراً أمر بالمعروف، فلا يجد رجلا من عامة المسلمين أو مجاهدا من إخوانه إلا أمره بمعروف يناسب حاله، فتميَّز بذلك، فلا تجده في مكان إلا وهو يتكلم مع هذا وينصح ذاك، وكان يصل ليله بنهاره مجتهدا في الاحتساب في هذا الميدان، وكان له ولإخوانه في منبج قصب السبق في إقامة الدورات الشرعية للموقوفين من أهل المعاصي والمنكرات.

وبقي على هذه الحال زماناً طويلاً لا يفتر ولا يكل أو يمل، وكل همه رفع راية لا إله إلا الله، وإن كان حاله يوم أن كان بين أظهر السرورية شعلة لا تنطفئ فهو في الجهاد بركان لا يخمد، وقد كان المجاهدون يتعجبون أشد العجب من صبره وجلده وبذله في كل مجال، خاصة فيما لم يكلَّف به إدارياً، فعمله الأساسي لا يحتمله إلا رجل جلد صبور؛ إذ يقابل عشرات وربما مئات الناس يومياً في مكتب الحسبة ويتعامل مع قضاياهم، ومع كل هذا لا تفارق الابتسامة وجهه، فأحبه عامة المسلمين وكان سبباً بعد توفيق الله لهداية كثير منهم، ولحوقهم بالمجاهدين.

من الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، نحسبه

ومع كل هذا البذل ومع أنه لم يترك هيعة أو صيحة للقتال إلا كان من أول المجيبين لها، فقد كان يتهم نفسه دوماً بالنفاق ويحزن على بقائه كل هذا المدة بعيدا عن الرباط والقتال، فكم ألح على أميره لينقله من عمله إلى الكتائب العسكرية فيبقى في الرباط دائماً، ولكن أميره كان يذكِّره بأهمية عمله، وقلة من يسد مكانه، حتى وصل القتال إلى مدينة منبج، فصدَّق الأقوال بالأفعال، والتزم الرباط على ثغور منبج.

وفي اليوم الثالث عشر من رمضان تسلل إلى موقع قريب من نقطته مجموعة من مقاتلي حزب الـ PKK المرتدين، فلم يتراجع من مكانه، بل بادر بالهجوم عليهم، وسمعه الإخوة على اللاسلكي وهو يقول: قتلت المرتد الأول! ثم يخبرهم أنه قد أجهز على الثاني، ثم الثالث، حتى قتل 5 من المرتدين، ثم أُصيب برصاصة في قدمه فلم يترك موقعه، حتى يسر الله له الشهادة فأصابته قذيفة RPG، وكانت نهايته كما أحب وتمنى، فقد كان يدعو أن لا يُقتل حتى يَقتل من الكفار ويثخن فيهم.

رحل -رحمه الله- وبقيت أعماله لتشهد له -بإذن الله- يوم القيامة، فمشاريعه في الحسبة والدعوة والتعليم والإعلام وغيرها قائمة وصدقة له- بإذن الله- جارية.

• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 59
الخميس 15 ربيع الأول 1438 ه‍ـ

• لقراءة القصة كاملة، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

قصة شهيد: أبو جهاد الكبيِّر حفظ كتاب الله وعمل بما فيه، نحسبه والله حسيبه.. (١/٢) يوفّق ...

قصة شهيد:
أبو جهاد الكبيِّر
حفظ كتاب الله
وعمل بما فيه، نحسبه والله حسيبه..

(١/٢)
يوفّق الله -سبحانه وتعالى- عبده لسبيل النجاة إن جدّ في السعي إليه، مهما كثر من حوله دعاة الضلالة أو قلَّ في محيطه المصلحون، فقد عرف الحقَّ زيدُ بن عمرو -رضي الله عنه- وتحنَّف لله في وَسَطٍ جاهلي، وطلب الحقَّ عمرو بن عبسة السلمي -رضي الله عنه- فجاء من الصحراء إلى مكة قاصداً رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فعرف الحق وصدّقه وآمن به، وكذلك الأمر مع كل من أراد اتباع ملة أبينا إبراهيم -عليه السلام- الذي قال يوما: {إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَىٰ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الصافات: 99].

أبو جهاد، عبد الرحمن الكبيِّر، تقبله الله، من مدينة بريدة في جزيرة العرب، تُوفي والده في صغره ، فعاش يتيماً في كنف والدته، ثم تعلق قلبه بالمساجد وتوجّهت همته إلى كتاب الله، عز وجل، فحفظ القرآن كاملاً في مقتبل عمره، وانشغل ذهنه بالبحث عن نصرة دينه.

ولهذين السببين وجد فيه رؤوس السرورية ضالتهم، فقرّبوه منهم، ورفعوا مكانته بين أقرانه، فكلفوه بالإشراف على إحدى حلقات التحفيظ التي يديرونها، كي يكبر على أعينهم، ويكون قرة عين لهم ولأولياء أمورهم المرتدين، الذين وظّفوهم أيما توظيف في تخدير الشباب، وتعبيدهم لطواغيت الجزيرة وأسيادهم الصليبيين، ولأن منهجهم سِلْمٌ للطواغيت حرب على المجاهدين، وثق بهم طواغيت آل سلول فقاموا بإلغاء ومنع حلق التحفيظ في عموم المساجد وحصروها في عدد محدّد منها، لتُدار غالباً من قِبل أفراد من هذه الفئة الضالة، يختارون من يعجبهم من الطلاب ليسلموه حلقة مستقلة، ويبقوه إلى جانبهم، ويهيئوه لمراكز متقدمة في مشروعهم العفن.

فبذل جهوداً كبيرة معهم، وحضر مجالسهم ونواديهم، ونافح ودافع عن رموزهم ومشايخهم، حتى منّ الله عليه وأنقذه منهم، إذ وقع -قَدَراً- على بعض المواقع التي تتابع أخبار المجاهدين على الإنترنت، فشدّه ذلك، وأكثر القراءة فيه، فبدأ يطلع على منهج أهل التوحيد، ويتنبه لحرب الحكومة السلولية لدين الله، وبدأ يناقش زملاءه ورفاقه في بعض المسائل، ولِحبِّه نشر الحق لم يسكت بعدما عرفه، فبدأ بمناقشة «مشايخه» ومعلميه في حلقات التحفيظ، محاولاً تبيين الحق لهم، محسناً الظن بهم، جاهلاً بحجم ضلالهم وخبثهم، واستمر على هذا فترة من الزمان، يحاول هدايتهم إلى الحق ويحاولون إعادته إلى طريق الضلال.

وأرادوا به كيداً فجعلناهم المكيدين

ولم يُنهِ سنته الأولى في الجامعة حتى اختطفته مباحث آل سلول، ليتفاجأ في السجن ببعض رسائله التي أرسلها إلى مشايخ السوء ينصحهم فيها بيد ضباط المباحث يستجوبونه في أمرها، فحققوا معه فترة من الزمن، فلما لم يجدوا لديه غير محاولته إيضاح بعض ما يُكذب به على المجاهدين، ولم يكن قد تعمَّق في طريق الجهاد كثيرا بعد، اكتفوا بأن يعاقبوه ببعض السنين سجنا، ليُرهبوه ويرهبوا به من حوله من الشباب الذين يفكرون بالخروج عن خط علماء السوء من «الشيوخ» الرسميين و«الشيوخ» المدجنين، فخدموه بذلك -قاتلهم الله- خدمة عظيمة.

فقد التقى في السجن ببعض الإخوة الموحدين الذين كفروا بالطواغيت من آل سلول، ودينهم، وعلمائهم، وتعلّم منهم ما كان صعبا عليه تعلّمَه خارج السجن، فعَلم كفرَ الطواغيت وعساكرهم، وتنبّه لحقيقة حمير العلم وبغاله، وأنهم أشد كفرا من عساكر الطواغيت ومباحِثهم، وأولى بالقتل منهم.


• المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 59
الخميس 15 ربيع الأول 1438 ه‍ـ

• لقراءة القصة كاملة، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
...المزيد

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً