لا تحزن - ومن يؤمنْ بالله يهدِ قلبَه (1)

منذ 2014-06-05

ومنْ ثم درجتْ بنا السيارة وهي تجري على ثلاثة إطارات ليس إلا، لكنها ما لبثت أن كفَّتْ عن السير، وعلمت أن البنزين قد نفَدَ، وهناك أيضاً لم تثرْ ثائرة أحدٍ منْ رفاقي الأعرابِ، ولا فارقهُم هدوؤهم، بل مضوْا يذرعون الطريق سيراً على الأقدامِ، وهم يترنَّمون بالغناءِ !

أسوقُ هنا قصةً لتظهر سعادة من رضي بالقضاءِ، وحيرة وتكدُّر وشكَّ منْ سخِط مِن القضاءِ: 
فهذا كاتبٌ أمريكيٌ لامعٌ، اسمُه "بودلي" مؤلّفُ كتابِ "رياح على الصحراءِ"، و "الرسول صلى الله عليه وسلم" وأربعة عشرَ كتاباً أخرى، وقد استوطن عام 1918 م إفريقية الشمالية الغربية، حيث عاش مع قومٍ من الرُّحَّل البدوِ المسلمين، يصلُّون ويصومون ويذكرون الله.

يقولُ عن بعضِ مشاهدِه وهو معهم: هبَّتْ ذات يومٍ عاصفةٌ عاتية، حملت رمال الصحراءِ وعبرتْ بها البحر الأبيض المتوسط، ورمتْ بها وادي الرون في فرنسا، وكانت العاصفة حارةً شديدةً الحرارةِ، حتى أحسستُ كأنَّ شعْر رأسي يتزعزعُ من منابتِهِ لفرطِ وطأةِ الحرِّ، فأحسستُ من فرطِ الغيظِ كأنني مدفوعٌ إلى الجنون، ولكنَّ العرب لم يشكوا إطلاقاً، فقد هزُّوا أكتافهم وقالوا: قضاءٌ مكتوبٌ. واندفعوا إلى العمل بنشاطٍ، وقال رئيسُ القبيلةِ الشيخُ: لم نفقدِ الشيء الكثير، فقد كنا خليقين بأن نفقد كلَّ شيءٍ، ولكن الحمدُ للهِ وشكراً، فإن لدنيا نحو أربعين في المائة مِن ماشيِتنا، وفي استطاعِتنا أن نبدأ بها عملنا من جديد.


وثمَّة حادثةٌ أخرى .. فقدْ كنا نقطعُ الصحراء بالسيارةِ يوماً فانفجر أحدُ الإطارات، وكان الشائقُ قد نسي استحضار إطار احتياطيٍّ، وتولاني الغضبُ، وانتابني القلقُ والهمُّ، وسألتُ صحبي من الأعرابِ: ماذا عسى أن نفعل؟ فذكَّروني بأن الاندفاع إلى الغضبِ لن يُجدي فتيلاً، بل هو خليقٌ أن يدفع الإنسان إلى الطيشِ والحُمْقِ، ومنْ ثم درجتْ بنا السيارة وهي تجري على ثلاثة إطارات ليس إلا، لكنها ما لبثت أن كفَّتْ عن السير، وعلمت أن البنزين قد نفَدَ، وهناك أيضاً لم تثرْ ثائرة أحدٍ منْ رفاقي الأعرابِ، ولا فارقهُم هدوؤهم، بل مضوْا يذرعون الطريق سيراً على الأقدامِ، وهم يترنَّمون بالغناءِ !

عائض بن عبد الله القرني

حاصل على شهادة الدكتوراة من جامعة الإمام الإسلامية

  • 0
  • 0
  • 1,603
المقال السابق
كُلاً نُمِدُّ هؤلاءِ وهؤلاء
المقال التالي
ومن يؤمنْ بالله يهدِ قلبَه (2)

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً