ذكريات في المشفى - (32) فلما كرَّر تقرَّر!
تقول صاحبتنا:
فلما حضر الجميع إلى زيارتي، أعلمتهم بخبيئتي..
وقصصتُ عليهم كلام الطبيب من البداية؛ ناظرة منهم التعليق في النهاية..
ووجهتُ إلى خاطبي السؤال: ما ترى في ذلك الحال؟
فأجاب أكرمه الله: بورك فيمن سبق وجاء..
ثم التزم بعدُ الصمت، مُعرِضًا عن المشاركة في مناقشة الأمر..
فلما كرَّر ما أخشاه؛ أضمرتُ مفارقته بلا تردُّدٍ ولا أناة.
فلما خلوتُ بأمي، أخبرتها عن عزمي، فسارعت -كعادتها- إلى لومي!
فبكيتُ وقد فقدتُ كل قدرة على الاحتمال: والله لأتركنَّه في الحال..
فطفِقتْ تُذكِّرني بما سيُقال، فصرختُ ولم أفسح لها المجال:
أمي لا يعنيني ما قيل أو يقال، ما عُدتُ أتحمَّل تِلكم الأثقال..!
وأسكتني شديد السعال، ونزف صاحبه بطبيعة الحال..
فما إن استطعتُ إلا وأتممت: بالله قولي لِمَ أحبسه، ما دُمتُ مضمِرة تركه!
نعم قد أكون بسبب المرض شديدة التحسُّس حتى من الهواء الذي أتنفس!
إلا أنني أشعر بشديد نفور، لا أستطيع معه التريث أو القبول! والله لم أرَ منه إلا الخير كله، ووالله لا أجحد صبره وفضله. ولكن لعل الخير في المفارقة، رزقه الله زوجة صحيحة موافقة.
فقالت بعد أن رقَّ قلبها عليَّ: أرجو ألا تندمي يومًا بُنيَّة!
فقلتُ وقد خَفَّ عن نفسي الألم: لله في شأنه حكم: قدَّر الله بهذا المرض الفراق، فسبحانه لم يجعل بيننا وِفاق.
رُدِّي عليه هداياه، وأعلميه أني عليه غير واجدة ولكريم ما قدَّم غير جاحدة، رزقه الله الخير حيث كان على مرّ الزمان والمكان..
فلما أعلموه بذلك، لم يُوافق أكرمه الله أبدًا أن يُفارِق!
وقال: أعلموها أن القرار في هذا الوقت ليس بالصواب!
إلا أنني أغلقتُ إلى المراجعة كل نافذة وباب!
وفقط حينها ملأ نفسي شعور بالطمأنينة والسلام..
ووالله ما انتابني يومًا على ذلك ندمٌ أو مُلام..
فلم يكن بيننا رزق، كذا قدَّر الإله الحق..
و..
يتبع...
- التصنيف: