لا تحزن - يا ذا الجلالِ والإكرامِ (3)

منذ 2014-05-12

وقدْ ذكر الذهبيُّ عن المحدِّثِ الكبيرِ ابنِ عبدِ الباقي أنه: استعرض الناس بعد خروجِهم من جامعِ (دارِ السلامِ) ببغداد، فما وَجَدَ أحداً منهمُ يتمنَّى أنه مكانه وفي مسلاخه.

في القرآن حقائقُ وسُننٌ لا تزولُ ولا تحولُ، أذكرُ ما يتعلقُ منها بسعادةِ العبدِ وراحةِ بالِهِ، منْ هذِهِ السُّننِ الثابتةِ: أنَّ منِ استنصر باللهِ نَصَرَهُ: {إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}. ومنْ سألهُ أجابهُ: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}. ومن استغفره غَفَرَ له: {فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ}. ومنْ تاب إليه قبل منه: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ}. ومنْ توكَّل عليهِ كفاهُ: {وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ}.

وأنَّ ثلاثةً يعجِّلُها اللهُ لأهلِها بنكالِها وجزائها: البغيُ: {إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُم}، والنكثُ: {فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ}، والمكرُ: {وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ}. وأنَّ الظالم لنْ يفلت من قبضةِ اللهِ: {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا}. وأنَّ ثمرة العملِ الصالحِ عاجلةٌ وآجلةٌ، لأنَّ الله غفورٌ شكورٌ: {فَآتَاهُمُ اللّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ}، وأن من أطاعه أحبَّه: {فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ}. فإذا عَرَفَ العبدُ ذلك سعد وسُرَّ، لأنه يتعاملُ مع ربٍّ يرزقُ ويَنْصُرُ: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ}، {وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ}، ويغفرُ: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ}، ويتوبُ: {إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ }، وينتقمُ لأوليائه منْ أعدائِهِ: {إِنَّا مُنتَقِمُونَ}، فسبحانه ما أكملهُ وأجلًّهُ: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً}؟!.

للشيخِ عبدِالرحمنِ بنِ سعديٍّ رحمهُ اللهُ رسالةٌ قيِّمةٌ اسمُها (الوسائلُ المفيدةُ في الحياةِ السعيدةِ)، ذكر فيها: إنَّ منْ أسبابِ السعادةِ أنْ ينظر العبدُ إلى نعمِ اللهِ عليه، فسوف يرى أنهُ يفوقُ بها أمماً من الناسِ لا تُحْصى، حينها يستشعرُ العبدُ فضل اللهِ عليه.

أقولُ: حتى في الأمورِ الدينيَّةِ مع تقصيرٍ العبدِ، يجُد انه أعلى منْ فئامٍ من الناسِ في المحافظةِ على الصلاةِ جماعةً، وقراءةِ القرآن والذكرِ ونحْو ذلك، وهذه نعمةٌ جليلةٌ لا تُقدَّرُ بثمنٍ: {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً}.

وقدْ ذكر الذهبيُّ عن المحدِّثِ الكبيرِ ابنِ عبدِ الباقي أنه: استعرض الناس بعد خروجِهم من جامعِ (دارِ السلامِ) ببغداد، فما وَجَدَ أحداً منهمُ يتمنَّى أنه مكانه وفي مسلاخه.

ولهذِهِ الكلمةِ جانبٌ إيجابيٌّ وسلبيٌّ: {وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً}. 

كلُّ هذا الخلْقِ غِرٌّ وأنا *** منهمُ فاتركْ تفاصيل الجُمَلْ

عائض بن عبد الله القرني

حاصل على شهادة الدكتوراة من جامعة الإمام الإسلامية

  • 1
  • 0
  • 4,080
المقال السابق
يا ذا الجلالِ والإكرامِ (2)
المقال التالي
وقفة (14)

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً