بين الأعلام و مرجئة السلطان - كلمةُ حقّ من شكيب أرسلان
كلمةُ حقّ من شكيب أرسلان، في أحد مقالاته بمجلة المنار ،
منذ قرابة سبعين عامًا .. يُوصِّف حالَنا، وحالَ علماء السلطان !
( لقد أصبح الفسادُ إلى حدِّ أن أكبر أعداء المسلمين؛ هم المسلمون، وأن المسلم إذا أراد أن يَخدم مِلَّته أو وطنه؛ قد يَخشى أن يبوح بالسِّر من ذلك لأخيه ... أوَ لِمثل هؤلاء؛ يَعِد اللهُ العزَّ والنصرَ والتمكينَ في الأرض ... ؟!! كلما عاتبَهم الإنسانُ على خيانة؛ اعتذروا بعدم إمكان المقاومة ... أو بارتكاب أخفِّ الضررين، وجميع أعذارهم لا تتكئ على شيءٍ من الحقّ !
ولقد كانوا قادرين أن يَخدموا مِلتهم بسيُوفهم، فإن لم يستطيعوا؛ فبأقلامهم، فإن لم يستطيعوا؛ فبألسنتهم، فإن لم يستطيعوا؛ فبقلوبهم، فأبَوا إلا أن يكونوا بطانة ... وأبَوا إلا أن يكونوا مَطايا ...!
وتراهم مع ذلك وافرين، ناعمي البال، متمتّعين بالهناء، وصفاء العيش، وهم يأكلون مِما باعوا من تراث المسلمين، ومما فجَّروا من دماء المسلمين، وينامون مستريحين !
اكتفوا من الإسلام بالركوع والسجود، والأوراد والأذكار، وإطالة السُّبحة
والتلوّم في السَّجدة، وظنوا أن هذا هو الإسلام .. ولو كان هذا كافيًا في إسلام المرء، وفوزه في الدنيا والأخرى؛ لما كان القرآن ملآنًا بالتحريض على الجهاد، والإيثار على النفس، والصدق والصبر، ونجدة المؤمن لأخيه، والعدل والإحسان ... !
ومن أكبر عوامل تَقهقُر المسلمين؛ فسادُ أخلاق أمرائهم بنوعٍ خاص،
وظنّ هؤلاء - إلا مَن رحم ربك -؛ أن الأمَّة خُلقت لهم، وأن لهم أن يفعلوا بها ما يشاؤون، وقد رسَخ فيهم هذا الفكر، حتى إذا حاول مُحاوِل أن يُقيمهم على الجادَّة؛ بَطشوا به عبرةً لغيره !
وجاء العلماء المُتزلّفون، لأولئك الأمراء المُتقلّبون في نعمائهم، الضاربون بالملاعق في حلوائهم، وأفتوا لهم؛ بجواز قتل ذلك الناصح؛ بحُجة أنه شقَّ عصا الطاعة، وخرج عن الجماعة !
ولقد عهِد الإسلامُ إلى العلماء؛ بتقويم أَوَد الأمراء، وكانوا في الدُّول الإسلامية الفاضلة، بمثابة المجالس النيابية في هذا العصر، يُسيطرون على الأمّة، ويُسددون خطوات المَلك، ويَرفعون أصواتهم عند طغيان الدولة، ويهيبون بالخليفة فمن بعده إلى الصواب !
وهكذا كانت تستقيم الأمور !
لأن أكثر أولئك العلماء كانوا مُتحققين بالزهد، مُتحلِّين بالوَرع، مُتخلِّين عن حظوظ الدنيا، لا يَهمُّهم أغضِب الملكُ الظالم الجبار أو رضِي .. فكان الخلائفُ والملوك؛ يَرهبونهم، ويَخشون مُخالفتَهم؛ لِما يَعلمون من انقياد العامَّة لهم، واعتقاد الأمَّة بهم !
إلا أنه بمرور الأيام؛ خَلف من بعد هؤلاء خَلْفٌ، اتخذوا العلمَ مهنةً للتعيُّش، وجعلوا الدينَ مصيدةً للدنيا .. فسوَّغوا للفاسقين من الأمراء؛ أشنعَ مُوبقاتِهم، وأباحوا لهم باسْم الدين خرقَ حدود الدين .. هذا والعامَّة المساكين؛ مَخدوعون بعظمة عمائم هؤلاء العلماء، وعُلوِّ مناصبهم، يظنون فُتياهم صحيحةً، وآراءهم موافقةً للتشريع .. والفساد بذلك يَعظُم، ومصالحُ الأمة تَذهب، والإسلام يَتقهقر، والعدوُّ يَعلو ويتنمَّر، وكل هذا إثمُه في رقاب هؤلاء العلماء ).
قلتُ :
وكأنه يَرى حالَنا، وما صِرنا إليه - عفا الله عنه - !
وقائع متكررة، وأحداثٌ مُشابهة، مع اختلاف الأشخاص والمُسَمَّيَات !
لكنَّ العدوّ هو هو، والأدوار هي هي، والمَكرَ نفسُه، والانبطاحَ ذاتُه !
ولازلنا نُكرِّر نفسَ الأخطاء، ويَنطلِي علينا نفسُ الدَّهاء !
فمَتى نُفيق من سَكرتِنا، ونُبصِر عدوَّنا ومُخادعَنا ؟!
- التصنيف: