هبي يا ريح الإيمان - النسمة السادسة - أنا الفقير إليك - (2)

منذ 2014-04-10

ناد ربك بأصدق لهجة: يا من لم يمله الدعاء، ولا يقلقه النداء، ولا يخيب فيه الرجاء، ولا تنفد خزائنه من العطاء .. يا أغنى الأغنياء عن عذابي أنا أفقر الفقراء إلى عفوك، تسول وتوسل.. أشهر إفلاسك أولا ليشملك بالمعونة ثانياً.. تشبه بإخوة يوسف ليصدق عليك..


2. الذنوب:
يارب.. بأي رجل أسعى إليك .. برجلي التي لطالما سعت إلى غضبك وفرت من رحمتك.
يارب.. بأي عين أنظر إليك .. بعيني التي التذت بالحرام وتطلعت إلى الشهوات.
يارب.. بأي لسان أناجيك .. بلساني الذي لطخته أقذار الغيبة وآثار النميمة.
يارب.. بأي قلب أرجوك.. بقلبي الذي ملاءت أرجاءه شواغل الدنيا ولم يعد فيه موضع شبر للآخرة..
أم بقلبي الذي عرفك ولم يحبك، وذاق طعم نعمتك ولم يعبدك حق عبادتك.

يارب .. إن لم ترحمني فهل عند غيرك رحمة ألتمسها؟! إن لم تغفر فهل هناك من يغفر الذنوب سواك؟!.

يا أخي .. اعرض بضاعتك على الله لعله يشتريها.. فقر ودمع .. حزن وقلق.. خوف وإشفاق.. وجل وبكاء.. وتسلم ثمن سلعتك جنة عرضها السماوات والأرض.

تفرد عبد أسلمته ذنوبه  *** إلى قسوة سدت وجوه نجاته
    ففر إلى المولى وأسلم نفسه *** وألقى إلى التقوى عنان حياته
    ينادى إذا ما الليل أسبل ستره *** وظل غريق الطرف فى عبراته
   وهاج لهيب الشوق بين ضلوعه *** فبات حريق الجسم من زفراته
   عسى الملك المولى يمن بعفوه *** على مذنب قد تاب قبل مماته

ناد ربك بأصدق لهجة: يا من لم يمله الدعاء، ولا يقلقه النداء، ولا يخيب فيه الرجاء، ولا تنفد خزائنه من العطاء .. يا أغنى الأغنياء عن عذابي أنا أفقر الفقراء إلى عفوك.
تسول وتوسل.. أشهر إفلاسك أولا ليشملك بالمعونة ثانياً.. تشبه بإخوة يوسف ليصدق عليك..

قد أوبقتني ذنوب لست أحصرها *** فاجعل تغمدها من بعض إحسانك
وارفق بنفسي يا ذا الجود  *** إن جهلت مقدار زلتها مقدار غفرانك

يا الله يا كريم ..

أشكو إلى الله كما قد شكى *** أولاد يعقوب إلى يوسف
قد مسني الضر وأنت الذي *** تعلم حالي وترى موقفي
بضاعتي المزجاة محتاجة *** إلى وفاء من كريم وفي
فأوف كيلي وتصدق علي *** حال الفقير البائس المضعف
لقد أتى المسكين مستمطراً *** جودك فارحم جودك واعطف

ونوع الفقر الذي نستجلبه من استشعار أثر الذنوب هو الذي دفع إلى التوبة الصادقة، والتوبة الصادقة مقرونة برفع الدرجات وتبديل السيئات حسنات، وهذا هو عين الغنى.
 

يا عين فلتبكي ولتذرفي الدمعا *** ذنبا أحاط القلب أصغى له سمعا
أين الدموع على الخدين كم سالت *** فالنفس للعصيان يا رب قد مالت
هل يا ترى أصحو من سكرة الشهوة *** أم يا ترى أبقى في هوة الشقوة

كيف القدوم على الجبار بالزلل *** أم كيف ألقاه من دونما عمل
قلبي لما قد أن بالشكوى دمعي *** جفا عيني من قلة التقوى
لكن من أرجو لا يغلق البابا *** التواب يا رحمن فالقلب قد تابا


مناجاة الفقراء: 

  • قال عمر بن ذر: اللهم إنا أطعناك فى أحب الأشياء إليك: الإيمان بك والإقرار بك، ولم نعصك في أبغض الأشياء إليك: الكفر والجحود بك، اللهم فاغفر لنا ما بينهما.
    يارب.. إنك قلت: {
    وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت} [النحل: 38]، ونحن نقسم بالله جهد أيماننا ليبعثن من يموت، أفتراك تجمع بين أهل القسمين فى دار واحدة؟!.
  • كان يحيى بن معاذ إذا سمع قول الله سبحانه وتعالى: {فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى} [طه: 44].
    يقول: إلهي .. إذا كان هذا هو قولك في حق من قال: أنا ربكم الأعلى، فكيف رفقك بمن يشرك بك شيئا، بل يعلم أنك الله لا إله وحدك لا شريك لك.
    وكان يقول: لو لم يكن العفو أحب الأشياء إليك لم تبتل بالذنب أكرم الخلق عليك.

   يا رب أنت رجائي *** وفيك حسنت ظني
يا رب فاغفر ذنوبي *** وعافني واعف عني
العفو منك إلهي *** والذنب قد جاء مني
والظن فيك جميل *** حقق بفضلك ظني

  • خرج الناس يستسقون بدمشق وفيهم بلال بن سعد فقال: يا معشر من حضر .. ألستم مقريين بالإساءة؟! قلنا : نعم. قال : اللهم إنك قلت: {ما على المحسنين من سبيل}، وقد أقررنا بالإساءة؛ فاعف عنا واسقنا. قال: فسقينا يومئذ.

ببابك عبد من عبادك مذنب *** كثير الخطايا جاء يسئل العفوا
فأنل عليه العفو يامن بمنه *** على قوم موسى أنزل المن والسلوى
أنا عبدك المسكين فارحم تضرعي *** ولا تجعل النيران يا رب لي مثوى
وخفف من العصيان ظهري إنني *** بلغت من الأوزار غايتها القصوى 


هل فيكم مثل آق؟!
آق شمس الدين هو شيخ محمد الفاتح والفاتح المعنوى للقسطنطينية ذلك أنه هو الذي غرس في قلب محمد الفاتح منذ الصغر أنه المعني بالحديث: «لتفتحن القسطنطينية ولنعم الامير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش» (ضعيف كما في ضعيف الجامع رقم 4655)، وأثناء الفتح أراد السلطان أن يكون شيخه بجواره فأرسل إليه يستدعيه فمنع حراس الخيمة رسول السلطان من الدخول، فغضب محمد الفاتح وذهب بنفسه إلى خيمة الشيخ فمنعه الحراس كذلك بناء على أمر الشيخ !! فأخذ الفاتح خنجره وشق جدار الخيمة ودخل، فإذا شيخه مستغرق فى سجدة طويلة وعمامته متحرجة من على رأسه وشعر رأسه الأبيض يتدلى على الأرض، ثم رأى السلطان شيخه يقوم من سجدته والدموع تنحدر على خديه، فقد كان يدعو الله بإنزال النصر ويسأله الفتح القريب وخرج السلطان من الخيمة ونظر إلى الأسوار المحاصرة، فإذا الجنود قد أحدثوا أول ثغرات بالسور بدأوا يتفقدون منه إلى القسطنطينية، ففرح السلطان وقال: ليس فرحي لفتح المدينة!! إنما فرحي لوجود مثل هذا الرجل في زماني.

وغير الفقراء تائهون: قال المنصور النمري يمدح هارون الرشيد:

إن أخلف الغيث لم تخلف أنامله *** أو ضاق أمر ذكرناه فيتسغ

فمر العتابى بالنمري وهو مغموم فقال العتابي: مالك.. أعزك الله؟! قال: امرأتي تلق منذ ثلاث ونحن على يأس منها، فقال له العتابي: إن دوائها منك أقرب إليها من وجهها، قل: هارون الرشيد؛ فإن الولد يخرج !! فقال: شكوت إليك ما بي فأخبرتني بهذا!! فقال: ما أخذت هذا إلا من قولك:

إن أخلف الغيث لم تخلف أنامله *** أو ضاق أمر ذكرناه فيتسغ


استغاثة

أسير الخطايا عند بابك واقف *** على وجل مما به أنت عارف
يخاف ذنوبا لم يغب عنك غيبها *** ويرجوك فيها فهو راج وخائف
ومن ذا الذي يرجو سواك ويتقي *** ومالك في فصل القضاء مخالف
فيا سيدى لا تخزني في صحيفتىي*** إذا نشرت يوم الحساب الصحائف

خالد أبو شادي

طبيبٌ صيدليّ ، و صاحبُ صوتٍ شجيٍّ نديّ. و هو صاحب كُتيّباتٍ دعويّةٍ مُتميّزة

  • 7
  • 2
  • 8,957
المقال السابق
النسمة السادسة - أنا الفقير إليك - (1)
المقال التالي
النسمة السادسة - أنا الفقير إليك - (3)

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً